عند الحديث عن اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة الذي يتسم بالتنوع السريع، يجب أن نذكر اسم الدكتورة ماجدة العزعزي، فهي أول إماراتية تحصل على درجة الدكتوراة التطبيقية في (DBA) إدارة سلسلة التوريد والتصنيع من جامعة الإمارات العربية المتحدة.
كان شغف الدكتورة العزعزي بالصناعة هو الدافع وراء مسيرتها المهنية الرائعة، وقد تحدثنا في هذه المقابلة عن هذه المسيرة المميزة التي تقدّم رؤى فريدة حول التغلب على التحديات واغتنام الفرص وتشكيل مستقبل المشهد الصناعي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
اقرأ أيضاً: مقابلة مع واحدة من أهم رائدات الأعمال في الشرق الأوسط
دكتورة ماجدة، أنتِ أول امرأة إماراتية تُدير مصنع سيارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فما الذي ألهمك لدخول هذه الصناعة التي يهيمن عليها الرجال تقليدياً؟
في البداية أريد أن أعرفكم بنفسي، لقد تخرجت في كلية الزراعة بجامعة الإمارات عام 1998 مهندسة زراعية صناعية، وتخصصت في الصناعات الغذائية، أعطاني ذلك فكرة جيدة عن العمل الصناعي بشكلٍ عام، مثل مبادئ إنشاء المصانع وخطوط الإنتاج ومتابعتها ودراسة الجدوى الاقتصادية، باختصار، كل شيء يتعلق بالعلوم الصناعية درسته في كلية الزراعة بجامعة الإمارات.
في ذلك الوقت، لم يكن من المألوف لامرأة أن تعمل في مجال الصناعة، تقدمت للعمل في عدد من المصانع، لكنني لم أُقبل، دفعني ذلك للأسف إلى التخلي عن شغفي بالعمل في بمجال التصنيع وتحولت للعمل في مجال آخر هو العمل الإداري.
عملت سنوات في مجال إدارة الأعمال وإدارة المشتريات والعقود، وكان لذلك تأثير كبير في مستقبلي، فقد تعلمت كيف أدير عمليات التصنيع وعمليات ما بعد التصنيع وسلسلة التوريد، وهو أمر لعب دوراً رئيسياً في نجاحي.
حصلت فيما بعد على وظيفة في أول مصنع سيارات عسكرية إماراتية، وهو مصنع سيارات نمر، استلمت إدارة سلسلة التوريد في المصنع، ووجدت أن لدينا الإمكانات والخبرات الكافية لتصنيع السيارات التجارية. وبدأت في عامي 2012 و2013 بالتفكير في إنشاء مصنع سيارات تجارية إماراتي.
خلال هذه الفترة، حصلت على عروض للعمل في عدد من الشركات خارج الإمارات، كانت معظمها عروضاً سخية، لكنني رفضتها واخترت البقاء في الإمارات، فبلدي يوفّر لي مقومات النجاح كلها التي احتاج إليها.
اقرأ أيضاً: مقابلة حصرية مع سامر طيان: رئيس منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا وباكستان في شركة زووم
هل يمكنك أن تتحدثي لنا عن بحثك حول زيادة فاعلية الدورة التصنيعية ودور التكنولوجيا في قطاع الصناعة؟
يركّز بحثي بشكلٍ أساسي على جمع المعلومات أو البيانات ومشاركتها بواسطة تقنيات مثل إنترنت الأشياء، وتحليل هذه البيانات، بمعنى آخر كيف يمكن للأجهزة في المصانع أن تتواصل مع بعضها بعضاً، الهدف من ذلك هو تسريع عملية الإنتاج وتقليل الأخطاء وخفض التكاليف.
ما النصيحة التي تقدمينها لرواد الأعمال الطموحين في بداية حياتهم المهنية وخاصة المهتمين بالعمل في قطاع التصنيع؟
قطاع الصناعة ليس قطاعاً سهلاً، إنه يحتاج إلى الكثير من المقومات للدخول فيه، أولاً يجب أن تمتلك المعرفة الكافية لكيفية إدارة المصنع وسلسلة التوريد.
أيضاً، قطاع الصناعة ذو مردود بطيء مقارنة بقطاعات أخرى مثل السياحة أو التجارة أو العقارات، هذا يعني أن عليك العمل فترة طويلة قبل أن تتمكن من استرداد أموال استثمارك. على سبيل المثال، في قطاع التجارة يمكنك تحصيل الأرباح بسرعة خلال سنة أو سنتين، أمّا في قطاع الصناعة فإنك تحتاج إلى 5 - 10 سنوات على الأقل.
