جائحة كورونا تؤدي إلى ارتفاع الطلب على الطاقة المتجددة في مقابل الفحم الأحفوري

5 دقائق
مصدر الصورة: كارستن وورث عبر أنسبلاش

خلال جلسات العلاج الكيميائي الذي كانت تخضع له والدتي، التقينا بامرأة تعاني من سرطان في أنفها، وهو نوع نادر من الأورام السرطانية. دفعني فضولي إلى أن أسأل طبيبها عن أسباب الإصابة بسرطان الأنف، فأجابني أن الدراسات قليلة جداً عن هذا النوع من الأورام ولكنه ذكر أن المرأة تسكن في منطقة محاذية لمصنع كبير. 

يومياً أتجول عبر دراجتي الهوائية، وقد اتخذت هذه الوسيلة حباً بالبيئة. قبل أسبوع واجهت حادث سير برز في تفاصيله صراع وسائل النقل، وما تمثله المحركات الهيدروليكية من تفوق على الوسائل الصديقة للبيئة وتلك التي تعمل عبر بطاريات الشحن. 

بدأ الحادث عندما لاحظت انزعاج سائق السيارة من حضوري أمامه، لقد زاد السائق من سرعته وأخذ يصدر أصوات انفجارات صغيرة سببها فتح الأسطوانات وإغلاقها بسرعة. وضمن لعبة السرعة والمحركات والوقود التي تحكم فيها السائق بشكل متقن، كان يبتعد ويقترب مني بأسلوب جعل تغير المسافات خطيراً للغاية. وعندما وصلنا إلى منزلق قوي شعرت أن الأمور قد تنتهي بشكل سيئ جداً، فاخترت أن أنهي اللعبة عبر كبح الفرامل الأمامية والخلفية معاً لأبدأ ودراجتي بالانزلاق بأسلوب أصابني بنوبة ضحك جنونية. 

إن الصراع بين الدراجات الهوائية ووسائل النقل المشغلة عبر الطاقة الأحفورية يمثل صراع الطبيعة مع عصر الصناعة المتوحش. داخل الطرقات تحضر ملحمة السرعة والمحركات، ويبرز مستوى تهميش وسائل النقل الصديقة للبيئة؛ ذلك أن سائقيها يخضعون إلى قوانين سائقي وسائل النقل الأحفورية، الذين بدورهم يتمتعون بامتياز حصولهم على محركات قوية ووقود يحترق ليتحول إلى سرعة فائقة، مع إمكانية إصدار أصوات مزعجة مترافقة، مع سحاب من الدخان الناجم عن المحروقات.

إن الإحساس بالقوة هو جزء من المشاعر الجماعية التي رسختها الثورة الصناعية، والتي بزغ فجرها نهاية القرن الثامن عشر، فمن ركائز هذه الثورة: التنافس على امتلاك القوة، واحتكار مصادر الطاقة، وعدم مراعاة النظام البيئي من خلال إنتاج آلات يزداد فتكها عبر ابتلاع كميات هائلة من الوقود.

الوقود الأحفوري ومنزلق كورونا 

إن مفهوم الانزلاق وما يرمز إليه من عملية تحرك من الأعلى إلى الأسفل لهو سمة تمتاز بها الحقبة التي أسستها جائحة كورونا. فبعد تفشي الوباء، انزلق كل شيء من مكانه، حيث تراجعت القدرة الشرائية عند ملايين الأفراد حول العالم، ما أدى إلى انحراف الأسلوب الاستهلاكي عن مركزيته المعتادة. وتراجع سعر النفط إلى أدنى مستوياته، وفي المقابل، ازداد إقبال الشركات الناشئة والأفراد على الطاقة المتجددة نتيجة ارتباط فيروس كورونا بعوامل بيئية وعدم توافر المحروقات. وفي منتصف الجائحة، لاحظت المراكز العلمية حدوث تعافٍ في الغلاف الجوي نتيجة توقف المصانع التي تعمل على الوقود الأحفوري عن العمل.

ما فعلته الثورة الصناعية يكاد يجهز على موارد الكرة الأرضية الطبيعية؛ إذ تبلغ كلفة إصلاح الدمار البيئي الحادث على كوكب الأرض حوالي 16 تريليون دولار. ويوفر موقع ذا وورد كاونتز (the world counts) لمحة دقيقة عبر رسومات تفاعلية عمّا تتكبده الأرض من دمارٍ سبّبه جشع نموذج استهلاك الموارد الطبيعية، فحوالي 1.6 مليار طن من الكربون انبعثَ في عام 2020 إلى الغلاف الجوي، ومنذ يناير إلى مايو الحالي أدى الاحتباس الحراري إلى تآكل 284 مليار لتر مكعب من الجليد.

