يُعدّ الذكاء الاصطناعي أحد أسرع التكنولوجيات نمواً في العصر الحديث، ففي بداية العام الماضي فقط بدأ أحدث بوتات الدردشة إجراء محادثات، وصياغة قصائد وحتى كتابة أكواد البرمجة بصورة مثيرة للإعجاب، بينما يمكن لأحدث مولدات الصور إنشاء صور مزيفة لا يمكن تمييزها فعلياً عن الصور الحقيقية.
أدّى هذا التطور غير المسبوق إلى تغلغل الذكاء الاصطناعي في كل جانب من جوانب الحياة اليومية، وانتشر بسرعة وأحدث ثورة في الصناعات وأعاد رسم المشهد التكنولوجي بشكل كامل، فما أسباب هذا التطور السريع مقارنة برقائق الكمبيوتر؟
اقرأ أيضاً: كيف سينعكس الدعم الألماني لصناعة الرقائق الإلكترونية على مستقبلها؟
7 أسباب ساعدت على تطور الذكاء الاصطناعي بسرعة أكبر من رقائق الكمبيوتر
هناك عدة أسباب وراء التطور السريع الذي شهده الذكاء الاصطناعي مقارنة بالتقدم في رقائق الكمبيوتر من ضمنها:
1- التقدم التكنولوجي
في حين شهدت معالجات الكمبيوتر ذات الأغراض العامة تحسينات تدريجية، إلّا أن المعالجات المصممة خصيصاً لعمل الذكاء الاصطناعي التي تطوّرها شركات مثل جوجل وإنتل وكوالكوم وأيه إم دي شهدت طفرة كبيرة أسهمت في فتح قدرات غير مسبوقة لأنظمة الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، توفّر أحدث وحدة معالجة رسومات أيه 100 (A100) التي تطوّرها شركة إنفيديا ما يصل إلى 20 ضعف أداء سابقتها في مهام التعلم العميق.
بالإضافة إلى ذلك أسهم الابتكار في تطوير الخوارزميات، وخاصة خوارزميات التعلم العميق، في إحداث ثورة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي عبر مختلف القطاعات. على سبيل المثال، أدّت الاختراقات البحثية إلى ظهور نماذج اللغة الكبيرة مثل جيميناي وجي بي تي المدربة مسبقاً والتي أظهرت قدرة الذكاء الاصطناعي الكبيرة على فهم وإنشاء نص شبيه بالذي ينشئه الإنسان.
2- وفرة البيانات وجودتها
يُعدّ انتشار أجهزة إنترنت الأشياء التي تنتج كميات هائلة من البيانات بمثابة شريان الحياة لخوارزميات الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، تشير تقديرات مؤسسة البيانات الدولية آي دي سي (IDC) إلى نمو مقدار البيانات التي تُنشأ إلى نحو 175 زيتابايت بحلول عام 2025، ما يوفّر فرصاً هائلة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
بالإضافة إلى ذلك تتطور الأساليب المحسّنة في جمع البيانات وتقنيات تنظيف البيانات وتحسين جودة مجموعات البيانات وملاءمتها، ما يساعد على تدريب أكثر دقة لنماذج الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال وفقاً لتقرير من شركة ماكنزي، فإن المؤسسات التي تستفيد من الرؤى المستندة إلى البيانات لديها فرص لاكتساب العملاء تصل إلى 23 مرة ضعف التي لا تستفيد منها، كما يرتفع احتفاظها بالعملاء ستة أضعاف.
وأدّى اعتماد الحوسبة السحابية إلى تحفيز ظاهرة وفرة البيانات من خلال توفير موارد تخزين وحوسبة قابلة للتطوير. على سبيل المثال، يقدّم قسم الحوسبة السحابية في شركة أمازون (AWS) خدمات متنوعة مثل أمازون إس 3 (Amazon S3) للتخزين وأمازون إي سي 2 (Amazon EC2) للحوسبة، ما يسمح للشركات بتخزين مجموعات بياناتها الضخمة ومعالجتها في السحابة بسهولة، والذي يمكّن الشركات من التعامل مع أحجام البيانات المتقلبة وتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المعقدة دون استثمارات كبيرة مقدماً في البنية التحتية.
