كيف تختلف أعراض كورونا بين الأطفال والبالغين؟

4 دقائق
مصدر الصورة: كيلي سيكيما عبر أنسبلاش

يتمثل الاعتقاد السائد بين الناس حتى الآن في أن فيروس كورونا يمكنه أن يسبب أعراضاً خطيرة قد تكون مميتة عند كبار السن، ولكن خطره ينخفض مع انخفاض العمر، وأن الأطفال هم في مأمن من الإصابة منه.

ومع ذلك، هناك بعض التقارير التي تفيد بأن الأطفال يمكنهم أن يتعرّضوا للتأثيرات الشديدة من المرض. وقد أدّت هذه التقارير، بالإضافة إلى الإجراءات التي اتخذتها معظم الدول بإغلاق المدارس، إلى ازدياد قلق الآباء من آثار الوباء على أطفالهم. نجيب في هذا المقال عن أهم التساؤلات بشأن إصابة الأطفال بفيروس كورونا.

هل يمكن للأطفال أن يُصابوا بفيروس كورونا؟

الجواب ببساطة هو نعم. فكما هو الحال عند البالغين، يمكن للأطفال الذين تعرّضوا للفيروس أن يُصابوا بالعدوى وأن تظهر عليهم أعراض مرض كوفيد-19، وإن كانت أخفّ بكثير من الأعراض التي تظهر عند كبار السن.

تشير البيانات الصادرة عن المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها أن الأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن 19 عاماً شكّلوا 2% من الحالات التي بلغ عددها 72314 حالة حتى 20 فبراير، بينما يشير تقرير شمل 508 مرضى بفيروس كورونا نشرته المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها أن أقل من 1% من المرضى الذي استلزمت حالاتهم دخول المستشفى هم من هذه الفئة، ولم يذكر التقرير حدوث أي وفيات بين الأطفال.

بشكل عام، تشير كل المعلومات المتوافرة حالياً إلى أن الأطفال أقل احتمالاً للإصابة بالعدوى من البالغين، ولكن ربما كانت تلك هي الحالة في البداية بسبب انتقال الفيروس بين البالغين أثناء العمل أو السفر، وقد نشهد ارتفاعاً في معدّلات إصابة الأطفال نتيجة إجراءات الابتعاد الاجتماعي التي يمارسها الجميع. وربما يعود السبب إلى نقص إجراء الاختبارات عند الأطفال؛ لأن أكثر من تُجرى لهم الاختبارات هم من يراجعون المستشفيات وتظهر عليهم الأعراض، وبالتالي قد يكون العدد الحقيقي للأطفال المصابين هو أكثر مما نعتقد.

ما أوجه الاختلاف بين تأثيرات فيروس كورونا عند البالغين والأطفال؟

يعاني الأطفال عموماً من أعراض أخفّ بكثير بالمقارنة مع البالغين، ولكن ذلك لا يعني أنهم غير معرّضين للإصابة بالتأثيرات الشديدة للمرض أو حتى الوفاة. إذ أفادت التقارير عن وفاة فتاة بلجيكية عمرها 12 سنة وطفل بريطاني عمره 13 سنة بسبب فيروس كورونا.

وتشير دراسة صينية حول 2143 طفلاً مصاباً بمرض كوفيد-19 أن أكثر من نصف الأطفال بقليل ظهرت عليهم أعراض خفيفة للمرض متمثلة بحمّى وسعال وعطاس وألم في الحنجرة وسيلان في الأنف وآلام في الجسم، بينما ظهرت أعراض ذات الرئة (الالتهاب الرئوي) على نحو ثلث الأطفال تقريباً. كما اتّضح أن تأثيرات الفيروس عند الكثير من الأطفال تبقى في الجزء العلوي من الجهاز التنفسي (الأنف والفم والحنجرة) وتكون شبيهة بتأثيرات الزكام، بدلاً من أن تنتقل إلى الجزء السفلي من الجهاز التنفسي (الرئتين)، كما هو الحال عند البالغين.

وبلغت نسبة الأطفال الذين شملتهم الدراسة الصينية وأصيبوا بمتلازمة الضائقة التنفسية الحادة والصدمة 6%، وهي نسبة أقل بكثير من نسبة 19% التي وجدتها الدراسة عند البالغين. ولم تظهر على نسبة صغيرة من الأطفال المصابين بالفيروس (1%) أية أعراض على الإطلاق.

