هل تنقر على "نعم" ببساطة كلما طلبت شركة ما الحصول على بياناتك؟ إذا كنت كذلك، فأنت لست لوحدك. فلا يمكن أن نتوقع من شخص ما قراءة كل البنود والشروط الطويلة أو تقييم كل المخاطر المحتملة لدى استخدام خدمة معينة. وسيكون هذا أشبه بمطالبة كل شخص بتقييم سلامة الماء في كل مرة يفتح فيها الصنبور للحصول على شربة ماء، ولهذا فنحن ننقر على "نعم" ونأمل بالأفضل.
هل تعلم أن ما تتخذه من قرارات بشأن بياناتك يؤثر على محيطك؟
ولكن، وحتى لو قمت بالبحث الكافي حول هذه الخدمة أو تلك، فإن قرارك يمكن أن يؤثر على أشخاص آخرين بطرق لم تأخذها في الحسبان. فعندما تشارك الدنا الخاص بك مع خدمات مثل "23 أند مي" (23andMe)، فإن هذه البيانات تكشف الكثير حول التركيب الجيني لعائلتك.
كما أن ما تشاركه على وسائل التواصل الاجتماعي قد يؤثر على وضع أصدقائك عند شركات التأمين، ويمكن لتصريحات الدخل الخاصة بك أن تؤثر على قدرة جارك على الحصول على قرض. وبالتالي، هل من المناسب أن يكون قرار مشاركة هذه المعلومات في يدك لوحدك فقط؟
إذا انهار هذا النموذج للموافقة الفردية، ماذا سيبقى إذن؟ هل يجب أن نترك أمر إدارة بياناتنا للسياسيين؟ ربما. فقد طبقت عدة حكومات من مختلف أنحاء العالم أنظمة لحماية البيانات، مثل القانون العام لحماية البيانات في أوروبا، والذي يلزم الشركات بطلب موافقتنا قبل جمع البيانات.
يمكن أن تقوم الحكومات بأكثر من هذا وتمنع الاستخدامات المؤذية للبيانات. ولكن، ونظراً لتعدد أساليب جمع البيانات واستخدامها، فمن الصعب أن نتخيل أن القوانين العامة ستكون كافية.
اقرأ أيضاً: هل تمثل فلسفة البيانات حلاً لتحديات إنجاز مشاريع البناء؟
ما هي وظيفة أمانات البيانات؟
ولكن، ماذا لو كان لدينا هيكلية تدافع عن حقوق البيانات الخاصة بنا، تماماً كما تدافع الاتحادات العمالية عن حقوق العمال؟ وماذا لو كان لدينا مختص أشبه بالطبيب حتى يتخذ القرارات الذكية المتعلقة بالبيانات بالنيابة عنا؟ إن أمانات البيانات هي أحد الأفكار التي يمكن أن تحقق هذا.
تُعتبر أمانات البيانات فكرة جديدة نسبياً، ولكنها حققت شعبية كبيرة خلال فترة قصيرة. ففي 2017، اقترحت الحكومة البريطانية هذه الفكرة لأول مرة كطريقة لإتاحة استخدام مجموعات البيانات الكبيرة في تدريب الذكاء الاصطناعي. كما أن مقترحاً للمفوضية الأوروبية طُرح منذ بدايات 2020 تحدث عن أمانات البيانات كطريقة لإتاحة استخدام المزيد من البيانات في مجالات الأبحاث والابتكار. وفي يوليو/تموز 2020، وضعت حكومة الهند خطة تعتمد على أمانات البيانات بشكل أساسي كآلية لمنح المجتمعات سيطرة أكبر على بياناتها.
من الناحية القانونية، فإن الأمانات كيانات يقوم فيها بعض الأشخاص –وهم الأمناء- برعاية أحد الأصول بالنيابة عن أناس آخرين –وهم المستفيدون- الذين يمتلكون هذا الأصل. وفي أمانات البيانات، يقوم الأمناء برعاية البيانات أو حقوق البيانات لمجموعة من الأفراد. وكما يقع على عاتق الأطباء واجب التصرف لصالح مرضاهم، يقع على عاتق أمناء البيانات واجب قانوني للتصرف لصالح المستفيدين.