اقرأ أيضاً: تحويل الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى مصدر قيمة تجارية حقيقية في 2024
3- الاستثمارات الصناعية والمنافسة
منذ أكثر من عامين بدأت الشركات بإدراك الضرورة الاستراتيجية لاعتماد الذكاء الاصطناعي لتعزيز الإنتاجية ودفع الابتكار واكتساب مزايا تنافسية، ففي عام 2021 وحده بلغ الاستثمار في الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم أكثر من 90 مليار دولار، حيث استثمرت جوجل وأمازون ومايكروسوفت بكثافة في عمليات البحث والتطوير المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
كما ارتفعت استثمارات رأس المال الاستثماري في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة، فوفقاً لتقرير حالة الذكاء الاصطناعي لعام 2022 الذي تصدره شركة سي بي إنسايت (CB Insights)، زاد الاستثمار في الذكاء الاصطناعي خلال العقد الماضي بشكل كبير، ففي عام 2022 وحده وصل الاستثمار في الذكاء الاصطناعي إلى 91 مليار دولار، ما يشير إلى ثقة المستثمرين القوية في إمكانات نمو سوق الذكاء الاصطناعي.
4- توقع العائد المالي على الاستثمار (ROI)
بدأت الشركات تُدرك بشكلٍ متزايد إمكانات دمج أنظمة الذكاء الاصطناعي في عملياتها لتحقيق النمو وتوفير التكاليف واكتساب مزايا تنافسية. على سبيل المثال، وجدت دراسة أجرتها شركة ديلويت (Deloitte) أن الشركات التي تستثمر في الذكاء الاصطناعي من المرجّح أن تحقق مكاسب مالية كبيرة مقارنة بأقرانها.
5- الاستثمارات الحكومية المتصاعدة
بدأت الحكومات في أنحاء العالم كافة تستثمر بشكلٍ متزايد في مجالات البحث والتطوير المتعلقة بالذكاء الاصطناعي كوسيلة لدفع النمو الاقتصادي والقدرة التنافسية. على سبيل المثال وفقاً لتقرير مؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي 2021 ، احتلت الإمارات العربية المتحدة المركز الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كواحدة من أكثر المناطق تنوعاً في العالم في درجات الجاهزية الحكومية للذكاء الاصطناعي، وذلك يعود إلى تشجيع الحكومة للاستثمار والابتكار في التقنيات الناشئة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
كما تُعدّ الشراكات بين القطاعين العام والخاص، مثل استراتيجية الذكاء الاصطناعي الكندية والمبادرة الوطنية الأميركية للذكاء الاصطناعي، اللتين تخصصان موارد كبيرة للذكاء الاصطناعي وتنمية المواهب والبنية التحتية، وسيلة لتعزيز التعاون بين الأوساط الأكاديمية والصناعة والوكالات الحكومية.
6. نمو منصات الذكاء الاصطناعي
نما عدد منصات الذكاء الاصطناعي المتاحة بشكلٍ كبير في السنوات الأخيرة، حيث من المتوقع أن تصل سوق الذكاء الاصطناعي إلى نحو 738 مليار دولار بحلول عام 2030. على سبيل المثال، توفّر منصات مثل سورا ودال إي وكلود إمكانات ذكاء اصطناعي متقدمة للمستخدمين والشركات، بما في ذلك معالجة اللغة الطبيعية والرؤية الحاسوبية والنمذجة التوليدية التي تلبي حالات الاستخدام والصناعات المتنوعة.