بداية أفول عصر الوقود الأحفوري

في البيان الرسمي للحكومة الهندية الذي صدر على ضوء أزمة الطاقة التي واجهتها البلاد بعد جائحة كورونا، وعدت الحكومة بزيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة على حساب الطاقة التي تولدها من الفحم.

لقد صعد نجم الوقود الأحفوري مع العصر الصناعي الذي تميّز بقوة الإنتاج وصلابة إنتاجية الآلات؛ فمع انطلاق هذه الحقبة الصناعية، وجدت محركات السيارات والطائرات والمصانع سبيلاً إلى تحسين قدراتها وسرعتها ومنافستها من خلال الطاقة الأحفورية.

وقد دفع الوقود الأحفوري الحركةَ الاقتصادية إلى الأمام على مر التاريخ، ولكن حالياً يمثل النفط الخام أكبر مصدر للطاقة الأحفورية بنسبة 39% من إنتاج الطاقة، ويليه الفحم والغاز الطبيعي بنسبة تتراوح بين 33% إلى 28%، ويشهد القطاع الممتدة جذوره إلى القرنين السابقين منافسةً شديدة من قطاع الطاقة البديلة.

لقد خلف الوقود الأحفوري احتباساً حرارياً أرهق البشرية؛ حيث يموت سنوياً 4.2 مليون شخص نتيجة تلوث الهواء. إن جائحة كورونا كما لو أنها حدثت لتصنع تحولاً مفصلياً في الطريقة المفرطة التي يُستخدم بها الوقود، وقد شرعت الأبواب إلى الوسائل الصديقة للبيئة والطاقة المتجددة كي تتقدم خطوات إلى الأمام.

استطاعت الجائحة فعل ما عجز اتفاق باريس 2015 عن فعله، وذلك على ضوء صعوبة تحطيم الدعم السياسي الذي تتمتع به المواد الأحفورية، وتملُّص عدد من الدول الكبرى وعدم التزامها بالوعود المبرمة في اتفاق باريس.

في شهر يناير الماضي، احتفل ناشطو البيئة بالصور التي بثتها وكالة ناسا الأميركية، التي أظهرت انخفاضاً كبيراً في كمية التلوث في المناطق الأكثر سخونة عالمياً. من جهة أخرى، كشف تحليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أن الجائحة خفضتْ الانبعاثات السامة بنسبة 8%، أي 2,600 مليون طن، وهو أكبر انخفاض شهده التحليل الكربوني العالمي.

انخفاض الطلب على الفحم الحجري

يتوقع تحقيقٍ كتبه الخبير في الطاقة المتجددة، جونسن وات، أن صناعة الفحم الحجري لن تتعافى أبداً بعد انتهاء أزمة كورونا، فقد تسببت الجائحة في إغلاق آلاف المصانع التي تعمل على الوقود الأحفوري، وتقلّصت بشكل كبير نسبة الطلب على الفحم الحجري لكونه الأكثر تكلفة من بقية المواد الأحفورية.

ومنذ انطلاقة الجائحة، انخفض استخدام الفحم الحجري إلى الثلثين في دول الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن يشهد مزيداً من الانحدار في الأشهر القادمة، وتوقعت وكالة الطاقة الأميركية أن تنتج أميركا الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية ومرافق الطاقة الكهرومائية أكثر من الفحم.

يشير تقرير صدر عن "معهد اقتصاد الطاقة والتحليل المالي" أن أرقام شهر فبراير كشفت عن تدني استخدام الطاقة الأحفورية إلى 10% في أميركا، بمعدل 53 مليون ميجا واط من الكهرباء في الساعة، وذلك أقل بضعفين من أرقام عام 2013، بينما تمكنت الرياح من إنتاج 105 جيجا واط، كذلك أنتجت الطاقة الشمسية 71.3 جيجا واط من الطاقة، وتوقع التقرير أن ينتهي الطلب كلياً على الفحم نهاية عام 2021.

