سرعة الإنترنت تصل لقيمٍ قياسية عبر ابتكارٍ بحثيّ جديد في أستراليا

3 دقائق
مصدر الصورة: شاترستوك

أظهرت جائحة فيروس كورونا الكثير من المشاكل التي لا ترتبط فقط بنظام الرعاية الصحية، بل أيضاً بنظام الاتصالات؛ إذ إن الوضع الاستثنائيّ المرتبط بانتشار الفيروس حول العالم ساهم في إجبار معظم الأشخاص على البقاء في المنزل، وهو ما يعني إمضاء مزيدٍ من الوقت على شبكة الإنترنت، سواء كان ذلك بهدف إنجاز العمل من المنزل، أو التعليم، أو حتى التسلية والترفيه. اضطرت العديد من الدول إلى اتخاذ إجراءاتٍ للتخفيف من الضغط الناتج عن معدل استهلاك البيانات المرتفع جداً، مثل تخفيض الدقة الافتراضية لفيديوهات يوتيوب أو نتفليكس لتصبح بدقة 480 بيكسل بدلاً من الدقة العالية 720 بيكسل أو الدقة الفائقة 1080 بيكسل.

في ظل هذه الظروف، تأتي أخبارٌ رائعة من أستراليا حول عمل بحثيّ وتقنيّ جديد من شأنه توفير حلٍ ممتاز للمشاكل المرتبطة بسرعة تصفح البيانات على الإنترنت؛ حيث تمكن فريقٌ بحثيّ من عدة جامعات من تحقيق سرعةٍ فلكية لمعدل تحميل وتصفح البيانات على شبكة الإنترنت، بلغ 44.2 تيرابت في الثانية الواحدة، وهو يمثل رقماً هائلاً قياساً بالمعدلات الوسطية لسرعة تصفح الإنترنت حالياً، فبحسب بيانات موقع سبيد تيست (speedtest.com) فإن أعلى معدل وسطي لسرعة الإنترنت حول العالم هو في سنغافورة، ويبلغ 198 ميغابت بالثانية، ما يعني أن الرقم القياسي الجديد الذي تمكن الباحثون الأستراليون من تحقيقه أسرع بـ 223 ألف مرة من أعلى معدل تصفح متوافر حالياً. ولو أردنا فهم الرقم القياسي الجديد بطريقةٍ أخرى ومدى ضخامته، يكفي أن نتخيل أن امتلاك مثل هكذا اتصال بشبكة الإنترنت يعني تحميل أكثر من 1000 فيلم بدقة عالية خلال ثانيةٍ واحدة. 

تم تحقيق السرعة الجديدة عبر عملٍ مشترك تضمن باحثين من 3 جامعات في أستراليا، وهي جامعة موناش في مدينة كلايتون، وجامعة آر إم آي تي في مدينة ملبورن، وجامعة سوينبرن أيضاً في مدينة ملبورن، حيث طوّر الباحثون جهاز اتصالاتٍ ضوئيّ جديد أطلقوا عليه اسم ميكروكومب (Micro-Comb)، يمكن عبره الاستعاضة عن عددٍ كبيرٍ من الليزرات يصل عددها إلى 80 ليزر، ويتميز جهاز ميكروكومب الجديد بأنه أصغر حجماً وأخف وزناً من العتاد الخاص بأنظمة الاتصالات المستخدمة في الوقت الحاليّ.

ومن أجل إثبات قدرة جهاز ميكروكومب على إحداث تحسينٍ كبير في البنية التحتية لمنظومة الاتصالات، تم بناء شبكة اتصالات من الألياف الضوئية يبلغ طولها 76.6 كم بين حرم جامعة آر إم آي تي في مدينة ملبورن وحرم جامعة موناش في مدينة كلايتون، ومن ثم تم تضمين أجهزة الميكروكومب ضمن هذه الشبكة من الألياف الضوئية، ويقوم الميكروكومب الواحد بتشكيل مئات الأشعة الليزرية من طيف الأشعة تحت الحمراء عالية الجودة، وذلك اعتماداً على شريحةٍ ضوئية واحدة، ويمكن استخدام كل ليزر منها على أنه قناة اتصال واحدة، وضمن هذه البنية تمكن الباحثون من إرسال البيانات بمعدل أعظمي لعرض الحزمة (Bandwidth) بلغ 4 تيراهرتز، وبسرعة تبادل أعظمية وصلت حتى 44.2 تيرابت في الثانية الواحدة.

يمثل هذا الإنجاز أمراً هاماً لعدة أسباب؛ هنالك حاجة لتحسين قدرات البنية التحتية لأنظمة الاتصالات لتكون قادرة على استيعاب التزايد الكبير في معدلات استهلاك الإنترنت التي تزيد بنسبة 25% بشكلٍ سنويّ، ومن ناحيةٍ أخرى، ومع تطور أجيال الاتصالات وتحسن قدرات الوسائط المتعددة من حولنا، مثل امتلاك الهواتف الذكية لقدرات تصوير عالية الدقة وإمكانية التصوير بدقة 360 درجة وانتشار فيديوهات الحركة البطيئة (Slowmotion) ونزعة المستخدمين لتبادل ملفات الوسائط المتعددة على نحوٍ أعلى، فإننا مقبلون على وقتٍ لن نحتاج فيه إلى نظام اتصالات قادر على استيعاب عدد المستخدمين الكبير فحسب، وإنما سنحتاج أيضاً إلى تأمين سرعة اتصال عالية بالشبكة. ويجب ألا ننسى الاتجاهات التقنية الأخرى مثل الواقع الافتراضيّ والواقع المعزز، وما حملته جائحة فيروس كورونا من ضرورة البقاء في المنزل واتجاه الشركات لتحويل آلية عملها ليصبح معتمداً على الإنترنت أكثر من أي وقتٍ مضى. 

وبعيداً عن إمكانية تحقيق سرعة اتصال عالية جداً بشبكة الإنترنت، يمتلك البحث أهميةً أخرى، تكمن في كون تقنية ميكروكومب المطورة ضمن البحث قد استخدمت ضمن شبكة اتصالات موجودة سابقاً ولم يتم تحقيق هذه السرعة ضمن شروط مخبرية محددة؛ هذا يعني أن إمكانية استثمار الجهاز الجديد ضمن البنى التحتية الحالية لأنظمة الاتصالات قد يحدث أسرع مما نتخيل، ولو أن حاجات التصفح الخاصة بنا لا تتطلب سرعة اتصال تبلغ 44.2 تيرابت بالثانية. 

قام الباحثون بتوصيف العمل وجهاز ميكروكومب ضمن ورقةٍ بحثية نُشرت في دورية نيتشر للاتصالات (Nature Communications)، وحملت عنوان "تبادل بيانات ضوئية فائقة الكثافة عبر كابل اتصال تقليدي ومصدرٍ أحادي الشريحة Ultra-dense optical data transmission over standard fiber with a single chip source".

المحتوى محمي