اقرأ أيضاً: إليك أبرز ما شهدته قمة الويب قطر 2024 الأولى في الشرق الأوسط
7- الأزمات والحروب الناشئة
مع انتشار النزاعات الحالية في بعض أنحاء العالم، بدأ استخدام الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي بشكلٍ متزايد في العديد من المجالات. على سبيل المثال، تُستخدم الطائرات المسيّرة المدعومة بالذكاء الاصطناعي بكثافة في مجالات مثل المراقبة والاستطلاع، في حين تستفيد منصات التواصل الاجتماعي من خوارزميات الذكاء الاصطناعي لكشف المعلومات المزيفة والحد منها.
وفي سياق الأمن السيبراني والحروب السيبرانية، تُستخدم الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي لشن هجمات سيبرانية فاعلة، حيث من المتوقع أن تُسهم التهديدات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي في ظهور أشكال مختلفة من الهجمات السيبرانية، مثل البرامج الضارة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي تتعلم من بيئتها وتتكيّف مع المدخلات، ما يصعب اكتشافها.
وفي الوقت نفسه تُستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي بفاعلية لاكتشاف التهديدات الناشئة، حيث يمكن لأدوات مثل الكشف والاستجابة المُدارة (Managed Detection and Response، اختصاراً إم دي آر MDR) اكتشاف التهديدات بشكلٍ أفضل والحد من تأثيرها ومراقبتها والاستجابة لها وتوصيل المعلومات المتعلقة بها إلى فرق الأمان في فترة وجيزة.
كيف يمكن معالجة خطر تطور الذكاء الاصطناعي المتسارع على البشرية؟
يرى العديد من الخبراء أن الذكاء الاصطناعي قد تطور بشكلٍ أسرع من قدرتنا على التكيُّف، ما أدّى إلى ظهور الأصوات التي تحذّر وتدعو إلى كبح جماح هذا التسارع والعمل جدياً على تطوير الذكاء الاصطناعي الذي يفيد البشرية بشكلٍ حقيقي، فبداية من عام 2023 وصلت بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية الناشئة إلى أكثر من 100 مليون مستخدم.
كما أن أحد المخاطر الأساسية التي يحذّر منها الباحثون هو احتمال أن تتجاوز أنظمة الذكاء الاصطناعي عملية السيطرة البشرية، فمع ازدياد تطورها، هناك خطر من أنه قد يتفوق على الذكاء البشري، ما قد يؤدي إلى سيناريوهات تتخذ فيها قرارات غير مفهومة أو حتى ضارة بالبشر، وبدوره يؤدي إلى عواقب تضر بالبشر مثل إزاحة الوظائف أو الاضطراب الاقتصادي.
بالإضافة إلى إمكانية أن تفاقم أنظمة الذكاء الاصطناعي التحيزات وعدم المساواة بسبب أن تدريبها غالباً يكون على مجموعات كبيرة من البيانات التي كتبها البشر أنفسهم، والتي يمكن أن تعكس الأنماط التاريخية للتمييز وقد تؤدي إلى نتائج متحيزة في عمليات صُنع القرار.
اقرأ أيضاً: شريحة حاسوبية قد تسرّع عمل حوسبة الذكاء الاصطناعي بسرعة الضوء
ولمعالجة مثل هذه المخاطر يرى الخبراء أنه من الضروري إعطاء الأولوية للاعتبارات الأخلاقية وتنفيذ لوائح وآليات مراقبة قوية لضمان تطوير الذكاء الاصطناعي ونشره بشكلٍ مسؤول، مثل تعزيز الشفافية والمساءلة في أنظمة الذكاء الاصطناعي ومعالجة تحيز خوارزمياتها ووضع مبادئ توجيهية واضحة للاستخدام الأخلاقي لها في التطبيقات الحساسة مثل الرعاية الصحية، بالإضافة إلى أهمية تعزيز التعاون والحوار بين الحكومات والأكاديميين والباحثين والعلماء للتغلب على التحديات المعقدة التي يفرضها التطور السريع للذكاء الاصطناعي.