مايكروسوفت تتعاون مع إحدى الشركات الناشئة لابتكار نماذج تُحاكي التفكير البشري

4 دقيقة
3 أنواع من الشركات من المتوقع أن تفرزها النماذج اللغوية الكبيرة
حقوق الصورة: أنسبلاش.

مع سرعة تطور الذكاء الاصطناعي، بدأ الباحثون والشركات بتسريع الخطوات لدفع حدود ما يمكن أن تحققه التكنولوجيا. 

ويُعدُّ أحد أكثر التطورات التي تُثير اهتمام الجميع هو التحول من النماذج اللغوية التقليدية القائمة على البيانات إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القائمة على التفكير الذي يُحاكي الإدراك البشري، لذلك نرى أن كل شركة ذكاء اصطناعي لديها نموذج تفكير خاص بها.

وبينما تُعدُّ هذه النماذج دفعة كبيرة في سلم التطور، فإن شركة مايكروسوفت بدأت التفكير في الخطوة التالية وهي أنظمة الذكاء الاصطناعي المستوحاة من التفكير الدماغي للبشر، حيث أعلنت مؤخراً شراكة مع شركة سويسرية ناشئة لتطوير أنظمة قادرة على التعلم من تجارب العالم الحقيقي بدلاً من الاعتماد فقط على الأنظمة التي تعتمد على بيانات التدريب الموجودة مسبقاً.

حيث تمثّل شراكتها المعلنة مع شركة آنيت (Inait)، التي تعمل على بناء نماذج الذكاء الاصطناعي وتطويرها باستخدام الخوارزميات التكيفية التي يمكنها التعلم والفهم والتفاعل مع العالم مثل الدماغ البشري، قفزة كبيرة إلى الأمام في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. فما هي تفاصيل الشراكة؟ وما هي رؤية الشركتين وهدفهما من تطوير مثل هذه النماذج؟ وكيف ستستفيد شركة مايكروسوفت من هذا التعاون؟

مايكروسوفت تتعاون مع شركة ناشئة لتطوير نماذج تُحاكي عمليات التفكير البشري

وفقاً للعديد من المراقبين، فإن التعاون الذي أعلنه في بداية الأسبوع الماضي يأتي بشكلٍ أساسي لدعم نظرة شركة مايكروسوفت لخبرة الشركة الناشئة ومبدئها التأسيسي الذي ينصُّ على أن (الدماغ البشري هو الشكل الوحيد المثبت للذكاء)، حيث تهدف الشركة التي تأسست عام 2018 إلى إنشاء شكل مختلف وأكثر قوة من نماذج الذكاء الاصطناعي التي يمكنها إتقان آليات تفكير الدماغ البشري بدلاً من نماذج الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على البيانات.

ويقود هذه الجهود المؤسس وأستاذ علم الأعصاب هنري ماركرام (Henry Markram) الذي يُعدُّ من العلماء الروّاد الذين يعملون على إعادة تعريف أبحاث الدماغ وعلم الأعصاب الحسابي، من خلال إنشائه العديد من المبادرات والمؤسسات البحثية.

اقرأ أيضاً: ما هي إصدارات نماذج التفكير في بوتات الدردشة؟ وكيف تعمل؟

لماذا تُعدُّ الشراكة مهمة للغاية للشركة الناشئة ولشركة مايكروسوفت؟

تمثّل شراكة مايكروسوفت مع شركة الذكاء الاصطناعي السويسرية الناشئة آنيت تحولاً في أبحاث الذكاء الاصطناعي نحو القدرات المعرفية التي تهدف إلى تكرار التفكير البشري. فعلى عكس نماذج الذكاء الاصطناعي التقليدية التي تعمل بشكلٍ أساسي على أساس الارتباطات الإحصائية والتعرّف إلى الأنماط، يسعى الذكاء الاصطناعي المعرفي إلى معالجة المعلومات وتفسيرها بطريقة تشبه عمليات التفكير البشري.

على سبيل المثال، تعمل نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية المدعومة بنماذج اللغات الكبيرة من خلال التنبؤ بالكلمة أو النمط التالي الأكثر احتمالاً، بناءً على تدريبها على مجموعات البيانات الضخمة. وفي حين يكون هذا النهج ذا كفاءة عالية في بعض المجالات مثل إنشاء النصوص أو توليد الصور، فإنه قد يفشل في مجالات تتطلب قرارات أكثر دقة وفورية مثل المجالات المالية أو التصنيع، وهي مشكلة يبدو أن مايكروسوفت تريد معالجتها من خلال شراكتها مع شركة آنيت التي تركّز على تطوير الذكاء الاصطناعي الذي يُحاكي آليات صُنع القرار في الدماغ البشري.

ما هي تقنية الذكاء الاصطناعي المستوحاة من الدماغ التي تعمل عليه الشركة الناشئة؟

يركّز نهج شركة آنيت (Inait) المبتكر لتطوير الذكاء الاصطناعي على إنشاء نماذج تُحاكي التفكير الدماغي للثدييات والابتعاد عن طرق الذكاء الاصطناعي التقليدية القائمة على الارتباطات الإحصائية والتعرّف إلى الأنماط، حيث تستخدم تكنولوجياتها إطار عمل لغة برمجة الدماغ (Brain Programming Language)، ما يسمح للأدمغة الرقمية بمعالجة المعلومات والتعلم من التجارب وإنشاء علاقات سببية وتكييف استراتيجيات التعلم الخاصة بها.

