كشفت شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة "أوبن أيه آي" عن العديد من التحديثات المهمة التي ستطول تقنياتها ومنتجاتها الموجَّهة للجمهور، بما في ذلك إطلاق إصدار جديد من النموذج اللغوي "جي بي تي-4" الذي يقف خلف بوت الدردشة "تشات جي بي تي"، وإطلاق متجر رقمي للبوتات المتخصصة، والتعهد بدعم عملاء الشركة في دعاوى انتهاك حقوق الطبع والنشر.
الكشف عن "جي بي تي-4 تربو"
أقامت "أوبن أيه آي"، أمس الأول، مؤتمرها الأول للمطورين تحت اسم ديف داي (Dev Day)، وقد اجتذب الحدث 900 مطور من أنحاء العالم كافة، فضلاً عن اصطفاف المئات حول مبنى الشركة في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية. كما شاهد أكثر من 40 ألف مشاهد البث المباشر لخطاب الرئيس التنفيذي للشركة سام ألتمان، على موقع يوتيوب، حتى إن البعض أقام حفلات مشاهدة.
ومن أبرز ما كُشِف عنه خلال المؤتمر، إطلاق نموذج جديد يُسمَّى جي بي تي-4 تربو (GPT-4 Turbo)، وهذه هي المرة الثانية التي تقدّم فيها "أوبن أيه آي" على إطلاق نموذجاً جديداً لتشغيل "تشات جي بي تي". ففي وقتٍ سابق من العام، أطلقت النموذج "جي بي تي-4" لتشغيل النسخة المدفوعة من البوت، بدلاً من جي بي تي-3.5 (GPT-3.5).
لا يوجد الكثير من المعلومات المفصلة في الوقت الحالي عن قدرات النموذج الجديد، إلّا أن ألتمان قال خلال المؤتمر إن: "جي بي تي-4 تربو يدعم ما يصل إلى 128000 رمز مميز للسياق". وعلى الرغم من أن الرموز المميزة (Tokens) لا تعني بالضرورة الكلمات، فقد قارن ألتمان هذا الرقم بعدد الكلمات الموجودة في 300 صفحة كتاب، ما يجعله أكبر بنحو 16 مرة من الحد الأقصى لقدرات الإصدار السابق. وبالتالي، بات بإمكان المستخدمين إدخال المزيد من البيانات إلى البوت في أمر واحد.
وبالنسبة للمستخدمين المحبطين من جهل "تشات جي بي تي" بآخر المستجدات، فقد كشف ألتمان عن تحديث معلومات النموذج حتى شهر أبريل/ نيسان 2023، بعدما كانت متوقفة عند شهر سبتمبر/ أيلول 2021. وأضاف: "نحن منزعجون مثلكم جميعاً، وربما أكثر، لأن معرفة جي بي تي بالعالم انتهت عام 2021"، متعهداً بأن تسعى الشركة جاهدة حتى لا تتخلف أبداً عن الركب مرة أخرى.
وكانت هذه المشكلة تحد من فاعلية استخدام "تشات جي بي تي" كأداة بحث، والطريقة الوحيدة التي كان من الممكن من خلالها للبوت الحصول على المعلومات في الوقت الفعلي هي استخدام خيار التصفح باستخدام "بينغ"، وهي ميزة متاحة فقط لمشتركي الخدمة المدفوعة "تشات جي بي تي بلس".
اقرأ أيضاً: كيف تستفيد من تشات جي بي تي على محرك بحث بينغ الجديد؟
100 مليون مستخدم نشط
كما أوضحت الشركة في منشور على موقعها الإلكتروني، أن "جي بي تي-4 تربو" يعمل بشكلٍ أفضل من النماذج السابقة في المهام التي تتطلب اتباع التعليمات بعناية، مثل إنشاء تنسيقات محددة (على سبيل المثال "قم بالرد دائماً بتنسيق XML"). وبالإضافة إلى "جي بي تي-4 تربو"، أطلقت الشركة إصداراً جديداً من "جي بي تي 3.5" يُسمَّى "جي بي تي 3.5 تربو" يدعم 16000 رمز مميز.
وسيكون النموذج الجديد متاحاً في الوقت الحالي للمطورين عبر واجهة برمجة التطبيقات (API)، وتعتزم الشركة إصدار النموذج المستقر خلال الأسابيع المقبلة.
يأتي هذا المؤتمر بعد عام تقريباً على إطلاق النسخة التجارية الأولى من "تشات جي بي تي"، الذي تمكن من التحول إلى رمز للذكاء الاصطناعي التوليدي والتفوق على منافسيه بما في ذلك بوت الدردشة "بارد" الذي طوّرته شركة جوجل.
اقرأ أيضاً: ما القصة الحقيقية لتطوير تشات جي بي تي؟
وقال ألتمان إن مليوني مطور يستخدمون المنصة الآن، ونحو 90% من الشركات المدرجة في قائمة "فورتشن 500" تستخدمه داخلياً. وعموماً، هناك حالياً 100 مليون مستخدم نشط للتطبيق أسبوعياً.
ومع طرح الإصدار الجديد من النموذج، أعلنت "أوبن أيه آي" أيضاً تخفيض التكلفة للمطورين إلى سنت أميركي واحد لكل 1000 رمز إدخال مميز وثلاثة سنتات لكل 1000 رمز استجابة.
