خوارزميات صنع القرار مثيرة للجدل بلا شك، وإذا تعلق الأمر باتخاذ قرار سيكون له تأثير كبير على الحياة، فإن معظم الناس يفضلون أن يتخذه الإنسان. ولكن ماذا لو كان بإمكان الخوارزميات اتخاذ قرارات أفضل؟ من ستختار؟
هذا ما خاض فيه باحثون من جامعة أريزونا الأميركية، وتفاجؤوا عندما وجدوا أن معظم البشر يسمحون للخوارزميات باتخاذ العديد من القرارات اليومية في حياتهم.
متى تتخذ الخوارزميات القرارات بدلاً عنا؟
مع انتشار الأجهزة الإلكترونية والتكنولوجيا بشكل عام، وازدياد البيانات التي يحتاج البشر إلى تحليلها، ازداد استخدامنا للخوارزميات التي تساعدنا في اتخاذ القرارات، وانتشرت في كل مكان، حتى إن بعضها سُمح لها باتخاذ القرار دون أن نعرف بالضرورة كيف ومتى تفعل ذلك.
من الأمثلة على الخوارزميات التي تتخذ قرارات كبيرة في حياتنا:
وسائل التواصل الاجتماعي
تعتبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي خوارزميات عملاقة، تسمح لك باختيار ما تحب، وتجمع أكبر قدر ممكن من البيانات بناءً على ما تسجل إعجابك به، وعلى صفحات الويب التي تزورها، ومن موقعك الجغرافي، ومن ثم تقدم لك المزيد من المحتوى الذي ترغب بمتابعته باستمرار. أيضاً، من هذه البيانات يمكن لخوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي تخصيص الإعلانات لك بطريقة دقيقة للغاية.
ويعمل محرك البحث غوغل بنفس الطريقة، لترتيب عرض نتائج البحث.
اقرأ أيضاً: موظفة سابقة تفضح فيسبوك وتقول إن خوارزمياتها خطرة... لكن لماذا؟
التأمين
تريد شركات التأمين معرفة المخاطر التي قد يتعرض لها المُؤمّن، لذلك تعتمد على البيانات الموجودة لديها لتتنبأ بما قد يحدث مستقبلاً، وبذلك تعمل على رفع مبالغ التأمين أو خفضها. تعمل جميع شركات التأمين على هذا المبدأ، سواءً كان التأمين على المنزل أو السيارة أو الصحة أو غيرها.
على سبيل المثال، يُحدد نوع السيارة التي تود أن تقتنيها مبلغ التأمين الذي عليك أن تدفعه، وذلك بالاعتماد على البيانات التي جمعتها الخوارزميات عن المشكلات التي قد تحدث مع مالكي هذا النوع من السيارات.
اقرأ أيضاً: لماذا لا يستطيع الذكاء الاصطناعي حل مشاكل التحيز في الدرجات الائتمانية؟
الرعاية الصحية
نجح الذكاء الاصطناعي في قطاع الصحة نجاحاً باهراً، فقد استطاعت خوارزمياته تشخيص العديد من الحالات المرضية، وحتى اقتراح العلاج المناسب لها، وذلك بعد جمع قدر هائل من بيانات المرضى. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تشخيص اعتلال الشبكية السكري أفضل من البشر، كما أثبت قدرته على تشخيص سرطان الثدي، وتحديد خيارات العلاج في سرطان المبيض.
الشرطة
يمكن للخوارزميات ضبط الأمن، وذلك بتحليل بعض البيانات مثل الأماكن التي تحدث فيها الجرائم عادةً، والوقت الذي حدثت به، ومن ارتكب الجريمة أيضاً. تساعد هذه البيانات الشرطة على التنبؤ بالجرائم التي قد تقع مستقبلاً.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لصورة لمنزلك بجوجل ستريت فيو أن تتوقع احتمال تعرضك لحادث سير؟
الناس يفضلون الخوارزميات
يفترض صنّاع السياسات أن معظم المواطنين يرفضون اتخاذ الآلة للقرارات بدلاً عن البشر، لذلك أجرى ديريك بامباور، أستاذ القانون في جامعة أريزونا، دراسة للتأكد من ذلك، وكانت النتائج مفاجِئة، فقد وجد أن غالبية الناس يفضلون اتخاذ الآلة لبعض القرارات نيابة عنهم.
