أين وصل الضجيج المرافق للويب 3؟ ولماذا لم يتم تبنيه حتى الآن؟

5 دقائق
أين وصل الضجيج المرافق للويب 3؟ ولماذا لم يتم تبنيه حتى الآن؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/FAMILY STOCK

هيمن النمو السريع للعملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال والبلوك تشين على عناوين الأخبار في السنوات الأخيرة، وهذا أدّى إلى انتشار مفهوم شبكة الويب 3 (Web 3) الذي من شأنه أن يغيّر جذرياً كيفية عمل شبكة الإنترنت، حيث لن تحتاج المؤسسات المالية وشركات التكنولوجيا بعد الآن إلى أن تكون وسطاء لتجاربنا عبر الإنترنت، بالإضافة إلى الإمكانات الهائلة التي توفّرها فيما يتعلق بخصوصية المستخدم وأمانه الرقمي.

ويعتقد العديد من المتابعين والخبراء أن الويب 3 ستُحدِث ثورة في الإنترنت وتخلق مساحة أكثر شفافية وشمولية على الإنترنت، بينما يشكك آخرون في جدوى وقابلية التوسع لشبكة الويب 3، فإلى أين وصلنا حتى الآن؟ وهل هناك إمكانية في توفر شبكة الويب الواعدة التي ينتظرها الجميع قريباً؟

اقرأ أيضاً: لماذا أصبح الويب 3 محور أحاديث أوساط العملات المشفرة؟

شبكة الويب 3: فكرة ثورية للتحرر من سيطرة حراس بوابة الإنترنت

نظراً إلى أن شبكة الويب 3  (Web 3) لا تزال حركة متطورة، لا يوجد اتفاق عالمي بين الخبراء حول ماهيتها، ولكن ما يتفقون عليه أنها ستمثّل نظاماً بيئياً لا مركزياً على الويب يمكّن المستخدمين من الاحتفاظ بملكية بياناتهم من خلال تجاوز شركات التكنولوجيا المتحكمة بإصدار شبكة الإنترنت الحالية، الويب 2.0 (Web 2.0)، أو ما يُطلق عليهم حراس بوابة الإنترنت (Internet Gatekeepers).

وسيتم ذلك من خلال شبكة البلوك تشين بدلاً من الاعتماد على خوادم فردية وقواعد بيانات مركزية، حيث تعتبر طريقة جديدة نسبياً لتخزين البيانات عبر الإنترنت، وهي مبنية على تكنولوجيا التشفير والحوسبة الموزعة، حيث يعني التشفير أن البيانات المخزنة على البلوك تشين لا يمكن الوصول إليها إلّا من قِبل الأشخاص الذين لديهم إذن للقيام بذلك، حتى لو خُزِنت البيانات على جهاز كمبيوتر ينتمي إلى شخصٍ آخر مثل حكومة أو شركة.

بينما تعني الحوسبة الموزعة مشاركة الملف عبر العديد من أجهزة الكمبيوتر أو الخوادم، وإذا كانت نسخة معينة منه لا تتطابق مع النسخ الأخرى جميعها، فإن البيانات الموجودة في هذا الملف تعتبر غير صالحة، ما يُضيف طبقة أخرى من الحماية ويعني أنه لا يمكن لأي شخصٍ آخر غير مَن يتحكم في البيانات الوصول إليها أو تغييرها دون إذن الشخص الذي يملكها أو الشبكة الموزعة بأكملها.

اقرأ أيضاً: ما أبرز مشكلات الخصوصية الرقمية التي ستعالجها شبكة الويب 3؟

وتعني هذه المفاهيم مجتمعة أنه يمكن تخزين البيانات بطريقة تجعلها دائماً تحت سيطرة الشخص الذي يملكها، حتى لو خُزِنت على خادم مملوك أو خاضعة لسيطرة شركة ما أو حكومة محلية.

ومن ثَمَّ لا يمكن للمالك أو غيره مطلقاً الوصول إلى البيانات أو تغييرها دون مفاتيح التشفير التي تثبت ملكيته لها، وحتى إذا تم إيقاف تشغيل الخادم الخاص به أو إزالته، فلا يزال من الممكن الوصول إلى البيانات على واحدٍ من مئات أجهزة الكمبيوتر الأخرى المخزنة عليها.

