أخيراً، وبعد أكثر من عام من التشويق والانتظار، ظهر الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، إيلون ماسك، على خشبة المسرح، بصحبة نموذجين أوليين من الروبوت الذي تحدث عنه كثيراً أوبتيموس (Optimus). وعلى الرغم من كلمات ماسك الحماسية طوال العام الماضي حول قدرات هذا الروبوت ومستقبله المشرق، فإن النموذجين لم يكونا على قدر التوقعات.
أول ظهور لأوبتيموس في يوم تسلا للذكاء الاصطناعي
خلال حدث "يوم تسلا للذكاء الاصطناعي 2022" (Tesla AI Day 2022) الذي أقامته شركة تسلا يوم الجمعة الماضي في مكتبها بمدينة بالو ألتو في ولاية كاليفورنيا الأميركية، قام نموذج أوليِّ للروبوت أوبتيموس بالمشي ببطء على خشبة المسرح. لم يفعل الروبوت -الذي تبرز الأسلاك من مختلف أنحاء جسمه- الكثير باستثناء التلويح بيده للجمهور الذي حضر المؤتمر، والذي تكوّن في غالبيته من موظفي الشركة وبعض الأشخاص المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي.
اقرأ أيضاً: هل ستساعد الشريحة الإلكترونية الجديدة من تسلا في جعل سياراتها ذاتيةَ التحكم؟
لكن إيلون ماسك، الذي قدّم الروبوت بنفسه، عرض بعد ذلك مقطع فيديو يظهر فيه نموذج آخر وهو يقوم ببعض المهام اليومية الروتينية، مثل حمل صندوق ووضعه على أحد المكاتب، ونقل قضبان معدنية ووضعها في مكانها المخصص في أحد مصانع تسلا، وأخيراً أمسك الروبوت بدلو ماء ذي مقبض ضيق ووقف يسقي بعض النباتات.
Tesla Bot coming out and dancing 🤣 @elonmusk pic.twitter.com/TKT1lSGyqa
— Tesla Owners Silicon Valley (@teslaownersSV) October 1, 2022
قال ماسك إن هذا النموذج من أوبتيموس -الذي أطلق عليه اسم بامبل سي (Bumble C)- يمكنه القيام بالكثير من الحركات على المسرح، لكنهم أرادوا الحفاظ على سلامته، ومنعه من "السقوط على وجهه"، لا سيما وأنها "المرة الأولى التي يسير فيها دون سلك" (على الأرجح لتجنب لحظة محرجة أخرى كالتي تعرض لها ماسك على المسرح عام 2019 عندما حطمت كرة معدنية الزجاج المدرع لشاحنة تسلا "سايبرترك").
بعد ذلك، استعرضت الشركة نموذجاً آخر أكثر تقدماً، قال ماسك إنه أقرب إلى شكل المنتج النهائي الذي سيدخل حيز الإنتاج، لكنه ظهر غير قادر على المشي واحتاج إلى ثلاثة مهندسين لحمله على منصة صغيرة إلى المسرح، حيث وقف صامتاً لفترة وجيزة قبل حمله مرة أخرى إلى الخارج.
وأوضح ملياردير التكنولوجيا الشهير أن هدف تسلا هو صنع روبوت مفيد ذي هيئة بشرية بأسرع ما يمكن، مشيراً إلى أنه "لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لتحسين أوبتيموس". وأضاف أن تكلفة الروبوت ستكون أقل بكثير من سيارات الشركة، مقدراً سعره المبدئي بنحو 20 ألف دولار (نحو ثلث سعر سيارة تسلا موديل واي).
اقرأ أيضاً: بتعابير وجه دقيقة: الإعلان عن تطوير «أميكا» الروبوت الأقرب إلى البشر حتى الآن
خيبة أمل لخبراء الذكاء الاصطناعي
على الرغم من أن الكثير من المتابعين أثنوا على التطورات التي تم إعلانها في المؤتمر الأخير، فإن النشاط المحدود الذي أظهره أوبتيموس خيّب آمال العديد من مهندسي الروبوتات وخبراء الذكاء الاصطناعي وعشاق التكنولوجيا. وتركزت الانتقادات على أن معظم الوعود التي أطلقها إيلون ماسك لم تتحقق حتى الآن على أرض الواقع، وأن الروبوت ليس مميزاً بشكل واضح عن غيره من الروبوتات التي طوّرتها الشركات المنافسة.
