في أغلب الأيام، تستيقظ داني كلود، وتثبت منذ الصباح إبهاماً روبوتياً على إحدى يديها، وتذهب إلى العمل، حيث تدرس مقادير كبيرة من بيانات علوم الأعصاب، وتضع مسودات أفكار لأعضاء اصطناعية جديدة، وتفكر بوسائل جديدة لتعزيز الجسم البشري. تعمل كلود مختصةً في مختبر الليونة في جامعة كامبريدج، والذي يدرس علوم الأعصاب الخاصة بالأجهزة المساعدة.
ولكنها تقوم أيضاً ببناء الأعضاء الاصطناعية، والتي غالباً ما تتجاوز الحدود التقليدية للفائدة العملية والشكل الجمالي. وتتضمن تصاميمها ساعداً اصطناعياً شفافاً من الأكريليك مع جهاز إيقاع داخلي يعمل بالتزامن مع نبضات قلب المستخدم، وذراعاً مصنوعة من قطع قابلة للتركيب بأشكال مختلفة، ومصنوعة من الراتنج، والخشب المصقول، والطحالب، والبرونز، والذهب، والروديوم، والفلين.
اقرأ أيضاً: ناسا تقترب من تحقيق طباعة أعضاء اصطناعية في الفضاء
أما مشروع كلود الحالي، والذي يساعدها أيضاً في إنجاز عملها، فهو إبهام ثالث يمكن لأي شخص استخدامه لتعزيز قبضة يده. ويعمل هذا الجهاز بالمحركات، ويتم التحكم فيه باستخدام مستشعرات ضغط ضمن حذاء المستخدم. وقد تعلم بعض المتطوعين كيفية استخدامه لفتح زجاجة، وشرب الشاي، بل وحتى العزف على الغيتار. وتأمل كلود أن هذا الإبهام (والأجهزة المماثلة) سيكون عاملاً مساعداً في رفع فعالية العمل لدى الجميع وتخفيف العمل على أجسادهم، بدءاً من عمال المصانع وصولاً إلى الجراحين.
الخروج عن المألوف في تصميم الأطراف الاصطناعية
لطالما كان الجسم البشري مصدراً للإلهام لدى مصممي الأعضاء الاصطناعية. وقد كانت هذه الأعضاء تستخدم كبدائل لتعويض أعضاء الجسم المفقودة، وتعتبر السيقان والأذرع التي تتسم بتصميم فائق الواقعية الهدف الأسمى في هذا المجال. وبفضل أفلام الخيال العلمي، مثل "حرب النجوم" (Star Wars)، فما زالت هذه الأجهزة تشغل جزءاً من مخيلتنا الجماعية. ومهما كان تأثيرها، فقد أثرت على وجهة نظر الكثيرين إزاء مستقبل الأطراف الاصطناعية.
اقرأ أيضاً: شاهد: كتف روبوتية تدرب أنسجة الأوتار المستزرعة بالفتل والشد
ولكن كلود تنتمي إلى حركة الأعضاء الاصطناعية البديلة، وهو شكل من التكنولوجيا المساعدة غير التقليدية، والتي لا تركز على التصاميم التقليدية التي تسعى إلى الاندماج مع الآخرين. فبدلاً من صنع أجهزة تحاكي مظهر الساق أو الذراع "الطبيعية"، تعمل مع زملائها من المصممين على تصميم أعضاء اصطناعية غريبة تتموج كالمجسات، أو تضيء، بل وحتى تطلق النثارات اللامعة.
كما توجد أعضاء اصطناعية غير تقليدية ومصممة لأهداف محددة، مثل السيقان المصممة بشكل شفرات، والتي يفضّلها العدّاؤون. يعتقد المصممون أن هذه الأجهزة يمكن أن تساعد مستخدمي الأعضاء الاصطناعية في استعادة تصورهم الطبيعي لأنفسهم وزيادة الثقة بالنفس، وفي الوقت نفسه، كسر شيء من الوصمة السلبية المتعلقة بالإعاقة والاختلافات في الأطراف.