شبكة ويب مركزية ولكن باسم آخر

تشكّل عناصر الويب 3 بالفعل جزءاً من حالة شبكة الإنترنت الحالية بما في ذلك الأنظمة التي تستخدم البلوك تشين مثل العملات المشفرة والميتافيرس والرموز غير القابلة للاستبدال، ومع ذلك هناك بعض الخبراء وعمالقة التكنولوجيا الذين يشككون في إمكانية عمل الشبكة بالوعود نفسها التي يُروّج لها.

على رأسهم إيلون ماسك المعروف باهتمامه بالعملات المشفرة ومؤسس شركتي تيسلا وسبيس إكس، الذي ذكر في وقتٍ سابق أنه يعتقد أن الويب 3 تبدو وكأنها كلمة تسويقية طنانة أكثر من أنها حقيقة، بينما يقول المدافع عن تكنولوجيا البلوك تشين ومؤسس منصة تويتر سابقاً جاك دورسي، إن الويب 3 لا تزال لديها حوافز مؤسسية وتخضع لسيطرة شديدة من قِبل أصحاب رؤوس الأموال وشركائهم المحدودين أو المساهمين، وإنها في النهاية كيان مركزي يحمل تسمية مختلفة.

اقرأ أيضاً: لنكن صريحين: ويب 3.0 لا تسير على ما يرام

ووفقاً للباحثة في مركز ابتكار البلوك تشين بجامعة آر إم أي تي (RMIT) الأسترالية كيلسي نابين (Kelsie Nabben)، فإنه على الرغم من وجود أيديولوجيات تحويلية للغاية وراء أجزاء من شبكة الويب 3، فإنه من المهم التفكير في الجوانب السلبية المحتملة لأي تكنولوجيات جديدة، بما فيها القيود المفروضة على التكنولوجيا، ومَن يمكنه الوصول إليها، وكيف يمكن استغلالها.

وتُضيف: "لا يتفق الجميع بالضرورة على أن الويب 3 كما تبدو الآن أمر مرغوب فيها، فاللاعبون الكبار يستفيدون من الطريقة التي تنظّم الإنترنت الآن، ولا تزال هناك مصالح تجارية حقيقية للغاية في بعض جوانب شبكة الويب 3 التي ليست بالضرورة سيئة، ولكن يجب أن يكون الناس على علم بها".

اقرأ أيضاً: عش تجربة الويب 3: أهم 9 تطبيقات قائمة حالياً على هذه التكنولوجيا

أكبر العقبات: لا يوجد مفهوم موحد حتى الآن لشبكة الويب 3

على الرغم من رغبة الكثيرين في استعادة السيطرة على بياناتهم من الكيانات التي أصبحت تهيمن على شبكة الإنترنت الحالية عبر شبكة الويب 3 الجديدة، فإنه غالباً ما تخلط مع مفهوم الجيل التالي من شبكة الإنترنت وهو الويب 3.0 (Web 3.0).

فشبكة الويب 3 هي تحرك صريح نحو الإنترنت اللامركزي المبني على تكنولوجيا البلوك تشين، بينما نجد أن الويب 3.0 هي رؤية طرحها السير تيم بيرنرز لي (TimBL) -المعروف بصفته مخترع شبكة الويب العالمية لشبكة الإنترنت بحيث يمكن للآلات تفسير البيانات بسرعة أو ما يُعرف باسم الويب الدلالي (Semantic Web)، حيث تعمل الشبكة كمجموعة من مواقع الويب التي تربط كل شيء معاً على مستوى البيانات.

ففي عالم الويب 3.0 الذي طرحه تيم بيرنرز لي، ستُخزن المعلومات في قواعد بيانات تُسمَّى سوليد بودز  (Solid Pods) ستكون مملوكة للمستخدمين الأفراد، وفي حين أن هذا نهج أكثر مركزية من استخدام الويب 3 لتكنولوجيا البلوك تشين، إلّا أنه سيسمح بتغيير البيانات بسرعة أكبر لأنه لن توزع على أماكن متعددة.

اقرأ أيضاً: ما هي شبكة الويب 5؟ وهل هي الحل الأمثل للتحكم في هويتنا الرقمية كما يراها مؤسس تويتر؟

وهذا ما جعل الكثيرين يحتارون بشأن ما إذا كان يجب التحرك إلى إنشاء شبكة إنترنت لا مركزية تسمح بالمعاملات والتفاعلات من نظير إلى نظير دون الحاجة إلى وسطاء أم التحرك إلى تحقيق رؤية السير تيم بيرنرز لي أم نحو شبكة إنترنت تحتوي على عناصر من كلا المفهومين من خلال تطبيقات الويب الدلالية، والبيانات المرتبطة، واقتصاد البلوك تشين.

