من خبير تكنولوجيا إلى إيلون ماسك: لا يمكن إصلاح تويتر بتغيير التعليمات البرمجية فقط

4 دقائق
هل يمكن التخلص من مشكلة ثقافية بطريقة برمجية؟
حقوق الصورة: غيتي إيميدجيز.

في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني، علمنا أن إيلون ماسك طلب من جميع موظفي تويتر الذين "يكتبون البرامج فعلياً" بأن "يرسلوا إليه ملخصاً على شكل بنود للوظائف التي حققتها إضافاتهم البرمجية خلال الأشهر الستة المنصرمة، إضافة إلى ما يصل إلى 10 لقطات شاشة لأهم أسطر التعليمات البرمجية من تلك النصوص البرمجية".

وبما أنني نائب الرئيس للتكنولوجيا في سليت (Slate)، فقد كانت أول فكرة خطرت في بالي لدى قراءة هذا الخبر هي: "يا لها من مضيعة هائلة لوقت المهندسين". أما الفكرة الأخرى فكانت: "إن هذه البنود كثيرة للغاية، ولن تكون قراءتها سهلة".

اقرأ أيضاً: لماذا تواجه تويتر خطراً أمنياً كبيراً في الوقت الحالي؟

ما هي التعديلات البرمجية؟

تُعرّف التعديلات البرمجية (Code Commits) في التطوير البرمجي بأنها التغييرات التي يقوم المهندسون بتطبيقها على الكتل البرمجية الأساسية. عادة ما يستخدم مهندسو البرمجيات أنظمة تسمى "التحكم بالإصدارات" لتتبع التغييرات التي يطبقونها مع ملاحظات حول سبب هذه التغييرات (بشكل يشابه ميزة تتبع التغييرات في برنامج مايكروسوفت وورد). قد تكون التعديلات البرمجية، بمعزل عن أي شيء آخر، مملة للغاية. وعلى سبيل المثال، هذا أحد تعديلاتي البرمجية التي تعود إلى فترة وجيزة:

هل يمكن التخلص من مشكلة ثقافية بطريقة برمجية؟
مصدر الصورة: غريغ لافايي/ سليت

كما هو واضح، فإن هذا التعديل البرمجي يغير كلمة true إلى كلمة false ضمن إعدادات إعلان في أحد رسائلنا الإخبارية. يا للتشويق!

لكن ليست جميع التعديلات البرمجية مؤلفة من سطر واحد. فبعضها هائل الحجم. فعند إضافة ميزة أساسية أو معقدة للغاية على موقع أو تطبيق، قد يصبح من الضروري تغيير آلاف الأسطر البرمجية. بطبيعة الحال، سيقول لك معظم مهندسي البرمجيات إنه أسلوب مريع. ففي الوضع المثالي، تطال التغييرات أقل عدد ممكن من الأسطر البرمجية، وذلك لسهولة التعامل مع المشاكل البرمجية التي ستصيب المنتجات بصورة حتمية، حيث يصبح من السهل تتبع التعديل البرمجي الذي يتسبب بالمشكلة وعزله.

هدف إيون ماسك

وإذا أمعنا النظر، وتقمصنا دور الرئيس التنفيذي الشهير الذي يدير الكثير من الشركات، فيمكن أن نتوصل إلى تصور لما يأمل ماسك بتحقيقه بهذا الطلب. إنه أشبه بتدقيق ذاتي لمهندسي البرمجيات. وإذا تجاهلنا القسم المتعلق بالتعديلات البرمجية، يمكن أن نعتبر أن ماسك يطلب من المهندسين التحدث عن إنجازاتهم. ولكننا لا نستطيع تجاهل التعديلات البرمجية، لأنه أتبعها بطلب للقطات الشاشة.

اقرأ أيضاً: ما الذي ينقص خطة إيلون ماسك حتى تنجح في تحديد الحسابات المزيفة على تويتر؟

إن إطلاق الأحكام على الآخرين وفقاً لقدرتهم على الترويج لأنفسهم خطأ أميركي عريق، ولكن زيادة الطين بلة بإطلاق الأحكام على لقطات شاشة لتعليمات برمجية من قبل شخص لم يسبق له التعامل مع الكتل البرمجية الأساسية التي يعمل عليها المهندسون يمثل مستوى إضافياً من الحماقة. إن تقييم قدرات المهندسين عبر النظر إلى لقطة شاشة لمجموعة من التعليمات البرمجية هو أسلوب ينطوي على الكثير من المشاكل.

ففي البداية، يفتقر ماسك إلى السياق الذي دفع إلى كتابة هذه التعليمات البرمجية من قبل شخص معين في وقت معين. فالتعليمات البرمجية المكتوبة على عجل لتلبية طلب محدد لأحد المعلنين ستكون مختلفة للغاية عن تعليمات برمجية ناجمة عن دراسة مضنية لعدة أشهر بهدف تعديل هيكلية نظام معين. كما أن التعليمات البرمجية التي كتبها مهندس مستجد لن تكون على الأرجح مصقولة على غرار ما يكتبه مطور خبير.

