على مدار السنوات القليلة السابقة، برزت تقنية التصوير المجسم أو الهولوجرام، كواحدة من أكثر التكنولوجيات الواعدة في قطاع الرعاية الطبية، حيث تعمل على تطوير قطاع الرعاية الصحية وعلوم الحياة والبحوث الطبية الحيوية، بالإضافة إلى التدريب والتعليم الطبي. ومن المتوقع أن تُحدث التقنية عند استخدامها بشكل واسع تأثيراً كبيراً على خدمات الرعاية الصحية.
حيث تعمل على القياس الكمي الدقيق لعناصر التشريح الداخلي للإنسان في أشكال هندسية ثلاثية الأبعاد يتم عرضها في مساحة فعلية يمكن رؤيتها بالعين المجردة، ما يساعد المهنيين الطبيين على الحصول على قدرات تشخيصية متقدمة وتخطيط جراحي متقدم، لتعزيز كفاءة العمليات الجراحية المعقدة وتحسين عمليات التشخيص.
الهولوجرام تقنية ثورية واعدة في المجال الطبي
عادةً ما تكون تكنولوجيا التصوير ثلاثية الأبعاد (3D) تقليدية وإن كانت إنجازاً ثورياً في الوقت الحالي، فهي غير قادرة على إنشاء عرض ثلاثي الأبعاد بشكل دقيق. وفي الواقع، فهي عبارة عن صور ثنائية الأبعاد (2D) يتم جمعها من خلال استخدام تكنولوجيات التصوير بالرنين المغناطيسي، وأجهزة مسح التصوير المقطعي المحوسب، والموجات فوق الصوتية، وغيرها، ثم يتم تجميعها معاً لإنشاء صورة ثلاثية الأبعاد تقريبية.
علاوة على ذلك، فإن إنشاء تصورات ثلاثية الأبعاد من هذه الصور ثنائية الأبعاد أمر شاق للغاية ويستغرق وقتاً طويلاً، ومن ثم تعتبر قرارات العلاج والتشخيص بناءً على هذه الصور صعبة إلى حد ما، بالإضافة إلى أن دقتها غالباً ما تكون موضع شك. وكحل لهذه التحديات، تقدم تقنية الهولوجرام إسقاطات عائمة ثلاثية الأبعاد يمكن رؤيتها مباشرة.
وعلى عكس تكنولوجيات الواقع الافتراضي والمعزز، تظل البيئة الحقيقية لتقنية الهولوجرام مرئية في جميع الأوقات وتظهر الصور المجسمة في الفضاء الحقيقي، ما يتيح للمهنيين الطبيين تكبير وتصغير الصورة ثلاثية الأبعاد لأعضاء الجسم، ومن ثم فإن الصور المجسمة المنشأة بتقنية الهولوجرام تجعل التشخيص والعمليات الجراحية تُنفذ بأقل جهد مع القدرة على التفاعل في الوقت الحقيقي.
اقرأ أيضاً: ما مميزات وعيوب تقنية الهولوجرام؟
استخدام تقنية الهولوجرام في المجال الطبي
لعقود من الزمان، كان الأطباء والجرّاحون يعتمدون على التصوير الطبي للمساعدة في اتخاذ قرارات التشخيص وتوجيه التدخلات الطبية واتخاذ قرار بشأن مسارات العلاج، وغالباً ما تستخدم تقنيات مثل التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (Positron Emission Tomography)، اختصاراً (PET)، وتطبيقات الأشعة السينية، مثل التصوير المقطعي المحوسب (CT) والتصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) لتشخيص الأمراض وعلاجها، وكذلك تحليل الهياكل الداخلية للجسم.
وعلى الرغم من أن تقنية الهولوجرام تعد جديدة في صناعة الطب، لكنها تحمل الكثير من الآمال الثورية، حيث تتطلع العديد من الشركات إلى إنشاء بُعد جديد لتطبيقات التصوير الطبي من خلال تقنية الهولوجرام لجسم الإنسان، مثل شركة ريل فيو (RealView) التي كانت من أوائل الشركات التي كشفت عن طموحاتها في توفير تقنية الهولوجرام في المجال الطبي.
حيث أجرت في عام 2013 دراسة بالاشتراك مع شركة فيليبس (Philips)، وبالتعاون مع مركز شنايدر الطبي للأطفال، لإثبات جدوى استخدام نظام التصوير والتفاعل ثلاثي الأبعاد المباشر لتوجيه إجراءات أمراض القلب الهيكلية الطفيفة، حيث تمكن الأطباء من عرض صور ثلاثية الأبعاد ديناميكية مفصّلة لقلب مريض في الوقت الفعلي، يمكن رؤيتها بالعين المجردة وبدون استخدام نظارات خاصة، وتمكنوا من تحريك صورة القلب ثلاثية الأبعاد الظاهرة أمامهم بجميع الاتجاهات، عن طريق لمس الصورة المجسمة الموجودة أمامهم حرفياً.
