ضمن مؤتمر تِكونومي (Techonomy) في عام 2010، شارك الرئيس التنفيذي السابق لشركة جوجل (ألفابيت حالياً) إريك شميدت إحصائية مثيرة للغاية، حيث ذكر: "أن هناك 5 إكسابايت (5 Exabyte) من البيانات تم إنشاؤها بين فجر الحضارة حتى عام 2003، ولكن يتم الآن إنشاء أضعاف هذا الرقم كل يومين". ويلخص هذا الرقم الحجم الهائل من البيانات التي ننتجها على أساس يومي، وكل هذا قبل ما يقارب 19 عاماً، فكيف سيكون الحال الآن مع ظهور تكنولوجيا إنترنت الأشياء، واتجاه معظم الأعمال إلى الرقمنة.
حيث نجد في عالم اليوم، أن نجاح أي نشاط قائم على شبكة الإنترنت يرتبط ارتباطاً وثيقاً بكيفية الاستفادة من البيانات التي تنتجها، بعد أن أصبحت البيانات من الأهمية بمكان بالنسبة للشركات والمؤسسات في جميع أنحاء العالم، لاستخراج رؤى قيمة يمكن أن تساعدها على فهم عملائها بشكل أفضل وكيفية ارتباطهم بمنتجاتها أو خدماتها، وفي الوقت نفسه، أدت زيادة البيانات المنتجة إلى زيادة الطلب على متخصصي علوم البيانات في السنوات الأخيرة بشكل كبير.
اقرأ أيضاً: كيف يمكنك بدء دراسة علم البيانات وتعزيز مهاراتك لتعزيز مسارك المهني؟
فما هو علم البيانات؟ ولماذا هو مهم؟ وما الأدوار المختلفة المرتبطة بعلوم البيانات، وتطبيقات علوم البيانات؟ ولكن قبل ذلك، إليك بعض الحقائق حول كمية البيانات التي يتم إنتاجها ومعالجتها كل يوم:
- قدرت كمية البيانات المنتجة في العالم في عام 2020 بنحو 64 زيتابايت.
- من المتوقع أن تصل كمية البيانات التي يتم إنتاجها يومياً إلى 180 زيتابايت على مستوى العالم بحلول عام 2025.
- تقوم شركات التكنولوجيا الكبرى الأربع (جوجل وميتا ومايكروسوفت وأمازون) وحدها بتخزين ما لا يقل عن 1200 بيتابايت من البيانات يومياً.
- سيكون هناك 29 مليار جهاز إنترنت أشياء في العالم بحلول عام 2025.
- سيكون تسعة من كل عشرة أشخاص في سن السادسة وما فوق نشيطين رقمياً بحلول عام 2030.
- يعالج محرك البحث جوجل نحو 805 مليارات عملية بحث كل يوم، بواقع أكثر من 99 ألف عملية بحث كل ثانية.
- سيصل تخزين البيانات السحابية حول العالم إلى أكثر من 200 زيتابايت بحلول عام 2025.
اقرأ أيضاً: ما هي البيانات الضخمة وما مجالات تطبيقها وآفاقها المستقبلية؟
تعريف علم البيانات
هو تخصص يجمع بين الإحصاء وتحليل البيانات والتعلم الآلي وعلوم الحاسوب، والأساليب ذات الصلة لجمع البيانات ومعالجتها وتحليلها واكتشاف الأنماط الأساسية لاستخراج رؤى قيمة. وعلى الرغم من أن البيانات يتم إنتاجها منذ فجر التاريخ، فإن مصطلح علم البيانات (Data Science) قد تمت صياغته في العقد الأول من القرن الحالي، عندما أدركت الشركات الحاجة إلى متخصصين يتمتعون بالمهارة في تنظيم وتحليل كميات هائلة من البيانات التي تنتجها بشكل يومي.
أهمية علم البيانات في الوقت الحالي
لا يختلف اثنان أنه في عالم اليوم، أصبحت البيانات أهم الأصول لأي شركة، حيث يرتبط نجاح أي عمل تجاري ارتباطاً وثيقاً بكيفية استخدامها للبيانات ومعالجتها وتحليلها لاستخراج رؤى قيمة لمساعدتها على النمو والنجاح، ومن ثم يساعد علم البيانات الشركات على تحليل كميات كبيرة من البيانات المهيكلة وغير المهيكلة، وتحديد الأنماط المخفية لاستخراج رؤى قابلة للتنفيذ.
