نشأته ودراسته
وُلد حسن كامل الصباح في مدينة النبطية بلبنان عام 1895 وسط أسرة محبّة للعلم والفكر، فخالُه هو الباحث واللغوي والكاتب الشيخ أحمد رضا. ظهرت على الصباح علامات الذكاء والنبوغ منذ صغره، كما ظهر اهتمامه بالرياضيات والهندسة وهو في المدرسة الابتدائية، حيث ذكرت والدته قصة أول اختراعاته في مرحلة الطفولة عندما طلب منها نقوداً لشراء بعض الأغراض. وبعد عودته، دخل للعمل في حجرته، وخرج ليُطلق في الحيّ بالوناً ورقياً يطير بواسطة الغاز.
انتقل الصباح من المدرسة الابتدائية في النبطية إلى المدرسة الإعدادية في بيروت، ثم دخل الكلية الإنجيلية السورية (الجامعة الأميركية في بيروت حالياً)، التي اطّلع فيها على علم الفلك ودراسة الفيزياء. وفي عام 1916، انخرط في صفوف الخدمة العسكرية الإجبارية للجيش العثماني والتحق بقسم اللاسلكي. وهناك اختلط بالمهندسين الألمان وتعلّم منهم الألمانية وتابع أبحاثه في الكهرباء وتمت ترقيته إلى رتبة ملازم أول.
مسيرته المهنية واهتماماته
في عام 1921، سافر الصباح إلى الولايات المتحدة ودرس في جامعة إم آي تي لفترة وجيزة قبل أن يلتحق بجامعة إلينوي عام 1923. ولكن بسبب سوء أوضاعه المالية، ترك الدراسة الجامعية والتحق بقسم الصمّامات المُفرغة في مختبر الهندسة في شركة جنرال إلكتريك في مدينة سكنيكتادي بولاية نيويورك؛ حيث شارك في الأبحاث الحسابية والتجريبية، وخصوصاً على أجهزة التقويم والتحويل الكهربائي. لم تمضِ فترة طويلة حتى بدأت أبحاثه تؤتي ثمارها، إذ أدّت إلى العديد من الاختراعات. ولكن كان الصباح قد وقّع عقداً مع الشركة تصبح كل اختراعاته بموجبه ملكاً لها. وقام بين عامي 1927 و1935 باختراع 52 اختراعاً مختلفاً.
عمل الصباح في مجال أجهزة التلفزيون والمحرّكات واخترع دارات يمكن استخدامها مع المقوّمات الكهربائية. وقام بإعداد سلسلة من المقالات حول المحوّلات الثابتة متعددة الحلقات والمراحل وتم نشرها في مجلة جنرال إلكتريك ريفيو. كما حصل على زمالة معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات.
كان حلم الصباح يتمثّل ببناء خلايا تعمل بالطاقة الشمسية في الصحراء العربية، وذلك بالاعتماد على الرمل لصنع الخلايا الشمسية وعلى الشمس القوية لتزويدها بالطاقة، وبالتالي إنتاج كميات هائلة من الطاقة. وفي عام 1935، أعلن أنه سيعود إلى الشرق الأوسط ويحوّل الصحراء العربية إلى جنة.
ابتكاراته واختراعاته
قدّم الصباح الكثير من المساهمات في مجال التكنولوجيا التطبيقية إلى الولايات المتحدة وكافة أنحاء العالم. ويمكن تصنيف هذه المساهمات في ست فئات رئيسية:
- الفضاء (الطاقة الشمسية)
هناك 27 براءة اختراع مسجّلة للصباح في مجال الصناعات الفضائية بين عامي 1928 و1935؛ إذ قام الصباح باختراع الخلية الشمسية الأصلية واختبارها عام 1930، وهي تعدّ حتى الآن مصدر الطاقة الأنظف والأكثر أماناً. وتم تطوير هذه الخلية الشمسية بعد الحرب العالمية الثانية بواسطة مختبرات بل عام 1955. كما أن العديد من الأجهزة والمعدات الإلكترونية التي تدخل في تركيب المكونات الرئيسية للمركبات الجوية تم تطويرها من المقوّمات والمحولات التي اخترعها الصباح.
