يتم الحديث كثيراً عن تأثيرات قطاع التكنولوجيا السلبية على البيئة، فمنذ القرن الثامن عشر، طوّر الإنسان الكثير من الآلات التي مكّنته من استثمار الموارد الطبيعية، ترافق ذلك مع زيادة كبيرة في حرق الوقود الأحفوري الذي أدى في نهاية المطاف إلى ظهور مشكلة تغيّر المناخ.
مع ازدياد عدد سكان العالم، ازدادت الحاجة إلى الموارد والأجهزة والخدمات التكنولوجية بشكل كبير، ما استدعى العمل لإيجاد تكنولوجيا مستدامة تخفف من تأثيراتها على البيئة. ليس هذا فحسب، فهناك توجه نحو استخدام التكنولوجيا مثل إنترنت الأشياء (IoT) من أجل الحفاظ على البيئة، وذلك بفضل قدرتها على جمع كميات كبيرة من البيانات وتحليلها، ما يجعلها وسيلة فعّالة في الرصد البيئي.
اقرأ أيضاً: ما هي أحدث التكنولوجيات الخضراء التي ظهرت في عام 2022؟
ما هو الرصد البيئي القائم على إنترنت الأشياء؟
الرصد البيئي أو المراقبة البيئية القائمة على إنترنت الأشياء هي عملية تقوم فيها أجهزة إنترنت الأشياء بجمع بيانات ومعلومات حول البيئة، ثم تنقل هذه البيانات عبر الإنترنت ليتم تحليلها والاستفادة منها.
على سبيل المثال، تستطيع أجهزة الاستشعار التي يتم وضعها في المزارع أن تحدد كمية المياه التي تحتاجها النباتات، هذا يساعد في توفير المياه وبالتالي الحد من مشكلة الجفاف التي تعتبر من أكثر تداعيات تغيّر المناخ تأثيراً.
عادة ما تُنقل البيانات التي يتم جمعها بواسطة أجهزة إنترنت الأشياء إلى خوادم عبر الإنترنت ليتم تحليلها واستخلاص النتائج منها، ومؤخراً ظهرت أجهزة قادرة على تحليل البيانات بنفسها دون الحاجة إلى نقلها عبر الإنترنت.
تم تطوير بعض أجهزة إنترنت الأشياء لتكون قادرة على اتخاذ القرارات بشكل مستقل دون الحاجة إلى أي تدخل بشري، حيث يمكن أن تساهم هذه الأدوات في تجنب بعض المخاطر، على سبيل المثال، أجهزة الاستشعار التي تكشف وجود تلوث في مياه الشرب يمكنها إغلاق الأنابيب بشكل تلقائي لمنع وصول المياه الملوثة إلى السكان.
يمكن ضبط أجهزة إنترنت الأشياء المستخدمة في الرصد البيئي للتأكد من الالتزام بالمعايير واللوائح البيئية في مختلف القطاعات مثل الزراعة والصناعة والطاقة والنقل.
اقرأ أيضاً: ما هي أبرز تقنيات المعالجة الحيوية؟ وكيف يمكننا الاستفادة منها؟
حالات استخدام إنترنت الأشياء في الرصد البيئي
يمكن دمج أجهزة إنترنت الأشياء في أي قطاع لمراقبة ورصد البيئة وضمان تطبيق أفضل معايير الاستدامة واستهلاك الموارد والطاقة بفعالية أكبر. ويؤدي هذا الأمر دوراً ليس فقط في الحفاظ على البيئة، بل يحسّن من بيئة العمل ويزيد الأرباح.
مراقبة جودة المياه
المياه هي أحد الأشياء التي لا يمكن أبداً الاستغناء عنها، يجب أن تكون المياه التي نشربها أو نستخدمها نظيفة وخالية من أي ملوثات طبيعية أو صناعية.
في العديد من الدول المتقدمة، يتم استخدام أجهزة إنترنت الأشياء لمراقبة المياه والتأكد من أنها نظيفة وصالحة للاستهلاك البشري. تستطيع هذه الأجهزة أخذ قياسات دقيقة مثل نسبة الأوكسجين أو الحموضة أو الأملاح، كما يمكنها أن تكشف عن المواد الضارة والملوثات إذا كانت موجودة فيها.
اقرأ أيضاً: اكتشاف مواد ذكية تسهّل من عملية استخلاص المياه النظيفة من الهواء
مراقبة جودة الهواء
تتجلى التأثيرات البيئية الضارة لحرق الوقود الأحفوري في الغلاف الجوي لكوكب الأرض، حيث تزداد كمية غاز ثاني أوكسيد الكربون وغيرها من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
من خلال مراقبة جودة الهواء، يمكن اتخاذ القرارات الصحيحة من أجل تجنب زيادة التلوث. على سبيل المثال، تستطيع السلطات تحديد أماكن التلوث، ما يساعدها في إعادة تخطيط المدن بشكل يقلل الانبعاثات.
يؤدي عمل بعض أجهزة إنترنت الأشياء مثل إشارات المرور الذكية بالتزامن مع بعضها في المدينة إلى تحسين حركة المرور، ما يقلل بشكل كبير من الانبعاثات الناجمة عن السيارات.
اقرأ أيضاً: إشارات مرور ذكية طوّرتها شركة فورد لتسهيل حركة السيارات
في الأماكن الصناعية، يمكن استخدام أجهزة إنترنت الأشياء القادرة على مراقبة جودة الهواء للحصول على تنبيهات طارئة في حال حدوث أي تسرب لمواد كيميائية ضارة مثلاً. في المنازل والمباني، تساعد الأجهزة التي تراقب جودة الهواء في الكشف عن الدخان بشكل تلقائي، ما يساعد في إنقاذ الأرواح عند حدوث الحرائق.
من المتوقع أن تؤدي أجهزة مراقبة جودة الهواء دوراً كبيراً في الكشف عن حرائق الغابات وتحديد أماكنها لمساعدة رجال الإطفاء في السيطرة على الحريق فور اندلاعه.
اقرأ أيضاً: كيف تساهم التكنولوجيا الحديثة في التعامل مع حرائق الغابات؟
في الماضي، كان تركيز الباحثين منصباً نحو تطوير تكنولوجيا جديدة تساعد في توليد الطاقة من مصادر متجددة، مثل ألواح الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح، لكن حالياً، هناك توجه متسارع النمو نحو تطوير تكنولوجيا الرصد البيئي القائم على إنترنت الأشياء، والتي تساعد في حماية البيئة واستهلاك الطاقة والموارد المتوفرة بشكلٍ أكثر فعالية. بذلك، يمكننا القول إن أجهزة إنترنت الأشياء المستخدمة في الرصد البيئي أصبحت جزءاً مما يعرف بالتكنولوجيا الخضراء.