كيف تجاوز آيدا دفاعات مدينة نيويورك ضد الفيضانات

4 دقائق
إعصار آيدا يتجاوز دفاعات نيويورك
فيضان أمطار إعصار آيدا يغرق قبو مطعم للوجبات السريعة في منطقة برونكس.

تسببت الفيضانات في مقتل 20 شخصاً على الأقل، وذلك مع اندفاع الإعصار آيدا عبر نيويورك ونيوجيرسي وبنسلفانيا، وذلك في ليلة 1 سبتمبر. وأضيف كل هذا الدمار إلى ما سبقه من مقتل 13 شخصاً وانقطاع الكهرباء عن الملايين عندما ضربت العاصفة لويزيانا وميسيسيبي وألاباما قبل ذلك.

ومع انتقال العاصفة شمالاً على طول الساحل الشرقي، تعرضت نيويورك لضربة شديدة القسوة؛ فقد تعرض منتزه سنترال بارك إلى أكثر من 7.6 سم من المطر خلال ساعة واحدة، محطماً الرقم القياسي الذي يعود إلى ما قبل أسبوع واحد وحسب. وحولت مياه الفيضانات طرقات المنتزه إلى قنوات، وأدراج محطات قطار الأنفاق إلى شلالات، ما ترك العديد من المواطنين عالقين أو محتجزين. وقد حدث كل هذا على الرغم من إنفاق المدينة للمليارات من الدولارات على تحسين دفاعاتها ضد الفيضانات منذ ضربها الإعصار ساندي في 2012.

أصبحت العواصف الشديدة أكثر شيوعاً وانتشاراً؛ وذلك بسبب التغير المناخي الذي يزيد من شدة هطول الأمطار، ويتسبب في تفاقم العواصف. وما زالت المدن تحتاج إلى الكثير من التحضيرات والاستعدادات لمواجهة الأخطار المقبلة، التي يمكن أن تتراوح بين الفيضانات المفاجئة وارتفاع منسوب مياه البحر أثناء العواصف. وسيتطلب التكيف مع هذا الوضع وقتاً طويلاً قد يصل إلى عقود كاملة في بعض الحالات، وتكاليف باهظة قد تصل إلى مئات المليارات من الدولارات. غير أن سرعة التغير المناخي تختلف عن سرعة جهود التكيف.

تقول لورين ماك فيليبس، وهي أخصائية بالمياه في جامعة بنسلفانيا الحكومية، وتدرس الفيضانات في المناطق الحضرية: "تكمن المشكلة في أن جهود التكيف لا تستطيع مجاراة هذه الآثار والعواصف التي نراها تتغير بسرعة هائلة".

وتضيف ماك فيليبس أن مدينة نيويورك كانت تتعامل مع مسألة الاستعداد للفيضانات بعقلية استباقية؛ فقد قامت -على مدى سنوات عديدة- بزيادة البنى النفوذة للماء، مثل أسطح المنازل الخضراء وحدائق الأمطار، كما قامت بتحديث مضخات وأنابيب التصريف. وبعد الإعصار ساندي، زادت وتيرة ودرجة هذه التحديثات.

وقد قالت حاكمة نيويورك كاثي هوتشول في مؤتمر صحفي في الصباح التالي للعواصف: "لقد تعلمنا الكثير من الدروس من ساندي؛ فقد أعدنا تعزيز بنانا التحتية، وأصبحت شواطئنا في حال أفضل من ذي قبل. ولكن نقطة ضعفنا تكمن في شوارعنا".

يخيم ساندي على أي نقاش حول الفيضانات في مدينة نيويورك. ولكن الفرق بين هذا الإعصار الذي يعود إلى 2012 وإعصار آيدا يبين خطر الفيضانات المعقد الذي تتعرض له المدينة بسبب التغير المناخي؛ فقد أدى ساندي إلى ارتفاع كبير في منسوب مياه المحيط، التي اندفعت إلى المدينة. أما آيدا فقد أمطر جميع أنحاء المدينة بالماء خلال فترة قصيرة، وهي مشكلة لا يمكن مواجهتها بالحواجز البحرية وغيرها من إجراءات الحماية الساحلية.

وفي حين أن مدينة نيويورك وغيرها من المناطق الساحلية أكثر عرضة لمخاطر ارتفاع منسوب مياه البحر، فإن أي منطقة حضرية يمكن أن تتعرض إلى ما يحمل اسم الفيضان المطري، والناجم عن هطول كميات كبيرة جداً من الأمطار. يقول تيمون ماكفيرسون، وهو باحث في المقاومة الحضرية المناخية في المدرسة الجديدة وعضو لجنة مدينة نيويورك حول التغير المناخي: "إن طريقة تطويرنا لمدينة نيويورك هي التي تسببت في مشكلة الفيضانات".

