3 أمثلة تشرح لماذا لن يرقى الذكاء الاصطناعي إلى مستوى الضجيج المثار حوله

5 دقيقة
حصاد التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي اليوم 19 ديسمبر 2024
حقوق الصورة: بيكسباي

تمكن مصطلح الذكاء الاصطناعي التوليدي من تسجيل حضور قوي في عمليات بحث جوجل طوال عام 2024 مدفوعاً بالتقدم المستمر في التكنولوجيا وزيادة الاهتمام العام بتطبيقاته. على سبيل المثال، بلغت عمليات البحث المتعلقة بالتكنولوجيا ذروتها في الفترة من بداية شهر مارس إلى منتصف شهر يونيو من عام 2024، حيث وصلت إلى قمة مؤشر 100 (100 Index)، ما يعكس اهتمام المستخدمين ورغبتهم في فهم عمل التكنولوجيا.

وبما أن الذكاء الاصطناعي عموماً كان موجوداً منذ ظهور الإنترنت، فإن درجة الاهتمام به والبحث عنه اختلفت كثيراً منذ ظهور تشات جي بي تي للعلن في نهاية شهر نوفمبر 2022، فقبل ظهوره كانت التكنولوجيا مرتبطة بالمنتجات التي نستخدمها دون الحاجة إلى إعارة أهمية متعمقة بها من قِبل المستخدمين العاديين، مثل الكاميرات المضمنة في الهواتف الذكية التي تلتقط أفضل الصور، أو استخدام مواقع الويب مثل تيك توك ويوتيوب الخوارزميات لعرض المزيد من المحتوى المفضل لك بناءً على ما شاهدته مسبقاً.

ولكن منذ ظهور تشات جي بي تي، أدّى تدفق المنتجات المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي إلى إثارة ضجيج كبير حول التكنولوجيا وصُوِّر بمثابة المنقذ الذي سيكون لديه الإمكانية الكاملة والشاملة لحل مشكلات الشركات والموظفين والمبدعين كافة وقطاعات العمل كلّها تقريباً، فهل يرقى الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى مستوى هذا الضجيج والتوقعات حقاً؟

اقرأ أيضاً: ما هي هواتف الذكاء الاصطناعي التوليدي؟ وما الذي يُميّزها؟

موجز لفهم دورة الضجيج المتعلق بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي

لمعرفة كيف تُثير أي تكنولوجيا جديدة هذا الضجيج كلّه، علينا أولاً أن نفهم مفهوم دورة الضجيج (Hype Cycle)، حيث تُعرِّف شركة جارتنر للأبحاث ظاهرة دورة الضجيج في خمسة مراحل رئيسية هي:

1- محفز الابتكار Innovation Trigger: تتمحور حول الإثارة الأولية والاهتمام الإعلامي الكبير عند ظهور تكنولوجيا جديدة ثورية.

2- ذروة التوقعات المتضخمة Peak of Inflated Expectations: تروِّج الشركات بشكلٍ مكثّفٍ للتكنولوجيا الجديدة، ما يؤدي إلى تقديمها بشكلٍ مفرطٍ في السوق.

3- قاع الإحباط Through of Disillusionment: تظهر التحديات والإخفاقات ما يتسبب في تضاؤل ​​الاهتمام مع فشل أو عدم قدرة التطبيقات في تقديم قيمة حقيقية.

4- تبلور فهم التكنولوجيا Slope of Enlightenment: ظهور الإصدارات الثانية والثالثة وتحسنها وبدء المستخدمين فهم مزايا التكنولوجيا الجديدة على نطاقٍ واسع.

5- قمة الإنتاجية Plateau of Productivity: تصل التكنولوجيا إلى بعض حالات الاستخدام العملية وتثبت قيمتها الحقيقية مع ارتفاع حالات التبني، بالإضافة إلى بدء الشركات التي تمكنت من النجاة جني الأرباح من منتجاتها ورسوخ أقدامها في السوق.