اقرأ أيضاً: شركة ناشئة تعمل على استنساخ البشر لأغراض التبرع بالأعضاء
ولكن، وحتى مع اتساع انتشار الأعضاء الاصطناعية البديلة، فإنها ما زالت تعاني من سلبية واضحة، فهي ما زالت متاحة لنسبة صغيرة فقط من الأشخاص الذين يمكنهم الاستفادة منها. وفي عالم يعج بمن يرغبون بالحصول على طرف اصطناعي دون القدرة على ذلك، يبحث الناشطون في هذا المجال عن حل وسطي يتيح الجمع بين سهولة المنال، والأناقة، والفائدة.
علاقة متأصلة مع البشر
الأطراف الاصطناعية تعود إلى أزمنة قديمة، وتتسم بعلاقة متأصلة مع البشر. تعود أقدم الأطراف الاصطناعية المعروفة إلى مصر القديمة، فقد تم العثور على إبهامين منحوتين في تلك المنطقة، ويعود أحدهما إلى فترة 2500-3000 سنة، وقد كان مثبتاً على قدم مومياء، ويحمل علامات واضحة لصندل خفيف.
وقد قام القدماء بصنع الأطراف الاصطناعية وارتدائها لأسباب كثيرة، مثل الأسباب العملية، والروحية، بل وحتى أسباب متعلقة بالتمييز ضد ذوي الإعاقة. وقد كان معظمها مصمماً للحصول على مظهر أقرب ما يكون إلى الطبيعي، ولكن بعضها كان مصمماً للظهور بصورة مميزة. فعندما فقد الجنرال الروماني ماركوس سيرجيوس سايلوس يده في الحرب البونيقية الثانية، طلب –كما يقال- صنع بديل من الحديد. ويبدو أن ثمة رجل إيطالي واحد استبدل يده، في القرون الوسطى، بسكين.
بدلاً من صنع أجهزة تحاكي مظهر الساق أو الذراع "الطبيعية"، تعمل مع زملائها من المصممين على تصميم أعضاء اصطناعية غريبة تتموج كالمجسات، أو تضيء، بل وحتى تطلق النثارات اللامعة.
إن الرغبة في استخدام أطراف اصطناعية بتصاميم خاصة تبدو أمراً منطقياً لأستاذة الدراسات الجنسانية في جامعة ويسليان، والتي درست تعديل الجسم في الثقافة والطب والعلوم، فيكتوريا بيتس تايلور. وتقول: "مهما كانت التعديلات التي نطبقها على أجسادنا، فنحن لا نقوم بهذا بمعزل عن الوسط الاجتماعي". فقد يرغب المحاربون القدماء بالتعبير عن هويتهم بتذكار مادي لتكريم خدمتهم العسكرية، على حين قد يرغب الفنانون بتجربة احتمالات مختلفة للألوان والأنماط.
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن ينجح التعديل الجيني في علاج أكثر الأمراض فتكاً في العالم؟
ومن وجهة نظر بيتس تايلور، فمن المتوقع أن يقوم جميع أفراد المجتمع بتعديل أجسادهم بطريقة أو بأخرى، مثل اختيار تسريحة شعر معينة، وارتداء ملابس معينة. وتقول: "عندما نتمكن من إيجاد وسائل لتعديل أجسادنا بشكل يعبر عن أفكارنا وتصورنا لأنفسنا، فنحن نشعر بشعور رائع".
أصوات ذوي الإعاقة في هذه الصناعة
انطلقت حركة حقوق ذوي الإعاقة في الولايات المتحدة جنباً إلى جنب مع حركات الحقوق المدنية وحقوق مجتمع الميم في الستينيات، وقد كانت تعمل على توسيع نطاق تقبّل الأطراف الاصطناعية منذ ذلك الحين. فقد بدأ الناشطون الأوائل بالنزول إلى الشوارع مرتدين أطرافاً اصطناعية مثل الخطافات (أو دون أطراف على الإطلاق)، على حين انتقلوا لاحقاً إلى إلصاق مرايا كرات الديسكو اللامعة على أطرافهم الاصطناعية. "تقول الفكرة العامة: لن أغير من جسمي حتى يتوافق مع المعايير التقليدية"، كما يقول ديفيد سيرلين، وهو مؤرخ مختص بالإعاقة وتصاميم الأطراف الاصطناعية في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو.
