هل يمكن إنهاء سيطرة الشركات الكبرى على بيانات المستخدمين عبر شبكة الويب 3؟

4 دقيقة
حقوق الصورة: shutterstock.com/KT Stock photos

على الرغم من أن شبكة الإنترنت الحالية أو ما يُعرف باسم الويب 2 (Web 2) منحت المستخدمين تجربة رائعة، حيث سمحت للجميع بالمشاركة بنشاط عبر العديد من الأدوات مثل منصات التواصل الاجتماعي والمنتديات وغيرها، فإنها تعاني من المركزية، أي أن كلَّ مَا نستخدمه مملوك لشركة أو عدة شركات تعمل بكل همة ونشاط على الاستفادة من البيانات التي تُعدّ بمثابة منجم لا ينضب من الثروة والأرباح.

وللتخلص من هذه السيطرة التي فرضها علينا عدد قليل من الشركات أو ما يُعرف بحراس بوابة الإنترنت، بدأت بعض الشركات الناشئة بدفع عجلة الانتقال إلى الجيل التالي من الويب أو الويب 3 (Web 3). ومن ضمن هذه الشركات شركة إيدج آند نود (Edge &Node) التي بدأت ببناء الجيل القادم من الويب الذي يركّز على امتلاك المستخدمين بياناتهم بعيداً عن الشركات.

اقرأ أيضاً: كيف تتمكن الشركات المشبوهة من تخمين معلوماتك الشخصية الخاصة؟  

ما هي مشكلة الجيل الحالي من شبكة الويب؟

تُعدّ خصوصية البيانات مصدرَ قلقٍ كبيراً لمستخدمي شبكة الويب الحالية. وعلى الرغم من أن تصميمها يسهّل مشاركة المعلومات، فإن هذا الانفتاح كان ولا يزال يُسبب العديد من المشكلات، أبرزها قدرة الجهات الخارجية أو الأطراف الثالثة على الوصول بسهولة إلى البيانات الشخصية للأفراد التي تُجمع بالعديد من الطرق ومنها:

  • سرقة الهوية التي تُستخدم لارتكاب عمليات الاحتيال.
  • تقنيات التتبع لمراقبة البصمة الرقمية بغرض التجسس أو دفع الإعلانات المستهدفة.
  • تقنيات المراقبة والتي تُستخدم لمراقبة الأنشطة عبر الإنترنت.

بالإضافة إلى بعض المشكلات المتجددة والقديمة مثل:

  • جودة المحتوى: على الرغم من أن معظم المحتوى في الويب 2 هو من إنشاء المستخدم، فإن جودة هذا المحتوى يمكن أن تختلف بشكلٍ كبير، حيث يوجد خطر من احتمال مشاركة معلومات غير دقيقة أو مضللة أو متحيزة، ما يضر بمصداقية المنصات والمتلقين لها.
  • الفجوة الرقمية: تتطلب معظم تطبيقات الويب 2 الحالية أجهزة حديثة واتصالات إنترنت عالية السرعة، ما يخلق فجوة رقمية بين الذين لديهم إمكانية الوصول إلى هذه الموارد والذين لا يمتلكون هذه الإمكانية.
  • تحقيق الدخل: تعتمد معظم مواقع الويب 2 غالباً على نماذج الإعلان أو الاشتراك لتوليد الإيرادات، ومع ذلك قد يقاوم المستخدمون الدفع مقابل المحتوى أو قد يستخدمون أدوات حظر الإعلانات، ما يجعل من الصعب تحقيق الدخل خاصة للمواقع غير المدعومة.
  • المخاطر الأمنية: يمكن أن يؤدي المحتوى الذي ينشئه المستخدمون وميزات منصات التواصل الاجتماعي إلى خلق مخاطر أمنية، مثل انتشار هجمات التصيد الاحتيالي وسرقة الهوية والبرامج الضارة.
  • الاحتكار والسيطرة: تُستضاف نحو 90% من مواقع الويب على خوادم عدد قليل من الشركات، وهذا يعني أنه يمكنها حظر المواقع في أي لحظة.

هل يمكن إنهاء سيطرة الشركات الكبرى على بيانات المستخدمين؟

تُعدّ فكرة إنشاء الجيل التالي من شبكة الويب فكرة قديمة متجددة تظهر وتختفي بين فترة وأخرى على يد أشخاص أو شركات ناشئة تتبنى فكرة ضرورة إنشاء الويب 3، وذلك لشعورهم بأن النظام البيئي التقليدي للويب الحالي قد استفاد من المستخدمين وبياناتهم، وفي حين أنه كان هذا النظام ولا يزال مفيداً للعديد من الشركات والأفراد، إلّا أن البعض يراه تجاوزاً لخصوصية المستخدمين.