ونظراً إلى أن الشركات تدرك جيداً الأهمية الحقيقية للبيانات، فقد أصبح علم البيانات جزءاً أساسياً من عمليات صُنع القرار والتخطيط الاستراتيجي، حيث تكمن أهميتها في تطبيقاتها التي لا حصر لها، والتي تتراوح من الأنشطة اليومية مثل تصفح الإنترنت، إلى التطبيقات الأكثر تعقيداً مثل السيارات ذاتية القيادة، حيث يساعد علم البيانات الشركات بطرق شتى، بما في ذلك:
- تفسير وفهم الكميات الكبيرة من البيانات التي تنتجها.
- اتخاذ قرارات أسرع وأفضل.
- تعزيز استراتيجيات التسويق والمبيعات.
- المساهمة في تحديد الجمهور المستهدف.
- تقليل تكاليف التشغيل.
- تحسين خدمات العملاء الشخصية.
- المساهمة في تعزيز عمليات الأتمتة والتحول الرقمي.
اقرأ أيضاً: كيف تستخدم صناعة كرة القدم علم البيانات والتحليلات لتحسين أداء الفرق؟
مشرفو مشاريع علم البيانات
في معظم الشركات يتم الإشراف على مشاريع علوم البيانات عادةً من قبل ثلاثة أنواع من المديرين، هم:
-
مدير الأعمال
يمكن لمدير الأعمال أن يكون رئيس قسم في الشركة، مثل التسويق والمبيعات والتمويل والمنتج، وأي قسم آخر لديه علاقة بالأرقام والإحصائيات، وعادة يعمل المدير عن كثب مع فريق علوم البيانات لتحديد احتياجات ومشكلات قسمه وتطوير استراتيجية فعّالة لحلها، وضمان تسليم المشاريع في الوقت المناسب.
-
مدير تكنولوجيا المعلومات
وهو المسؤول عن توفير البنية التحتية لدعم عمليات علوم البيانات المختلفة، كما أنه مسؤول عن صيانة البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، ومراقبتها وتحديثها لضمان عمل فرق علوم البيانات بكفاءة وأمان.
-
مدير علوم البيانات
يتحمل مدير علوم البيانات مسؤولية بناء وإدارة فريق علوم البيانات وعملهم اليومي، وعادةً يتكون هذا الفريق من العديد من المتخصصين في علوم البيانات، مثل علماء البيانات، ومهندسي البيانات، ومحللي البيانات.
وبشكل عام، يتم الإشراف على علوم البيانات من قبل أنواع مختلفة من المدراء المذكورين أعلاه، ولكن اللاعب الأكثر أهمية في هذه العملية هو عالم البيانات، وهو ما سنتعرف على دوره وماذا يفعل في الفقرة التالية.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لأمانات البيانات أن تحمي خصوصيتنا؟
مهام عالم البيانات في الشركة
على مدار السنوات السابقة أصبح علماء البيانات أصولاً ضرورية وركائز أساسية في جميع الشركات والمؤسسات التي تنتج بيانات تقريباً، حيث إن هؤلاء المحترفين هم أفراد ذوو خبرة جيدة وفهم عميق للبيانات، ولديهم مهارات تقنية عالية المستوى، وقادرون على بناء خوارزميات معقدة لتنظيم وتوليف كميات كبيرة من المعلومات المستخدمة للإجابة عن الأسئلة وتوجيه الاستراتيجية في شركاتهم ومؤسساتهم.
بالإضافة إلى ذلك، لديهم أيضاً خبرة في الاتصال والقيادة اللازمة لتقديم نتائج ملموسة لمختلف أصحاب المصلحة في المؤسسة أو الشركة، ومعرفة استثنائية خاصة بالصناعة التي يعملون فيها، ومهارات اتصال تسمح لهم بشرح النتائج التقنية المعقدة لنظرائهم غير التقنيين، وخلفية قوية في الإحصاء والجبر الخطي بالإضافة إلى معرفة بلغات البرمجة لبناء الخوارزميات وتحليلها.