ولكن النظام الطبي الحديث غير مصمم حتى يأخذ بعض الأشياء بعين الاعتبار، مثل الهوية والتعبير عن النفس. واليوم، ما زالت الشركات الكبيرة المختصة بالأجهزة الطبية، والتي تصمم تكنولوجيات المساعدة، تعتمد مقاربة وجهة النظر "العلاجية"، وهو مفهوم معروف باسم الطب الحيوي.
اقرأ أيضاً: ما حقيقة الشرائح الإلكترونية التي تُزرع في الدماغ؟
تقول بيتس تايلور: "يهدف الطب الحيوي إلى إعادة الأجسام إلى وضعها الطبيعي". ويتلخص الهدف في إنتاج جسم قريب إلى "الوضع المثالي" قدر الإمكان، وفي الطب الغربي، يمكن تلخيص هذه الصفة بالبشرة البيضاء، والتصنيف الجنساني التقليدي، وصحة عمل كامل وظائف الجسم.
وقد أدت هذه الأولويات إلى إرث طويل من الأطراف الاصطناعية غير الفعّالة وغير المريحة، والتي لا تلبي احتياجات الأفراد فعلياً "ناهيك عن التوافق مع تصوراتهم عن أنفسهم". وعلى سبيل المثال، غالباً ما يتم صنع الأيدي الاصطناعية بثلاثة أحجام وحسب: ذكر، وأنثى، وطفل. ولكن مقاسات الكثير من الناس تقع في درجة وسطية بين هذه المقاسات، أو خارجها بالكامل.
ويمكن أن تؤدي هذه الخيارات المحدودة إلى فروقات غريبة الشكل بين الأطراف الاصطناعية والطبيعية. أما بالنسبة للأشخاص من ذوي البشرة غير البيضاء، فإن اختيار طرف اصطناعي قد يكون عملية أكثر صعوبة، بما أن شركات تصنيع الأطراف الاصطناعية عادة ما تقوم بتوزيع بضعة خيارات وحسب من الألوان الأخرى على العيادات والمستشفيات.
ما زال الأشخاص الذين فقدوا إحدى أيديهم يتعرضون للضغوطات الاجتماعية لارتداء طرف آلي متطور تكنولوجياً بخمسة أصابع، سواء كان مناسباً لاحتياجاتهم أم لا.
إضافة إلى ذلك، فإن مستخدمي الأطراف الاصطناعية ليسوا عبارة عن كتل خالية من الإحساس، كما تقول كلود. فهم يتسمون بمستويات مختلفة من حساسية اللمس، وذلك بناء على عوامل مثل تركيز الأعصاب في الأطراف المتبقية، ومدى شعورهم بإحساس الطرف الشبحي. يمكن لهذه العوامل أن تؤثر بدرجة كبيرة على استعداد الأفراد لتحمّل استخدام طرف اصطناعي، وقدرتهم على ذلك، حيث يجب أن يتم تركيب الطرف الاصطناعي بشكل جيد مع هذه المنطقة الحساسة.
اقرأ أيضاً: حرب تكنولوجيّة تلوح في الأفق: هل يمكن للبشرية تخطي الموت؟
إضافة إلى ذلك، فإن الشخص المولود باختلاف خلقي في الأطراف قد يشعر بتجربة مختلفة تماماً عن الشخص المبتور. فإذا فقد الشخص أحد أطرافه في وقت لاحق من حياته، فمن الممكن أن يكون ارتداء جهاز مساعد مريحاً له. ولكن الكثير من الأشخاص المولودين دون إحدى ذراعيهم، على سبيل المثال، يصلون إلى مستوى عالٍ من البراعة في أداء المهام اليومية بطرفهم المتبقي، إلى درجة أن الطرف الاصطناعي يصبح عامل إزعاج بالنسبة لهم.
