إيلون ماسك يعِد بتحقيق التخاطر بين البشر، فهل نصدقه؟

6 دقائق
إيلون ماسك -الذي يظهر في هذه الصورة في برج ترامب في يناير 2017- لديه خطط غامضة لدمج أدمغة البشر بالذكاء الاصطناعي.

في منشور مزوّد بصور ومؤلّف من 36400 كلمة، كشف رجل الأعمال الملياردير إيلون ماسك -عن طريق المدوّن ورسام الكاريكاتير تيم أوربان- عن الفكرة التي تكمن وراء شركته نيورالينك (Neuralink) ومهمتها المتمثلة في استخدام زرعات الدماغ لربط العقول البشرية بأجهزة الكمبيوتر بشكل مباشر.

يقول المنشور بأنه يجب علينا تحسين التواصل البطيء وغير الدقيق لأصواتنا من خلال الربط المباشر بين الدماغ والكمبيوتر. ويقول ماسك بأن هذا من شأنه أن يسمح بالتخاطر بين الناس وبناء علاقات مفيدة مع الذكاء الاصطناعي.

كما حدّد ماسك إطاراً زمنياً لذلك، إذ قال بأن الأشخاص الأصحاء سيتمكّنون خلال ست إلى ثمان سنوات من الحصول على زرعات الدماغ بصفتها واجهات جديدة للاتصال بالكمبيوتر.

وأنا أقول بأن الأمر لن يحدث.

تكمن المشكلة في المنشور في أنه على الرغم من طوله، إلا أن ماسك لم يكشف عن كيفية قيامه بذلك. فليس هناك سوى خطّ منقّط بين الطرق الحالية البسيطة نسبياً لتسجيل الإشارات من الدماغ وما يُطلق عليه أوربان اسم "قبعة الساحر" الذهنية.

ولا يعدّ ماسك وحيداً في طموحاته. ففي عام 2017، قام فيسبوك -في محاولة غريبة لجذب الانتباه- بتقديم ريجينا دوغان -المديرة السابقة للوكالة الأميركية لمشاريع البحوث المتطورة الدفاعية (داربا)- على العلن لتدّعي بأن شبكات التواصل الاجتماعي ستنطوي بحلول عام 2019 على قلنسوة للرأس يمكنها نقل الجمل من عقلك بمعدل 100 كلمة في الدقيقة. في حالة فيسبوك، سيكون الهدف من القلنسوة مساعدتك في "مشاركة" أفكارك. أما ما يتصوّره ماسك، فهو في الواقع يشمل مجموعة من الأقطاب الكهربائية داخل عقلك لتمكين البشر من الاندماج مع الذكاء الاصطناعي. يشبه الأمر كيفية قيام جوجل بكتابة الاقتراحات حول ما تبحث عنه. ويقترح ماسك بأن يكون الشيء نفسه يحدث داخل دماغك في نفس الوقت الفعلي.

لا يمكن الجزم من أنه لا يمكن لأي تقنية مستقبلية أن تقوم بهذه الأمور. ولكن مما أعرفه عن زرعات الدماغ، سيكون من الصعب جداً تحقيق هذه الإنجازات، ولا تعتبر الجداول الزمنية خاطئة فحسب، بل إنها غير منطقية على الإطلاق.

دعونا نتناول االإطار الزمني الذي وضعه ماسك أولاً. تعتبر زرعة الدماغ جهازاً طبياً يتطلب إجراء جراحة عصبية. ويتطلب إثبات فعاليتها سلسلة من التجارب تستغرق كل منها سنوات، بدءاً من الفئران أو القرود.

إليك إطاراً زمنياً منطقياً مستمداً من العالم الواقعي: بدأت شركة تُدعى نيوروبيس (NeuroPace) في عام 1997 بتطوير زرعة للسيطرة على نوبات الصرع، وذلك من خلال استشعار النوبة القادمة وجعل العقل يقوم بإيقافها. تمت الموافقة على الجهاز في عام 2013، أي بعد 16 عاماً. وكان ذلك من أجل حالة طبية خطيرة جداً تشيع فيها العمليات الجراحية للدماغ.

ولكن ماذا عن وضع الزرعات عند الأشخاص الأصحاء؟ من شأن ذلك أن يتطلب أدلة استثنائية على الأمان والسلامة. وهذا الأمر صعب، لأنه بمجرد فتح رأس شخص ما، فإنه حياته تصبح عرضة للخطر. نحن في إم آي تي تكنولوجي ريفيو لا نعرف سوى حالة واحدة فقط عن شخص سليم حصل على زرعة دماغ، وهو أمر جريء وجنوني تم القيام به في أميركا الوسطى من قبل عالِم يحاول إجراء الأبحاث على نفسه. وقد أدى ذلك إلى حدوث مضاعفات تهدّد الحياة.