وبشكل عام، فإن علماء البيانات الفعّالين قادرون على تحديد الأسئلة ذات الصلة، وجمع البيانات من العديد من مصادر البيانات المختلفة، وتنظيم المعلومات، وترجمة النتائج إلى حلول، وإيصال نتائجهم بطريقة تؤثر بشكل إيجابي على قرارات العمل، حيث إن هذه المهارات مطلوبة في جميع الصناعات تقريباً، ما يؤدي إلى زيادة قيمة علماء البيانات المهرة للشركات.
دورة حياة علم البيانات
أصبحت البيانات نفطاً جديداً يقود الأعمال التجارية اليوم، هذا هو السبب في أن فهم دورة حياة مشروع علم البيانات أمر بالغ الأهمية. وعلى الرغم من أنه لا يتم إنشاء جميع مشاريع علوم البيانات بنفس الطريقة، فإن لديها 6 مراحل رئيسية يتفق حولها الجميع، هي:
- متطلبات نموذج العمل: تبدأ أي عملية في علم البيانات بفهم متطلبات نماذج العمل المختلفة وتحديد بيانات المشكلة. على سبيل المثال، بناء نظام التوصية لتحسين تجربة العملاء ومشاركتهم، والتنبؤ بتضخم العملاء لتحسين الاحتفاظ بالعملاء.
- الحصول على البيانات: وهي عبارة عن تحديد وجمع مصادر البيانات ذات الصلة. على سبيل المثال، جمع بيانات مشتريات العملاء، وسجل التصفح لبناء نظام التوصية بالمنتج.
- معالجة البيانات: في هذه المرحلة يتم تحويل البيانات الأولية التي تم جمعها من المرحلة السابقة إلى تنسيق مناسب يمكن معالجته واستكشافه وتحليله بشكل أكبر.
- استكشاف البيانات: إجراء تحليل البيانات الاستكشافية (EDA)، باستخدام طرق إحصائية وتمثيل بياني بطرق مختلفة لاكتشاف الأنماط والاتجاهات الأساسية في البيانات.
- النمذجة: تُستخدم خوارزميات التعلم الآلي لبناء نماذج تنبؤية أو وصفية، وتتضمن هذه المرحلة تنظيف البيانات (Data cleaning)، وإعدادها وتدريب خوارزميات التعلم الآلي عليها، واختبارها وتقييمها.
- النشر: بمجرد تدريب نموذج التعلم الآلي وتقييمه، يتم نشره في نموذج العمل.
القطاعات التي تستخدم علم البيانات لتعزيز نموها
تعتبر عملية صنع القرار المدعوم بالبيانات العمود الفقري لكل صناعة أو قطاع يريد النمو، وهذا يعني أن معرفة كيفية تجميع البيانات ونشرها ودراستها وتخزينها والتصرف بناءً عليها، ستكون المهمة الأساسية لكل شركة تعتمد على البيانات.
وعلى الرغم من أن علم البيانات مهم لكل عمل تجاري تقريباً، فإن هناك بعض القطاعات تعتمد بنسبة 100% على علم البيانات لتحسين عملياتها التشغيلية وتعزيز نموها وتعظيم أرباحها، وبدون علم البيانات لن تتمكن من الاستمرار على الإطلاق، ومن ضمن هذه القطاعات:
البنوك والخدمات المالية والتأمين
أدت زيادة عدد حالات الاستخدام في قطاع البنوك والخدمات المالية والتأمين (BFSI) إلى زيادة هائلة في البيانات التي يتعين تحليلها واتخاذ إجراءات بشأنها، وهناك العديد من الطرق التي يمكن أن يساعد بها علم البيانات المؤسسات المالية على أن تكون أكثر كفاءة في تقديم الخدمات لعملائها، منها:
- الكشف عن عمليات الغش.
- إدارة الإقراض وتقديم القروض.
- نمذجة المخاطر.
- تأمين وإدارة بيانات العملاء.
- الاكتتاب وتسجيل الائتمان.
اقرأ أيضاً: التعلم الآلي يتنبأ بما إذا كنت ستنفصل عن شريك حياتك
الإعلام والترفيه
بدأ اللاعبون الكبار في مجال الإعلام وصناعة الترفيه، مثل يوتيوب وأمازون فيديو ونتفليكس، في تطبيق علم البيانات في عملياتهم التشغيلية منذ وقت مبكر لفهم عملائهم وتقديم التوصيات الأكثر ملاءمة وتخصيصاً لهم، حيث عملت استراتيجيات علوم البيانات، وخاصة التعلم الآلي على توسيع نطاق صناعة الإعلام والترفيه من خلال:
- الإعلانات شديدة الاستهداف.