من المرجح أن التعليمات البرمجية التي لم تخضع سوى لمراجعة واحدة ستبدو أسوأ من منتج ناضج تم بناؤه على مدى فترة طويلة من الزمن. وفي أغلب الأحيان، فإن أول تعديل برمجي لميزة معينة يمثل النسخة الأكثر بساطة التي تتيح للفريق اختبار عملها بصورة أولية، لا اختبار إمكانية نشرها على نطاق واسع، أو خلوها من الأخطاء. هل يجب على المهندسين أن يعرضوا هذه الأشياء أيضاً على ماسك، أم أنه يرغب فقط برؤية تعليمات برمجية تثير ذهوله؟

هناك أيضاً مسألة أسلوب صياغة التعليمات البرمجية. وكما نقول في التطوير البرمجي، هناك أكثر من طريقة لتحقيق هدف ما (اختصاراً TMTOWTDI، وتُلفظ هكذا: تيم-توداي). ومن الناحية العملية، تقوم الفرق في أغلب الأحيان بتطوير طريقة مفضلة للعمل ومحاولة الالتزام بها، وذلك لتفادي ظهور العشرات من الأشكال لنفس المفاهيم الأساسية. وتميل بعض الفرق إلى التعليمات المقتضبة المركبة والمصوغة بعناية، حيث يتم تحقيق الكثير بسطر واحد فقط من التعليمات البرمجية، مثل أساليب بناء القوائم بطريقة موجزة بلغة البرمجة بايثون، على سبيل المثال.

وتعتبر فرق أخرى، أثناء مراجعة التعليمات البرمجية، أن التعليمات البرمجية صعبة القراءة، والتي تمثل فخاً للمبرمجين المستجدين أثناء تعريفهم على الكتل البرمجية الأساسية، تعبر عن الذكاء. هل سيستوعب ماسك هذه التوازنات أثناء قراءته للمئات أو الآلاف من لقطات الشاشة على هاتفه أثناء تحليقه في الأجواء بطائرته الخاصة؟

اقرأ أيضاً: الجدل حول متابعي “تويتر” المزيفين يكشف زيف اقتصاديات العار الكامنة خلف وسائل الإعلام الاجتماعية

علاوة على هذا، وفي معظم الكتل البرمجية الأساسية الحقيقية، فإن نفس الملفات تتعرض للتعديل من قبل العشرات أو حتى المئات من المطورين المختلفين مع مرور الوقت. وبالتالي، فإن أي لقطة شاشة تمثل على الأرجح مزيجاً من مئات التعديلات البرمجية على مدى عشرات السنين.

ومن المرجح أن هذه المسألة تحديداً تمثل أكبر مشكلة في مقاربة ماسك، وتمثل أيضاً دلالة على ضعف استيعابه لطريقة العمل في تويتر. فالتعليمات البرمجية هي نتاج عمل فرق كاملة. ولكن ماسك يطلب عروضاً تقديمية من أفراد. لقد عمل الكثير من المهندسين في تويتر هناك لفترة طويلة مع نفس الزملاء في الفرق. ولهذا، فقد قاموا ببناء علاقات زمالة وثقافة كاملة وأسلوب عمل محدد.

وفي 18 نوفمبر/ تشرين الثاني، من المرجح أن هذا الاجتماع قد تم عقده. ولا يسعني سوى أن أتساءل عما حدث فيه. هل طلب من المهندسين أن يقوموا بشرح لقطات الشاشة الخاصة بهم، كلاً على حدة، أمام الجميع؟ هل سمح حتى بدخولهم إلى المبنى؟ هل حصل على أي قيمة فعلية من هذا الطلب، أم أنه كان مجرد اختبار للولاء؟

هل تصلح قرارات ماسك مشاكل تويتر؟

في أكتوبر/ تشرين الأول، كانت هناك تقارير تقول إن ماسك منح مهندسي شركة تسلا (Tesla) صلاحية تدقيق التعليمات البرمجية في تويتر. ولكن الاستعانة بمهندسين يكتبون البرمجيات للسيارات لأنهم "مبرمجون عباقرة" لن يجعل الفريق بالضرورة أكثر إنتاجية. وفي الواقع، فقد يؤدي إلى أثر عكسي، حيث يشعر الأشخاص الذين يحملون خبرة أكبر بالمنتج أنهم تعرضوا للتنحية، أو أنهم مضطرون لإضاعة وقتهم في شرح سياق كل القرارات البرمجية لشخص يتلهف على الأرجح للبدء بالبرمجة بنفسه دون الإصغاء إلى كل هذه الشروحات.

اقرأ أيضاً: لماذا أصبح واتساب تطبيقاً للعمل وللأصدقاء في نفس الوقت؟

من الواضح أن ماسك يستعين بما يعرفه، أي البرمجة، ولكنه يتجاهل ما يجب أن يركز عليه، وهو الثقافة. يفترض ماسك أنه قادر على قراءة التعليمات البرمجية لمهندسي البرمجيات في تويتر، واستخدامها هذه المعلومات لاتخاذ القرارات، وهذا محض عجرفة. ولكن، أكنا نتوقع شيئاً آخر؟ فهذا إيلون ماسك. من المرجح أنه سيواصل اندفاعته الجارفة في تويتر، مزيحاً أي شخص يبدي أي مقاومة. وسيمعن النظر في غرفة مليئة بالمهندسين، ويطلق أحكامه عليهم بصمت، لأنه واثق من أنه أذكى شخص في الغرفة، على حين أنه لا يميز بين الذكاء والحكمة.

وكما قابل ماسك في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2017: أنا أحب تويتر. وآمل أن تبقى موجودة. لا أدري بالضبط ما هي المشاكل التي تستوجب الإصلاح في تويتر. ولكن إذا كان ماسك يعتقد أن تويتر قادرة على الخروج من مشاكلها باستخدام البرمجة فقط، أو أن البرمجة هي المشكلة التي تعاني منها تويتر في المقام الأول، فمن المؤكد أنه سيلاقي بعض المفاجآت لاحقاً.

المحتوى محمي