وفيما يتعلق بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي بالتحديد يبدو أننا الآن في نهاية المرحلة الثانية وبداية الدخول في المرحلة الثالثة لأن الابتكارات التكنولوجية الثورية بحسب تعريف شركة الأبحاث حتى تصل إلى المرحلة الأخيرة من دورة الضجيج فهي تحتاج إلى من 3 - 5 سنوات حتى تنتقل بالكامل عبر المراحل الخمسة.

اقرأ أيضاً: ماكنزي: الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يُضيف مليارات الدولارات لاقتصادات الخليج

هل ارتقى الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى مستوى الضجيج المثار حوله حقاً؟

وفقاً لاستطلاع أجرته شركة ماكينزي للأبحاث، فإن نحو 65% من الشركات تستخدم بطريقة أو أخرى الذكاء الاصطناعي التوليدي بانتظام عام 2024 وهو ما يمثّل ضعف عدد الشركات عن العام السابق 2023 الذي شهد التداول الاخباري الكثيف لإمكانات التكنولوجيا وقدراته، ومع ذلك وجدت الكثير من التقارير والأبحاث والاستطلاعات أن هناك شعوراً متزايداً بأن الضجة الأولية التي رافقت التكنولوجيا ربما كانت مُبالغاً فيها.

على سبيل المثال، كشف تقرير صادر في شهر أغسطس من العام الحالي عن مؤسسة الأبحاث الأميركية غير الربحية راند (RAND)، أن نحو 80% من مشاريع الذكاء الاصطناعي تفشل، وهو أعلى بكثير من المشاريع غير المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، وبحسب التقرير فإن الفشل يمكن أن يرجع إلى عدة أسباب من ضمنها:

  • متطلبات الإنفاق المالي العالي التي ينبغي استثمارها لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي ونشرها.
  • عدم وجود بيانات تدريب كافية خاصةً البيانات العالية الجودة.
  • التركيز على استخدام أحدث التكنولوجيات وأكبرها بدلاً من التركيز على حل المشكلات الحقيقية للمستخدمين المستهدفين.
  • في بعض الحالات تفشل المشاريع لأن التكنولوجيا تُطبق على المشكلات التي يصعب على الذكاء الاصطناعي حلها.
  • عدم الدراية الكافية من قِبل صُنّاع القرار في فهم المشكلة التي ينبغي حلها باستخدام الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثّر نقص بيانات التدريب في كفاءة نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي؟

الذكاء الاصطناعي التوليدي لا يزال يعاني مشكلات يصعب حلها

وفقاً للعديد من التقارير، فإن عدم قدرة معظم مشاريع الذكاء الاصطناعي التوليدي على الارتقاء إلى التوقعات يعود إلى فشلها في معالجة ثلاث مشكلات رئيسية هي:

انتهاك الملكية الفكرية وحقوق الطبع والنشر

أكبر مشكلة تواجه نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي في الوقت الحالي هي توفير بيانات تدريب عالية الجودة لتلبية التوقعات المتزايدة في تحسين دقة مخرجاتها وموثوقيتها. وبما أن معظم المحتوى عالي الجودة محمي بحقوق الملكية الفكرية، فإن اتجاه مطوري النماذج إلى استخدام هذه البيانات رغماً عن مالكيها جلب لها ثورة غضب عارمة من الاتجاهات جميعها.

حيث يُعدّ هذا الأمر بمثابة السرقة، وهو ما شكّل رأياً عاماً بأن هذه الشركات أصبحت لا تولي بالاً لمجهودات أصحاب المحتوى الأصليين، ففي نهاية الأمر هؤلاء المالكون سواء كانوا دُور نشر أو منصات إخبارية أو فنانين يكدون في العمل لإنتاج أعمال أصلية تبيعها للمستخدمين برسوم ولكن شركات الذكاء الاصطناعي تنتهكها بكل سهولة.

ومن ثَمَّ حتى تجد شركات الذكاء الاصطناعي حلاً لهذا المعضلة، فإن التصور العام المثار حول منتجاتها لن يختفي بسهولة وسيكون هناك المزيد من الدعاوى القضائية التي ستلفت انتباه المستخدمين الذين قد يشكون في جدوى استخدام منتج يسرق جهود الآخرين دون تقديم أي تعويض عادل لهم.