أثناء حديثه خلال الجزء الثاني من المؤتمر، انتقد ماسك الروبوتات الموجودة حالياً قائلاً إنها "تفتقد إلى الدماغ" والقدرة على حل المشكلات بنفسها. وقال إنه على النقيض من ذلك، سيكون أوبتيموس "روبوتاً ذا قدرة فائقة" وسيتم إنتاج ملايين الوحدات منه. لكن العرض الذي قدمه لم يظهر أدلة واضحة على أن أوبتيموس يتفوق على منافسيه. وفي الواقع، كان العرض الذي قدمته شركة شاومي الصينية، في أغسطس الماضي، لروبوتها المُسمى سايبر وان (CyberOne) أكثر إبهاراً، على الأقل على المسرح. بل إن الروبوت "أسيمو" الذي طوّرته شركة هوندا قبل 22 عاماً كان يؤدي حركات أكثر رشاقة وبسرعة أكبر على المسرح أمام الجمهور.
اقرأ أيضاً: شاومي وتسلا تنقلان سباق الروبوتات الشبيهة بالبشر إلى مستوى جديد
يرى الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي، فيليب بيكنيفسكي، أن روبوت تسلا يمثل "عملية احتيال كاملة ومطلقة"، متسائلاً "مَن الذي يصدق هذا الهراء بعد الآن؟" وأضاف: "لا يصدق أي من هؤلاء الأشخاص الذين يتحدثون في الواقع أياً مما يقولونه. يمكنك معرفة ذلك من خلال لغة الجسد".
وعود كبيرة كالعادة
جاءت بعض الانتقادات الأخرى أقل حدة، حيث يعتقد أستاذ الروبوتات في جامعة ولاية أريزونا هني بن أمور أن السعر المستهدف البالغ 20 ألف دولار يمثل "طرحاً جيداً"، لأن تكاليف الروبوتات الحالية ذات الهيئة البشرية تصل إلى نحو 100 ألف دولار. لكنه قال إن "هناك بعض التناقض بين نوع الطموح وما قدموه"، مضيفاً أنه "عندما يتعلق الأمر بالبراعة والسرعة والقدرة على المشي بطريقة مستقرة وما إلى ذلك، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به".
لا يزال أوبتيموس يحتاج إلى ما بين 3 إلى 5 سنوات أخرى ليكون جاهزاً للإنتاج، بحسب توقعات ماسك نفسه. لكنه يعتقد أنه "يمكن أن يساعد الملايين من الناس"، لأنه إذا نجح فسيمكّن العالم من الوصول إلى ما أسماه "مستقبل الوفرة، مستقبل لا يوجد فيه فقر، حيث يمكن للناس أن يحصلوا على كل ما يريدونه من المنتجات والخدمات". وقدم وعداً كبيراً -كالعادة- بأنه سيكون "تحولاً جذرياً في الحضارة كما نعرفها".
ويُعرف ماسك بوعوده الكبيرة، التي لا يلتزم بجداولها الزمنية في الكثير من الأحيان، ومن ضمنها وعده السابق بأن تقوم سيارة ذاتية القيادة بدون سائق برحلة كاملة من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة بحلول نهاية عام 2017، إلا أن تسلا لم تطلق حتى يومنا هذا سوى أنظمة مساعدة السائق التي يجب أن يشرف عليها باستمرار سائق بشري.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يساعد الروبوتات المجهرية على تعلم السباحة والحركة داخل أجسامنا
أوبتيموس "مجرد ضجة"
في مقالة مفصّلة منشورة في مجلة (IEEE Spectrum) التي يصدرها معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات، وجّه الكاتب إيفان أكرمان، انتقادات لاذعة للروبوت الجديد، معتبراً أن الضجة التي أُثيرت حوله لم تخرج عن كونها مجرد "ضجة" فعلاً، وأنه لا يوجد الكثير مما يوحي بأنه سيمثل ابتكاراً مزعزعاً في مجال الروبوتات على غرار ما فعلته شركة سبيس إكس -المملوكة أيضاً لماسك- في مجال الصواريخ أو ما فعلته تسلا في قطاع السيارات الكهربائية.
ويرى الكاتب أنه لا يوجد شيء مبتكر أو مستقبلي بشكل خاص حتى الآن حول تصميم أوبتيموس. كما تساءل حول السبب في أن تكون المرة الأولى التي يسير فيها الروبوت دون مساعدة هي المرة التي يسير فيها على خشبة المسرح.
في النهاية، وعلى الرغم من هذه الانتقادات، فإن معظم المتابعين والخبراء يعتقدون أن فريق الروبوتات في تسلا تمكن من تحقيق إنجاز كبير في المدة الزمنية القصيرة التي أُتيحت له، حيث وصل أوبتيموس إلى هذه المرحلة خلال 8 أشهر فقط. كما أن أفق تطوير الروبوت نفسه لا يزال مبشّراً، لا سيما وأن المنافسة الكبيرة التي تواجهها الشركة حالياً ستدفعها للإسراع في عملية التطوير. هذا إلى جانب إعلان ماسك أنه سيسعى بمرور الوقت لأن يكون عمل تسلا في مجال الروبوتات أكثر قيمة من عملها في السيارات ذاتية القيادة.