ما زال هناك بعض أوجه عدم اليقين التي تلفّ آلية عمل المناعة ضد كوفيد-19. وبينما نقترب من تطوير لقاح ونعلِّق آمالنا على الوصول إلى مناعة القطيع حتى نتمكن من إعادة فتح المجتمعات بصورة آمنة، ستصبح أهمية فهم هذه الجوانب الغامضة أكثر إلحاحاً. نقدِّم إليك نظرة حول بعض أكبر الأسئلة التي ما زلنا نحاول الإجابة عنها.
ما حجم المناعة التي نتحدث عنها؟
عندما يتحدث معظم الناس (أي عامة الجمهور) عن المناعة، فإن ما يقصدونه هو الحماية من المرض. ولكن عندما يتعلق الأمر بالعديد من الأمراض المعدية، فإن "مُحصَّن" و"غير مُحصَّن" هما مفهومان نسبيان أكثر من كونهما نقيضان؛ حيث يشير روبرت جاري، عالم الفيروسات بجامعة تولين، إلى أن لقاح الأنفلونزا -على سبيل المثال- لا يوفر حماية مطلقة ضد الأنفلونزا، بل إنه مصمم لمنع حدوث عدوى كبيرة وتجنُّب "تدهور الأمور" وإبقائها تحت السيطرة.
وعندما نتحدث عن المناعة ضد كوفيد-19، فإننا نشير عموماً إلى إنتاج الأجسام المضادة من قِبل جهاز المناعة في الجسم. غير أن هذا المفهوم مضلِّلٌ أيضاً؛ ففي دراسة أوّلية تم نشرها على الإنترنت هذا الشهر، قامت بقياس مستويات الأجسام المضادة لدى المرضى في لندن، وُجد أن ما بين 2% و8.5% من المرضى لم يطوروا أجساماً مضادة قابلة للاكتشاف. ومن المرجح أن هؤلاء المرضى الذين نجوا من عدوى الفيروس (عادةً من الشباب) قد اضطروا إلى محاربة العدوى بالاعتماد على الأسلحة الخلوية للنظام المناعي -خلايا الدم البيضاء والسيتوكين الذي يشارك في المعركة ويقتل العوامل المُمرِضة- عوضاً عن الاعتماد على الأجسام المضادة التي تقوم بتحييد الفيروس.
كم تدوم المناعة ضد كوفيد-19 بعد الإصابة به؟
ليس لدينا أدنى فكرة حتى الآن حقاً؛ حيث وردت تقارير متفرقة عن إصابة بعض الأشخاص في مناطق مختلفة من العالم بعدوى كوفيد-19 مرتين، وما زال سبب ذلك غير واضح حتى الآن. ومن الموثّق جيداً أن الإصابة بالفيروسات التاجية الأخرى لا تمنح سوى مناعة مؤقتة، وأحياناً لا تدوم أكثر من بضعة أشهر. وقد يتبع كوفيد-19 النمط نفسه، ولكن من السابق لأوانه تحديد ذلك.
ما العوامل التي تؤثر على المناعة؟
تشير سارة فورتشن من كلية تي أتش تشان للصحة العامة في هارفارد إلى أنه من المعروف جيداً أن المناعة ضد الأمراض المعدية شديدة الارتباط بمدة الاستجابة المناعية أثناء الإصابة بها. ومن المرجح أن تؤدي العدوى التي تسبب أعراضاً شديدة إلى استجابة مناعية أقوى، مما قد يساعد أيضاً على تطوير مناعة قوية وطويلة الأمد في المستقبل. وعلى الجانب الآخر، من المرجح أن تؤدي حالة إصابة خفيفة أو دون أعراض إلى توليد مستويات أقل من الأجسام المضادة، وهذا ما أكده بحث جديد منشور في مجلة نيتشر ميدسن يوم 18 يونيو حول مرضى مصابين بكوفيد-19.
وفي هذا البحث، درس الباحثون مجموعة صغيرة من المرضى المصابين بكوفيد-19 الذين لا يعانون من أية أعراض، ووجدوا أن هؤلاء المرضى يطورون مستويات أقل من الأجسام المضادة. للوهلة الأولى، قد تشير هذه النتائج إلى أن هؤلاء الأشخاص ليسوا محصنين تماماً ضد كوفيد-19، لكن تنوه فورتشن إلى أنه لا يمكن استخلاص هذا النوع من الاستنتاجات بعد؛ فقد تظلّ هذه المستويات المنخفضة من الأجسام المضادة قادرةً على حماية الأشخاص من الإصابة بالمرض، وهذا ما تؤكده ورقة بحثية جديدة منشورة في مجلة نيتشر.
ما زالت الاختلافات بين الإصابات من دون أعراض، والإصابات التي ترافقها أعراض غير واضحة تماماً من حيث المناعة؛ وذلك لأن الحالات من دون أعراض لا تخضع للاختبار والتحديد بشكل فعال. كما أنه لا يوجد تعريف عالمي موحد للحالات التي توصف بأنها من دون أعراض؛ هل هي الغياب التام للأعراض؟ ماذا عن الأعراض المعتدلة فقط؟
لقد أظهر بحث آخر أن "أولئك الذين يعانون من أعراض شديدة يطورون استجابة مناعية أكثر قابلية للكشف وأكثر قوة"، وذلك وفقاً لتشارلز كيرنز، عميد كلية الطب بجامعة دريكسل. ربما يؤكد تراكم جميع هذه الأدلة على أهمية الاستجابة المناعية المعتمِدة على الخلايا لمحاربة فيروس كورونا.
ما معنى كل ذلك بالنسبة لتطوير اللقاح؟
سنضطر لتكرار نفس الأسطوانة المشروخة: نحن لا نعرف حتى الآن. كما ذكرنا، ما زلنا غير متأكدين من نوع المناعة المضادة لكوفيد-19 التي سيمنحنا إياها اللقاح: هل هي حماية كاملة أم أنها حماية ضد الأعراض الخطيرة؟ تقول فورتشن إنه بالنسبة لكوفيد-19، من المحتمل أن نحصل على حماية حقيقية، لكننا لسنا متأكدين يقيناً من ذلك، وهذا أمر لا يمكن تقييمه ببساطة بالاعتماد على مستويات الأجسام المضادة. وسيتوجب علينا الانتظار إلى أن يتم إجراء تجارب المرحلة الثالثة (التي ستقيس فعالية اللقاح بشكل مباشر) حتى يتكوّن لدينا فهم أفضل للعلاقة بين مستويات الأجسام المضادة والمناعة، واستيعاب أكبر لنوع الاستجابة المناعية التي ينبغي أن يولّدها اللقاح للحصول على الحماية حقيقية.
وإذا تبيّن أن التعرض السابق للإصابة بكوفيد-19 لا يضمن الحصول على مناعة دائمة أو قوية، فسيتم توصية الجميع بالحصول على اللقاح. وعندها ينبغي على التجارب السريرية المخصصة لدراسة سلامة اللقاح وفعاليته أن تشمل أشخاصاً من هذه الشريحة السكانية المصابة سابقاً.