كان هدف بامباور من الدراسة -التي من المقرر نشرها في مجلة قانون ولاية أريزونا في أوائل عام 2022- مساعدة واضعي القانون وصنّاع السياسات على فهم التصور العام لخوارزميات صنع القرار حتى يتمكنوا من تنظيم تلك الخوارزميات بشكل أكبر وفقاً لآراء المستهلكين.
لفهم شعور الناس تجاه اتخاذ بعض القرارات المتعلقة بحياة البشر آليّاً، أجرى الباحثون استطلاعاً للرأي عبر الإنترنت، شمل 4 آلاف شخص. طُلب من كل مشارك تحديد إن كان يفضل أن يتخذ الإنسان أو الخوارزمية القرار في 4 مواقف:
- حصول المشارك على بطاقة هدايا بقيمة 10 إلى 20 دولاراً من المقهى أم لا.
- الإقرار بأن المشارك ارتكب مخالفة مرورية.
- الموافقة على منح المشارك قرضاً مصرفيا.
- تضمين المشارك في تجربة سريرية لعلاج مرض ما.
قبل معرفة النتائج، توقع الباحثون أن نسبة الأشخاص الذين سيفضلون الخوارزميات لن تتجاوز 50%، بل ستكون أقل من ذلك بكثير. لكن عند تحليل النتائج، وجد الباحثون أن 52.2% من المشاركين فضلوا الخوارزمية على الإنسان الذي فضّله 47.8% من المشاركين.
على الرغم من أن النتيجة كانت لصالح الخوارزميات، إلا أن نتائج الدراسة وجدت أن الناس يختارون الخوارزمية عندما تكون خسارتهم أقل تكلفة (في خيار حصول المشارك على بطاقة الهدايا من المقهى)، أما عندما تكون المخاطر كبيرة يتجهون لاختيار البشر (في خيار دفع مئات الدولارات في مخالفة مرورية).
لم يقتصر الاستطلاع على تقديم الخيارات الأربعة فقط، بل تم تزويد المشاركين بمعلومات حول مُتخذ القرار، مثل معدل الدقة، والمدة التي يستغرقها القرار وتكلفة استخدامه. واختار 74% من المشاركين مُتخذ القرار الأكثر دقة بغض النظر عن كونه خوارزمية أم بشراً. وعندما كان للخوارزمية وللبشر معدلات دقة متساوية، انقسم المشاركون بالتساوي بين الخيارين.
ومن ناحية السرعة في اتخاذ القرار، من المعروف أن الخوارزميات تكون أسرع عادةً، واختارها 57% من المشاركين لهذا السبب. ولكن إذا كان الإنسان بنفس السرعة، فقد تم اختياره بنسبة 48%.
اقرأ أيضاً: هل التحيز الخوارزمي محض صدفة حقاً كما تقول شركات وادي السيليكون؟
توصيات الباحثين لصنّاع السياسات
يجب أن تثير هذه الدراسة عند صنّاع السياسات تساؤولين اثنين: «ما الذي ينبغي عليهم فعله؟» و«كيف يفعلون ذلك؟» ولن تكون الإجابة سهلة، وكان هذا اقتراح بامباور لتقديم الإجابة:
ما الذي ينبغي عليهم فعله؟
أي أن على صنّاع السياسات معرفة ما عليهم فعله في كل خوارزمية حسب المجال الذي كُتبت من أجله، كما أن الخوارزميات تفتقر أيضاً إلى مستوى معين من الشفافية يتوقعه المنظمون والمستهلكون.
كيف يفعلون ذلك؟
بات من المستحيل الآن منع استخدام الخوارزميات، أو حتى تنظيمها، لذلك يُفضل أن يتم إعلام المستهلكين بالخوارزميات المستخدمة لاتخاذ القرارات. ويجب أن يُطلب من مالكي الخوارزميات تقديم حقائق بلغة واضحة حول ما تفعله خوارزمياتهم، مثل: «باستخدام هذه الخوارزمية، نوفر لك المال»، أو «باستخدام تلك الخوارزمية، نرتكب أخطاء أقل».
ويرى بامباور أن المشرعين لديهم بالفعل الأدوات اللازمة لصياغة الحلول لهذه المشكلة، لأن أنظمة صنع القرار في المستقبل، قد تشمل البشر والخوارزميات معاً، لذلك قال: «إن الشيء الصحيح الذي يجب القيام به هو تحديد المكان الذي يجب أن يكون فيه البشر ومعرفة المكان الذي يجب أن تكون فيه الخوارزميات».