الاهتمام بالناحية الوظيفية للطرف الاصطناعي
يعتبر جولز أمار أحد رواد تصميم الأطراف الاصطناعية التي تحمل بمعظمها طابعاً وظيفياً، وقد قام بتصميم أجهزة للجنود الذين فقدوا أطرافهم في الحرب العالمية الأولى. وتتميز تصاميمه عن التصاميم التقليدية في كونها موجهة نحو أداء مهام محددة. وعلى سبيل المثال، فقد صمم أمار لمرضاه أطرافاً تحمل زراديات، وذلك لإعادة دمج هؤلاء الشباب الذين يعانون من آثار صدمة الحرب في المجتمع "الإنتاجي". ووفقاً لمعظم المعايير، فقد كانت طريقته ناجحة، حيث تمكن الكثير من المحاربين القدماء من العثور على وظائف في المزارع والمعامل، على الرغم من أن بعض معاصريه عبّروا عن مخاوفهم إزاء استغلال العمال المعاقين.
اقرأ أيضاً: علاج واعد للمكفوفين: قرنية صناعية تنجح في إعادة البصر لـ 14 شخصاً
واليوم، يستطيع مستخدمو الأطراف الاصطناعية الحصول على حلول أكثر تطوراً تكنولوجياً بكثير، مثل الأجهزة التي تعمل بالكهرباء العضلية، وهي أجهزة مزودة بمحركات، وتستطيع تحويل الإشارات الكهربائية من العضلات في الطرف المتبقي إلى حركات. ولكن الكثيرين يفضّلون عدم استخدام هذه الأطراف الروبوتية المعقدة، واللجوء بدلاً منها إلى أجهزة أكثر تخصصاً بتصاميم مشابهة لتصاميم أمار، مثل السيقان الرياضية بتصميم الشفرات أو "الأذرع الحركية" التي تستمد حركاتها من الجسم، والمزودة بطرفيات قابلة للتبديل. تقول الكاتبة التكنولوجية ومرشحة الدكتوراة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، بريت يونغ: "أمتلك أحد هذه الأجهزة، وأستخدمه بشكل أساسي في التمارين الرياضية، ويحصل مستخدمو هذه الأجهزة على قدر أكبر من الفائدة، وبعدة طرق مختلفة".
اقرأ أيضاً: كيف تخطط دائرة صحة أبوظبي للاستفادة من الميتافيرس في الخدمات الصحية؟
لقد كان تطوير الأجهزة الطبية، ولفترة طويلة، يقوم على الافتراض القائل إن الطرف الاصطناعي المتوافق مع ما يتوقعه الدماغ سيكون أكثر سهولة في الاستخدام (أو "التجسيد"، وفقاً للمصطلحات البحثية). تقول أستاذة العلوم العصبية الإدراكية في جامعة كامبريدج، تامار ماكين، والتي عملت جنباً إلى جنب مع كلود لدراسة كيفية تعديل الدماغ لطريقة تواصله مع الأطراف الاصطناعية: "عندما نفكر في التجسيد، فإننا نتخيل شيئاً قريباً من تصميم جسدنا الخاص". يؤكد بحث ماكين ما شعر به مستخدمو الأطراف الاصطناعية منذ زمن، وهو أن أدمغتنا، في الواقع، مرنة للغاية في قدرتها على التكيّف مع أطراف جديدة.
اقرأ أيضاً: كيف ستحل الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد معضلة التبرع بالأعضاء؟
ويبدو أن الأطراف الاصطناعية تقع في مكان ما بين "الغرض" و"النفس". وفي ورقة بحثية منشورة عام 2020 في مجلة بلوس بيولوجي (PLOS Biology)، قام مختبر ماكين بإجراء عمليات مسح بالرنين المغناطيسي الوظيفي لأشخاص يستخدمون الأطراف الاصطناعية، وآخرين لا يستخدمونها، وذلك لمعرفة كيفية استجابة مناطق معينة في الدماغ لوجود الطرف الاصطناعي. وتوقع الباحثون في البداية رؤية أنماط متشابهة بين من يستخدمون ذراعاً اصطناعية، أو ذراعاً عادية، وأداة عادية في أداء المهام اليومية. ولكن، كانت النتيجة مغايرة للتوقعات.
