اجتماع بقيمة مليار دولار لكبار الأثرياء الباحثين عن عمر طويل

11 دقيقة
اجتماع بقيمة مليار دولار لكبار الأثرياء الباحثين عن عمر طويل
مؤتمر مستثمري الحياة الطويلة

"من يريد أن يعيش إلى الأبد؟" كانت كلمات الأغنية الشهيرة للمغني فريدي ميركوري تدوي عبر مكبرات الصوت، فيما كانت مصابيح زرقاء تدور في جميع أنحاء الغرفة، مع ضباب يغطي المنصة أمامي. وبالنظر إلى الحضور، فإن الإجابة عن السؤال الذي تطرحه الأغنية هو: كبار الأثرياء.

لقد قدمت إلى غشتاد، وهي بلدة جميلة تتضمن منتجع تزلج في جبال الألب السويسرية، وذلك لحضور أول مؤتمر مباشر لمستثمري الحياة الطويلة. وخلال الحدث الذي استمر يومين، تحدث العلماء ومؤسسو شركات التكنولوجيا الحيوية عن إيجابيات وإثباتات عدة مقاربات مختلفة لزيادة عدد السنوات التي يمكن أن نمضيها بصحة جيدة. وكان أغلبهم يحاول اجتذاب المستثمرين ذوي الجيوب العامرة بالنقود.

اقرأ أيضاً: كيف يحاول العلماء تجديد شبابك؟

تضمن اللقاء 120 شخصاً، وقال لي المنظمون إن 120 منهم كانوا مستثمرين بثروات تبلغ الملايين وحتى المليارات من الدولارات، وعلى الأقل، هناك مليون دولار مخصص لمشروع للحياة الطويلة. وقد فشل الكثيرون ممن حاولوا الحضور في الحصول على تذكرة الحضور، والتي يبلغ ثمنها 4,500 دولار، لأنهم لم يحققوا هذه المعايير، كما قال لي أحد المنظمين.

كان هذا المؤتمر مختلفاً عن أي لقاء أكاديمي حضرته من قبل. فقد كان المكان مذهلاً. وكان الطعام فاخراً. أما المشروبات، فحدث ولا حرج. وعلاوة على عقد هذا اللقاء في أحد أفخم الفنادق في إحدى أثرى الدول في العالم، فقد كان أيضاً محطاً للضجيج الإعلامي، ومكاناً للتجارب الذاتية.

فلم يسبق لي أن رأيت عالماً يغطيه العرق خلال "تمرين رياضي للحياة الطويلة" قبل عرض تقديمي، كما لم يسبق لي وأن رأيت أفراد الحضور في أي مؤتمر سابق وهم يؤدون تمرين السواعد بين الجلسات. لقد كان الكثير من الحضور يتناولون أكياساً كاملة من الحبوب يومياً، وكل ذلك على أمل إطالة أمد صحتهم الجيدة. وقد قال أحد مالكي الفندق في بداية المؤتمر: "لنشرب نخب الاستمتاع بالحياة بعد أن نتجاوز المئة عام!"

أما السؤال الفعلي فهو ما إذا كان هذا مجرد نخب، أو أمراً قابلاً للتحقيق. وعلى حين يحاول هذا المجال إثبات نفسه كمجال علمي راسخ الأسس، فإن الكثير من "العلاجات المقاومة للشيخوخة"، والمبنية على إثباتات بشرية ضعيفة أو معدومة، ما زالت تدخل الأسواق. فهل تستطيع المليارات من أموال المستثمرين –والتي أتى بعضها من مصادر مريبة أخلاقياً- أن تؤمن طريقاً واضحاً إلى إثبات إمكانية إطالة الحياة للجميع؟

عمر أطول

بعدما جلست على طاولة العشاء المزينة بشكل جميل، وبدأت أتأمل قائمة الطعام لما يوصف بأنه "عشاء تجديد الحيوية"، حيث تتألف خيارات الطبق الرئيسي من شريحة محلية من لحم العجل، وما يبدو كفطيرة من الفطر، أدركت وجود لغط على الطاولة المجاورة. وعندما وقفت لإلقاء نظرة، رأيت مجموعة من الرجال المتحلقين فوق ما يبدو كمنديل. فقد قام أحدهم بجرح يده، وكان يعصرها لاستخراج بعض القطرات من الدم.

