تفاوض القادة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي، وعملوا على رسم مسار لتحقيق التقدم في مسألة تخفيف الانبعاثات، إضافة إلى التعامل مع الآثار المناخية التي بدأت بالظهور.
وتضمن الهدف الثاني نقاشات حول تحديد تمويل "الخسائر والأضرار" التي تسبب بها التغيّر المناخي، والذي ستتكفل به البلدان الثرية لمساعدة البلدان الأقل ثراءً والأكثر ضعفاً. لطالما شددت البلدان النامية على أهمية تمويل كهذا، ولكن تمت إضافة هذه المسألة أخيراً إلى قائمة الأعمال الرسمية للمرة الأولى في مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي في 2022 في مصر.
تحديد تمويل "الخسائر والأضرار"
ومن أهم التساؤلات المتعلقة بهذا التمويل: مَن المسؤول عن التغيّر المناخي؟ هذه المسألة معقدة، ولكن يمكن أن نبدأ بتحديد الإجابة بناءً على بعض المعلومات حول الانبعاثات الحالية والسابقة.
فقد وصلت انبعاثات غازات الدفيئة إلى أعلى ذروة لها على الإطلاق في 2021، حيث تجاوزت الانبعاثات العالمية لثنائي أوكسيد الكربون من الوقود الأحفوري 36 مليار طن متري. وحالياً، تحتل الصين المرتبة الأولى في الانبعاثات، تتبعها الولايات المتحدة. أما المرتبة الثالثة في الانبعاثات فهي لبلدان الاتحاد الأوروبي مجتمعة، تتبعها الهند وروسيا.
ولكن البيانات حول الانبعاثات الحالية لا تعبّر عن الوضع بالكامل. تقول تارين فرانسين، وهي من كبار الزملاء في البرنامج العالمي للمناخ في معهد الموارد العالمية، وهو منظمة غير ربحية: "يوجد تفاوت كبير للغاية بين البلدان من حيث المساهمة في التسبب بالتغيّر المناخي".
ينتج التغيّر المناخي عن التركيز الإجمالي لغازات الدفيئة في الغلاف الجوي. ويبقى ثنائي أوكسيد الكربون، وهو العنصر الأساسي المسبب للتغيّر المناخي بين غازات الدفيئة، في الغلاف الجوي لمئات السنوات.
ولهذا، يدرس الباحثون أيضاً الانبعاثات التاريخية، أي مجموع مساهمة كل بلد عبر مرور الزمن. وحتى الآن، تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى من حيث الانبعاثات التاريخية، فهي مسؤولة عن أكثر من 20% من إجمالي الانبعاثات، يليها الاتحاد الأوروبي بنسبة قريبة. وعند حساب التلوث المناخي بهذه الطريقة، تتراجع الصين إلى المرتبة الثالثة، بنسبة تبلغ تقريباً نصف نسبة الولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: المحادثات المناخية في غلاسغو لن تحقق أهدافها.. إليكم أساليب أخرى لتسريع التقدم
إن التاريخ الطويل للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع الوقود الأحفوري هو ما يضع هذه المناطق في مركز النقاشات حول الخسائر والأضرار، خصوصاً لاعتمادها على حرق الوقود الأحفوري، بأنواعه المختلفة، لتحقيق النمو الاقتصادي. تقول فرانسين: "إن الاقتصادات التي حافظت على قوتها لسنوات عديدة تستمد قوتها عادة من استفادتها من هذه الانبعاثات المبكرة لغازات الدفيئة". وتضيف قائلة إنه من الواضح أن البلدان الأكثر ثراءً في العالم كانت الأكثر تأثيراً على المناخ، وما زالت.
مسؤولية المستقبل
يمكن أن تساعد الانبعاثات الإجمالية على المساعدة في اتخاذ القرارات حول مساهمة كل طرف في تعويض الأضرار المناخية. ولكن معالجة التلوث المناخي في البلدان النامية ذات الانبعاثات المنخفضة تاريخياً، والمتسارعة عالياً، سيكون أيضاً أمراً أساسياً في إبطاء الاحترار العالمي. تقول فرانسين: "يستحيل حل مشكلة التغيّر المناخي دون قيام الصين والهند، وجميع الدول التي تصدر أكبر مقادير من الانبعاثات، بتخفيف انبعاثاتها بدرجة كبيرة". قد تحتاج بعض الدول إلى المزيد من الوقت للوصول إلى محصلة انبعاثات صفرية، ولكنها ستحتاج للوصول إلى هذه المرحلة في نهاية المطاف لتحقيق الأهداف المناخية.
وتقول فرانسين إنه من المهم أيضاً ألا ننسى أن البلدان الكبرى ستواصل المساهمة في الانبعاثات بأكبر النسب. وعلى سبيل المثال، وعند حساب نسبة الانبعاثات إلى عدد السكان، سنجد أن الهند، مع أنها من الدول المتصدرة في الانبعاثات، لا تزال تصدر كمية قليلة للغاية لكل شخص مقارنة بالدول الأخرى المتصدرة في الانبعاثات.
وفي عالم تسوده العولمة، ليس من السهل توجيه اللوم إلى هذا البلد أو ذاك للتسبب بالتغيّر المناخي. وعلى سبيل المثال، فإن النقل الدولي لا يتم عادة ضمه إلى إجمالي الانبعاثات لأي بلد.
اقرأ أيضاً: الانبعاثات يجب أن تُخفَّف إلى النصف حتى 2030 بعد أن تزايدت مرة أخرى في 2019
وتظهر هذه المشكلة أيضاً في مراكز التصنيع العالمية مثل الصين، كما يقول أحد كبار الباحثين في المركز الدولي للأبحاث المناخية في النرويج، روبي آندرو. ووفقاً للتعاريف الدولية، فإن البلدان تتحمل بشكل عام مسؤولية الانبعاثات ضمن حدودها، حتى لو كانت تصنع منتجات سيتم استخدامها في مكان آخر، كما يقول آندرو.
ويمكن لاستيعاب مصادر الانبعاثات، وتغيراتها مع الزمن، أن ترسم لنا صورة أكثر وضوحاً حول كيفية تخفيف الانبعاثات والتعامل مع آثار التغيّر المناخي. ولكن، من المرجح أن تعجز أي معلومة منفردة عن تمثيل الواقع الطارئ والعشوائي للمهمة المقبلة. وببساطة، كما يقول آندرو: "ليست هناك إجابة سهلة".
ملاحظات حول البيانات والمنهجية:
- تم الحصول على بيانات الانبعاثات من مشروع الكربون العالمي، والذي يقوم بتقدير انبعاثات الكربون وفقاً لاستهلاك الطاقة.
- أما بيانات الاتحاد الأوروبي فهي مجموع بيانات الدول الأعضاء الحالية البالغ عددها 27. وقد تم تمثيل الاتحاد الأوروبي ككتلة واحدة لأنه عادة ما يخوض المفاوضات بشكل موحد على الساحة الدولية.
- تأخذ هذه المقارنة بعين الاعتبار الانبعاثات الناتجة عن الطاقة وبعض النشاطات الصناعية، مثل إنتاج الإسمنت، ولكنها لا تتضمن انبعاثات استغلال الأراضي للزراعة والغابات، والتي يمكن أن تمثل مساهمة كبيرة، ولكن تقديرها أمر صعب.