أثر عصبوني فريد للطرف الاصطناعي
تقول ماكين: "لم يتم تمثيل الأطراف الاصطناعية كأيدٍ عادية، ولكن من ناحية أخرى، لم يتم تمثيلها أيضاً كأدوات". وبدلاً من ذلك، يبدو أن الأطراف الاصطناعية تؤدي إلى تنشيط أثر عصبوني فريد وغير معروف من قبل، ويختلف عما يظهر في حالة اليد أو الأداة. وقد كانت هذه الأنماط متسقة عبر المستخدمين المختلفين، ما يشير إلى أن معظم الأشخاص يتمتعون بقدرة طبيعية على التكيّف مع نطاق واسع من تراكيب الأطراف الطبيعية والاصطناعية، شريطة أن تكون هذه الأطراف الاصطناعية مفيدة في الحياة اليومية.
بدأت الأطراف السفلية الاصطناعية التي لا تبدو مثل الأطراف الطبيعية بتحقيق زيادة بطيئة في الانتشار والتقبل، خصوصاً في المجال الرياضي، حيث ساعد مشاهير الرياضيين، مثل إيميه مولينز وبليك ليبر على زيادة شهرة شفرات الركض بسرعة كبيرة. ولكن ما زال الأشخاص الذين فقدوا إحدى أيديهم يتعرضون للضغوطات الاجتماعية لارتداء طرف آلي متطور تكنولوجياً بخمسة أصابع، سواء كان مناسباً لاحتياجاتهم أم لا.
أما جيسون بارنز فقد رغب بطرف اصطناعي علوي من نوع مختلف تماماً. ويعمل بارنز موسيقياً ومنتجاً للموسيقى في أتلانتا، وقد ترعرع محباً للعزف على الطبول. ولكن، وفي 2012، أدى حادث في العمل إلى صعقه عبر ذراعه اليمنى بجهد كهربائي بلغ 22,000 فولت، وتم بترها من أسفل المرفق.
وبعد عودته إلى المنزل من المستشفى ببضعة أسابيع، قام بتثبيت عصا طبل على نهاية الضمادات، وبدأ بتعلم عزف الطبول من جديد. وبعد فترة قصيرة، بدأ ببناء ذراعه الاصطناعية الخاصة به، والمزودة بعصا للطبل. ويقول: "لقد أجريت الكثير من التجارب وارتكبت الكثير من الأخطاء، لأنني لم أكن أعرف ما يجب فعله". وفي نهاية المطاف، توصل إلى تصميم ناجح، وهي ذراع مزودة بعصا للطبل مع أوزان معاكسة يمكنه التلاعب بها بكتفه ومرفقه، بشكل مشابه لتصاميم جولز أمار. وبعد ذلك بفترة قصيرة، انضم إلى برنامج الآلات الإيقاعية في معهد أتلانتا للموسيقى والميديا.
ولكن بارنز ما زال يشعر بالإحباط بين الحين والآخر. فحتى يغير أسلوب العزف، وينتقل بين إيقاعات الجاز والسوينغ المعقدة على سبيل المثال، يجب أن يتوقف عن العزف حتى يشد أو يرخي توصيلات طرفه الاصطناعي. وكان راغباً بتحكم أكثر سلاسة.
تم تقديم بارنز إلى جيل واينبيرغ، وهو أستاذ في تكنولوجيا الموسيقى في معهد جورجيا للتكنولوجيا، حيث تعاونت مجموعته مع بارنز لتصميم ذراع جديدة مخصصة للعزف على الطبول وتعمل بالكهرباء العضلية، حيث تستطيع قراءة حركات عضلاته لتحقيق نقرات أكثر دقة على الطبول.
اقرأ أيضاً: هيكل خارجي يستخدم التعلم الآلي لمساعدة ذوي القدرة المحدودة على المشي
ومن ثم قاموا بتطوير التصميم، وأضافوا عصا ثانية للطبول بتصميم يستطيع استخدام برنامج تعلم آلي لالتقاط إيقاعات العازفين الآخرين في الفرقة. يقول واينبيرغ: "تكمن الفكرة في أن العصا الثانية يمكن في بعض الأحيان أن تعزف شيئاً خارجاً عن سيطرة جيسون". وهو ما يؤدي إلى بناء "صلة غريبة ووثيقة" بين العازفين.
