كيف شكّلت اختراعات إسماعيل الجزري أسس علم الروبوتات؟

5 دقائق
كيف شكّلت اختراعات إسماعيل الجزري أسس علم الروبوتات؟
حقوق الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية. تصميم: مهدي أفشكو.

بديع الزمان أبو العز بن إسماعيل بن الرزاز الجزري، المعروف باسم إسماعيل الجزري (Ismail al-Jazari)، هو عالم رياضيات ومخترع ومهندس ميكانيك وحرفي وفنان عاش في القرنين الثاني عشر والثالث عشر بمنطقة بلاد ما بين النهرين العليا، وهي منطقة تتبع الآن لتركيا وتقع على الحدود مع سوريا.

حظي الجزري برعاية ودعم كبيرين من بني أرتق، الذين كانوا يحكمون منطقة ديار بكر، وبفضل هذا الدعم، تمكن من تنفيذ الكثير من الاختراعات.

شغل الجزري منصب كبير المهندسين في بلاط بني أرتق لمدة 25 عاماً، وأنهى حياته بنشر كتاب رائع شرح فيه كل ما تعلمه وأنجزه.

كتاب الحِيَل

كتاب الجزري "الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل" المعروف اختصاراً باسم "الحِيَل"، هو من أشهر الكتب التي تم نشرها في العصور الوسطى. تضمن هذا الكتاب وصفاً تفصيلياً لكل آلة ميكانيكية صممها وصنعها الجزري بنفسه، وشرح استخدامات هذه الآلات وكيف قام بصناعتها خطوةً بخطوة، مع الرسوم التوضيحية والتسميات والأبعاد والمواد والألوان.

الآلات التي شرحها الجزري في الكتاب متنوعة للغاية، مثل الساعات والنوافير والآلات الموسيقية ومضخات المياه وعجلات المياه والأقفال والأبواب والطبول والأباريق والأحواض والكؤوس وغيرها الكثير.

شرح الجزري أيضاً سبب اختياره لتصميم كل آلة، كما أوضح التصاميم السابقة والتحسينات التي طرأت عليها.

وضع الجزري في كتاب الحيل تصنيفاً للآلات الميكانيكية من ست فئات حسب استخدامها وطريقة صنعها، أصبح هذا التصنيف هو المعيار الرئيسي لتصنيف الآلات الميكانيكية في أوروبا خلال عصر النهضة.

الكتاب مكتوب بلغة عربية واضحة وبسيطة يمكن أن يفهمها الخبراء والأشخاص العاديون، وقد استخدم الجزري في صياغته روح الدعابة والشعر لجعله أكثر جاذبية ومتعة، كما اعترف فيه بمصادر إلهامه وتأثيرها عليه.

اقرأ أيضاً: كيف أدّت إسهامات الخوارزمي الرياضية إلى تطوير الذكاء الاصطناعي؟

أبرز اختراعات الجزري

كانت اختراعات الجزري مميزة بسبب تعقيدها وإبداعها واستخداماتها وجمالها، وقد عكست إتقانه لمختلف مجالات المعرفة والعلوم، مثل علم الميكانيك والهندسة والموسيقى والفن. من أبرز الاختراعات التي قدّمها الجزري:

ساعة الفيل

نسخة طبق الأصل من ساعة الفيل موجودة في مدرسة القاسمية بمدينة ماردين التركية
نسخة طبق الأصل من ساعة الفيل موجودة في مدرسة القاسمية بمدينة ماردين التركية. حقوق الصورة: shutterstock.com/ Tayfun Yaman

ساعة الفيل هي ساعة مائية معقدة اخترعها الجزري في القرن الثاني عشر، تتألف من عدة أجزاء؛ القاعدة على شكل فيل فيها خزان مياه، ويوجد هيكل فوق الفيل، ومنصة فوق الهيكل فيها وعاء به كرات ومجسم لطائر الصقر، ويوجد أنبوب على شكل أفعى يصل بين الوعاء أعلى الهيكل والفيل في الأسفل.

