قد تتمكن محطة طاقة نووية مغلقة في ولاية ميشيغان من العودة إلى نشاطها السابق بفضل قرض من وزارة الطاقة الأميركية بقيمة 1.52 مليار دولار. إذا نجحت هذه العملية، فسوف تكون هذه المرة الأولى التي يعاد فيها افتتاح محطة مغلقة للطاقة النووية في الولايات المتحدة.
أُغلِقت محطة باليساديس (Palisades) للطاقة النووية في 20 مايو/أيار من عام 2022 بعد 50 عاماً من توليد الكهرباء بانبعاثات كربونية منخفضة. لكن المالك الجديد للمحطة يعتقد أن السنوات القليلة الماضية شهدت تحسناً في الأوضاع الاقتصادية، ويخطط لإعادة افتتاح المحطة بحلول نهاية عام 2025.
قد تمثل إعادة التشغيل الناجحة إنجازاً مفصلياً مهماً بالنسبة إلى المجموعة الكبيرة من محطات الطاقة النووية في الولايات المتحدة، علاوة على أن قدرة المفاعل التي تبلغ 800 ميغا واط، قد تساعد على دفع البلاد قليلاً نحو تحقيق أهدافها المناخية. لكن إعادة التشغيل ليست أمراً بسيطاً كالضغط على مفتاح الإضاءة، فثمة الكثير من العوائق التقنية والإدارية والرسمية التي يجب تجاوزها قبل أن تباشر محطة باليساديس عملها من جديد. ونبين فيما يلي ما تتطلبه إعادة افتتاح محطة للطاقة النووية.
اقرأ أيضاً: تعرّف إلى آخر التطورات في الجيل القادم من المفاعلات النووية
الخطوة 1: الحفاظ على الجاهزية
من أهم الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى نجاح عملية إعادة التشغيل، حرص المالك الجديد للمحطة على التخطيط بعناية لهذه العملية على مدى سنوات عدة. يقول مدير الأبحاث في مجموعة الدراسات اللاربحية نيوكلير إينوفيشن ألايانس (Nuclear Innovation Alliance)، باتريك وايت: "من الناحية الفنية، كانت الظروف جميعها مناسبة لاستمرار المحطة في العمل".
تختص شركة هولتيك إنترناشيونال (Holtec International) بتقديم التجهيزات اللازمة للمفاعلات النووية والتعامل مع النفايات النووية، وتقدم خدمات عديدة مثل تنفيذ عمليات إخراج محطات الطاقة النووية من الخدمة. كانت هولتيك قد اشترت باليساديس بهدف إغلاقها وتفكيك المنشآت المرافقة وتنظيف الموقع. أخرجت الشركة من الخدمة عدة محطات نووية أخرى أُغلِقت مؤخراً، بما فيها محطة إنديان بوينت إنيرجي سنتر (Indian Point Energy Center) في ولاية نيويورك.
أدى تغير الظروف الاقتصادية إلى زيادة تكاليف التشغيل إلى درجة غير مقبولة بالنسبة للعديد من محطات الطاقة النووية، لا سيما الصغيرة منها. وقد كانت المحطات الأكثر تأثراً تلك التي تتضمن مفاعلاً واحداً صغيراً نسبياً، مثل باليساديس.
بعد إغلاق محطة الطاقة النووية، قد تنتقل بسرعة إلى حالة تصعب معها إعادة تشغيلها. وعلى غرار سيارة متروكة في فناء مهجور، كما يقول وايت، "يجب أن نتوقع درجة ما من التردّي". وقد تتباطأ عمليات الصيانة والاختبار لأنظمة الدعم المهمة، أو تتوقف تماماً. على سبيل المثال؛ يجب تفقد مولدات الديزل الاحتياطية واختبارها بصورة منتظمة عندما يكون المفاعل في حالة العمل؛ لكن من المرجح ألا تحظى بالمستوى نفسه من العناية بعد إيقاف المحطة عن العمل، كما يقول وايت.
استحوذت هولتيك على باليساديس عام 2022 بعد إيقاف المفاعل عن العمل وإزالة الوقود منه. وحتى في ذلك الحين، أُطلِقت بعض النداءات للحفاظ على هذه المحطة التي تزود الشبكة العامة بالكهرباء بمستوى منخفض من الانبعاثات الكربونية، كما يقول المدير الأول للشؤون الحكومية والتواصل في هولتيك، نِك كالب.
سرعان ما غيرت الشركة موقفها، وقررت أن تحاول تفادي إغلاق المحطة؛ ولهذا واصلت أعمال التوثيق والصيانة سيرها بصورة شبه طبيعية. يقول كالب: "تبدو المحطة وكأنها أُغلِقت البارحة".
اقرأ أيضاً: جولة داخل مختبر المفاعلات النووية في معهد ماساتشوتس للتكنولوجيا
نظراً إلى الاستثمار المتواصل للوقت والموارد؛ ستكون إعادة تشغيل المحطة أقرب إلى إعادة إقلاعها بعد عملية توقف روتينية للتزود بالوقود أو لإجراء الصيانة منها إلى إعادة تشغيل محطة متوقفة بالكامل. بعد انتهاء الصيانة والتزود بدفعة جديدة من الوقود، يمكن أن يعود مفاعل باليساديس إلى العمل ويولد من الكهرباء ما يكفي 800,000 منزل تقريباً.