اقرأ أيضاً: الشيخوخة: مرض أم عملية بيولوجية مسببة للمرض؟ جدل قديم متجدد

ومن المرجح أنه كان يقوم بإجراء اختبار ما لتقدير عمره بيولوجياً، كما يقول المسؤول العلمي في غورديان بايوتكنولوجي (Gordian Biotechnology)، مارتن بورتش، والذي كان جالساً إلى جانبي. وعلى الرغم من أنه ليس بالسلوك المعتاد على العشاء، خصوصاً في مكان فاخر كهذا، فلم يبدُ أنه أثار استغراب أي شخص. فالاختبارات والتجارب الذاتية أمر معتاد في هذه المجموعة، حتى خلال عشاء في مطعم فندق فاخر.

على مدى العقدين الماضيين، وجد العلماء الكثير من الطرق الموثوقة لإطالة عمر الخميرة، والديدان، بل وحتى الفئران وبعض الحيوانات المخبرية الأخرى. وعلى سبيل المثال، فإن عقار رابامايسين، والذي يُستخدم بشكل أساسي لتثبيط النظام المناعي لدى الأشخاص الخاضعين لزراعة الأعضاء، يستطيع إطالة عمر فئران التجارب بنسبة 25% تقريباً. ويتمتع علاج يزيل الخلايا المعمرة والمتهالكة بتأثير مماثل. ويبدو حتى إن حقن الفئران المسنة بدماء المراهقين البشر يجدد حيويتها.

ولكن هذه الأساليب لا تؤخر الموت لدى القوارض. بل تطيل فترة الصحة الجيدة، وتساعد الحيوانات على مواجهة الأمراض التي ترافق الشيخوخة. يقول بورتش جينسن، والذي تركز شركته على علاج أمراض الشيخوخة: "تقوم الفكرة على أن بيولوجيا الشيخوخة تكمن في مستوى يتيح لنا عكس عقارب الزمن بالنسبة للعديد من الأمراض، وهو أمر أفضل بكثير من الطريقة التقليدية التي تقوم على محاولة علاج كل منها على حدة".

وإذا سألت أي شخص في المجال عن الأساليب التي يتبعها للحفاظ على الشباب، فسوف تكون الإجابة عادة قائمة طويلة بعض الشيء وتتضمن أي شيء يمكن أن تتخيله، بدءاً من الاستحمام بالماء البارد والتمارين الرياضية القاسية، وصولاً إلى أدوية يمكن الحصول عليها وفق وصفة طبية فقط، أو تركيبة من المكملات الغذائية.

ويجرب البعض تجارب باستنشاق الهواء الذي يتضمن تركيزاً منخفضاً من الأوكسجين. وقد دُعيت إلى تجربة أحد هذه الأجهزة في المؤتمر، حيث تم وضعه في وسط غرفة مخصصة للتعارف وتناول المشروبات. وشعرت بشيء من الغرابة أثناء المشي، مع كأس الشراب في يدي، حول أشخاص في وضعية الاستلقاء ويرتدون أقنعة على وجوههم. يقول بورتش جينسن: "لقد بدا المشهد وكأننا داخل مركبة فضائية ما".

اقرأ أيضاً: استراتيجية جديدة لإبطاء الشيخوخة تجتاز أول اختبار لها هذا العام

أما أحد منظمي المؤتمر، توبياس رايكموث، فيمتلك قائمة خاصة به. لقد شارك رايكموث في تأسيس ماكسيمون (Maximon)، وهي منظمة تدعم شركات التكنولوجية الحيوية المختصة بإطالة العمر، مع صديقه وشريكه منذ فترة طويلة، مارك بيرنيغر، في 2020.

وستقوم شركة رايكموث باستثمار 100 مليون فرنك سويسري (106 ملايين دولار تقريباً) على مدى السنوات الأربع والنصف المقبلة. وقد وضع رايكموث هدفاً شخصياً بالوصول إلى عمر 120 سنة. ويقول إنه فقد الكثير من الوزن منذ 2016. ويعتمد على نظام غذائي قائم على النباتات بشكل أساسي، ويمارس الرياضة بكثرة، ويمارس الصيام بشكل دوري. وقد أصبت بالارتياع لدى رؤية رايكموث في تمرين الحياة الطويلة الصباحي المرهق. فعندما كنت أمشي بتؤدة في طريق العودة إلى الفندق، ابتسم ولوح لي مسرعاً أثناء جولته الصباحية للهرولة.