لماذا تكون أعراض الأطفال المصابين بفيروس كورونا أخف منها عند البالغين؟

ما يزال فيروس كورونا جديداً، ولا نعرف السبب الدقيق لذلك حتى الآن. أحد الأسباب المحتملة هو أن الفيروس يحتاج إلى بروتين على سطح الخلية (مستقبِل) حتى يتمكّن من الدخول إليها وإحداث المشاكل. يبدو أن فيروس كورونا يقوم بذلك بالاعتماد على مستقبِلات الإنزيم المحوّل للأنجيوتنسين 2، التي تتواجد في الجزء السفلي من الجهاز التنفسي للأطفال بشكل أقل منها في الجزء العلوي، وقد يكون هذا هو السبب في ظهور الأعراض بشكل رئيسي في الفم والأنف والحنجرة عند الأطفال. وقد تم سابقاً وصف انجذاب فيروسات كورونا المسببة لمتلازمة السارس نحو هذه المستقبلات في الدراسات الحيوانية.

قد يكون هناك تفسير آخر مرتبط باختلاف آلية عمل الجهاز المناعي بين البالغين والأطفال، الأمر الذي يجعل الجسم أقل قدرة على مكافحة العدوى مع التقدّم في السنّ. إلا أن هذا التفسير يعدّ ناقصاً لكون الشباب أكثر عرضة للخطر من الأطفال رغم أن أجهزتهم المناعية قوية أيضاً. قد يؤدي تعرّض الأطفال -وخصوصاً في سن المدرسة- للكثير من الفيروسات التنفسية، إلى وجود كمية كبيرة من الأجسام المضادة، التي توفر لهم الحماية بشكل أكثر من البالغين.

هناك تفسير ثالث مرتبط بإطلاق السايتوكينات بشكل كبير عند البالغين لمكافحة الفيروس وإثارة الاستجابة المناعية، الأمر الذي يؤدي في الحالات الشديدة إلى حدوث الكثير من الأضرار وفشل الأعضاء. إلا أن الأجهزة المناعية غير الناضجة عند الأطفال تكون أقل قدرة على إطلاق مثل هذه الاستجابة لمكافحة العدوى الفيروسية. لا بدّ من إثبات هذه الفرضية مع فيروس كورونا، رغم أنه قد تم إثباتها في الدراسات المناعية التي أجريت على الأطفال خلال وباء السارس عام 2003.

هل يمكن للأطفال الذين لا تظهر عليهم أعراض نقل الفيروس إلى غيرهم؟

نعم، يمكنهم ذلك، وهنا تكمن المشكلة الأكبر؛ إذ يعتقد الكثير من الناس أننا لسنا في حاجة للقلق بشأن الأطفال لأنهم أقل عرضة للخطر، ولكن الأطفال قد يكونون أحد الطرق الرئيسية لانتقال العدوى في المجتمع، ولهذا السبب يعدّ إغلاق المدارس من الإجراءات المهمة لوقف انتشار الوباء.

ينتقل فيروس كورونا من الشخص المصاب إلى الشخص السليم من خلال الرذاذ الناجم عن العطاس أو السعال أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس. وهذا يعني أن الأطفال المصابين، بغضّ النظر عن شدة أعراضهم، يمكنهم نقل الفيروس إلى الآخرين، وخاصة أفراد أسرتهم.

هل يختلف تأثير فيروس كورونا على الأطفال حسب أعمارهم؟

تشير الدراسة الصينية إلى أن الأطفال الصغار، وخاصة الرضّع، هم أكثر عرضة للخطر من الأطفال الأكبر سناً؛ إذ ظهرت الأعراض الشديدة عند طفل واحد من كل 10 أطفال رضّع، في حين أنها لم تظهر إلا عند 3 أو 4 من كل 100 من الأطفال الأكبر سناً.

أما بالنسبة لحديثي الولادة، فهناك حتى الآن حالتان على الأقل تم تأكيد إصابتهما بالفيروس، إحداهما في مدينة ووهان الصينية والأخرى في مدينة لندن بالمملكة المتحدة. ولم يتضح بعد فيما إذا كان الطفلان قد أصيبا بالفيروس بعد الولادة أو أثناء الحمل، ولكن في كلتا الحالتين كانت الوالدتان مصابتين بالفيروس. ووفقاً لدراستين صغيرتين، لم يكن يوجد -حتى وقت نشرهما في شهر مارس- أي دليل على انتقال فيروس كورونا من الأم الحامل لطفلها.

كيف يمكن حماية الأطفال من الإصابة بفيروس كورونا؟

يعتبر الغسل الجيد لليدين والابتعاد الاجتماعي وتطهير الأسطح والأشياء من أهم إجراءات الحدّ من انتشار الفيروس. كما يجب على الآباء طمأنة أبنائهم بأن فيروس كورونا لن يؤذيهم، وأن هذه الإجراءات الاستثنائية التي يُطلب منهم القيام بها هي من أجل حماية الجميع، وخاصةً كبار السنّ.

المحتوى محمي