هل يمكن تطوير أدوية خاصة تستهدف الساعات البيولوجية لدى البشر وتحسن صحتهم؟

4 دقائق
هل يمكن تطوير أدوية خاصة تستهدف الساعات البيولوجية لدى البشر وتحسن صحتهم؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ vetre

يتمتع البشر بأكثر من نوع من الساعات البيولوجية، غير تلك التي تسير للأمام مع تقدّمنا في العمر، و"النظم اليوماوي" (يدعى أحياناً بالساعة البيولوجية) الذي يديره الدماغ والذي يحافظ على إيقاع العمليات الجسدية الداخلية. تتحكم هذه الساعات بوقت الاستيقاظ والنوم وتناول الطعام.

لكن وظائف هذه الساعات لا تقتصر على ذلك؛ إذ إنها تتحكم بالجوانب الأكثر دقة والتي تتعلق بالطريقة التي تعمل فيها أجسامنا، وذلك من خلال التأثير في مئات الساعات الجزيئية التي توجد في الخلايا والأعضاء. على سبيل المثال، هناك ساعات تنظّم عملية الاستقلاب، وأخرى تتحكم بالطريقة التي تركّب فيها المورثات البروتينات. لذلك، ليس من المفاجئ أن العوامل التي تتسبب في اضطراب الساعات البيولوجية، مثل تعب ما بعد السفر أو الوظائف المبنية على المناوبات، يمكن أن تؤثر بشكل سلبي في الصحة.

اقرأ أيضاً: ما هي تقنية إعادة البرمجة الوراثية وهل يمكن استخدامها لإطالة عمر البشر؟

الآن، يعمل العلماء على إيجاد طرق للبحث عن علاجات مخصصة للساعات البيولوجية، ويتم حالياً تطوير أدوية تستهدف هذه الساعات بشكل خاص في المختبرات. فهل سنتمكن يوماً ما من التحكّم بالساعات البيولوجية لتحسين الصحة؟

ما هي الساعات البيولوجية؟

لا تتحرك الساعات البيولوجية مثل الساعات التي نعرفها، بل إنها تكرر نفسها في دورات منتظمة خلال فترة تبلغ مدّتها 24 ساعة. تتألف هذه الساعات بشكل أساسي من مجموعات من المورثات والبروتينات التي تعمل معاً. على سبيل المثال، هناك بعض المورثات التي تركّب البروتينات خلال النهار. وعندما يتم تركيب كمية كافية من هذه البروتينات، تمنع الساعات البيولوجية المورثات من تركيب المزيد من البروتينات خلال الليل، بينما عندما تنخفض نسب البروتينات أكثر من اللازم، يتم تنشيط المورثات مجدداً في الصباح، وهكذا دواليك.

يتم التحكم في هذه الدورات داخلياً من خلال ما يعرف بالساعة الرئيسية، والتي توجد في منطقة من الدماغ تحمل اسم الوِطاء، يعتقد العلماء أن هذه الساعة مسؤولة عن مزامنة جميع الساعات البيولوجية الأخرى. وعلى الرغم من أنها تضبط نظمها بنفسها، فإنها تتأثر بكمية الضوء التي تدخل أعيننا وبمواعيد تناول الطعام والنوم وبعض العوامل السلوكية الأخرى.

وجد العلماء أن الساعات الجزيئية تؤثر في العديد من الوظائف الحيوية. بيّنت دراسة أجريت على الفئران أن %43 من مورثات هذه الحيوانات تتبع نوعاً ما من الساعات البيولوجية. وجد الباحثون أيضاً أن معظم المورثات تقوم بتركيب كمية أكبر من البروتينات في "ساعات الذروة" قبيل الفجر والغسق.

اقرأ أيضاً: التكنولوجيا تساعدنا في تفسير سبب نوم حديثي الولادة معظم الوقت

كيف تؤثر ساعاتنا البيولوجية على صحتنا؟

من الصعب إجراء دراسات مشابهة على البشر، ولكننا نعلم أن هناك العديد من المورثات البشرية التي تعمل بطريقة مشابهة لمورثات الفئران. تتبع الهرمونات والخلايا المناعية البشرية أيضاً أنماطاً يوماويّة؛ إذ تتفاوت مستويات نشاطها خلال اليوم.

يبدو أن نشاط الميكروبيوم يتقلب أيضاً خلال اليوم. وجد العلماء بعد تحليل عينات البراز من مجموعة من المتطوعين أن هناك بعض الأنواع من البكتيريا المعوية التي تكون أكثر وفرة خلال النهار، بينما تكون بعض الأنواع الأخرى أكثر وفرة في الليل. على سبيل المثال، كانت الوفرة النسبية للعصوانيّات، وهي شعبة من البكتيريا التي تفكك النشويات والألياف في الأمعاء، أكبر بـ 6% خلال الليل. ليس من الواضح بعد ما تأثير كل ذلك في الصحة، ولكن ما يثير الفضول هو أن الساعات البيولوجية تكون مضطربة لدى الأشخاص المصابين بالسمنة ومرض السكري من النوع الثاني.