وإضافة إلى هذا، فهو يتناول المكملات الغذائية. ويتضمن النظام اليومي لرايكموث المكمل الغذائي NMN (نيكوتيناميد أحادي النوكليوتيد)، والذي يهدف إلى زيادة مستويات +NAD (ثنائي نوكليوتيد الأدنين وأميد النيكوتين)، والذي يساعد على تزويد الخلايا بالطاقة. كما يتناول ما يصفه بأنه مكمل غذائي "مقوٍّ". ويحتوي المقوي على الريسفيراترول، وهو مركب كيميائي موجود في التوت، كما يشتهر بوجوده في بعض أنواع المشروبات التي يقال إنها تتمتع بخصائص مقاومة للشيخوخة. ويباع كلا المركبين كمكملات غذائية لإطالة العمر، ولكن في الواقع، ليس هناك دليل قاطع على قدرة أي منهما على مساعدة البشر في إطالة أعمارهم.

لا تخضع المكملات الغذائية لنفس قوانين وإجراءات التنظيم المتبعة مع الأدوية. وعلى سبيل المثال، لا تتطلب المكملات الغذائية موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية. وعلى حين لا تستطيع الشركات أن تزعم أن مكملاتها الغذائية تستطيع علاج الأمراض أو الشفاء منها، فهي قادرة على بيع المكملات الغذائية من دون إبلاغ إدارة الغذاء والدواء حتى.

لقد حصل جميع الحضور في المؤتمر على كيس هدايا يتضمن عبوتين من المكملات الغذائية على الأقل. وفي الكيس الذي حصلت عليه، وجدت مخزوناً يكفي شهرين من المكملات الغذائية "للتنقية"، إضافة إلى عبوة صغيرة من المكمل الغذائي المقوي الذي يحتوي على الريسفيراترول.

اقرأ أيضاً: هل يستطيع الطب أن يقضي على الشيخوخة؟

كان مدير معهد أبحاث الشيخوخة في كلية ألبرت أينشتاين للطب في مدينة نيويورك، نير بارزيلاي، أحد العلماء الحاضرين في المؤتمر. وقد وجد الأجواء مثيرة للقلق. ففي الماضي، كما يقول، كان يعتبر أن بيع معظم المكملات الغذائية "أمر جيد للاقتصاد" وحسب، أي أنها لا تتجاوز كونها وسيلة غير مؤذية لإنفاق المال. ولكن في الوقت الحالي، تحاول الكثير من الشركات الاعتماد على العلم لتطوير مكملات غذائية مصممة لاستهداف وظائف حيوية تبدو مرتبطة بالشيخوخة.

ونحن لا نعرف ما الآثار الفعلية لهذه المكملات. فلم يخضع أي منها إلى اختبارات سريرية صارمة. يقول بارزيلاي: "نحن لا نعرف كيف تتفاعل مع بعضها بعضاً، وأخشى أننا لا ندرك آثارها الحقيقية".

أما إيفلين بيشوف من جامعة شنغهاي للطب، فتشاركه بعضاً من مخاوفه. فقد تدربت بيشوف كطبيبة، وبعد الاختصاص في طب الأورام والطب الداخلي، قررت التركيز على الطب المختص بإطالة العمر. وحالياً، تقدم علاجات مصممة بشكل خاص لكل مريض، وتأمل بأن هذه العلاجات ستطيل حياة مرضاها في الولايات المتحدة والصين.

كما عالجت بعض الأشخاص الذين أصيبوا بالمرض بعد تناول المكملات الغذائية لإطالة العمر. وتقول: "يأتي إلي هؤلاء المرضى بفشل كلوي شبه كامل في الثلاثينات من العمر، لأنهم تناولوا جرعة عالية للغاية من المكملات الغذائية بشكل غير مناسب لهم على الإطلاق". وقد وجد آخرون أن أعمارهم البيولوجية، وفقاً للساعات البيولوجية- ازدادت بعد تناول المكملات. تقول بيشوف: "على الرغم من أنها مجرد مكملات غذائية، فقد تتسبب بالكثير من الأذى. ولا يُنصح بتناول المكملات كتجربة ذاتية".

وتضيف بيشوف أن آثار المكملات قد تتغير مع مرور الوقت، حتى لو شعر الشخص بتحسن في حالته بعد تناولها. قد تتفاعل أجسادنا مع المكملات بشكل مختلف اعتماداً على الوقت خلال اليوم، والفصل، بل وحتى العمر.