ومن ضمن هؤلاء الأشخاص تيغان كلاين (Tegan Kline) الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة إيدج آند نود التي تركّز على إنشاء التطبيقات اللامركزية ودعمها، حيث قال: "تمتلك مجموعة من الشركات الكبيرة وتتحكم في كل ما نراه عبر الإنترنت، وهي تمتلك بيانات وبصمتنا الرقمية ويمكنها إلغاء هذه المنصات في أي وقت، وهو ليس الإنترنت الذي كنا نعلق عليه آمالاً كبيرة في الأيام الأولى للويب".

من أجل ذلك، بدأ بإنشاء مشروع ذا غراف (The Graph)، وهي شبكة لامركزية تفهرس البيانات والاستعلام عنها وتنظيمها، وتُعدّ بمثابة محرك البحث جوجل في شبكة الويب الحالية، حيث يهدف المشروع إلى تنظيم بيانات شبكة البلوك تشين المفتوحة وجعلها في متناول الجميع.

اقرأ أيضاً: لماذا أصبح الويب 3 محور أحاديث أوساط العملات المشفرة؟

يحتوي مشروع ذا غراف على رسوم بيانية فرعية تشبه واجهات برمجة التطبيقات المفتوحة التي تخدم الاستعلامات، وهذا يعني أنه في أي وقتٍ يستخدم فيه المستخدم تطبيقاً أُنشئ على المشروع ستقوم المفهرسات الموجودة في الخلفية بتنظيم البيانات وتقديم المعلومات.

وعن المشروع يذكر كلاين: "لا تزال شبكة الويب 3 قيد البناء وما زلنا نعمل على بناء هذا الإنترنت اللامركزي المقاوم للرقابة، لذا فإن الابتكار يحدث اليوم وأعتقد أن هذا هو المكان الذي ستتجه إليه الإنترنت وسيكون هذا هو التطور التالي للإنترنت، وهي صناعة متنامية وليست متقلصة".

الاستفادة من طفرة الذكاء الاصطناعي ونموه

يخطط القائمون على مشروع ذا غراف لتحقيق العديد من الأهداف لخدمة المشروع في المستقبل القريب، من خلال خارطة طريق تتضمن أهدافاً رئيسية مثل توسيع خدمات البيانات للوصول إلى سوق أكبر، ودعم المطورين، وتعزيز أداء الشبكة، وإنشاء أدوات للبيانات، بالإضافة إلى خطط للمساعدة على تمكين نماذج اللغات الكبيرة التي تُعدّ واحدة من أكثر الطرق شيوعاً لبناء بوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

حيث يؤمّن القائمون على المشروع بأن الشيء الوحيد المهم في الذكاء الاصطناعي هو أن الأمر كله يتعلق بالبيانات وفقاً للقول "مَن يملك البيانات يحكم العالم"، لذا من المهم ألّا تكون البيانات مملوكة وخاضعة لسيطرة شركة واحدة خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي.

من أجل ذلك يسمح المشروع للمستخدمين بأخذ البيانات من الشبكة وسلاسل الكتل الأخرى لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، علاوة على ذلك يذكر كلاين أنه من المهم أن تُدرب نماذج الذكاء الاصطناعي على البيانات المفتوحة المصدر بالكامل، وذلك يعود إلى أن نماذج الذكاء الاصطناعي المفتوحة المصدر الموجودة الآن مفتوحة المصدر من بعض النواحي، لكن البيانات التي تُدرب عليها ليست مفتوحة المصدر.

اقرأ أيضاً: ما هي نزعة الحلول التكنولوجية وكيف أثّرت في انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي؟

كيف سيُنَفَذ الجيل التالي من شبكة الويب؟

لن يكون طرح شبكة الويب 3 فورياً، حيث إن إنشاء شبكة ويب يمكنها فك احتكار شركات التكنولوجيا الكبرى وإعادة تصور كيفية تفاعلنا عبر الإنترنت لن تكون مهمة سهلة، علاوة على ذلك سيتطلب موارد وبنية تحتية كبيرة تتطلب تعاون الجميع من أجل تحقيقه.

وفي حين أن موعد انطلاق شبكة الويب 3 بشكل كامل غير معروف، إلّا أن العديد من المجتمعات عبر الإنترنت بدأت بالعمل على مشاريع مختلفة لتسريع الانتقال، بالإضافة إلى ذلك بدأ العديد من العناصر المرتبطة بشبكة الويب 3 بالنمو وإيجاد موطئ قدم لها وسط المستخدمين.

على سبيل المثال، بدأت العملات المشفرة التي تعتبر العنصر الأساسي للتمويل في شبكة الويب 3 بالانتشار والرسوخ وسط مستخدمي شبكة الويب الحالية، كما أصبح المستخدمون أكثر حرصاً على بياناتهم ومعرفة كيفية استخدام الشركات لها في تحقيق أرباحها، ومن ثَمَّ بدأ الكثيرون بالنظر إلى شبكة الويب 3 على أنها الطريقة الأفضل لحل الكثير من المشكلات الموجودة الآن في شبكة الويب الحالية.

المحتوى محمي