يتفق الكثيرون بأننا نعيش حالياً في أصعب الفترات التي مرت خلال العقود القليلة الماضية. فقد شهد العالم تفشي جائحة كورونا والكثير من التغييرات الجذرية التي أدت إلى نتائج واسعة النطاق أثرت مباشرةً على صحة الأفراد والمجتمعات، وبصورةٍ غير مباشرة على المنظومات الاجتماعية والاقتصادية.
وفي ظل الوضع الحالي، يصعب التنبؤ بآثار الجائحة على المدى البعيد على قطاعات العلوم والتكنولوجيا والابتكار، وخاصة في ما يتعلق بالإنفاق الكلي، والبنى الأساسية الرقمية، ومستوى الانفتاح، والشمولية، والتعاون الدولي.
ومن ناحية أخرى، تتغير التهديدات أسرع بكثير من نقاط الضعف، إذ أصبحت الشركات حول العالم تعطي أولوية أقل للابتكار، والتركيز بدلاً من ذلك على أربعة جوانب أساسية تتمثل بدعم أعمالها الرئيسية، والسعي وراء الفرص الواضحة، والحفاظ على الأموال، وتقليل المخاطر.
ولكن لا بد من أن تشتمل الخطوات العاجلة تكييف الأعمال الرئيسية بطريقة تلبي احتياجات العملاء المتغيرة، وتحديد الفرص الجديدة التي قد تتاح من المتغيرات الحاصلة واغتنامها بسرعة، وإعادة النظر في لائحة المبادرات المعنية بالابتكار، والحرص على تخصيص الموارد بشكل فعال، ووضع اللبنات القوية التي تساهم في تحقيق النمو بعد مرور الجائحة للحفاظ على التنافسية في فترة التعافي.
اقرأ أيضاً: كيف نستعد لمستقبل التشفير ما بعد الكم؟
أهمية الأبحاث والتطوير للتكيف مع المتغيرات الحاصلة
وفي هذا السياق، تأتي أهمية الأبحاث والتطوير، سواءً أكان ذلك عبر الأبحاث الأساسية التي تعزز القدرة على فهم الظواهر الطبيعية، أو الأبحاث التطبيقية التي تتضمن ابتكارات تقنية وتطوير المنتجات الجديدة ورفع مستوى التحكم في الأنظمة. وقد يختلف هذان النوعان بحسب دوافعهما، لكن باحثي اليوم يجرون هذين النوعين من الأبحاث لتحقيق أهدافهم المرغوبة.
لقد أصبح الابتكار التكنولوجي محركاً حيوياً للتنمية الاجتماعية في وقت تتزايد فيه أهمية المعلومات سريعة الانتشار وفي ظل الجهود المبذولة للاضطلاع باقتصاد المعرفة. وأصبح الآن التحول الرقمي عاملاً حاسماً في تسريع وتيرة التنافسية الدولية وتحفيز النمو الاقتصادي المستمر لترسيخ أهمية الابتكار التقني في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
إن الانعكاسات والتوجهات التي يستند إليها الابتكار تعزز أساليب إجراء الأبحاث والتطوير وإدارة التكنولوجيا، وتوفر مؤشرات حقيقية للمستقبل. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن الموجة الحالية التي يشهدها العالم في الرقمنة تفتح الباب على مصراعيه لتسريع وتيرة التنمية المستدامة من خلال دعم عوامل تمكين تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تكوّن البنية الرقمية الأساسية وتسرع إيجاد الحلول الرقمية.
اقرأ أيضاً: معهد الابتكار التكنولوجي: نحو ريادة عالمية في وقت قياسي
مبادرات استراتيجية يجب التركيز عليها
وفي ظل هذا الوضع القائم، يجب التركيز على ثماني مبادرات استراتيجية للأبحاث والتطوير في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للمستقبل:
- الواقعية المفرطة (Hyper Reality): تحليل ثورة التحول من التجربة ثنائية الأبعاد إلى التجربة ثلاثية الأبعاد.
- ما بعد شبكة الجيل الخامس: إعادة بناء المنظومة اللاسلكية لتتطور بشكل يفوق حدود نظرية شانون.
- مجتمع الفوتونيات: خوض تجربة ترابط بصرية وذكية وصديقة للبيئة وواسعة الانتشار .
- بروتوكول الإنترنت الجديد: أساس الإنترنت الصناعي وإنترنت الأشياء.
- تجاوز حدود هيكلية فون نيومان.
- AI Next: من الذكاء الإدراكي إلى الذكاء المعرفي.
- الحوسبة الجديدة (Neo computing): الطريق إلى المصفوفة.
- عالم جدير بالثقة: أساس التحول الرقمي الآمن في العقود القادمة.
إن خارطة الطريق هذه تعكس الجهود التي يبذلها معهد الابتكار التكنولوجي، المركز العالمي الرائد للأبحاث في أبوظبي، في مجالات الأبحاث التطبيقية وتكنولوجيا العصر الجديد. وتماشياً مع رؤية مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة، الجهة المسؤولة عن تطوير منظومة عمل متقدمة للأبحاث والتطوير وتعزيز استراتيجية الأبحاث في دولة الإمارات، فإن معهد الابتكار التكنولوجي التابع للمجلس يساهم في إيجاد حلول لبعض أكثر التحديات الملحّة على مستوى العالم عبر التركيز على التقنيات المتطورة التحويلية.
يعمل المعهد، من خلال مراكزه البحثية المتخصصة، على تسهيل إمكانية الوصول إلى التمويلات المالية بهدف المضي قدماً في خارطة الطريق المرسومة للابتكار، بحيث لا تتبنى رؤية مستقبلية وحسب، بل تسعى إلى تحقيق هذه الرؤية.
وفي حين تعتبر التوجهات نحو رقمنة سلسلة القيمة واعتماد الثورة الصناعية الرابعة من أهم العوامل الحاسمة التي ستمهد الطريق للمستقبل، لا شك أن جهود الأبحاث والتطوير لها مساهمة كبيرة في تحسين الكفاءة وتقليل المخاطر.
وكما هو الوضع في أي مجال آخر، يجب الحفاظ على الاستمرارية والتناسق في جهود الابتكار في الأبحاث والتطوير، وهذا يعني الالتزام بخطة عمل ثابتة على المدى البعيد إلى أن تتحقق أهداف الابتكار المطلوبة.
إن مفتاح النجاح الحقيقي يكمن في الاستمرارية والتناسق والقدرة على الاعتماد على الذات والثقة بالنفس وتحمل مسؤولية جميع الخيارات والخطوات.