أداة جديدة في تعديل الجينات ستُحسّن تقنية كريسبر بشكل جذريّ

4 دقائق
مصدر الصورة: إم إس تك

اكتسبت تقنية كريسبر شهرةً مُستحقّة في مجال تعديل الجينات، ولكنها في الواقع قاسية للغاية على الجينوم؛ حيث تعمل كمقصّ قاطع للحلزون المزدوج في الحمض النووي، كما أن عملية "التعديل" لديها تمثل في حقيقتها محاولة متهورة من الخلية لإصلاح نفسها‎، مما قد يسبب بعض الاضطرابات أثناء ذلك. كما وصف النقادُ هذه التغييرات غير المتوقعة بأنها شكل من أشكال "تخريب الجينوم".

ولهذا السبب، دأب الباحثون على البحث عن طرق جديدة لتعديل كريسبر بشكل يتوافق مع سمعتها في مجال البحث والاستبدال الجيني. وذلك حسب ما أشار إليه ديفيد ليو، عالم الأحياء بجامعة هارفارد، حيث قال إن الطموح النهائي لمهندسي الجينوم هو "امتلاك القدرة على إجراء أي تغيير مستهدف في جينوم أي خلية أو كائن حيّ".

ويُقّدم ليو واحدة من أحدث -وربما أهم- التحسينات على تقنية كريسبر اليوم؛ وهي إضافة خاصية "التعديل الممتاز"، وهي أداة جزيئية بإمكانها أن تُعيد كتابة أي نوع من الأخطاء الجينية دون قطع سلسلتي الحمض النووي كما تقطعها تقنية كريسبر.

تستخدم التقنية الجديدة بروتيناً مُختَلَقاً بإمكانه تحويل أي نوكليوتيد في الحمض النووي إلى أي نوع آخر، كما يمكنها إضافة أو حذف امتدادات معينة من الحمض النووي، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن ليو و10 باحثين آخرين اليوم في مجلة نيتشر. وفي الواقع، يدّعي ليو أن هذه التقنية ستكون قادرة على إصلاح جميع الطفرات المعروفة والمُسببة للأمراض الوراثية عند البشر، والتي يبلغ عددها 75,000 طفرة.

كما تُستخدم تقنية كريسبر 1.0 لتعطيل الجينات في أغلب الأحيان، مما يجعلها مفيدةً في البحوثات العلمية وفي علاج مجموعة فرعية من الأمراض التي تعتمد على حذف الحمض النووي. كما يمكن إجراء بعض التبادلات الجينية باستخدام هذه الأداة، ولكن ليس من السهل التحكم فيها.

وتُتيح لنا هذه التقنية الجديدة إجراء مجموعةٍ كبيرةٍ من التعديلات مع المزيد من الدقّة فيها، مما يعكس قيمتها المالية الكبيرة؛ حيث قامت نقابة من أصحاب رأس المال الجريئين (مثل نيوباث، وجوجل فينتشر آرم، وإف برايم) بتشكيل شركة تُدعى برايم ميديسن، واشتروا حقوقاً لها من معهد برود الذي يحتوي على مختبر ليو، وذلك قبل نشر الورقة البحثية.

وتُعتبر الشركة جديدة جداً، حيث لا يوجد موقع لها حتى الآن، كما لا تحتوي على أيّ موظف؛ ولذلك سيتعين علينا الانتظار لمعرفة ما إذا كانت ستقوم بتطوير عقاقير كريسبر أو ستتوجه إلى أهداف أخرى. كما أن روبرت نيلسن، وهو شريك في آرك فينتشر بارتنرز (إحدى الشركات المموّلة)، قد قال عبر رسالة بالبريد الإلكتروني إنه لا يمكنه تقديم مزيد من التفاصيل، ولكنه قال: "إنّني أعتبر هذا الوقت رائعاً في العالم العلمي، ولكننا لا نستطيع التصريح عن أي شيء في هذا الوقت".

ما آلية عمل التعديل الممتاز؟
ما زالت هذه التقنية تُعد نوعاً من تقنية كريسبر؛ وذلك لاستخدامها نفس البروتين البكتيريّ المُدهش سي أيه إس 9 (Cas9)، الذي يمكنه التركيز على موقع مُحدد في جينوم نباتي أو حيوان؛ حيث يشقّ طريقه بين مليارات النوكليوتيدات. ولكن على عكس كريسبر التقليدي، لا يؤدي هذا التعديل المُمتاز إلى كسر حلزون الحمض النووي.

واحتفظ ليو ومجموعته بالجزء من بروتين (Cas9) الذي يقوم بالعثور على النوكليوتيد المطلوب، ولكنه أزال الجزء الذي يقوم بالقطع، وهو مكوّن يسمى نوكلياز، حيث استبدله بإنزيم آخر يُدعى إنزيم التناسخ العكسي، وهو إنزيم معروف جيداً في كتب البيولوجيا المدرسية، حيث نجده في الصبغيات البشرية عند الانقسامات الخيطيّة التي تؤدي إلى إنتاج خلية مشابهة للخلية الأم.