حيث إن السطوح الكتيمة (مثل الإسمنت) تدفع الماء إلى الاندفاع نحو المناطق المنخفضة بدلاً من أن يغور في الأرض كما يحدث في الأراضي العشبية والغابات. وإذا اجتمعت كمية كافية من هذه المياه الجارية، فقد تكون العواقب وخيمة.

وبفضل مساهمات الباحثين مثل ماكفيرسون، قامت مدينة نيويورك بتصميم خطط لتحسين دفاعاتها ضد الفيضانات الناجمة عن العواصف. ونُشرت في مايو 2021 خطة استباقية لمقاومة مياه العواصف، وتضمنت تقييماً لخطر الفيضان في جميع أنحاء المدينة، واقترحت حلولاً تتراوح بين الإستراتيجيات الاجتماعية، مثل تثقيف المجالس المحلية في المدينة حول مخاطر الفيضانات، وصولاً إلى أساليب هندسية، مثل زيادة أسطح المنازل الخضراء وحدائق الأمطار.

كما تقوم دائرة الحماية البيئية في المدينة بدراسة خطط تتعلق بالمناطق التي تعرضت لأسوأ آثار العواصف الشديدة. وقد استُكملت دراسة كلاودبيرست لمقاومة العواصف في 2018، التي تضمن دراسات للإستراتيجيات المستخدمة لمواجهة الهطولات المطرية الشديدة. كما تضمن بعض الخطط التجريبية في المناطق المعرضة للفيضانات المتكررة بنى تحتية خضراء، مثل دروب المتنزهات المصممة للفيضانات، إضافة إلى ملعب كرة سلة مصمم لاستيعاب الماء خلال الفيضانات الكبرى.

ولكن تنفيذ هذه الحلول أو غيرها لإدارة مياه العواصف يتطلب تمويلاً كبيراً، كما يتطلب بعضها ما يقارب عقداً من الزمن للتصميم والبناء. ويقول ماكفيرسون: "يتطلب حل المشكلة إعادة تصميم للمدينة، بالمعنى الحرفي". كما يتوقع أن تكون التكاليف باهظة، ويمكن أن تصل على الأرجح إلى مئات المليارات من الدولارات. ويقول إن الاقتراحات البحثية حول كيفية حماية المدينة من الفيضانات موجودة في بعض الحالات، غير أن المشكلة تكمن في الحصول على التمويل واستجماع الإرادة السياسية.

وفي هذه الأثناء، لن تتوقف الفيضانات عن إزهاق الأرواح. ووفقاً لآن جيفرسون، وهي أخصائية بالمياه في جامعة كينت الحكومية، فإن عدد القتلى بسبب مياه الفيضانات سيفوق عدد القتلى الناجم عن أي أثر آخر للأعاصير. كما أن الطبقات المهمشة هي الأكثر عرضة للأذى أو الموت بسبب الفيضانات؛ فقد كان ثمانية قتلى على الأقل بسبب العاصفة في نيويورك من سكان الشقق السكنية الواقعة في الأقبية -ومنها شقق غير قانونية- التي تكون عادة أقل تكلفة من الشقق فوق الأرض.

يمكن أن تساعد الحلول الهندسية على تقليل درجة الضرر الذي تتسبب فيه الفيضانات في المدن. ولكن في الوقت الحالي، فإن هذه الحلول تتقدم ببطء، وسيبقى الملايين عرضة للخطر مع تسارع التغير المناخي.

وفي نهاية المطاف، ستصبح العواصف في المستقبل على الأرجح أكثر شدة وعنفاً إذا استمر الاحترار. وسيتطلب الحد من الأضرار في المستقبل نطاقاً واسعاً من الحلول: بيئية، واجتماعية، وقانونية، وهندسية. ولكن بفضل آيدا، إضافة إلى مجموعة كبيرة من الكوارث المناخية الأخرى التي شهدناها هذه السنة، من الحرائق البرية إلى موجات الحر الشديد، أصبح من الواضح إلى درجة لا تقبل الشك أن التغير المناخي لم يعد مشكلة مستقبلية يجب أن نتجنبها. وإنما أصبح التغير المناخي مشكلة حالية، ولا نكاد نستطيع حتى مجاراتها.

 

المحتوى محمي