الخطوة 2: تجهيز الأموال والتراخيص اللازمة
حظيت محطة باليساديس بالكثير من الدعم، فقد خصصت ولاية ميشيغان 300 مليون دولار خلال السنتين الماضيتين لإعادة تشغيل المحطة. وحالياً، أصدرت وزارة الطاقة التزاماً بتقديم قرض مشروط تبلغ قيمته 1.52 مليار دولار.
ويجب أن تتمكن هولتيك من تحقيق عدة شروط فنية وقانونية للحصول على أموال القرض، التي ستسددها مع الفائدة في نهاية المطاف. (رفضت هولتيك ومكتب برامج القروض في وزارة الطاقة الإفصاح عن المزيد من المعلومات حول شروط القرض أو برنامجه الزمني).
سيساعد التمويل الحكومي والقرض الفيدرالي على دعم الإصلاحات والترقيات اللازمة لتجهيزات المحطة، إضافة إلى مواصلة دفع رواتب 200 عامل استمروا في العمل في المحطة بعد إغلاقها. عندما كانت المحطة في حالة العمل، بلغ عدد العاملين فيها 700 شخص، وتعمل الشركة حالياً على إعادة توظيف عاملين إضافيين للمساعدة في عملية إعادة التشغيل، على حد تعبير كالب.
تعد مسألة الحصول على التراخيص من الجهات الرقابية من أهم المسائل غير المحسومة حتى الآن فيما يتعلق باحتمال إعادة تشغيل باليساديس. تشرف اللجنة التنظيمية النووية على محطات الطاقة النووية في الولايات المتحدة، لكن هذه الوكالة لم تضع مساراً واضحاً ومجرباً لتجديد ترخيص محطة متوقفة عن العمل. يقول أستاذ الهندسة النووية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)، جاكوبو بونجيورنو: "نحن نتعامل مع وضع جديد تماماً في هذه الحالة".
عملياً، انتهى مفعول رخصة التشغيل القانونية لمحطة باليساديس عند إيقافها عن العمل وإزالة الوقود من المفاعل. ويجب على هولتيك أن تزود اللجنة التنظيمية النووية بمخططات مفصلة تتضمن معلومات كافية حول خططها لإعادة افتتاح المحطة وتشغيلها بصورة آمنة.
بدأت هولتيك رسمياً عملية تجديد رخصة التشغيل مع اللجنة التنظيمية النووية في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023، وتخطط لتقديم القسم المتبقي من المواد هذا العام.
الخطوة 3: الأرباح؟
إذا منحت الجهات الرقابية موافقتها، تخطط الشركة لإعادة تشغيل محطة باليساديس بحلول نهاية عام 2025. جهزت الشركة وقود المحطة منذ الآن، علاوة على أن عملاء الشركة الذين يتزودون منها بالطاقة على المدى البعيد ملتزمون بشراء ما يكفي لتشغيل المحطة باستطاعتها الكاملة، كما يقول كالب.
وإذا جرى كل شيء على ما يرام، يمكن أن تواصل المحطة توليد الطاقة حتى عام 2051 على الأقل، أي بعد 80 عاماً منذ أن بدأت العمل أول مرة.
ساعد ارتفاع مستوى التأييد لمصادر الكهرباء ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة، خصوصاً الطاقة النووية، على تمكين إطالة عمر محطات الطاقة النووية القديمة في أنحاء الولايات المتحدة كافة. تقول واحدة من كبار المستشارين في مكتب برامج القروض التابع لوزارة الطاقة الأميركية، جولي كوزيراكي: "تمثل إعادة تشغيل هذه المحطة النووية تغيراً جذرياً في دعم مصادر الطاقة النظيفة والمستقرة".
حتى العام الماضي، تبين أن أغلبية الأميركيين (بنسبة 57%) تؤيد زيادة مصادر الطاقة النووية في البلاد، مقارنة بالنسبة المسجلة عام 2016 التي بلغت 43%، وذلك وفقاً لاستطلاع رأي أجراه مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center). إضافة إلى ذلك، يتخذ التمويل المتاح لهذه التكنولوجيا منحى متزايداً، بما في ذلك إعفاءات ضريبية تقدر بمليارات الدولارات لمصادر الطاقة النووية وغيرها من مصادر الطاقة ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة؛ التي شملها قانون خفض التضخم.
أسهم ازدياد التأييد والتمويل، إضافة إلى ارتفاع أسعار الكهرباء، في جعل محطات الطاقة النووية الموجودة حالياً أكثر قيمة مما كانت عليه منذ بضعة أعوام وحسب، كما يقول بونجيورنو من إم آي تي. ويضيف قائلاً: "لقد تغير كل شيء".
اقرأ أيضاً: ما هي محطات الطاقة الافتراضية؟ وكيف ستُعيد رسم ملامح مستقبل نظام الطاقة؟
لكن، حتى لو نجحت عملية إعادة تشغيل باليساديس، فهذا لا يعني أننا سنشهد موجة من إعادة افتتاح محطات طاقة نووية مغلقة أخرى في أنحاء الولايات المتحدة كافة. يقول وايت: "هذه حالة نادرة حقاً تعتمد على درجة عالية من الاستعداد والتفكير الاستشرافي". أما بالنسبة إلى محطات الطاقة النووية الأخرى التي أوشكت على الوصول إلى نهاية عمرها التشغيلي، فسوف تكون عملية إطالة عمرها التشغيلي أقل تكلفة وأكثر بساطة وفاعلية مقارنة بالسماح لها بالإغلاق في المقام الأول.