تعد الحوسبة السحابية عنصراً أساسياً في استراتيجيات التحول الرقمي للمؤسسات، إذ من المتوقع أن يصل الإنفاق العالمي على خدمات السحابة إلى أكثر من 723 مليار دولار في العام الحالي، ارتفاعاً من 595 مليار دولار عام 2024، وفقاً لشركة الأبحاث غارتنر.
ويرجع هذا النمو الكبير إلى دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في عمليات تكنولوجيا المعلومات والأعمال، ما يعزز دور السحابة محركاً لمبادرات التحول الشاملة وإعادة تصور نماذج الأعمال بشكل جذري، وتحديث التطبيقات وتطوير خدمات جديدة لتحقيق نتائج أعمال ملموسة.
ووسط هذا المشهد تظهر شركات التكنولوجيا العملاقة: أمازون ومايكروسوفت وجوجل في مقدمة الشركات التي تقود سوق الحوسبة السحابية، حيث تصل حصتها مجتمعة إلى نحو 62% من سوق خدمات البنية التحتية السحابية العالمي للمؤسسات. ويعزى ذلك بحسب شركة بي دبليو سي إلى تسارع تبني الشركات والمؤسسات حلول الخدمات السحابية التي تقدمها هذه الشركات.
مقارنة بين منصات مايكروسوفت وأمازون وجوجل للحوسبة السحابية
أصبحت استراتيجيات السحابة المتعددة هي السائدة الآن: فقد وجد تقرير حديث أن نحو 89% من المؤسسات تستخدم مزودي خدمات سحابية متعددين، وأن نحو 80% من الشركات تعتمد على أكثر من سحابة واحدة. يظهر هذا التبني الواسع مدى أهمية المنصات السحابية في تحقيق المرونة وتحسين التكلفة والابتكار، مثل تمكين تحليل البيانات السريع أو تجارب الذكاء الاصطناعي التي قد لا تكون عملية على الأنظمة التقليدية المحلية.
ولكن في الوقت نفسه، يحذر الخبراء من أن التحول إلى السحابة لتشغيل الأعمال يتطلب تخطيطاً محكماً. إذ تواجه العديد من المؤسسات صعوبات في إدارة التكاليف التي تمثل التحدي الأكبر، مع تزايد المخاوف المتعلقة بالأمن والاستدامة، لذا يعد اختيار مزود السحابة المناسب أمراً بالغ الأهمية.
اقرأ أيضاً: 8 أسباب تجعل كل شركة بحاجة إلى الحوسبة السحابية
1. شركة أمازون: منصة أمازون ويب سيرفيسز
تعد منصة أمازون ويب سيرفيسز أول وأكبر مزود خدمات سحابية عامة، أطلق عام 2006 ولا تزال الرائدة في سوق البنية التحتية السحابية، حيث تقدم مجموعة واسعة من الخدمات تصل إلى أكثر من 200 خدمة. وتشتهر بموثوقيتها ونضجها وشبكة شركائها الواسعة وبرامجها الخاصة بالمؤسسات، ولديها الآلاف من العملاء من مختلف الأحجام.
نقاط القوة:
- الموثوقية والأداء: تعتبر رائدة في موثوقية السحابة وأمانها، حيث يدعم تصميمها واتفاقيات مستوى الخدمة الصارمة أحمال العمل الحرجة للمؤسسات.
- النظام البيئي والدعم: تدعم آلاف موردي البرامج المستقلين والأدوات وتمتلك شبكة شركاء ضخمة.
- الابتكار: تضيف المنصة خدمات جديدة باستمرار خاصة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل أدوات التحليلات المتقدمة والبيانات الضخمة.
القيود:
- قد تكون أسعار الخدمة معقدة للغاية، فدون عمليات مالية دقيقة قد ترتفع التكاليف. كما أن التنوع الكبير في الخدمات قد يربك الشركات الجديدة.
- تعد المنصة أبطأ قليلاً في استخدام الأدوات الهجينة مقارنة بمنافسيها، إذ إن نظامها البيئي الهجين أقل نضجاً في بعض النواحي.
- يمكن أن يعقد العدد الهائل من الخدمات والخيارات البنية التحتية والحوكمة للشركات الجديدة في مجال السحابة.
الأفضل لــ: المؤسسات الكبرى التي تتطلب أوسع نطاق من الإمكانات ونطاقاً عالمياً، وتعد مثالية للفرق التي تنشئ تطبيقات سحابية أصلية أو تنقل أحمال عمل إنتاجية ضخمة تحتاج إلى خدمات البنية التحتية كخدمة ومنصة قوية، كما أنها خيار جذاب لا سيما للمؤسسات التي لديها استثمارات ومهارات قائمة في إدارة العمليات السحابية.