ولكي نستطيع تصوّر كيفية عمل جزيء ليو الجديد، فلنتخيّل برنامج تحرير المستندات: حيث يُضيف الباحثون قليلاً من النص الوراثي الذي يريدون وضعه في جينوم معيّن (وذلك يُشبه أمر "نسخ")، ثم يتصرف بروتين (Cas9) مثل المؤشر، حيث يعثر على المكان المُناسب لهذا التسلسل في الحمض النووي، وفي النهاية يعمل إنزيم التناسخ العكسي كأنه أمر "لصق"، حيث يلصق النص الوراثيّ الذي أعدّه العلماء.

وقد حاول فريق ليو، بمن فيهم الدكتور أندرو أنزالون، استخدام تقنية التعديل الممتاز على الخلايا في مختبرهم؛ حيث قالوا إنهم قاموا بإصلاح الاضطراب الذي يسبب فقر الدم المنجليّ (الذي ينجم عن خلل في نوكليوتيد واحد)، بالإضافة إلى الاضطراب الذي يؤدي إلى مرض تاي ساكس (الذي ينجم عن إضافة 4 نوكليوتيدات)، وطفرة تعتبر سبباً شائعاً للتليف الكيسي (الذي ينجم عن حذف 3 نوكليوتيدات).

وتستطيع كريسبر الأصلية القيام ببعض هذه الإصلاحات أيضاً، ولكن ينخفض احتمال إعطائها لنتائج دقيقة، وهذا ما دفع مختبر ليو لمحاولة توسيع قدرات هذه التكنولوجيا، وذلك على مدى السنوات القليلة الماضية. كما سمح لهم اختراع سابق يُدعى "التعديل الأساسي" بتحويل بعض النوكليوتيدات الفردية في الحمض النووي. لكن لم تكن جميع أنواع التحويل ممكنةً، ويقولون إنه باستخدام تقنية التعديل الممتاز الجديدة، سيستطيعون إصلاح معظم الاضطرابات الموروثة للحمض النووي في البشر، التي تُسبب الأمراض الوراثية.

كما تتّضح بعض المبالغ الضخمة التي كرَّستها الشركات المتنافسة على إنتاج أدوات التعديل الممتازة وطرحها تجارياً، وذلك في بيانات العرض العام الأوليّ لشركة بيم ثيرابيوتيكس، وهي شركة منفصلة أسسها ليو للعمل على تقنية التعديل الأوليّ، التي ساعدت في تطوير تقنية التعديل الممتاز أيضاً. ومن المتوقع أن تبلغ قيمة الحصة المالية لليو، وهو باحث في هارفارد، أكثر من 50 مليون دولار، وذلك عند بدء هذه الشركة المتخصصة في تعديل الجينات، التي تهدف إلى علاج أمراض الدم مثل فقر الدم المنجلي.

ويُعتبر وعد ليو بعلاج كامل الأمراض البشرية الموروثة مهماً، ولكنه لا يزال بعيد المنال في الواقع. فأدوات التحرير لا تعمل كالأسبيرين؛ فهي ليست جزيئاً صغيراً ينزلق بسهولة إلى الخلايا، حيث يُعتبر المحرر الأساسي عملاقاً من الناحية الجزيئية، لذا فإن إدخاله في خلايا البشر سيتطلب إجراءً شبيهاً بالعلاج الجيني.

وقد قامت الحكومة وبعض المتبرعين بتمويل هذا البحث، حيث نُفّذ في هارفارد ومعهد برود غير الربحيّ. وسيتم توفير هذا النظام لأي شخص يريد استخدامه في العلوم الأساسية مقابل بضعة دولارات من خلال غرفة المقاصة آدجين.

ونطراً لامتلاك كلاً من تقنية كريسبر 1.0 وتقنية التعديل الأساسي وتقنية التعديل الممتاز بعضَ المزايا والعيوب، يتوقع ليو أن تبقى جميعها قيد الاستخدام. فقد لا تخضع كل خلية إلى التغيير المطلوب باستخدام تقنية التعديل الممتاز، مما يدلّ على عدم اكتمال فعالية هذه التقنية كما يريد الباحثون بعد.

وقال ليو للصحفيين في مؤتمر عبر الهاتف نظمته مجلة نيتشر: "إنّ هذه هي البداية وليست النهاية؛ فإن اعتبرنا تقنية كريسبر مقصاً، فإن تقنية التعديل الأساسي ستكون كالقلم الرصاص. أما عن تقنية التعديل الممتاز، فستكون مثل معالج النصوص القادر على البحث الدقيق والاستبدال... سيكون لكلّ نوع من التقنية دورها الخاص".

ومع ازدياد كفاءة تقنية تحرير الجينوم في المُستقبل، قد تزداد حدّة الخلافات حول استخداماتها المُحتملة. كاستخدامها في تصميم الأطفال أو إنتاج المبيدات الوراثية أو حتى أسلحة الإرهاب البيولوجي.

ولم يردّ ليو على الاستفسارات المُتعلّقة بالجوانب السلبية لهذه التقنية الجديدة والضخمة، كما لم يردّ على الاستفسارات المتعلّقة بتأثير المُغريات المالية على فرصة تصنيع ومشاركة هذه التقنية التي ستُعدّل حمضنا النووي، وهو الجزيء الذي تُبنى عليه كافة المخلوقات الحيّة.

المحتوى محمي