اقرأ أيضاً: تعرف على الأدوية المكافحة للشيخوخة التي أغرت المستثمرين

وعلى الرغم من كل هذا، فإن بيشوف نفسها تجري بعض التجارب الذاتية على العلاجات المحتملة لإطالة العمر. وتقول: "يبدو لي هذا منطقياً". وكذلك بارزيلاي. حيث يقول إنه يقوم بهذا "بوصفه عالماً"، وسيقوم بإجراء اختبارات على الدم قبل وبعد تجربة أي شيء جديد. ويقول: "أريد تحسين صحتي إلى أقصى حد، ولهذا فأنا أجري التجارب على بعض الأشياء التي لن أصرح عن طبيعتها. وبالمناسبة، فأنا أقوم بهذا بالاشتراك مع طبيب".

سيراك طبيب إطالة العمر الآن

تُعتبر بيشوف أحد أفراد مجموعة صغيرة ومجهولة من الأطباء المختصين بطب إطالة العمر. ولديها مرضى من أعمار مختلفة. وتقول إنها رأت أشخاصاً بلياقة بدنية عالية في الأربعينيات من العمر ممن يحاولون "تحسين أدائهم" –سواء الجسدي أو الذهني- إضافة إلى أفراد أكبر سناً ممن يعانون من مشاكل صحية. تجري بيشوف مجموعة من الاختبارات على مرضاها، وتقول إنها تعمل بدقة على دراسة سجلاتهم الصحية، واختباراتهم الدموية، ونتائج اختباراتهم النفسية، وصور المسح للجسم، بل وحتى الاختبارات الجينية، وذلك لوضع تصور شامل حول وضعهم الصحي.

كما تعتمد أيضاً على استخدام الساعات البيولوجية، وهي اختبارات تقيس ميزات بيولوجية لتقدير العمر البيولوجي لشخص ما، أو مدى اقترابه من الموت، بدلاً من العمر الزمني المعتاد. تقوم بيشوف بعد ذلك بربط كل هذه البيانات، واستنتاج توصيات خاصة بكل مريض، مثل تغيير في أسلوب الحياة، أو تناول المكملات الغذائية، أو الأدوية.

وتقول بيشوف إنها ليست مسألة تلقيم برنامج حاسوبي بكل هذه البيانات لتقديم النتيجة آلياً. وتقول: "ليست لدي حتى الآن خوارزمية محددة وواضحة لكيفية التعامل مع المرضى، وما زلت أعتمد على تفكيري الخاص في هذا الأمر".

إذا تحول طب الحياة الطويلة إلى ممارسة سريرية تعتمد على الأدلة، كما تأمل بيشوف، فما زالت هناك مسألة التكاليف، ومن سيكون قادراً على تحملها. تحاول بيشوف تطوير أقسام خاصة بالحياة الطويلة في المستشفيات العامة. وتقول إنها على وشك افتتاح عيادة كهذه في مستشفى في شنغهاي. ولكن في الوقت الحالي، يبدو أن طب الحياة الطويلة سيبقى مقتصراً على كبار الأثرياء.

تكلفة العيش

هذا ما يبدو على الأقل من وجهة نظر استثمارية. فلم تكن هناك أي منظمات بحثية خيرية صغيرة في المؤتمر السويسري الباذخ. يقول رايكموث: "يقوم فريقنا بدراسة حسابك ومؤهلاتك على موقع لينكد إن (LinkedIn)، وعلى هذا الأساس، يحدد إمكانية مساهمتك في المؤتمر. ونحن هنا نتحدث عن أشخاص قادرين على تقديم استثمارات بقيم تتجاوز المليون دولار".

تتضمن قائمة المتحدثين الملياردير البالغ من العمر 44 عاماً، كريستيان أنغرماير، والذي قال إنه بحاجة إلى البقاء على قيد الحياة مدة 50 سنة أخرى للاستفادة من علاجات المستقبل لإطالة العمر.

ويقول أنغرماير إن كبار الأثرياء يصلون في نهاية المطاف إلى مرحلة لا يستطيعون فيها تحسين حياتهم أكثر مما هي عليه بامتلاك المزيد من الأموال. وقد قال في المؤتمر: "إذا اشتريت يختاً، فمن الممكن أن تشتري يختاً أكبر، وإذا اشتريت طائرة، فمن الممكن أن تشتري طائرة أكبر. ولكن الدرجة التي تتغير بها حياتك بامتلاك المزيد من المال تصبح صغيرة جداً في الواقع". ويتابع قائلاً إنه من الأفضل، في هذه الحالة، توجيه الأموال نحو تحسين الصحة وزيادة العمر.