اقرأ أيضاً: كيف سيعزز التعاون بين مايكروسوفت وشركة جي 42 حلول الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية؟
2. شركة مايكروسوفت: منصة مايكروسوفت آزور
تعد منصة مايكروسوفت آزور ثاني أكبر منصة سحابية، وظهرت عام 2010 وحققت نمواً سريعاً بفضل تلبيتها احتياجات المؤسسات المختلفة، وتقدم مجموعة شاملة من الخدمات تضم أكثر من 200 خدمة، بما في ذلك أفضل خدمات الذكاء الاصطناعي والتحليلات وإنترنت الأشياء. تكمن نقطة قوتها الأساسية في تكاملها مع برامج مايكروسوفت المتنوعة وتطبيقاتها، ما يجعل تبنيها أمراً سهلاً للمؤسسات التقليدية، إذ تستخدمها أكثر من 95% من شركات فورتشن 500 اليوم.
نقاط القوة:
- التكامل الهجين: صممت المنصة مع مراعاة السيناريوهات الهجينة، إذ تتيح للمؤسسات توسيع نطاق إدارة عملياتها لتشمل البيئات المحلية والحافة، ما يوحد الحوكمة عبر السحابات.
- نظام برمجيات المؤسسات: تتكامل بشكل وثيق مع خدمة مايكروسوفت 365 وداينمكس 365 وأدوات المطورين، ما يجعلها خياراً مثالياً للمؤسسات التي تعمل بالفعل في بيئة مايكروسوفت.
- الامتثال والأمان: تعد المنصة رائدة في شهادات الامتثال، إذ توفر نحو أكثر من 100 عرض امتثال وأدوات الأمان المصممة للمؤسسات.
القيود:
- على الرغم من شمولية خدماتها، فإنها قد تكون مربكة، إذ قد تتأخر بعض الميزات الأساسية عن منافسيها في الكفاءة.
- يلاحظ بعض المستخدمين أن تجربة النشر والتكامل الشاملة قد تكون غير متسقة نسبة إلى شبكة شركائها الكبيرة.
- كغيرها من منصات السحابة، قد تتراكم تكلفة استخدام خدمات المنصة بسرعة، إذا لم يدر بعناية. كما أن هيكل تسعير الخدمات قد يكون معقداً عند الجمع بين النسخ المخصصة والدفع حسب الاستخدام واتفاقيات المؤسسات.
الافضل لــــ: تعد خياراً استراتيجياً مناسباً للمؤسسات التي لديها استثمارات كبيرة في حزمة خدمات مايكروسوفت وتطبيقاتها، كما تعد الخيار الأمثل للشركات التي تعطي الأولوية لحل موحد لإدارة الهوية والوصول عبر كامل نطاقها الرقمي.
اقرأ أيضاً: ما هي تكنولوجيا الحوسبة الطرفية؟ وهل ستؤثر على طريقة معالجة البيانات وتحليلها في المستقبل؟
3. شركة جوجل: منصة جوجل السحابية
تعد منصة جوجل السحابية أحدث المنصات العملاقة الثلاث، أطلقت عام 2011 وتستحوذ حالياً على حصة أصغر من سوق الحوسبة السحابية للمؤسسات. ومع ذلك، فهي تشهد نمواً سريعاً وتقدم مجموعة كاملة من خدمات الحوسبة السحابية تصل إلى أكثر من 150 خدمة.
نقاط القوة:
- ريادة الذكاء الاصطناعي والبيانات:
تعد المنصة رائدة في قدرات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، إذ توفر سير عمل موحداً للتعلم الآلي باستخدام نماذج اللغة الكبيرة المتقدمة الخاصة بالشركة.
- الشبكة العالمية: تستفيد من شبكة الألياف الضوئية الخاصة بشركة جوجل والمعروفة عالمياً بأنها واحدة من أسرع الشبكات وأكثرها موثوقية، ما ينتج زمن وصول منخفضاً للغاية بين المناطق.
- هيكل تسعير مبسط: تتميز بنماذج تسعير تنافسية للغاية، بما في ذلك خصومات الاستخدام المستدام التلقائية، ما يبسط إمكانية التنبؤ بالتكلفة.
القيود:
- لا يزال لدى المنصة عدد أقل من عملاء المؤسسات الكبيرة مقارنة بمنافسيها، كما تبدو أقل خبرة في تلبية احتياجات المؤسسات التقليدية.
- تميل المنصة بشدة نحو أحمال العمل السحابية الأصلية والحديثة، ما يوفر أحياناً دعماً أقل شمولاً لأنظمة المؤسسات التقليدية القديمة.
الأفضل لــ: المؤسسات التي تحدد استراتيجيتها الأساسية بمعالجة البيانات الضخمة واعتماد تقنيات التعلم الآلي المتطورة وتحديث التطبيقات، كما تعد مثالية للمؤسسات التي تسعى لتحقيق تفوق تكنولوجي حقيقي من خلال الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الشبكية الفائقة.
اقرأ أيضاً: منصات مجانية لتعلم استخدام التكنولوجيا وتعزيز مهاراتك الرقمية
نقطتا التفوق اللتان تسعى لهما المنصات جميعها: الوصول العالمي والأداء
يعد مكان تشغيل المنصة السحابية عاملاً حاسماً للمؤسسات، لذلك تحرص المنصات الثلاث على تطوير بنية تحتية عالمية واسعة ونشرها لخدمة العملاء بزمن وصول منخفض وتوفر عالٍ، حيث تضم منصة أمازون ويب سيرفيسز 38 منطقة جغرافية تتفرع منها 120 منطقة أخرى، ما يجعلها تتمتع بوجود عالمي أوسع من أي مزود خدمة سحابية آخر.