وحول هذا الأمر، يقول فلو كريفيلو، مؤسس شركة ليندي (Lindy) الناشئة العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي وأحد الحاضرين في المؤتمر: "إنها طفرة هائلة بالنسبة إلى الشركات الناشئة مثلنا. فجأة انخفضت تكاليفنا بنحو ثلاث مرات، وهو رقم ضخم".
اقرأ أيضاً: كيف أسهم تشات جي بي تي في نشر ثقافة الذكاء الاصطناعي؟
متجر للبوتات المتخصصة
بات بإمكان مستخدمي الإصدارات المدفوعة كذلك الوصول إلى "تطبيقات متخصصة" لأداء مهام مثل تدريس الرياضيات أو تصميم الملصقات، بحسب ما أُعلن عنه خلال المؤتمر. وتُطلق الشركة على هذه البوتات المتخصصة اسم جي بي تي إس (GPTs). وسيُطلق "متجر جي بي تي"، في وقتً لاحق من هذا الشهر، حيث يمكن للمطورين مشاركة التطبيقات المتخصصة الخاصة بهم وكسب المال بناءً على عدد مستخدمي بوتاتهم.
وتقول الشركة إن هدفها من وراء ذلك هو مساعدة المشتركين على تجاوز حدود النموذج العادي، من خلال ابتكار نماذج مخصصة لمجالات ومهام أكثر تحديداً. وأوضحت أن بناء النماذج المتخصصة لن يتطلب أي معرفة أو مهارات في البرمجة، كما يمكن ربطها بقواعد البيانات الخارجية وصناديق البريد الإلكتروني وأنظمة التجارة الإلكترونية. ولكن على غرار باقي المميزات الجديدة، ستكون القدرة على إنشاء واستخدام هذه البوتات المتخصصة متاحة فقط لمشتركي الإصدارات المدفوعة.
كما تضمنت التحديثات تحسين قدرات تحويل النص إلى كلام باستخدام ستة أصوات محددة مسبقاً للاختيار من بينها. وقال ألتمان إن الشركة تعمل أيضاً على تحسين جهود السلامة والخصوصية، موضحاً أن الدردشات الخاصة بالمستخدمين لا تتم مشاركتها مع المطورين.
اقرأ أيضاً: أصبح بإمكانك الدردشة الآن مع تشات جي بي تي باستخدام الصوت والصورة
درع حقوق الطبع والنشر
أحد التحديثات الأخرى المهمة التي أعلنتها الشركة هي التعهد بتغطية التكاليف القانونية لعملائها بسبب دعاوى انتهاك حقوق الطبع والنشر، حيث قال ألتمان: "يمكننا الدفاع عن عملائنا ودفع التكاليف المتكبدة إذا واجهتم مطالبات قانونية بشأن انتهاك حقوق الطبع والنشر".
ينطبق هذا التعهد -الذي تسميه الشركة درع حقوق الطبع والنشر (Copyright Shield)- على مشتركي خدمة الأعمال تشات جي بي تي إنتربرايز (ChatGPT Enterprise)، وعلى المطورين الذين يستخدمون واجهة برمجة تطبيقات "تشات جي بي تي"، ولا يشمل مستخدمي إصدار "تشات جي بي تي بلس" ولا مستخدمي الإصدار المجاني.
وبهذا تسير "أوبن أيه آي" على خطى الشركات الكبرى مثل جوجل ومايكروسوفت وأمازون التي قدّمت عروضاً مماثلة لمستخدمي برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي الخاصة بها.
وخلال الحدث، انضم الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا، إلى ألتمان على المسرح للحديث عن كيفية استمرار شركته في استخدام تقنية "جي بي تي" في منتجاتها. وقال: "لقد عملت في مجال البنية التحتية [للحوسبة] منذ ثلاثة عقود من الزمن، ولم أرَ شيئاً كهذا من قبل".
اقرأ أيضاً: كيف يشكّل الذكاء الاصطناعي مستقبل مايكروسوفت؟
صعوبات أمام "جي بي تي-5"
في المؤتمر الصحفي الذي عقده ألتمان بعد الحدث، قال إن الإصدار الذي سيُطلق عليه اسم جي بي تي-5 (GPT-5)، يواجه بعض التحديات العلمية الصعبة للغاية، التي تجعل من الصعب تحديد إطار زمني محدد لظهور النموذج. وأضاف: "علينا أن نتوصل إلى إجابات بعض الأسئلة العلمية الصعبة للغاية للوصول إلى [جي بي تي-5]، وينبغي علينا أن نبني المزيد من أجهزة الحاسوب". لذلك "من الصعب للغاية التنبؤ بالجداول الزمنية لهذه الأشياء".
ومع ذلك، قال الرئيس التنفيذي للشركة إنه عند طرح هذا النموذج فإنه "سيغيّر نظرة الناس إلى التكنولوجيا".
ولم يقدّم ألتمان إجابة واضحة عند سؤاله عما إذا كانت "أوبن أيه آي" ستشارك في تصنيع أجهزة استهلاكية. وقال: "نود أن نكتشف شيئاً مذهلاً. إذا كان هناك شيء لنفعله، فسنفعله"، مضيفاً: "أعتقد أنه في كل مرة تظهر فيها تقنية جديدة بهذه الأهمية، من المفترض أن يكون هناك جهاز جديد مذهل".