ما أسباب انخفاض معدّل وفيات فيروس كورونا في ألمانيا؟

4 دقائق

يعتبر معدّل الوفيات أحد الدلائل الهامة في تتبّع جائحة فيروس كورونا حول العالم، ولكن هذا المعدّل يختلف اختلافاً كبيراً بين البلدان. فوفقاً لبيانات مركز علوم الأنظمة والهندسة بجامعة جونز هوبكنز حتى 29 مارس، بلغت نسبة الوفيات في إيطاليا 11%، وفي إسبانيا 8%، وفي الصين 4%، وفي الولايات المتحدة أقل من 2%، بينما تراوحت بين 6% و7% في كلٍّ من فرنسا وإيران والمملكة المتحدة. إلا أن ألمانيا -التي تعدّ الخامسة على مستوى العالم من حيث عدد الإصابات (63,079 حالة)- بلغ مجموع الوفيات فيها 482 وفاة، أي بمعدّل 0.79%، وهي نسبة أقل بكثير من معظم الدول الأخرى

لا يتمتّع الألمان بصحة أفضل من بقية الدول الأوروبية الغربية الأخرى، فهي تحتل المركز 26 حسب تصنيف الأمم المتحدة لمتوسط العمر المتوقع، كما أن معدّل التدخين فيها أعلى منه في إيطاليا. وكذلك لم تقم بفرض إجراءات أكثر صرامة من دول أخرى فيما يتعلق بالحجر الصحي وعزل المدن. فما الأسباب وراء انخفاض معدّل الوفيات فيها؟

إجراء الاختبارات على نطاق واسع

يبدو أن السبب الأهم في انخفاض نسبة الوفيات في ألمانيا هو أنها تقوم بإجراء الاختبارات بشكل أكبر بكثير من الدول الأوروبية الأخرى. فوفقاً لما ذكرته صحيفة إندبندنت عن نقابة الأطباء الألمانية، قامت ألمانيا بإجراء أكثر من 200 ألف اختبار خلال الأسابيع الماضية، بينما قامت بريطانيا مثلاً بإجراء نحو 113 ألف اختبار حتى 28 مارس. ولا تقترب كل من إسبانيا وإيطاليا من هذه الأرقام على الإطلاق. 

يتفق العلماء على أن الأرقام الرسمية للدول ينقصها عدد كبير من حالات الإصابة بفيروس كورونا؛ لأن مثل هذه الحالات تكون بسيطة بحيث لا تتطلب العلاج في المستشفى، وبالتالي يتعذّر الكشف عنها. وكلما قامت الدولة بإجراء اختبارات أكثر، كشفت عن عدد أكبر من الحالات البسيطة. وبما أن الحالات الشديدة التي تؤدي إلى الوفيات سيتم الكشف عنها غالباً، فإن عدد الوفيات يبقى نفسه على الأرجح، مع انخفاض نسبته بسبب ازدياد عدد الحالات البسيطة.

وقد قال كريستيان دروستن، مدير معهد الفيروسات في مستشفى شاريتي في برلين، في حديثه إلى شبكة إن بي آر الأميركية: "أعتقد أننا لا نقوم إلا بإجراء اختبارات بشكل أكثر من الدول الأخرى وبالكشف عن تفشي الوباء باكراً... ولا تمتلك ألمانيا مختبراً مركزياً للصحة العامة من شأنه أن يمنع المختبرات الأخرى من إجراء الاختبارات، لذلك هناك سوق مفتوحة منذ البداية".

نظام رعاية صحية قوي

يعدّ نظام الرعاية الصحية في ألمانيا -بشقيه العام والخاص- متطوراً وشاملاً. فوفقاً لبيانات البنك الدولي عام 2016، تنفق الدولة 4714.26 دولار لكل شخص سنوياً من أجل الرعاية الصحية، وهو ما يعدّ أكثر من معظم الدول الأخرى. كما تمتلك ألمانيا ثاني أعلى عدد في أوروبا لأسرّة الرعاية الحرجة المخصّصة لكل شخص، وذلك حسب معلومات الصحة الأوروبية؛ حيث يبلغ العدد 621 سريراً في ألمانيا لكل 100 ألف شخص، بينما يبلغ في إيطاليا 275، وفي إسبانيا 293. وتعدّ هذه الأسرّة أساسية لعلاج الحالات الشديدة من المصابين بفيروس كورونا.