لذا، فإن الإطار الزمني الذي اقترحه ماسك للزرعات المحسّنة للعقل غير واقعي بشكل جلي. وقد يكون إطار فيسبوك الزمني كذلك أيضاً، ولكن لأسباب أخرى. إذ ستكون الأداة التي ناقشها فيسبوك خارج الجمجمة، حيث سيكون من الأصعب بكثير التقاط قراءات دقيقة للدماغ. يبدو أن الفكرة تتمثل بإرسال فوتونات عبر الجمجمة وملاحظة ما يرتدّ منها، لأنه من الممكن مراقبة النشاط العصبي عن طريق قياس كيفية عكس الخلايا للضوء.

أشارت دوغان في حديثها إلى بحث كريشنا شينوي -الأستاذ بجامعة ستانفورد والمشارك في فريق تمكّن في عام 2017 من تسجيل رقم قياسي للكتابة من الدماغ بلغ 8 كلمات في الدقيقة. لكنهم لم يتمكّنوا من ذلك إلا بعد عقد من المحاولات من خلال زرع أقطاب كهربائية داخل أدمغة المتطوعين المصابين بالشلل.

كتب شينوي في رسالة بالبريد الإلكتروني: "سيتساءل معظم العاملين في هذا المجال عما إذا كانت الإجراءات غير الجراحية يمكنها أن تبدأ حتى بالاقتراب من مستوى أداء أجهزة الاستشعار المزروعة، وسيقول معظمهم لا، بفارق كبير". إذن ما الذي يتحدث عنه فيسبوك؟ كيف سيتمكنون من القيام بأفضل من ذلك بعشرة أضعاف باستخدام قلنسوة داخلها ضوء؟ يقول شينوي: "لا أعرف".

مرة أخرى، قد يكون من الممكن جعل الأشخاص تكتب ما تفكّر به بدقة وبنفس سرعتهم أثناء الكلام، ولكن ذلك فقط مع حدوث بعض التطورات الكبيرة التي من غير المرجح أن تصل إلى ذروتها من الكمال الآن.

من الجدير بالذكر أن قراءة الدماغ نجحت فعلاً في بعض الحالات. ففي عام 1969، عندما قام العالم إبيرهارد فيتز بربط إحدى الخلايا العصبية في دماغ القرد بقرص الهاتف، تعلّم القرد إثارة تلك الخلية العصبية لتحريك قرص الهاتف والحصول على قطعة من الطعام. منذ ذلك الحين، استخدم العلماء الزرعات الموضوعة في القشرة الحركية للسماح للأشخاص المصابين بالشلل بتحريك الأذرع اآلآلية بمهارة كبيرة، ولتحريك مؤشر كمبيوتر، كما هو الحال في دراسات شينوي.

لذلك، "لا تقلّل من شأن كل التقنيات العصبية" وقراءة الدماغ، كما يقول أندرو شوارتز -العالم بجامعة بيتسبيرج والذي ساعد في اكتشاف الأنماط الحركية وقام بربط الناس بالأذرع الآلية. ومع ذلك، فإنه يضيف بأنه لا يعرف ما يخطط له ماسك وغيره من شخصيات وادي السيليكون الأخرى التي تسعى خلف هذه التكنولوجيا. يقول شوارتز: "إن الفكرة التي يعرفون بأنهم يسعون إليها هي التفكير الذي يستند على الأدلة من جانبنا".

خلال عام 2017، سألت العديد من علماء الأعصاب ورجال الأعمال حول ماسك. رفض معظمهم التعليق بسبب عدم توفر أي تفاصيل تقنية، كما حصلت على بعض الإجابات اللبقة جداً. إليكم ما قاله جريجور كورتاين -عالم الأعصاب في معهد لوزان الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا (EPFL) في جنيف والذي ذكرت إم آي تي تكنولوجي ريفيو أبحاثه حول واجهات الدماغ في قائمتها الخاصة بأهم 10 اكتشافات تقنية في عام 2017: "أشعر بأنني لا أعرف ما يكفي عن مشروعه ليكون لي رأي مستنير حول هذا الموضوع، لكنني متحمس جداً لأن يقوم شخص عبقري كان له أثره المذهل في مجال الأبحاث والصناعة باستثمار الموارد في الهندسة العصبية للدماغ."

كما قال العديد من الأشخاص بأنهم يعتقدون أن أموال هذا الرجل العظيم وذكاءه ربما تكون في الواقع هي ما يلزم لنقل التكنولوجيا العصبية إلى خارج المختبر. يتميز ماسك بمعالجته للمشاكل المعقدة جداً بحيث لا يستطيع روّاد الأعمال الذين يتجنّبون المخاطر أن يقوموا بها، مثل صناعة السيارات الكهربائية (تسلا) أو إطلاق الصواريخ (سبيس إكس). في كلتا الحالتين فهو يقول أيضاً بأنه يسعى لتحقيق مهمة أسمى، مثل إنقاذ الكوكب من ظاهرة الاحتباس الحراري أو نقل البشرية إلى كوكب احتياطي.