يسعى هؤلاء الأفراد والمجموعات، ممكن يمتلكون موارد مالية ضخمة، إلى أن يصبحوا أكبر المستثمرين في أبحاث الحياة الطويلة. فقد تم إنفاق 4.4 مليار دولار خلال السنوات الخمس الماضية على دراسة قدرة إعادة برمجة الخلايا على مساعدتنا في إطالة العمر، وتم تخصيص معظمها لشركة ألتوس لابز (Altos Labs)، وهي شركة تكنولوجيا حيوية، يُعتقد أن جيف بيزوس ويوري ميلنر من مؤسسيها.

وعلى الرغم من هذا، فإن الكثير من أبحاث الحياة الطويلة تعاني للحصول على التمويل.

اقرأ أيضاً: تجميد الجثث بالتبريد: من أفلام الخيال العلمي إلى المختبرات الطبية

وعلى سبيل المثال، فقد عانى بارزيلاي لسنوات للحصول على تمويل حكومي لتجربته السريرية للميتفورمين. وعلى ما يبدو، فإن الأشخاص الذين يتناولون ميتفورمين، وهو دواء شائع الاستخدام لدى المصابين بالسكري، يصابون بأمراض الشيخوخة بنسبة أقل، بل وحتى أقل من غير المصابين بالسكري، ولكن ليس من المؤكد حتى الآن ما إذا كان هذا العقار قادراً بشكل موثوق على الحفاظ على الصحة الجيدة. وقد تمكن بارزيلاي مؤخراً فقط من الحصول على تمويل يكفي لثلث مصاريفه.

ولكن هذا المبلغ، والذي يساوي 9 ملايين دولار، هو تقدمة من هيفوليوشن (Hevolution). تم تأسيس هذه المؤسسة في 2021، وتقول التقارير إن ميزانيتها السنوية تساوي مليار دولار، وسيتم إنفاقها على شكل منح واستثمارات في المؤسسات البحثية وشركات التكنولوجيا الحيوية التي تدرس الحياة الطويلة وإطالة فترة الحياة الصحية لدى البشر.

بعد نهاية المؤتمر، لاحظت وجود اسم مورتيمر ساكلر في قائمة الحضور. وهو أحد الأولاد السبعة لمورتيمر ساكلر الكبير، وهو الرئيس التنفيذي السابق لشركة بوردو فارما (Purdue Pharma)، والذي توفي في 2010 عن عمر بلغ 93 عاماً. وقد تعرضت الشركة، مع أفراد العائلة، إلى تهم بإشعال أزمة الأفيون في الولايات المتحدة، إضافة إلى دورهم في وصف مسكنات الألم المسببة للإدمان بشكل غير آمن وغير ضروري. وقد دفعت الشركة مع أفراد العائلة مليارات الدولارات في التسويات القانونية.

هل يشعر العلماء الذين يسعون إلى إطالة أمد الصحة البشرية بالارتياح للحصول على التمويل من مصادر كهذه؟ لقد فوجئت بأن الإجابة هي إيجابية بشكل شبه قاطع، على الأقل بين من سألتهم.

اقرأ أيضاً: شركات ناشئة تطور تقنيات تساعد كبار السن على العيش بسعادة وصحة

الأمل والضجيج الإعلامي

شهد لقاء غشتاد شعوراً واضحاً بالأمل والتفاؤل. وقد أحسست أن معظم الحاضرين يعتقدون أنه يمكن التوصل إلى نتائج علمية إيجابية بعد عدة سنوات وحسب، بوجود التمويل الملائم. وبهذا، نكون على الطريق الصحيح نحو إطالة الحياة الصحية لدى البشر بصورة موثوقة.

اتسمت مجموعة المتحدثين بالتنوع، فقد شملت بعض الأكاديميين المخضرمين، ومدراء الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية، والأشخاص الذين يبيعون فكرة الحياة الطويلة كسلعة رفاهية فاخرة لمن يترددون على المنتجعات الصحية والفنادق المنعزلة والفاخرة. لقد كان بارزيلاي يدرس بيولوجيا الشيخوخة منذ عقود، وهو محترم بين أقرانه. ولكنني أيضاً التقيت شاباً قال لي إن تنفس الهواء الذي يحتوي على نسبة منخفضة من الأوكسجين يمكن أن يفيد صحتي على أكثر من صعيد، وأردف معلقاً أنه "لا يؤمن" بلقاحات كوفيد.