تعتبر هاتان الحالتان الصحيتان أكثر شيوعاً بين الأشخاص الذين يعملون في الوظائف التي تتضمن النوبات الليلية، والذين يُعتبرون أيضاً أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والشرايين والسرطان. مجدداً، من الصعب تحديد مساهمة اضطراب الساعات البيولوجية في خطر الإصابة بهذه الأمراض، ولكن تبين الأبحاث أن العمل خلال الليل يمكن أن يغيّر توقيت بدء بعض المورثات بعمليات تركيب البروتينات. تعتبر بعض هذه البروتينات ضرورية لعمل الجهاز المناعي، وخصوصاً تلك التي تسهم في قتل الخلايا السرطانية.

بأخذ كل ما سبق بعين الاعتبار، ليس غريباً أن يبحث العلماء الآن عن طرق علاجية لمزامنة الساعات البيولوجية. ينصح البعض بالخضوع للعلاج بالضوء أو تعاطي الميلاتونين. وهم يقولون إنه من الممكن التأثير في الساعات البيولوجية من خلال تغيير أوقات تناول الطعام والنوم. لكن يبحث العلماء حالياً عن أدوية يمكن أن تستهدف الساعات الجزيئية في جسم الإنسان بشكل مباشر.

اقرأ أيضاً: الشيخوخة: مرض أم عملية بيولوجية مسببة للمرض؟ جدل قديم متجدد

أدوية تستهدف الساعات الجزيئية مباشرة

خذ مركّب كيه إل 001 كمثال. يؤثر هذا المركب في بروتين يحمل اسم سي آر واي. يمكن أن تحفّز المورثات المتعلقة بالساعات البيولوجية عملية تركيب هذا البروتين، والذي يسبب ارتفاع نسبته تثبيط هذه المورثات.

يعمل مركّب كي إل 001 على الحفاظ على ارتفاع نسب بروتين سي آر واي، ما يمكن أن يؤثر في مدة الدورة اليومية لتركيب هذا البروتين، يمكن أن يؤثر ذلك بشكل غير مباشر في المورثات الموجودة في الكبد والتي تعمل أيضاً وفقاً لساعة بيولوجية أخرى. وفقاً لبحث أجري على الخلايا في الأطباق، يمكن استخدام هذا المركب للتحكم بالطريقة التي يركّب فيها الكبد الغلوكوز (سكر العنب). نظرياً، يمكن أن يساعد دواء يحتوي على هذا المركب في تخفيف تأثير الوظائف المعتمدة على المناوبات في الصحة الاستقلابية، وخفض خطر الإصابة بالسكري.

للأسف، لن يتمكن العلماء على الأرجح من تطوير هذه الأدوية البشرية قريباً. لكن هذا لا يعني أن فكرة استخدام هذا المركب أو المركبات المشابهة ليست مثيرة للاهتمام وتستحق النظر فيها. في غضون ذلك، قد يتمكن العلماء من تعديل العلاجات الموجودة بالفعل لتناسب احتياجات بعض المرضى بناءً على ساعاتهم البيولوجية الخاصة.

على الرغم من أن أجسام البشر تتبع دورة يومية مدتها 24 ساعة، هناك بعض التفاوتات بين الأشخاص. يعتقد العلماء أن البشر يتبعون أنماطاً زمنية مختلفة، والتي تحدد بشكل تقريبي مواعيد نومهم واستيقاظهم وشعورهم باليقظة. ينقسم البشر بشكل أساسي إلى مجموعتين؛ أولئك الذين ينشطون في الصباح، وأولئك الذين ينشطون في الليل. وفقاً لبعض الباحثين، إذا تمكنا من إيجاد طرق لتحديد الدورات التي يتبعها جسم شخص ما خلال اليوم وعلى المستوى الجزيئي بدقة أكبر، فقد نتمكن من تحديد الوقت الأمثل لتطبيق العلاجات الطبية أو إجراء العمليات الجراحية.

بالنظر إلى أن فكرة تطوير هذه العلاجات ليست حديثة، فمن المخيب للآمال أن العلماء لم يحرزوا تقدماً كبيراً في هذا المجال حتى الآن. مع ذلك، هذا المجال هو مجال بحثي بالغ الأهمية. على الأرجح أننا جميعاً عانينا آثار اضطراب الساعة البيولوجية. يمكن أن يكون تعب ما بعد السفر مرهقاً للغاية، وقد يتسبب العمل لساعات متأخرة في الليل في الشعور بالانزعاج والإرهاق في اليوم التالي. نعلم بالفعل أن التحديق بالشاشات ليلاً له تأثير سيئ في الصحة، مع ذلك يستخدم معظم الأشخاص الهواتف قبل النوم وفور الاستيقاظ.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تكشف عن تأثيرات الحرمان من النوم على الجسم

نعلم أيضاً أنه يجب علينا الامتناع عن استخدام الهواتف مع اقتراب موعد النوم وتجنّب التعرّض للضوء الاصطناعي خلال الليل. يعتبر كل من النوم في موعد منتظم والحصول على قدر كافٍ من النوم من الطرق البديهية للحفاظ على سلامة وظائف الساعات البيولوجية. على الأقل، يبدو أن موعد النوم هو الوقت الأفضل لاتخاذ القرارات المصيرية.

المحتوى محمي