وتجمع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي العصبي الرمزي الذي تعمل عليه الشركة الناشئة بين التفكير الرمزي (Symbolic Thinking) (اتخاذ القرار القائم على المنطق) والشبكات العصبونية (Neural Networks) (التعلم القائم على الأنماط) لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي أكثر تكيّفاً وكفاءة قادرة على التعامل مع مهام حل المشكلات المعقدة في مختلف الصناعات، ومن ثَمَّ من خلال هذه الشراكة تريد مايكروسوفت إنشاء نماذج ذكاء اصطناعي يمكنها:

  • التعلم من تجارب العالم الحقيقي بدلاً من مجرد تحليل البيانات الموجودة مسبقاً.
  • محاكاة القدرات المعرفية المشابهة للذكاء البيولوجي للإنسان.
  • تحقيق كفاءة أكبر في استخدام الطاقة مقارنة بالنماذج الحالية التي تستخدم التعلم المعزز العميق.
  • إظهار سرعات تعلم أسرع ومواصلة التعلم الذاتي بعد نشرها.
  • أداء المهام التي تتطلب تفكيراً منظماً مثل اتخاذ القرارات المالية أو البحث العلمي.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن توظيف التفكير التأملي في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي؟

ويهدف التعاون بحسب تصريح الشركاء إلى إنشاء نماذج ذكاء اصطناعي جديدة ومختلفة وقوية جداً يمكنها من خلالها مواجهة أكبر التحديات التي تواجه الصناعات الرئيسية اليوم، حيث تشير صحيفة فايننشال تايمز إلى أن المؤسس المشارك هنري ماركرام أمضى 20 عاماً في تطوير نسخ رقمية دقيقة بيولوجيا لأدمغة الثدييات، ما أنتج نحو 18 مليون سطر من التعليمات البرمجية التي تُعدُّ الآن الأساس لنموذج محاكاة الدماغ الذي تعمل على تطويره الشركة الناشئة.

وعلى الرغم من أن المشروع الذي عمل عليه هنري ماركرام والمُموّل من الحكومة السويسرية ركّز بشكلٍ أساسي على دماغ الفأر، فإن ماركرام يعتقد أن فريقه يمكنه تعديل البحث لتكرار أدمغة الثدييات الأخرى، بمن في ذلك البشر.

ما هي أبرز تطبيقات النماذج التي تطوّرها شركة آنيت في العالم الحقيقي؟

يهدف التعاون بين شركتي آنيت ومايكروسوفت إلى إحداث ثورة في العديد من الصناعات الرئيسية، من خلال نشر نماذج الذكاء الاصطناعي الذي يحاكي عمليات التفكير البشري، لإحداث تحول حقيقي وفوري في السوق، وبصورة أساسية من المتوقع مبدئياً أن تُنشر النماذج في قطاعين رئيسين هما:

- القطاع المالي: تحسين استراتيجيات التداول القائمة على الذكاء الاصطناعي وإدارة المخاطر والمشورة المالية الشخصية للعملاء.

- قطاع الروبوتات: تطوير روبوتات أكثر ذكاءً يمكنها التكيُّف مع بيئات العمل المعقدة والمواقف في البيئات الصناعية، ما قد يؤدي إلى تحسين عمليات التصنيع والأتمتة.

حيث من المتوقع أن يستفيد هذان القطاعان من قدرات التفكير الشبيهة بالدماغ لنماذج الذكاء الاصطناعي، من خلال قدرتها على معالجة المعلومات والتعلم من التجارب وإقامة علاقات سببية بطرق لا تستطيع نماذج الذكاء الاصطناعي التقليدية القيام بها. علاوة على ذلك، تُعدُّ قدرة النماذج على مواصلة التعلم بعد النشر مناسبة لمثل هذين القطاعين، ما قد يتكامل مع خدمات مايكروسوفت السحابية والمؤسسية لمهام حل المشكلات المعقدة.

اقرأ أيضاً: «مانوس» بين الإبهار والواقعية: إنجاز تقني أمْ مجرد ضجة إعلامية؟

ما هي الأهداف التي تُريد مايكروسوفت تحقيقها من خلال الشراكة؟

بحسب المتابعين، فإن أهداف مايكروسوفت من الشراكة مع شركة آنيت متعددة، طويلة المدى وقصيرة المدى، على سبيل المثال:

  • التطلع إلى وضع نفسها في طليعة الشركات الرائدة في الذكاء الاصطناعي المعرفي لتأمين ميزة تنافسية مستقبلية.
  • تنويع قدراتها في صناعة الذكاء الاصطناعي بما يتجاوز النماذج الحالية والتوسع للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالاعتماد المفرط على تطوير نهج واحد من نماذج الذكاء الاصطناعي.
  • تحسين عروضها الموجهة للمؤسسات بشكلٍ كبير لا سيما في خدمة آزور السحابية المختصة بالذكاء الاصطناعي وأدوات الإنتاجية التي تقدّمها والحلول الخاصة بالصناعات مثل التمويل والتصنيع.
  • اكتساب إمكانية الوصول إلى أحدث أبحاث الذكاء الاصطناعي المستوحاة من علم الأعصاب، الذي بدوره قد يؤدي إلى تطوير نماذج ذكاء اصطناعي أكثر كفاءة والاقتراب من تطوير الذكاء الاصطناعي العام.
  • فتح أسواق وحالات استخدام جديدة لها خاصة في المجالات التي لن تستطيع النماذج الحالية من العمل فيها بكفاءة، مثل سيناريوهات اتخاذ القرارات المعقدة والتعلم التكيفي في البيئات الديناميكية.
  • جذب أفضل المواهب في مجال علم الأعصاب والذكاء الاصطناعي لتطوير أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي الشبيهة بالدماغ البشري.

المحتوى محمي