- صناعة السيارات (السيارة الكهربائية الشمسية)
هناك خمس براءات اختراع مسجّلة للصباح في هذا المجال بين عامي 1929 و1935. وفي عام 1930، أجرى الصباح تجارب على سيارته الخاصة لتزويدها بالطاقة الكهربائية؛ حيث عمل بشكل جدّي لجعل فكرة السيارة الكهربائية مفيدة وقابلة للتطبيق. كما أعطت تجاربه لشركة جنرال إلكتريك مكانتها الفريدة كرائدة في تطوير الخلايا الشمسية وبطاريات كبريتات الصوديوم أيضاً.
- التلفزيون وتطبيقات أنبوب الأشعة المهبطية
سجّل الصباح ثلاث براءات اختراع حول البثّ التلفزيوني للصور بين عامي 1928 و1930، وبراءتي اختراع حول أنبوب الأشعة المهبطية عام 1935. كما قام مهندسو الأبحاث في شركة جنرال إلكتريك بتطوير نظام العرض البلوري السائل (LCD) اعتماداً على اختراعات قام بها الصباح. وأدى أيضاً تطوير وتعديل أنبوب الأشعة المهبطية الذي اخترعه الصباح إلى أنواع جديدة من الأنابيب المستخدمة في الأنظمة الإلكترونية، التي لم يكن من الممكن اكتشاف التلفزيون دون وجودها. وعندما كان صغيراً، سأل أمه إذا كان البثّ الراديوي قد أصبح ممكناً، فلماذا لا نضع شاشة فوق الراديو باستخدام نفس الترددات حتى نتمكّن من أن نرى صورة؟
- محطات توليد الطاقة
سجّل الصباح ست براءات اختراع حول أنظمة التقويم الكهربائي بين عامي 1929 و1935. كما سجّل 24 براءة اختراع أخرى حول أنظمة تحويل الطاقة الكهربائية. أسّس الصباح في أوائل الثلاثينيات التقنيات الأساسية للعديد من الإجراءات المطبقة لحماية المحولات والمحركات الكهربائية، وترك بعد وفاته إرثاً كبيراً من الأساليب والإجراءات المفيدة؛ إذ يتم حالياً استخدام إجراءاته من قبل قسم التشغيل في شركة جنرال إلكتريك، كما تم اعتمادها بشكل كلي أو جزئي وتطويرها من قبل الشركات الأخرى المصنّعة لمعدّات الطاقة الكهربائية.
- أجهزة الضغط والحرارة الإلكترونية
هناك ثلاث براءات اختراع أساسية سجّلها الصباح حول التحكم في الضغط بين عامي 1927 و1930 وبراءة اختراع واحدة حول التحكم في درجة الحرارة عام 1935. كما أن العديد من كبرى الشركات المصنّعة لأجهزة قياس الضغط ودرجة الحرارة الإلكترونية قد وقّعت اتفاقيات متبادلة مع شركة جنرال إلكتريك لإنتاج أو تطوير اختراعات الصباح.
- الصناعات الثقيلة: تطوير طرق جديدة للحام بالقوس الكهربائي
سجّل الصباح براءات اختراع أساسية حول اللحام بالقوس الكهربائي البخاري، بالإضافة إلى ست براءات اختراع حول المقوّمات والمحوّلات. تعدّ هذه الاختراعات هي أساس آلات اللحام القوسي، التي لم يكن من الممكن للصناعات الثقيلة (السفن والغواصات والدبابات والمولدات التوربينية) أن تتقدم دون تطويرها.
وفاته
في مساء يوم الأحد 31 مارس 1935، توفي الصباح عن عمر ناهز 41 عاماً، بعد تعرّضه لحادث سيارة إثر سقوطها في منخفض عميق عندما كان عائداً إلى منزله. تم نقله إلى المستشفى ولكنه فارق الحياة، وعجز الأطباء عن تحديد سبب الوفاة، مما أثار حولها بعض الشكوك، خاصة وأن الصباح وجد على مقعد السيارة دون أن يصاب بأية جروح مما يرجّح وجود شبهة جنائية. ونقلت جثته من الولايات المتحدة ليُدفن في مسقط رأسه في بلدة النبطية في لبنان، بعد تشييعه في جنازة مهيبة إلى مثواه الأخير.
وقام برثائه سي جي مارسي، مدير شؤون الموظفين في شركة جنرال إلكتريك، بقوله في رسالة بتاريخ 16 أبريل 1935: "من المؤسف حقاً أن يلقى هذا العقل العبقري تلك النهاية المفاجئة. إن موته هو خسارة فادحة لعالم الاختراعات".