اقرأ أيضاً: دليلك لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي دون انتهاك حقوق الملكية الفكرية والنشر

حالات الاستخدام ومشكلة الهلوسة

بالنسبة للكثيرين لا تزال حالات الاستخدام الحقيقية لنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي مقيدة للغاية. على سبيل المثال، يمكنه مساعدتك على تلخيص مستند من آلاف الكلمات لكنك لا تزال بحاجة ماسة إلى قراءته وتنقيحه من جديد، كما يمكنه أن يُنشئ لك نصاً جيداً جداً من العدم ولكن ينبغي لك التحقق من المعلومات الواردة فيه، وحتى إنشاء الصور فإن الحاجة إلى التحقق من البيانات والتفاصيل الدقيقة بالعين المجردة أمر لا بُدّ منه للحصول على صورة خالية من العيوب والتحيزات غير المرغوب فيها.

والأمر الأكثر خطورة هو مشكلة الهلوسة التي لم تجد الشركات المطورة حلاً لها حتى الآن، فما زالت نماذج الذكاء الاصطناعي تميلُ بصورة كبيرة إلى إرضاء المستخدم حتى على حساب الحقائق والمعلومات الموثوقة، وتُعدّ هذه المشكلة إشكالية بشكلٍ خاص في البيئات المهنية حيث الدقة أمر بالغ الأهمية، وفي حين أُحرِز بعض التقدم في تطوير آليات لتعزيز التحقق من الحقائق، فإن الحل الشامل لهذه المشكلة لا يزال بعيدَ المنال.

يمكن الحصول على أقصى فائدة منها، ولكن!

لا شك في أن شركات تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي حريصة على توفير إصدار مجاني لمنتجها الأبرز لكل من يملك اتصالاً بالإنترنت لبناء قاعدة شعبية أولاً وإغرائهم بالتحول إلى الخدمات المدفوعة لاحقاً، ولكن حالة عدم اليقين حول استمرار نماذج الأعمال هذه قد تجلب بعض الشك لبعض المستخدمين خاصة من لديهم اشتراكات مدفوعة في أحد الإصدارات.

والسبب هو حالة الإنفاق غير المحدود التي تمارسها شركات الذكاء الاصطناعي في توفير نماذج تؤكد أنها أكثر تطوراً من النماذج التي أطلقتها قبل بضعة أشهر فقط، ومن ثَمَّ فإن حالة عدم اليقين في أن الشركة قد توقف المشروع أو تُجري تغييرات جوهرية عليه في أي لحظة، قد تثنيها عن الاستمرار في الخطة المدفوعة والاكتفاء بالخطة المجانية المتاحة للجميع.

توقف عن الانبهار المبالغ فيه وركّز في كيفية الاستفادة منه

في أثناء تصفحك الويب ومنصات التواصل الاجتماعي غالباً ستجد بعض المنشورات التي تحاول أن تُصور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي على أنها المنقذ لأعمالك، وربما ستستبدلك في نهاية المطاف، ولكن توقف قليلاً وتذكر أنها بالفعل تكنولوجيا متقدمة وثورية ولكنها لا تزال مجرد أداة طورّها البشر من أجل البشر، فهي ليست كياناً واعياً سيفعل كل شيء وأي شيء بالنيابة عنك.

اقرأ أيضاً: الوجه الآخر للذكاء الاصطناعي التوليدي: تقرير من شركة سعودية عن مخاطر الذكاء الاصطناعي

بالإضافة إلى ذلك ينبغي أن يكون تركيزك ليس في قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على تأدية مهامك اليومية، بل ينبغي لك التفكير في كيفية استخدامه بالطريقة المُثلى التي تدفعك للوصول إلى أقصى قدراتك الإنتاجية والفكرية، حيث إن التركيز على أن الذكاء الاصطناعي التوليدي هو بمثابة قوة ستفعل كل شيء، قد يصرف الانتباه عن هدفه الحقيقي وهي جعل الحياة أسهل وأكثر كفاءة وأكثر إنتاجية عند استخدامه بفاعلية، والمفتاح الأساسي للوصول إلى هذا الهدف هو قدرتك على الإجابة عن سؤال: كيف يمكنني استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكلٍ صحيح؟

المحتوى محمي