إذن، كيف تبدو هذه المقاربة من حيث التطبيق العملي؟ في أحد الأمثلة، يمكن لمجموعات من مستخدمي فيسبوك تأسيس أمانة بيانات، ويقوم الأمناء بتحديد الشروط التي تسمح فيها الأمانة لفيسبوك باستخدام بيانات هؤلاء المستخدمين. وعلى سبيل المثال، يمكن للأمناء وضع قواعد حول أنواع الاستهداف التي يمكن لمنصات مثل فيسبوك أن تطبقه لعرض الإعلانات على المستخدمين في الأمانة. وإذا أساءت فيسبوك التصرف، تقوم الأمانة بإلغاء الاتفاق مع الشركة ومنعها من الوصول إلى بيانات الأفراد. من غير المنطقي أن نتوقع من الأفراد إدارة بياناتهم بأنفسهم. لقد حان الوقت حتى نتحد معاً.
ولهذا، يمكن أن تسمح لنا بممارسة حقوقنا كمنتجين للبيانات بشكل مماثل للاتحادات العمالية التي تسمح للعمال بممارسة حقوقهم كمنتجين للعمل.
اقرأ أيضاً: حقوق البيانات الجماعية قد تمنع الشركات التكنولوجية الكبيرة من تدمير الخصوصية
ماذا عن إمكانية تطبيق فكرة أمانات البيانات؟
تبدو أمانات البيانات فكرة جميلة. ولكن أهي فكرة واقعية؟ من الصعب أن نتخيل موافقة فيسبوك على عقد صفقة مع أمانة كهذه، وليس أمامنا، نحن معشر المستخدمين، الكثير من الطرق لإجبارها على هذا. قد نستطيع تشكيل أمانة بيانات، ولكن، إذا لم نكن مستعدين لمغادرة المنصة معاً، وإذا لم تقدم الحكومات لنا آليات أفضل لفرض القبول بهذه الهيكلية، فلن يكون لهذه الأمانة أي تأثير يذكر.
ولكن الأمل ما زال موجوداً، فهناك الكثير من الاستخدامات الأخرى المفيدة لأمانات البيانات. حيث يمكن أن تسمح للناس بتجميع بياناتهم وجعلها متاحة للعديد من الاستخدامات، مثل االأبحاث الطبية التي تفيد الجميع. كما يمكن للشركات التي ترغب بإثبات احترامها للخصوصية أمام الجميع أن تعهد بقرارات البيانات الهامة إلى أمانة بعد أن تكلفها بحماية حقوق البيانات للمستخدمين بدلاً من أرباح الشركة.
وعلى سبيل المثال، قامت سايدووك لابز، الشركة الأخت لجوجل، بالاستحواذ على حقوق تطوير منطقة واجهة كوايسايد المائية لتورونتو لتحويلها إلى حي ذكي مليء بالحساسات. ولكن هذا العمل الذي اعتبره البعض أقرب إلى المدينة الفاضلة بدا للبعض الآخر مجرد تعدٍّ آخر من الشركات التكنولوجية على العامة، في محاولة للاستيلاء على بيانات السكان.
ولهذا، اقترحت سايدووك لابز تأسيس أمانة بيانات مدنية حتى تضمن أن البيانات المجموعة والمستخدمة في كوايسايد ستفيد العامة. وتضمن الاقتراح قيام أي كيان يرغب بوضع حساس في كوايسايد بتقديم طلب لترخيص جمع واستخدام البيانات. وستقوم لجنة إشراف مؤلفة من أفراد في هذا التجمع السكاني بمراقبة عملية الجمع والاستخدام وفرض تطبيق القواعد بشكل صحيح.
غير أن الخطة نفسها كانت تعاني من عدة عيوب، ما دفع بسايدووك لابز إلى التخلي عن مشروع كوايسايد في مايو/أيار 2020، ولكن اقتراح الشركة بين الاحتمالات الممكنة مع أمانات البيانات. وما زالت فكرة تأسيسها لحوكمة البيانات المجموعة في النطاق العام، مثل المدن الذكية أو مبادرات الصحة العامة، قائمة وموجودة.
إن المشكلة التي تحاول أمانات البيانات التصدي لها ملحة وطارئة أكثر من ذي قبل. وفي السنوات المقبلة، عندما يصبح التمويل متاحاً على نطاق واسع، سنشهد المزيد من الأبحاث والتجارب والاقتراحات المتعلقة بالسياسات ذات الصلة. ومن المؤكد أن أمانات البيانات ليست الحل الوحيد لمشاكل الخصوصية والأمان المتزايدة. وهناك حلول أخرى تتعامل مع هذه المشاكل وأمثالها بطرق مختلفة، مثل تعاونيات البيانات واتحادات البيانات.
ومعاً، يمكن لهذه النماذج الجديدة لحوكمة البيانات أن تساعدنا على استعادة السيطرة على بياناتنا، وفرض احترام حقوقنا، وضمان الفائدة للجميع من مشاركة البيانات.