- دفع التوصيات بالمحتوى.
- النمذجة التنبؤية لإنشاء المحتوى المستهدف.
البيع بالتجزئة
تزدهر صناعة البيع بالتجزئة التي تركز على المستهلك من خلال زيادة التخصيص والملاءمة، بهدف رئيسي وهو: فهم سلوك المتسوق وأنماطه من خلال البيانات، حيث ساعد علم البيانات شركات البيع بالتجزئة على ضمان فهم أفضل للمستهلكين، من خلال:
- تحليل عمليات البحث والمشتريات السابقة للمساعدة في العثور على المنتجات ذات الصلة.
- إنشاء نظام للتوصية والتخصيص.
- تحليل سلوك العملاء ورؤى السوق.
- تحسين تجربة العملاء من خلال التحليلات التنبؤية.
الاتصالات
في الوقت الحالي أصبح بمقدور مزودي خدمات الاتصالات الوصول إلى كميات هائلة من البيانات، حيث تعتبر زيارات موقع الويب والمشتريات السابقة وأنماط البحث والتركيبة السكانية للعملاء مثل العنوان والعمر والجنس والموقع، مصادر أساسية لجمع البيانات لشركات الاتصالات، وتساعدها على تلبية احتياجات نموها بشكل أكثر دقة، من خلال:
- تقديم عروض مخصصة للعملاء.
- تخصيص موارد الشبكة.
- الصيانة التنبؤية للشبكات.
- ضمان نشر الشبكة بشكل أكثر ذكاءً.
- كشف الأنشطة الاحتيالية.
- ابتكار المنتجات والحملات المستهدفة.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لأمانات البيانات أن تحمي خصوصيتنا؟
التسويق الرقمي
أصبحت صفحات البحث، والشبكات الاجتماعية، ومقاطع الفيديو، وغيرها، الآن تجلب كميات هائلة من البيانات، ويتطلب تحليل هذه الأحجام الكبيرة من البيانات مستوى عالياً من ذكاء الأعمال ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال الاستخدام الصحيح لمنهجيات علوم البيانات. حيث يمكن أن تساعد هذه البيانات مديري التسويق والعلامات التجارية في الحصول على معلومات مهمة مثل:
- توقع سلوكيات المستخدم واتخاذ قرارات عمل أكثر استنارة.
- توقع احتياجات المستخدم لإرسال عروض شخصية للغاية ومحتوى يرغب فيه، وبالتالي زيادة فرص التحويل إلى عملاء محتملين.
- تحديد الأنماط والاتجاهات التي يمكن أن تساعد في ابتكار المنتجات.
التحديات التي تواجه تطبيق علم البيانات بشكل صحيح
- تفشل معظم مشاريع علوم البيانات في التأثير بشكل إيجابي على العمليات التجارية بسبب رداءة جودة البيانات.
- يفتقر علماء البيانات إلى المهارات اللازمة لشرح المصطلحات الفنية وتعقيدات النموذج، ما يؤدي إلى فقدان اهتمام أصحاب المصلحة.
- تفتقر معظم الشركات إلى الإجراءات المناسبة الأمنية لحماية بياناتها ونماذجها، ما يجعلها عرضة للهجمات السيبرانية.
- لدى العديد من الشركات مفهوم خاطئ عن أهمية علم البيانات، ودور علماء البيانات وتتوقع منهم أن يقوموا بكل الأعمال المتعلقة بها وحدهم.
اقرأ أيضاً: كيف يتم جمع بيانات عنك من سيارتك؟
ختاماً، مع التقدم المطرد في تكنولوجيات التعلم الآلي والتعلم العميق، اكتسب علم البيانات شعبية كبرى بسبب استخدامه في مجالات مختلفة من التطبيقات، حيث كانت وما زالت تساعد بشكل كبير في نمو العديد من الشركات، والآن مع عمليات التحول الرقمي القائمة في معظم الصناعات أصبحت البيانات متوفرة بكميات هائلة، ما يجعل دور علماء البيانات والأدوار المرافقة لهم مهماً للغاية لتحويل هذه البيانات إلى رؤى قيمة تساعد الشركات على تحسين نموها وتعزيز حضورها مع منافسيها بشكل أفضل.