تطبيقات تقنية الهولوجرام في مجال الطب
شجّعت التطبيقات المتزايدة لتقنية الهولوجرام إلى جانب مزاياها العديدة، على تبنيها في مختبرات البحث والجامعات والمستشفيات في جميع أنحاء العالم، وتعتبر حالة التطبيق الأكثر وضوحاً الآن فيما يلي:
التصوير الطبي
يتضمن التصوير الطبي (Medical Imaging) عملية إنشاء تمثيلات بصرية للجزء الداخلي من جسم الإنسان من أجل التحليل السريري والتشخيص والتدخلات الطبية، ويمكن أن تُعزى الحصة الكبيرة من هذا الجزء من التطبيقات إلى ظهور الصور المجسمة الرقمية للتصوير الطبي في المستشفيات ومراكز التشخيص، حيث من المتوقع أن يؤدي التصوير المجسم الطبي (Medical Holography) دوراً مهماً في التصوير التشخيصي الطبي في المستقبل القريب، بسبب النماذج الثلاثية الأبعاد التفاعلية التي تسمح باختبار طبي أكثر ديناميكية وفعالية من حيث التكلفة، وتخزين كميات هائلة من بيانات التصوير.
اقرأ أيضاً: كيف تساهم التكنولوجيا في تطوير الطب والرعاية الصحية؟
التعليم الطبي
اكتسبت تقنية الهولوجرام قبولاً واسعاً في المؤسسات الأكاديمية والمراكز الطبية لفوائدها العديدة في تطبيقات التعليم والتدريب الطبي، حيث يتم استخدامها بشكل متزايد في مجال التعليم الطبي لتعليم الجوانب المهمة في علم التشريح البشري بطريقة بسيطة وسهلة، حيث تمثل الصور المجسمة الرقمية هياكل تشريحية ثلاثية الأبعاد معقّدة لجسم الإنسان، وتزوّد المتدربين بالمرونة لبناء منظورات مختلفة للبنية التشريحية لجسم الإنسان.
على سبيل المثال، يتم استخدام تقنية الهولوجرام حالياً في كليات الطب، وهو ما يمكن أن يُشكل تطوراً مهماً في مجال التعليم، من خلال تعلم الطلاب بشكل أفضل عن وظائف وأعضاء الجسم قبل الممارسة العملية.
اقرأ أيضاً: كيف تحوّل تقنية الهولوجرام التعليم إلى عملية ممتعة وفعّالة؟
البحوث الطبية الحيوية
يمكن استخدام مجاهر التصوير المجسم في تطبيقات مختلفة في البحوث الطبية الحيوية، مثل المراقبة في الوقت الحقيقي للخلايا الحية، وقياس المعلمات ذات الصلة سريرياً لكرات الدم الحمراء، مثل محتوى الهيموغلوبين ومتوسط حجم الخلية (MCV) لكرات الدم الحمراء الفردية.
بالإضافة إلى ذلك، بدأت العديد من مراكز الأبحاث في استكشاف تقنية الهولوجرام في الرعاية الطبية. على سبيل المثال، بدأ فريق من جراحي الأعصاب من مستشفى الجامعة الوطنية في سنغافورة بدراسة إمكانية استخدام تقنية الهولوجرام لتحديد أماكن أورام المخ أثناء العمليات الجراحية.
حيث تم استخدام برنامج طبي ثلاثي الأبعاد يسمى (Virtual Surgery Intelligence) لإنشاء صورة ثلاثية الأبعاد لدماغ مريض وعرضه في المكان أثناء الجراحة، حيث أتاحت الصورة ثلاثية الأبعاد للجراحين التعرف على الأورام بسرعة وبدقة، ومعرفة موقعها الدقيق والزاوية التي يجب إجراء شق فيها، بالإضافة إلى عرضها من زوايا مختلفة ورؤيتها بالعين المجردة، والتفاعل معها والتحكم فيها عن طريق الإيماءات.
اقرأ أيضاً: كيف يتم استخدام الهولوجرام في التصميم الداخلي؟
سوق متنامٍ لتقنية الهولوجرام الطبي
تعد الزيادة في اعتماد تطبيقات تقنية الهولوجرام في قطاعات التعليم الطبي والبحوث الطبية الحيوية، وزيادة التطبيقات السريرية للتصوير المجسم من العوامل الرئيسية لنمو سوقها العالمي، حيث من المتوقع وفقاً لشركة أبحاث السوق (verifiedmarketresearch) أن يصل حجم سوق تقنية الهولوجرام العالمي إلى 10.7 مليار دولار بحلول عام 2028، وتعتبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ المنطقة الأسرع نمواً من بين جميع المناطق الأخرى، حتى الولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: كيفية استخدام التصوير المجسم «الهولوجرام» لإنشاء عروض احترافية
حيث تمتلك العديد من الاقتصادات في هذه المنطقة، مثل الهند وسنغافورة واليابان وكوريا الجنوبية والصين وإندونيسيا إمكانات هائلة لتطوير تطبيقات الهولوجرام، ومن المتوقع أن ينمو حجم سوق تقنية الهولوجرام في هذه المنطقة إلى أكثر من 13 مليار دولار بحلول عام 2030.
وتعود أسباب النمو المتوقعة في هذه المنطقة بالتحديد إلى عوامل عدة، مثل: زيادة الاستثمار في نفقات الرعاية الصحية، وتطور المرافق الطبية، والتطورات التكنولوجية في غرف الجراحة، وتضخم الطلب على الخدمات الصحية الرقمية، وأنظمة الرعاية الصحية الشخصية المصممة حسب الطلب.