ومع ذلك، حذّر الخبراء من أنه سواء كانت الغلبة للفكرة الأولى أو الثانية أو كلتيهما معاً، فإننا سنرى فقط قمة جبل الجليد عندما يتعلق الأمر بالقضايا اللوجستية والآثار القانونية، حيث يؤكدون أن الحكومات ستحتاج إلى تطوير لوائح جديدة لكل شيء بدءاً من الضرائب على مبيعات الأصول الرقمية مروراً بحماية المستهلك إلى المخاوف المعقدة المتعلقة بالخصوصية والقرصنة للبيانات المرتبطة.

اقرأ أيضاً: هل تقود الثورة الصناعية الخامسة البشرية إلى المدينة الفاضلة أم الخراب؟

ما العقبات التي تَحول دون ظهور شبكة الويب 3 كما نعرفها؟

يعتقد الكثيرون أن الويب 3 موجودة بالفعل أو على الأقل في طور الإنشاء، حيث يوجد العديد من المشاريع والمنصات التي تستخدم تكنولوجيا البلوك تشين، والعملات المشفرة، وغيرها من التطبيقات الأخرى لإنشاء طرق جديدة للتفاعل عبر الإنترنت.

ومع ذلك، يرى آخرون أن الويب 3 لا تزال بعيدة عن التنفيذ وأن هناك العديد من القيود التي تواجهها، ومن ضمنها:

التحديات التكنولوجية

تعتمد شبكة الويب 3 على تكنولوجيا البلوك تشين وغيرها من التكنولوجيات التي لا تزال في طور التطوير، ويواجه بعض هذه التكنولوجيات مشكلات مثل قابلية التوسع وسهولة الاستخدام وقابلية التشغيل البيئي والأمان. على سبيل المثال، لا يستطيع بعض سلاسل الكتل معالجة سوى عدد محدود من المعاملات في الثانية، وهو ما قد لا يكون كافياً لمتطلبات تطبيقات شبكة الويب 3.

اقرأ أيضاً: كيف سيغيّر الميتافيرس شكل عالمنا بحلول 2030؟

عدم اليقين التنظيمي

تتضمن شبكة الويب 3 أشكالاً جديدة من الأصول الرقمية، مثل العملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال التي لم تُعرَّف جيداً أو تُنظم بواسطة القوانين والمؤسسات الحالية، وهو ما قد يؤدي إلى ظهور مشكلات قانونية وأخرى تتعلق بالامتثال للمستخدمين والمطورين والمستثمرين.

المخاوف الاجتماعية والأخلاقية

تهدف شبكة الويب 3 إلى تمكين المستخدمين والمجتمعات من خلال منحهم مزيداً من التحكم والملكية لبياناتهم ومحتواهم، ومع ذلك، قد يُثير هذا أيضاً تساؤلات حول الخصوصية والمساءلة والحوكمة. على سبيل المثال، قد يخشى البعض أن تعمل شبكة الويب 3 على تمكين المزيد من جمع البيانات والمراقبة، أو أنها قد تؤدي إلى خلق المزيد من عدم المساواة بين المستخدمين.

اقرأ أيضاً: إلى أين وصل مارك زوكربيرغ في بنائه عالم ميتافيرس؟

بالإضافة إلى بعض التحديات الرئيسية، مثل:

  • قدرة شبكات البلوك تشين على التعامل مع المعاملات واسعة النطاق، والتي يجب أن تكون قادرة على التوسع لتلبية احتياجات المستخدمين في العالم كافة، محدودة حالياً.
  • معظم تطبيقات الويب 3 حالياً معقدة ويصعب استخدامها من قِبل المستخدمين غير التقنيين، ما يشكّل عائقاً أمام التبني بالنسبة لعامة الناس.
  • تكنولوجيا البلوك تشين جديدة نسبياً وهناك عدة ثغرات أمنية يجب معالجتها.
  • غياب الإطار التنظيمي واضح لشبكة الويب 3 حتى الآن، ما يخلق حالة من عدم اليقين بالنسبة للشركات والأفراد.
  • وجود بعض العوائق الاجتماعية والاقتصادية، حيث لا يدرك العديد من الأشخاص بعد الفوائد المحتملة لشبكة الويب 3، بالإضافة إلى النقص الحاد في التعليم والموارد المتاحة.

المحتوى محمي