تستخدم الساعة ضغط الماء لتحريك أجزاء مختلفة على فترات منتظمة. فكل نصف ساعة، يُسقط الصقر كرة في الأفعى، ما يؤدي لتنشيط آلية تجعل الفيّال (سائق الفيل) يضرب على الطبول والصقر يغرّد، في إشارة إلى مرور نصف ساعة.

كانت هذه ساعة ضخمة يبلغ ارتفاعها أكثر من سبعة أمتار، وهي أول آلة تعطي رد فعل بعد فترات معينة من الزمن دون تدخل بشري، كما أنها تحفة فنية مميزة.

توجد نسخ من هذه الساعة بالحجم الكامل في عدة أماكن، منها نسخة في مول ابن بطوطة بمدينة دبي بالإمارات العربية المتحدة، ونسخة في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في مدينة جدة بالسعودية، ونسخة أخرى في سويسرا، وأخرى في ماردين بتركيا.

اقرأ أيضاً: من السيوف والرماح إلى الروبوتات والمسيّرات: كيف تطوّرت الحرب؟

عمود الحدبات

صورة عمود الحدبات
صورة عمود الحدبات. حقوق الصورة: shutterstock.com/ Viktor Chursin

في عام 1206، اخترع الجزري عمود الحدبات (Camshaft)، وهو عبارة عن عمود فيه عدد من الحدبات، ويستخدم في الآلات الميكانيكية لتحويل الحركة الدائرية إلى مستقيمة وبالعكس.

قام الجزري باستخدام عمود الحدبات في عدد من آلاته، مثل الساعات المائية وآلات رفع المياه. وفيما بعد، أصبح هذا الاختراع ذا أهمية كبيرة حين استخدمه الأوروبيون في الآلات الميكانيكية، وهو الآن يعتبر جزءاً أساسياً من المحركات الموجودة في السيارات.

التحكم في دوران العجلة

اخترع الجزري طريقة للتحكم في سرعة دوران العجلة والسماح لها بالدوران بمقدار ثابت على فترات منتظمة. هذه الآلية تتضمن عجلة مسننة ورافعة ترتبط بأسنان العجلة، يمكن التحكم في ارتباط الرافعة مع العجلة ما يضمن دوران العجلة بسرعة ثابتة.

بفضل هذه الآلية، أصبح من الممكن التحكم في دوران العجلات، هذا الأمر مهّد الطريق في المستقبل لظهور وسائل نقل جديد تستخدم العجلات، ومنها السيارات التي نستخدمها اليوم.

آلات رفع المياه

أحد أهم اختراعات الجزري كان مجموعة من آلات رفع المياه، والتي استخدمها لري الحقول أو تزويد القصور والحدائق بالمياه، أو تشغيل بعض الآلات الميكانيكية.

آلات رفع المياه هي أجهزة تُستخدم لرفع المياه من مستوى أدنى إلى مستوى أعلى، ويمكن أن تعمل بقوة الحيوانات أو البشر أو الرياح أو الماء. اخترع الجزري خمسة أنواع مختلفة من هذه الآلات، ووصفها بالتفصيل في كتابه.

النواعير كانت من آلات رفع المياه الموجودة منذ آلاف السنين، وهي عجلات كبيرة ذات مجاديف ترفع المياه من نهر إلى قناة مائية، حيث تدور بقوة جريان الماء أو الحيوانات. 

قام الجزري بتحسين تصميم النواعير بإضافة دلاء خشبية لزيادة كفاءتها وسعتها، كما أضاف زخارف وآلات موسيقية لجعلها أكثر جاذبية، ما أسهم في انتشارها على نطاق واسع في إسبانيا حيث استخدمها المزارعون المسلمون، ثم انتشرت لاحقاً إلى مناطق أخرى.

طوّر الجزري أيضاً آليات لشفط المياه أكثر كفاءة من الآليات التي كانت متوفرة في أوروبا، كان بإمكانها شفط وضخ كمية أكبر من المياه بطاقة أقل، كما أسهم في إنشاء نظام إمداد لمدينة دمشق بالقرن الثالث عشر، ليتم تزويد المساجد والمستشفيات بالمياه.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد التكنولوجيا علماء الآثار على كشف أسرار المدن القديمة؟

نادلة آلية تقدّم المشروبات 

من أشهر الروبوتات التي اخترعها الجزري نادلة تقوم بتقديم الماء أو المشروبات للضيوف. تم تخزين المشروبات في خزان، وكل سبع دقائق، يمتلئ كوب بالمشروب ويُفتح باب لتظهر نادلة على شكل امرأة وهي تحمل الكوب المملوء بالمشروب.