لكن على الرغم من الصعوبة والمردود البطيء، يتميز قطاع الصناعة في الإمارات والمنطقة بقلة المنافسة، ما يفتح فرصاً أكبر للنجاح، على عكس القطاعات الأخرى التي نشهد منافسة كبيرة فيها.
اقرأ أيضاً: مقابلة مع مؤسس شركة «أسترا تك» الإماراتية حول استراتيجيات تبين الذكاء الاصطناعي في الشركات
لديك خبرة واسعة في كلٍ من القطاعين الحكومي والخاص فكيف أثّرت هذه التجارب في أسلوبك القيادي؟
القطاع الحكومي كان الأساس في بناء شخصيتي القيادية الناجحة التي تعرف كيف تدير المصانع، لقد منحني فرصة رائعة لاكتساب الخبرة، فحين كان عمري 24 سنة، كنت في منصب قيادي يشرف على 4 إدارات، كان هذا عملاً صعباً ومعقداً للغاية، خاصةً أنني كنت صغيرة، لكنه منحني مسؤوليات ومعرفة لا تُقدّر بثمن. يمكنني القول إن العمل الخاص لعب دوراً في خبرتي، لكن معظم الخبرة التي أملكها الآن في مجال الإدارة جاءت من عملي بالقطاع الحكومي.
قد يكون تحقيق التوازن بين الحياة المهنية الناجحة والحياة الشخصية أمراً صعباً. كيف يمكنك تحقيق توازن صحي بين العمل والحياة؟
أنا لست متزوجة وليس لدي أطفال، وقد أسهم ذلك في نجاحي على ما أعتقد، فقد منحني الاستقلالية والتحرر والقدرة على التركيز في عملي ومشاريعي، فحين تكون المرأة متزوجة، تكون هناك الكثير من الأشياء التي تؤثّر في نجاحها، مثل العائلة والأطفال والحمل والولادة، ويمكن القول إنني لو كنت متزوجة، لم أكن ماجدة التي تعرفني، وربما لم أكن لأحصل على الفرص نفسها التي حصلت عليها.
اقرأ أيضاً: مقابلة مع الشريك المؤسِّس لـ «جيكس أيه آي»: كيف يمكن للذكاء الأصطناعي تحرير العقود
تشاركين في مجلس سيدات أعمال أبوظبي، كيف تسهم مثل هذه المجالس والمنظمات التي تشبهها في تمكين المرأة بدولة الإمارات العربية المتحدة؟
أنا عضوة عادية في مجلس سيدات أعمال أبوظبي، وقد شاركت في فعاليات نظّمها هذا المجلس، مثل مؤتمر المرأة المهندسة، وفعالية يوم المرأة الإماراتية.
لقد وجدت أن هذا المجلس مفيد للغاية؛ إنه يوفّر النصائح والمعرفة للنساء بشكلٍ عام، وخاصة النساء في مقتبل العمر، وقد حاولت مشاركة خبرتي وتقديم الدعم والاستشارة والنصائح لبعض النساء حول مشاريعهن الخاصة.
حالياً أعمل مع جامعة الإمارات وجامعة دبي والعديد من الكليات التقنية، وأحاول أن أشارك خبرتي ومعرفتي مع أكبر عدد ممكن من الأشخاص سواء كانوا من النساء أو الرجال.
لقد كرّستِ أكثر من عقدين من الزمن لخدمة دولة الإمارات العربية المتحدة في مناصب مختلفة فما الذي يحفّزك على تقديم الأفضل لمجتمعك؟
لو لم أكن متأكدة أن الإمارات دولة قادرة وناجحة، فلن استمر في تأسيس مصانع، وربما اكتفيت بمصنع واحد، لكن توسيع عملي هو دليل على أن الإمارات من أفضل الدول في قطاع التصنيع.
أنا لا أقول ذلك لأن الإمارات بلدي، بل لأنها دولة مجهزة بكل شيء يحتاج إليه أي رائد أعمال؛ موقع متميز، بنية تحتية جاهزة منذ سنوات، ومهيأة لتشغيل القطاعات كلها ونجاحها بشكل باهر. هذا بالضبط ما نسمعه من المقيمين الذين تركوا بلدانهم وجاؤوا إلى الإمارات، وشعروا كأنهم في بلدهم، حيث استُقبِلوا بالترحاب والمودة والاحترام، الإمارات بلد متسامح وفيه بنية تحتية متكاملة، ويجب ألّا ننسى وجود الخبرات التي تُستقطب من كل دول العالم، ورؤوس الأموال الضخمة، هذا الأمر برأيي يجعل الإمارات من أفضل دول العالم، وهذا بالضبط ما يحفّزني للعمل أكثر وتقديم المزيد لبلدي.