الطرف الاصطناعي كميزة
وبفضل الذراع الجديدة، تحول بارنز إلى نجم في العزف على الطبول، وتمكن من تجاوز حدود إمكانات الجسم البشري بإيقاعات لا يستطيع أي شخص آخر في العالم أن يقترب من تحقيقها. بل إنه تمكن حتى من تسجيل رقم قياسي جديد لسرعة العزف في سجل غينيس للأرقام القياسية في 2019. ولكن، وبعد فترة، أدرك أن استخدام عصا واحدة أكثر سهولة.
يقول بارنز: "من الناحية التكنولوجية، تعتبر الذراع المزودة بعصوين اثنتين فكرة رائعة". ولكن، "ومن وجهة نظر عازف طبول، فإنها لا تحمل أي مغزى مهم".
اقرأ أيضاً: إلى أين وصل العلم في استنساخ الكائنات الحية؟
لم يتخلّ بارنز نهائياً عن فكرة نظام متطور تكنولوجياً للمساعدة في العزف على الطبول. ويعمل حالياً، مع واينبيرغ، على تصميم ذراع جديدة تعمل بالكهرباء العضلية، بحيث تجمع دقة الطرف الاصطناعي المزود بعصوين مع السيطرة الإبداعية التي تتيحها الذراع التي تعمل عن طريق حركات جسم بارنز. وسيختار بارنز الذراع التي سيستخدمها بناء على الظروف والموسيقى التي يحاول عزفها.
ولكن، ليست جميع الأطراف الاصطناعية غير التقليدية مصممة لتحقيق الفائدة العملية حصرياً، فبعضها مخصص لتعزيز الأناقة وزيادة تميز الشكل الخارجي. لطالما شعرت الفنانة المولودة في لاتفيا، فيكتوريا موديستا، بالإعجاب بالخيال العلمي، والتصاميم المستقبلية الكلاسيكية. وعندما بدأت بارتداء طرف اصطناعي، قررت أن تتخلى عن القالب التقليدي بالكامل. وتقول: "بالنسبة لي، كان الأمر أشبه باستعادة السيطرة على نفسي، وتغيير مسار قصتي".
تعرضت ساق موديستا إلى إصابة أثناء الولادة، ما أدى بها إلى سنوات طويلة من العمليات الجراحية والتعقيدات الطبية. وهكذا، أجرت عملية بتر اختياري في العشرين من العمر، وتقول إنها شعرت بالراحة بصورة شبه فورية.
اقرأ أيضاً: رجل أعمى يتمكن من إدراك الأشياء بعد إضافة جين مأخوذ من الطحالب إلى عينه
وحتى قبل إجراء عملية البتر، بدأت تتخيل أطرافها الاصطناعية. وبعد العملية، عملت مع توم ويكرسون وصوفي دي أوليفييرا باراتا، والذين يعملان في إطار مبادرة تسمى مشروع الطرف البديل (والتي تنتمي كلود إليها أيضاً)، وذلك لتحويل أحد تخيلاتها إلى حقيقة: وهو طرف سفلي مزين بالأحجار الكريمة بتصميم مستوحى من رواية "ملكة الجليد" (The Snow Queen) الخيالية الكلاسيكية للكاتب هانز كريستيان أندرسن، وتستذكر ما حدث قائلة: "لقد تحولت ساقي من كابوس دائم إلى شيء يعبّر عن الحب والرغبة".
"يجب ألا تقتصر خياراتك وتجاربك على ملابسك، بل أطرافك وقدراتك وكل ما يتعلق بك أيضاً".
فيكتوريا موديستا
ومنذ ذلك الحين، ساعدت موديستا - وهي موسيقية وعارضة أزياء، إضافة إلى أنها تصف نفسها بأنها فنانة بوب بيونية (Bionic: أي مزودة بأعضاء اصطناعية)- في بناء العديد من الأطراف الاصطناعية المستقبلية. ويمكنك أن تراها في أحد الإعلانات الترويجية لسيارة رولز رويس مع ساق تحتوي على تصميم متدرج (سلم يعقوب)، وأقواس كهربائية تتطاير من ساقها، وهي تمشي على منصة العرض مع عظمة مطلية بالكروم، وتعوم في حالة من الجاذبية شبه المعدومة مع ساق أشبه بمجس معدني. وفي مقطعها الموسيقي الذي حقق انتشاراً واسعاً في 2014 باسم "بروتوتايب" (Prototype)، ارتدت أحد أكثر أطرافها الاصطناعية شهرة، وهي الساق الشوكية، وهي أشبه بخنجر مصنوع من الزجاج البركاني الأسود، بتصميم تقول إنها رأته في الحلم.
