بعد مرور العام الأول
كَتَبت جنيفر دودنا، عالمة الكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا وإحدى مُبتكري تقنية كريسبر في عام 2012، كلمةً افتتاحيةً في مجلة ساينس الأسبوع الماضي بعنوان "الذكرى السنوية غير المرغوب فيها لكريسبر".
تضمّنت هذه الكلمةُ الذكرى السنوية لما قام به عالمٍ صيني يُدعى جيانكوي؛ حيث أعلن عن إنتاج فتاتين توأم تمتلكان جينات معدّلة. وتُعتبر هذه الحادثةُ جريمةً طبيّة وفق ما وصفته دودنا، كما أنها تجربة طبية غير ضرورية انتهكت القاعدة الطبيّة التي تؤكد على عدم التسبب في أي ضرر. كما تجاهل هذا العالِم كل الطلبات التي دعته إلى إيقاف التجربة.
لن يؤدي إيقاف هذه التقنية مؤقتاً إلى حل المشكلة
كيف سنمنع حدوث هذا النوع من التجارب مجدداً؟ أيّد العلماء فكرة اللجوء إلى التنظيم الذاتي منذ حدوث تلك الكارثة التي سُميت "أطفال كريسبر". كما تضمّنت إحدى الأفكار إيقاف هذه التقنية بشكل مؤقت؛ وذلك عبر فرض حظرٍ عليها لعدة سنوات قبل أن يحاول أي شخص استخدامها على الخط الجنسي البشري مرة أخرى. وقد انتقدت دودنا هذا الاقتراح بأنه لن يمنع الاستخدام الخاطئ لهذه التقنية. (ويُشير مصطلح جيرملاين “Germline” أو الخط الجنسيّ إلى الأجنّة والحيوانات المنوية والبيض، أي أنها أنواع الخلايا التي سيُسبب تعديلها تغييراً في الأجيال القادمة).
كما أضافت دودنا: "أعتقد أن اللجوء إلى الإيقاف المؤقت كتدبير مضاد لم يعد قوياً بما فيه الكفاية، وهناك لحظات حاسمة في تاريخ كل تقنية سيئة سببت في خسارة تأييد الناس لها".
قد تُغرينا هذه القدرة على العبث بالجينات
تمتلك تقنية تحرير الجينات إمكانياتٍ غير محدودة؛ حيث نستطيع استخدامها في الأبحاث، وتعديل النباتات، وتطوير أدوية بشرية جديدة. كما قالت دودنا: "ستتوسع استخدامات هذه التقنية يوماً بعد يوم، وسنتمكن في المستقبل القريب من إحداث أي تغيير على أي جينوم بدقة. وسيُحسّن هذا الاكتشاف الثوريّ صحةَ ملايين الأشخاص في العالم".
وتُضيف دودنا: "يكمن الوجه الآخر لهذه التقنية في إغرائها المُستمرّ بالعبث في الخط الجنسي البشري". وتُشير مفرداتها المُستعملة في تصريحها السابق -كالعبث والإغراء- إلى اعتقادها بأن الأطفال المُعدلين جينياً سيخلقون مشاكلَ لا حصر لها، ويجب علينا تجنّب ذلك.
كما خصّصت دودنا في كلمتها دولة روسيا على وجه التحديد؛ وذلك بسبب وجود عالمٍ روسيّ يحاول استخدام هذه التقنية مرة أخرى في إنجاب الأطفال المُعدّلين.
قلقٌ حقيقيّ
لم تذكر دودنا في مقالها الافتتاحي سببَ قلقها الشديد تجاه الأطفال المُعدلين وراثياً، لكن يكمن جزءٌ من السبب في قضية العالم الصينيَ، حيث عكست هذه الحادثة قدرةَ كريسبر في منح قوةٍ كبيرةٍ لفرق صغيرة من العلماء؛ حيث لن تمنعهم التحذيرات من ارتكاب هذه الجرائم.
وتُخصص دودنا في مختبرها الخاص وقتاً لتطوير الترياق والتدابير المضادة لـتقنية كريسبر، وذلك عند استخدام هذه التقنية بطرق أكثر إثارة للخوف، كاستخدامها على أنها سلاح بيولوجي على سبيل المثال.
حان وقت فرض الضوابط
يكمُن التحدي القادم في كيفية استخدام المجتمع لتقنية كريسبر. ووفقاً لدودنا: "يجب على المسؤولين صياغةَ قوانينٍ مدروسة لهذه التقنية دون الحدّ من إمكانياتها المُفيدة".
وقد لا تبدو هذه الاقتراحات كافية لمنع سوء الاستخدام، ولكن ينبغي علينا ألا نقلّل من أهميتها. وقد تبدأ الجهات المنظمة (أي الحكومات) بالمشاركة في هذه الحملات بسبب إشارة دودنا -أحد المبتكرين الرئيسيين في هذه التقنية- إلى أهمية "المشاركة والقيادة والتصرف" تجاه هذا الأمر.
وعلى سبيل المثال، قام المشرّعون في كاليفورنيا بإصدار أول قانون لتنظيم تقنية كريسبر، وذلك بعد كتابة دودنا مقالةً في صحيفة فوراين بوليسي تُشير إلى سير تقنية تحرير الجينات إلى الأمام دون تنظيم؛ حيث تستهدف هذه التقنية مُحبي الاختراق الحيوي والتعديل الجيني، أو ما يُطلق عليهم لقب "بايوهاكرز".
تضارُب المصالح
ساعدت دودنا على ابتكار أداة كريسبر، كما تُعتبر أيضاً واحدة من أكبر المستفيدين منها؛ حيث يُبيّن كشف ممتلكاتها أنها تمتلك خمس شركات، وتُدير خمس شركات أخرى. بما في ذلك شركة الأدوية العملاقة جونسون آند جونسون، مما جعلها باحثةً في التعديل الجيني ومليونيرةً ذات أموال طائلة في نفس الوقت.
ولهذا السبب، يجب علينا تصديق أهمية الأمر عندما تُخبرنا دودنا أنها بحاجة إلى المساعدة في التحكم في التقنية التي ابتكَرَتها.