كما تشغل مئات المواقع الطرفية من أجل توصيل المحتوى والتخزين المؤقت المحلي، مع الإعلان عن مناطق جديدة بانتظام مثل: المملكة العربية السعودية. وبالنسبة للمؤسسات، تتيح مناطق المنصة المتعددة المواقع إمكانية استضافة أحمال العمل بالقرب من المستخدمين النهائيين أو مصادر البيانات في أي مكان تقريباً.
بينما تغطي منصة مايكروسوفت أزور حالياً أكثر من 70 منطقة وأكثر من 400 مركز بيانات حول العالم، ما يعكس حضوراً وتوسعاً عالمياً أكثر من منافسيها يجعلها إحدى أكثر الشركات التكنولوجية طلباً في العالم، إذ تشمل شبكة المنصة أيضاً بنية تحتية سحابية مخصصة للحكومات والسحابات السيادية.
أما بالنسبة لمنصة جوجل السحابية، فإنها تعمل على توسيع نطاقها وتغطي الآن 42 منطقة في القارات الرئيسية جميعها، مع الإعلان عن الدخول إلى دول جديدة من ضمنها السعودية. وعلى الرغم من أن شبكتها أصغر من منافسيها، فإنها محسنة للغاية، إذ تعد إحدى أسرع الشبكات العالمية، كما تشغل العديد من نقاط وجود التخزين المؤقت وشبكات توصيل المحتوى، ما يوفر زمن وصول منخفضاً جداً بين المناطق العالمية.
اقرأ أيضاً: ماذا يعني وجود مركز بيانات لجوجل في السعودية؟
من حيث الأداء، توفر كل منصة اتفاقيات مستوى الخدمة للخدمات الأساسية التي عادةً ما تكون نسبة توفرها تصل إلى 99.9%. ومع ذلك، يختلف زمن الوصول باختلاف موقع العميل وتكوينه، لكن جميعها أظهرت موثوقية عالية في الممارسة العملية. إذ تشير التحليلات الحديثة إلى أن مزودي الخدمات السحابية الثلاث قادرة على تلبية احتياجات الأداء المتطلبة للمؤسسات بمختلف أحجامها ومكانها.
ما هي منصة الخدمة السحابية المناسبة لمؤسستك؟
لا توجد منصة خدمة سحابية واحدة تناسب الجميع، إذ إن الاختيار الصحيح يعتمد على أهداف المؤسسة وأعباء عملها وتكلفة الاستثمار الحالية، فيما يلي بعض الإرشادات:
متى تكون منصة أمازون ويب سيرفيسز الخيار الأمثل؟
إذا كنت بحاجة إلى أوسع مجموعة خدمات ومنصة متطورة لأنواع أحمال العمل كافة. وغالباً ما تكون المنصة الخيار الأمثل للشركات الناشئة والشركات التي لا تمتلك بنية تحتية سحابية قديمة من مايكروسوفت.
متى تكون منصة مايكروسوفت آزور الخيار الأمثل؟
إذا كانت مؤسستك تستثمر بكثافة في تقنيات شركة مايكروسوفت وخدماتها وتطبيقاتها المتعددة، حينها تتكامل المنصة بسلاسة مع هويتك الحالية وترخيصك، كذلك إذا كان الوصول الفوري والآمن إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي أمراً بالغ الأهمية، إذ توفر خدمة آزور أوبن أيه آي المسار الأسرع والأكثر أماناً وتوافقاً لدمج نماذج اللغات الكبيرة عالية الطلب في تطبيقات الإنتاجية المؤسسية.
متى تكون منصة جوجل السحابية الخيار الأمثل؟
إذا كانت مشاريع مؤسستك تركز على التحليلات المتقدمة أو البيانات الضخمة أو التعلم الآلي، إذ تعد المنصة الأفضل في فئتها من حيث توفير أدوات تحليل البيانات ذات الكفاءة العالية وسهولة الاستخدام، وإذا كانت مؤسستك تستخدم منتجات أخرى من شركة جوجل أو إذا كنت تقدر ثقافة الابتكار التي اشتهرت بها الشركة عن منافسيها.
عموماً، يعتمد الخيار الأفضل في النهاية على أهداف مؤسستك ومجموعة التقنيات الحالية ومتطلبات العمل. ومع ذلك، غالباً ما تستفيد المؤسسات الأكثر احترافية من أكثر من منصة سحابية واحدة، حيث تختار كلاً منها بحسب توفيرها أكبر قيمة في مجال محدد. علاوة على ذلك، لا تركز أنجح استراتيجيات تبني المنصات السحابية على منصة واحدة فحسب، بل على كيفية استخدام هذه المنصات معاً لتحقيق أهداف العمل بكفاءة وأمان.