لقد تمكنت موديستا، بفضل إمكانية التحكم بمظهر ساقها الاصطناعية، من تقبل جسدها بالكامل، في شكل جديد من التعبير عن النفس، وهو شكل تقول إنها تعتقد أنه يجب أن يكون متاحاً للجميع. وتقول: "يجب ألا تقتصر خياراتك وتجاربك على ملابسك، بل أطرافك وقدراتك وكل ما يتعلق بك أيضاً". ولكن، ومع أن إمكانية الحصول على الأطراف الاصطناعية تتحسن ببطء، فإنها تقول إن الأطراف الاصطناعية المصممة بصورة فردية ليست ببساطة خياراً متاحاً بالنسبة للكثيرين في كافة أنحاء العالم.
الحصول على الطرف الاصطناعي الملائم ليس ممكناً للجميع
إن الأطراف الاصطناعية باهظة الثمن. وحتى مع تغطية تأمينية ممتازة، يمكن أن يصل سعر الساق الاصطناعية إلى مبلغ يتراوح من 5,000 إلى 80,000 دولار، وذلك حسب درجة تعقيدها. إضافة إلى ذلك، يجب تبديل قطع الأطراف الاصطناعية عند إصابتها بالاهتراء، وهو ما يمكن أن يكلف مبالغ إضافية تصل إلى آلاف الدولارات، فبعض مفاصل الركبة لوحدها يمكن أن تكلف ما يصل إلى 30,000 دولار. تقول يونغ: "يمكن أن يغطي التأمين نسبة من هذه التكاليف". ولكن معظم شركات التأمين "لن تغطي نسبة كبيرة".
اقرأ أيضاً: نظارات هولولنز من مايكروسوفت تُمكّن الأطباء من التعاون خلال العمليات الجراحية
وبالطبع، فهذه هي الحالة السائدة دون وجود أي نوع من التعديل الخاص للمظهر الخارجي. وعلى سبيل المثال، فإن متجر الإنترنت الخاص بشركة تصنيع الأطراف الاصطناعية أوتوبوك (Ottobock) يقدم طيفاً من ألوان البشرة أوسع بكثير مما يقدمه للعيادات. ويتم تقديم الخيارات للمستخدم بصورة جذابة أشبه بعينات الألوان لدى المصممين، ولكن الألوان الموجودة على متجر الإنترنت فقط يجب أن يتم طلبها بصورة خاصة، ولا يغطيها التأمين عادة، كما يقول نيكولاس هاريير، وهو فني مؤهل مختص بالأطراف الاصطناعية ويعمل في ميشيغان.
فقد هاريير ساقه في منتصف العشرينيات من العمر بسبب التهاب تلا إصابته بالسرطان في الطفولة، ويهدف إلى تغيير هذا الوضع، وجعل الأجهزة المصممة جمالياً بشكل خاص متاحة بدرجة أعلى بقليل للمزيد من الناس. بدأ هاريير يبرز قدراته الإبداعية في مهنته منذ عقد من الزمن تقريباً، عندما صادف بعض التصاميم التي ساعد مشروع الطرف البديل في صنعها لفيكتوريا موديستا. حيث أثار الأمر فضوله بشدة، فحاول التواصل مع القائمين على المشروع، ولكنه لم يحصل على رد. وهكذا، قرر أن يحاول صنع أغطية قابلة للتعديل بنفسه، وبدأ بغطاء ساقه الاصطناعية الخاصة.