كما صعد رجل بعمر 67 سنة على المنصة وقال لنا إن عمره البيولوجي بدأ بالتراجع منذ بدأ بأخذ مكملاته الغذائية الخاصة، وإن عمره البيولوجي 49 عاماً فقط. وأشار بعد ذلك إلى شعره الرمادي، وادعى –بشكل غير مقنع- إنه يتحول إلى البني. وهو ما أثار ضحكة مكتومة لدى العالم الذي كان جالساً إلى جانبي.

كيف يمكن لمستثمر أو أي شخص بشكل عام أن يعرف الحقيقة وسط كل هذه الادعاءات؟ إذا سألنا شخصاً أكاديمياً، فسوف يقول إن الإجابة هي التعليم والثقافة، فكلما زادت معلومات الناس عن بيولوجيا الشيخوخة وطريقة إجراء التجارب السريرية، أصبحوا أكثر قدرة على تحديد مدى صحة أي ادعاء.

ويجمع الكثيرون على أن الادعاءات الرنانة التي أطلقها البعض، والتي تتضمن إمكانية العيش ألف سنة، أو تفادي الموت بالكامل، هي التي ساعدت على لفت النظر وجلب الاستثمارات إلى هذا الحقل. ولكنها أيضاً تسببت بتلويث صورته كمجال علمي صارم.

ويتفادى بارزيلاي وزملاؤه مصطلح "ضد الشيخوخة"، ويفضّلون بدلاً من ذلك استخدام مصطلح دراسة الشيخوخة. ويقول: "نحن نرغب بالعمل بمسؤولية، ووفق أسس علمية راسخة". أما مختص تجاوز الإنسانية، خوسيه لويس كوردييرو، فقد قال لي في اليوم التالي لعرضه التقديمية إنه يريد "تخطي البيولوجيا"، والسفر إلى المريخ، وإطالة العمر البشري إلى درجة كبيرة للغاية. وهو ما أثار حتى سخرية واستغراب الرجل الذي كان يشاركه المنصة، والذي أخذ بوليصة تأمين على الحياة لتمويل عملية حفظه بالتبريد الشديد.

اقرأ أيضاً: هل تمنح التكنولوجيا الحيوية الشباب الأبدي للبشر؟

تقول بيشوف: "لا تعني إطالة العمر العيش إلى الأبد"، وتؤكد أن هدفها هو إطالة فترة الحياة الصحية لمرضاها. وتضيف: "ليس لدي أي مشكلة مع من يرغب بالعيش إلى الأبد، ولكنني أعتقد أننا بحاجة إلى وضع تعريف طبي دقيق لما نسعى إلى تحقيقه بالضبط".

يقول بورتش جينسن إن الضجيج الإعلامي أعلى في شركات التكنولوجيا الحيوية منه في المؤسسات الأكاديمية، وإنه يعتقد أن الضجيج الإعلامي عموماً قصير الأمد. ويقول: "إذا كنت تروج للهراء، فلن تتمكن من مواصلة فعل هذا لفترة طويلة".

لقد كنت شخصياً أكتب عن علم الشيخوخة مدة عقد كامل، ولا أعتقد أنني أتفق معه بالكامل. فقد رأيت الكثير من المزاعم العلمية المزعومة تحظى بالكثير من التغطية الإعلامية. كما رأيت علماء أذكياء يقعون ضحية ادعاءات واهية حول مكملات غذائية تطيل أمد صحة الإنسان. ولكنني رأيت أيضاً بعض الأبحاث الرائعة والمثيرة، بما يكفي لمواصلتها والتحقق من قدرة هذه الأساليب على إفادة البشر بقدر إفادتها للحيوانات المخبرية.

يقول بورتش جينسن إنه أعطى المكملات الغذائية المجانية التي حصل عليها في المؤتمر لأصدقائه، على الرغم من أن هذه المجموعة تتضمن مرطباناً من "عسل الحياة الطويلة". ولكنني لم أرغب بالتخلي عن المكملات التي حصلت عليها، فقط لأنني لم أكن أعرف أي شيء عنها. ولكنني لم أتناول أياً منها أيضاً.

لا شك في أنها فترة مثيرة للاهتمام في علم الحياة الطويلة وطب الحياة الطويلة. وآمل أن أعيش بما يكفي لأشهد بعض النتائج الإيجابية.

المحتوى محمي