تتطور تكنولوجيا زرعات الدماغ ببطء شديد ولا تزال عالقة في الأوساط الأكاديمية على وجه التحديد لأنها معقدة جداً. إذ يحتاج الأمر إلى طريقة لتسجيل الإشارات من الدماغ وشرائح لاسلكية مدمجة لنقل الإشارات وخوارزميات لمعرفة معناها ومعرفة طبية لتنفيذها فعلياً. يقول شون باتيل -الزميل في جراحة الأعصاب في مستشفى ماساتشوستس العام، والذي يجري أبحاثاً حول الواجهات بين الدماغ والكمبيوتر: "لا يعتمد الأمر فقط على التكنولوجيا ولكن على العلوم أيضاً. فهو تنفيذ للعديد من الجوانب. ولا توجد مشكلة واحدة، بل هناك العديد من المشاكل".

أخبرني باتيل بأنه متحمس لفكرة إمكانية تعزيز الإنسان. ويعترف ماسك بالنقطة الأكثر وضوحاً: فقبل تحقيق التخاطر، سيتعين على شركة نيورالينك إيجاد مرض لعلاجه. يقول باتيل: "عليك أن تُظهر حلاً لأحد الاحتياجات الطبية. ستكون هذه الخطوة الأولى الحاسمة لأي شخص، ولكنها ستتيح لك أيضاً تطوير التقنيات الأساسية، بما فيها البطاريات والأشياء الكثيرة التي تحتاجها قبل أن تتخيّل الفكرة المستقبلية المتمثلة في تنزيل المهارات الجديدة إلى دماغك، مثل أن تصبح بمهارة الشخص الحائز على الحزام الأسود في الكاراتيه. هنا موطئ القدم".

هناك بعض المؤشرات على أن ماسك اختار الوقت الجيد للاستثمار. فزرعات الدماغ التي تستخدم في الغالب -وهي جهاز من السيليكون بحجم دبوس التثبيت وتسمى مصفوفة يوتا- يعود عمرها إلى أكثر من 20 عاماً. ولكن حدثت في الآونة الأخيرة طفرة في الاختراعات الجديدة وتقنيات قياس الدماغ، مثل علم البصريات الوراثي ومخططات لتسجيل الإشارات الناجمة عن العديد من الخلايا العصبية في الدماغ مرة واحدة. وكان أحد مؤسسي شركة نيورالينك -دي جي سيو- قد عمل سابقاً في جامعة كاليفورنيا في بيركلي على مفهوم يسمى "الغبار العصبي" لحقن الدماغ بالآلاف من ذرات السيليكون الصغيرة التي يمكنها تسجيل ونقل المعلومات باستخدام الاهتزازات الصوتية.

أحد الأمور الأخرى التي تُحسب لصالح مقترح ماسك هو أن التعايش بين الأدمغة وأجهزة الكمبيوتر ليس خيالاً. هل تتذكر ذلك الشخص الذي يكتب بواسطة إشارات الدماغ؟ أو الأشخاص المصابين بالشلل الذين يحركون الأذرع الآلية؟ تعمل هذه الأنظمة بشكل أفضل عندما يقوم الكمبيوتر بإكمال أفكار الأشخاص. يحتاج الشخص فقط إلى كتابة كلمة "الثيران ..." على سبيل المثال ويقوم الكمبيوتر بإكمال الباقي. وبالمثل، فإن الأذرع الآلية لديها ذكاءها الخاص. فهي تعرف كيف تتحرك، وما عليك إلا أن تطلب منها ذلك. إذن، فحتى الإشارات الجزئية الصادرة عن الدماغ يمكن تحويلها إلى إشارات أكثر اكتمالاً. تتمثّل فكرة ماسك في أن أدمغتنا يمكن أن تتكامل مع الذكاء الاصطناعي بطرق لا نلاحظها حتى. تخيّل الأمر وكأنه نوع من أداة استكمال الأفكار.

لذلك ليس من الجنون الاعتقاد بإمكانية توافر بعض الواجهات المثيرة جداً للاهتمام بين الدماغ والكمبيوتر في المستقبل. لكن هذا المستقبل ليس قريباً كما يجعلك ماسك تعتقد. أحد الأسباب هو أن فتح جمجمة الشخص ليس إجراء تافهاً. السبب الآخر هو أن تقنية تسجيل الإشارات بأمان من أكثر من مئة خلية عصبية في وقت واحد -الغبار العصبي والشرائط العصبية والمصفوفات البصرية التي توضع من خلال أوعيتك الدموية- لا تزال في معظمها في مرحلة المخطط.

فما هي الحقائق التي أفتقدها؟ وما الذي يجعل من المقبول أن يعِد ماسك وفيسبوك بتحقيق التخاطر بين عامة الناس في غضون بضع سنوات؟

المحتوى محمي