فرقة الروبوتات الموسيقية

هذه الفرقة عبارة عن روبوت آلي يتكون من أربعة موسيقيين يعزفون على آلات مختلفة؛ عازف قيثارة وعازف فلوت وعازف طبل وعازف دف. يتم تشغيل الموسيقيين بضغط الماء ويتم التحكم فيهم بواسطة أوتاد تحدد حركاتهم وإيقاعاتهم، ويمكنهم عزف ألحان مختلفة لمناسبات مختلفة، مثل موسيقى المهرجانات أو الاحتفالات الملكية. 

كانت فرقة الروبوتات الموسيقية واحدة من أكثر اختراعات الجزري تطوراً والتي أظهرت موهبته في الجمع بين الهندسة والموسيقى.

نافورة الطاووس

رسم تخطيطي لنافورة الطاووس، مصدر الصورة: ويكيميديا كومنز، الرخصة: CC0 1.0
رسم تخطيطي لنافورة الطاووس، مصدر الصورة: ويكيميديا كومنز، الرخصة: CC0 1.0

نافورة الطاووس هي أداة متطورة لغسل الأيدي تتميز بروبوتات تعمل كخدم وتقدّم الصابون والمناشف للشخص الذي يغسل يديه.

عند سحب سدادة على ذيل الطاووس، يندفع الماء من فمه، وعندما تملأ المياه جزءاً من الحوض، ترتفع عوامة مرتبطة بالروبوت الأول، الذي يظهر ويقدّم الصابون، وعند استخدام المزيد من الماء، يمتلئ الحوض أكثر، فترتفع عوامة ثانية مرتبطة بروبوت ثانٍ، يظهر هذا الروبوت وهو يحمل منشفة.

تأثير الجزري على التكنولوجيا

اختراعات وابتكارات الجزري كان لها تأثير كبير على علوم الهندسة، خاصةً الهندسة الميكانيكية، وقد تم التعديل على العديد من ابتكاراته وتطويرها لاحقاً من قِبل علماء ومهندسين، لتؤدي دوراً مهماً في الكثير من جوانب الحياة حتى يومنا هذا.

الجزري هو أول من طبّق مفهوم أتمتة وبرمجة الآلات، حيث اخترع آلات يمكن أن تؤدي مهاماً خلال فواصل زمنية محددة مسبقاً، كما طوّر آلية استُخدمت للتحكم في سرعة دوران العجلة، ما سمح باستخدام العجلات على نطاق واسع في النقل، وكان له دور بارز في تطوير وسائل النقل التي تسير على عجلات والتي نستخدمها اليوم في كل مكان.

عمود الحدبات أيضاً كان من أهم اختراعات الجزري، بفضل هذا الاختراع، أصبح من الممكن تحويل الحركة الدائرية إلى حركة مستقيمة، وقد سمح ذلك بتطوير المحركات لاحقاً، وحتى يومنا هذا، يوجد عمود الحدبات في كل المحركات سواء محركات الاحتراق أو المحركات الكهربائية.

الجزري أيضاً من أوائل المخترعين الذين طوّروا آلات ميكانيكية معقدة يمكن أن تحاكي سلوك الإنسان أو الحيوان، ما جعل المؤرخين يصفونه بلقب "أبو الروبوتات".

لم تقتصر إنجازات الجزري على اختراعاته الجديدة فقط، بل قام أيضاً بإجراء تعديلات وتحسينات على العديد من الاختراعات التي كانت موجودة في عصره. على سبيل المثال، قام بتحسين تصميم وكفاءة مضخات المياه والنواعير وغيرها من آلات رفع المياه، بالإضافة إلى العديد من الساعات.

المحتوى محمي