الطاقة المتجددة: ما بعد كورونا

من المرجح أن ينمو حجم سوق الطاقة المتجددة العالمي من 184 مليار دولار إلى 226 مليار دولار بحلول عام 2021. تبدو الأرقام مثمرة لناحية تطور الطلب على وسائل الطاقة المتجددة؛ فشركات مثل فيسبوك ومايكروسوفت وجوجل قد برزوا مؤخراً ضمن قائمة تحالف مشتري الطاقة المتجددة الذي يسعى إلى توليدها بنسبة 9.9 جيجا واط.

ويتحدث تقرير عالم الطاقة المتجددة (Renewable Energy World) عن ارتفاع مشاريع الطاقة المتجددة في المساكن العامة، وقد ساعد انخفاض أسعارها وزيادة كفاءتها في انتشارها بين المستهلكين، لقد أسهمت الجائحة بتدهور أسعار النفط وبروز حرب صامتة بين المنتجين، وهو ما يراه التقرير فرصة للشركات الناشئة التي تنتج الطاقة المتجددة للاستحواذ على السوق بأسعارها المدروسة.

وعلى الرغم من توقف معظم مشاريع الطاقة المتجددة بسبب انقطاع سلاسل التوريد، إلا أن المستثمرين والمصارف في الوقت الراهن ما زالوا يرون في الطاقة المتجددة استثماراً من صنف "AAA"، ومن جهة أخرى يشير تقرير إلى أن الشركات الناشئة ستعتمد في المستقبل بنسبة 100% على الطاقة المتجددة.

وليس مستبعداً أن يواجه سوق الطاقة المتجددة ضغوطاً سياسية بسبب الصراع الأميركي – الصيني الذي اشتد بعد الجائحة؛ ذلك أن أغلب مواد الألومنيوم والزجاج الكهروضوئي الشمسي تستوردها أوروبا والولايات المتحدة من الصين، وقد تتأثر بحزمة الضرائب التي قد تفرضها الدول بين بعضها البعض.

إنترنت الأشياء والطاقة المتجددة

من المتوقع أن يصل الإنفاق على إنترنت الأشياء إلى تريليون دولار بحلول عام 2023. وتعد إنترنت الأشياء من أكثر الابتكارات التكنولوجية التي زادت الاستثمار في الطاقة المتجددة، ومن المرجح أن نسبة 43% من مصادر الطاقة التي ستعتمد عليها شبكات إنترنت الأشياء ستكون من الطاقة المتجددة بحلول عام 2022. 

في الكثير من الأحيان، تستخدم مصادر الطاقة المتجددة كمحطات لا مركزية توفر تدفق الكهرباء بشكل مستمر إلى شبكات إنترنت الأشياء التي تحتاج إلى كمية كبيرة من الطاقة. لذلك تتيح إنترنت الأشياء التحكم بشكل أفضل في مصادر الطاقة، والمساعدة على زيادة الأتمتة، والتحكم بشكل أفضل في مزارع الرياح والألواح الشمسية من أجل إنتاج الطاقة بكفاءة أكبر عبر مراقبة حركة الشمس أو الرياح. ومن جهة أخرى، تسمح شبكة إنترنت الأشياء بتوزيع الطاقة واستهلاكها بين الأدوات بشكل دقيق، ما يقلل كلفة فواتير الكهرباء.

أوروبا قارة خالية من الكربون 

تسعى أوروبا لأن تكون أول قارة محايدة في عام 2050، وتطمح الدول الأوروبية إلى استبدال جميع مصادر الطاقة الأحفورية بالطاقة المتجددة، عبر خطة مدروسة وضعتها عبر الاتفاق الأوروبي الأخضر.

نجحت السويد في إنتاج 60% من الطاقة الكهربائية التي تحتاجها عبر المصادر الطبيعية، لتأتي بعدها فنلندا بنسبة 50%، وفي الشهر الماضي قامت الحكومة السويدية بإغلاق آخر معمل ينتج الطاقة عبر الفحر الأحفوري، وتأمل ألمانيا بأن تصل إلى مستوى 20% من الاعتماد على الرياح والألواح الشمسية مع نهاية هذا العام.

الطاقة المتجددة وفرص العمل

يعمل حالياً ما يقارب 11 مليون شخص في قطاع الطاقة المتجددة. عام 2050 سيصل عدد الموظفين في هذا القطاع المزدهر إلى 63 مليون شخص، بينما سيفقد 6 مليون شخص وظائفهم في قطاع الوقود الأحفوري في المستقبل القريب.

المحتوى محمي