اقرأ أيضاً: مشروع الجينوم البشري السعودي: قفزة كبرى لتطوير الطب الشخصي والموجَّه في المملكة العربية السعودية
وقام بتصميم غطاء يبدو أشبه بشيء من رواية خيال علمي للكاتب ويليام غيبسون مع توصيلات أسلاك عصرية الشكل ودارات متعددة الألوان من أضواء الليد التي تتوهج في المنتصف. وحالما وضع هاريير اللمسات الأخيرة عليه، بدأ بتصميم وتصنيع أغطية خاصة للآخرين. وقام منذ ذلك الحين بصنع العشرات منها، مستخدماً الأكريليك والسيليكون، والمعدن والراتنج، والطلاء والإضاءة.
تم تصميم هذين الغطاءين للأطراف الاصطناعية من قبل نيكولاس هاريير.
وكل قطعة فريدة تماماً ومصممة بشكل خاص لصاحب الطرف الاصطناعي. فإحدى القطعتين مزينة بمسننات بطابع مستقبلي كلاسيكي، على حين تحمل الأخرى تصميم شخصية سايبورغ من عالم القصص المصورة من شركة دي سي (DC). ولا يؤدي عمل هاريير إلى تغيير وظيفة الطرف الاصطناعي، بل شكله وحسب. ويتبع قاعدة واحدة، وهي أن جميع أغطيته مجانية بالكامل، ومبنية من مواد يشتريها بنفسه، وضمن جدول عمل مرن وضعه له رب عمله. ويقول: "لن أتقاضى أي أتعاب من أي شخص لقاء هذا العمل". وفي المستقبل، كما يأمل، فإن الخدمات التي يقدمها ستصبح خدمات معيارية في أي عيادة للأطراف الاصطناعية. "يجب أن تصبح هذه الخدمات أمراً اعتيادياً، ولهذا فإن تقديمها مجاناً أمر مهم للغاية".
اقرأ أيضاً: دراسة أميركية تظهر تدهور صحة الأجيال الجديدة مقارنة بالآباء والأجداد
تعمل بضع شركات كبيرة أيضاً على جعل أغطية الأطراف الاصطناعية التجميلية أكثر توافراً. وتقوم بعض الشركات، مثل أوبن بايونيكس (Open Bionics) في المملكة المتحدة، بتوفير خيارات معقولة الثمن ومصنوعة بالطباعة المجسمة، مثل "ذراع البطل"، والتي تتميز بتصاميم مستوحاة من أفلام شركة مارفل (Marvel) بصورة مباشرة. ويتم تسويق الكثير منها للأطفال كوسيلة لبناء الثقة بالنفس.
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن الحصول على أطراف اصطناعية متاح فقط لنسبة 10% ممن يعانون من فقدان طرف أو أكثر، وذلك على مستوى العالم. كما أن الحاجات تختلف باختلاف الشرائح الديموغرافية. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يصل احتمال التعرض للبتر لدى الأميركيين من أصل إفريقي إلى أربعة أضعاف احتمال التعرض للبتر لدى الشرائح الأخرى.
مقاربة التصميم مقابل التوافر
وتعتقد يونغ أنه يجب تلبية حاجة الناس الذين يرغبون بطرف اصطناعي من أي نوع دون تعريضهم إلى مصاعب مادية كبيرة. وتقول: "إن أكبر تأثير يمكن أن نطور به مجال الأطراف الاصطناعية ليس مقاربة جديدة في التصميم، بل إصلاحاً في مجال الأجهزة الطبية". وفي الوقت ذاته، كما تضيف، يجب ألا نحجم عن محاولة تحسين إمكانات تصميم الأطراف الاصطناعية. وتقول: "يجب أن يشعر الجميع بالراحة إزاء أجسادهم كحق من حقوق الإنسان".
اقرأ أيضاً: زرعة دماغية تحسن قدرة مرضى التصلب الجانبي الضموري على الكلام
إن إصلاح صناعة الأطراف الاصطناعية مهمة متعددة الوجوه، وتضمن تحسين إمكانية الحصول على الأطراف الاصطناعية، وتطوير الأجهزة التي تعمل بشكل جيد لكل من يرغب بها، وتعزيز الشعور بالكرامة الإنسانية. يقول سيرلين: "لا يتعلق الأمر بالوظيفة فقط أو الناحية الجمالية فقط، ويمكننا تحقيق النجاح في كلتا الناحيتين، وهو الوضع المثالي".