يقول عالم الفيروسات الألماني مارتين شتورمر في حديثه إلى موقع فوكس: "بشكل عام، فإن وضع العناية المركّزة في ألمانيا جيد. لدينا أطباء ومنشآت من مختلف الاختصاصات، وقد يكون ذلك جزئياً أحد أسباب ازدياد بقاء المرضى المصابين بحالات شديدة على قيد الحياة بالمقارنة مع الدول الأخرى".

وقاية كبار السنّ من الإصابة بالعدوى

وفقاً لمجلة وايرد الأميركية، يبلغ العمر الوسطي لحالات الإصابة بفيروس كورونا في ألمانيا 46 عاماً، بينما يبلغ في إيطاليا 63 عاماً. ووفقاً لمعهد روبرت كوخ، فإن 80% من المصابين بالفيروس في ألمانيا هم أصغر من 60 عاماً، بينما تبلغ نسبة المصابين الأكبر من الستين في إسبانيا 50%.

يعتبر كبار السن هم الفئة الأكثر عرضة للخطر، وتحدث معظم وفيات الإصابة بهذا المرض عند الأشخاص الذين يعانون من أمراض أخرى، التي تعدّ أكثر شيوعاً عند كبار السنّ أيضاً. في ألمانيا، كانت أولى حالات الإصابة بالفيروس بين الشباب الذين عادوا من منتجعات التزلّج في النمسا وإيطاليا، والذين كانوا يتمتّعون بصحة جيدة وأقل عرضة للخطر، ونشروا العدوى بين أقرانهم الأصحاء. أما في إيطاليا، فكانت أولى الحالات عند الفئات الضعيفة مثل كبار السنّ.

ما يزال الوباء في مراحله المبكرة

بالمقارنة مع دول مثل إيطاليا وإسبانيا، ما يزال الوباء في ألمانيا في مرحلة أبكر؛ إذ يستغرق الأمر نحو 3-4 أسابيع حتى يتعرّض مرضى العناية المركّزة للوفاة. يقول كيث نيل، الأستاذ الفخري لوبائيات الأمراض المُعدية بجامعة نوتينجهام، في حديثه إلى سكاي نيوز: "من المرجّح أن يزداد معدّل الوفيات في ألمانيا مع ازدياد إصابة كبار السن بالعدوى. سيرتفع معدّل الوفيات على الأغلب إلى حدود 1%".

إجراءات عزل صارمة

كما هو الحال في الكثير من الدول الأخرى، فرضت ألمانيا العديد من إجراءات العزل الصارمة اعتباراً من 24 مارس؛ حيث منعت التجمّعات لأكثر من شخصين، ما لم يكونا من نفس العائلة ويقيمون معاً. وقد تصل غرامة خرق هذه القوانين إلى 25 ألف يورو.

عدم إجراء اختبارات واسعة النطاق بعد الوفاة

على عكس إيطاليا، لا تُجرى في ألمانيا اختبارات فيروس كورونا على نطاق واسع بعد الوفاة؛ فقد يتعرّض أشخاص للوفاة بسبب الفيروس دون أن يتم تشخيص إصابتهم به، إما لموتهم في منازلهم أو لاعتقاد الأطباء بأن وفاتهم كانت بسبب أمراض أخرى. وبالتالي، لا يتم احتساب مثل هذه الوفيات على أنها ذات علاقة بفيروس كورونا. ومع ذلك، يعتقد الأطباء أن هذه الحالات قليلة وليست ذات دلالة إحصائية هامة.

عوامل اجتماعية

يمكن أن تلعب العوامل الاجتماعية أيضاً دوراً هاماً في انتشار العدوى، كعادات العناق واللقاءات المتكررة بين أفراد الأسرة، التي تعدّ أكثر في إيطاليا بالمقارنة مع ألمانيا. ويُعرف الألمان أيضاً بالتزامهم بالقوانين بشكل عام، الأمر الذي يجعلهم أكثر تقيّداً بإجراءات الوقاية. كما تلعب كثافة السكّان دوراً في ذلك.

وعلى الرغم من نجاح ألمانيا في مواجهة الوباء حتى الآن، إلا أن الوقت لا يزال مبكراً على استخلاص استنتاجات راسخة، مع ضرورة أخذ الحيطة والحذر، فالفيروس جديد والوضع قابل للتغيّر في أية لحظة.

المحتوى محمي