تواجه الشركات اليابانية مشكلة متنامية تتمثل في أن الموظفين الجدد لديهم ميل كبير إلى الاستقالة من وظائفهم بعد فترة وجيزة من انضمامهم، فبحسب استطلاع لاتحاد نقابات العمال الياباني وُجِد أن نحو 10% من الموظفين الجدد يتركون وظائفهم خلال العام الأول من توظيفهم، في حين يستقيل نحو 30% منهم في غضون السنوات الثلاث الأولى من بدء وظيفتهم.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي وشبح تهديد الوظائف: كيف تتأقلم الحكومات؟
لمعالجة هذه المشكلة، تعاون البروفيسور شيراتوري ناروهيكو (Shiratori Naruhiko) من جامعة مدينة طوكيو (تي سي يو TCU)، مع شركة ناشئة مقرها في اليابان لتطوير أداة مدعومة بالذكاء الاصطناعي تُمكّن المدراء من معرفة الموظفين الذين من المحتمل أن يغادروا الشركة مبكراً، ما يساعد على تخفيف معدل دوران التوظيف في شركاتهم.
أداة مدعومة بالذكاء الاصطناعي تتنبأ بموعد استقالة الموظفين
تستخدم الأداة خوارزميات متقدمة لتحليل عدد لا يحصى من بيانات الموظفين مثل سجلات الحضور والتركيبة السكانية الشخصية مثل العمر والجنس، بالإضافة إلى دمج المعلومات المتعلقة بالموظفين السابقين الذين تركوا الشركة أو أخذوا إجازة ثم تحليلها لتقديم رؤى شاملة تساعد على إنشاء نموذج دوران لكل شركة.
وتأتي معظم البيانات الجديدة من مقابلات العمل التي تُجرى عند توظيف الطلاب الخريجين الجدد في اليابان في شهر أبريل/نيسان من كل عام، ما يمنح الشركات طريقة جديدة تماماً لمعالجة ليس فقط مشكلات الاحتفاظ بالموظفين في الوقت الحالي، ولكن في المستقبل أيضاً، واكتشاف أسباب استقالة الموظفين المبكرة والمساعدة على تقديم الدعم الفوري.
ووفقاً للمطور، فإن الفائدة الرئيسية للأداة أنها تظهر للمسؤولين التنفيذيين ومدراء الموارد البشرية معلومات مفيدة تساعد على تحسين كفاءة الشركة، من خلال جعل التدخلات المختلفة مناسبة وحساسة للموظفين المعينين حديثاً، ما سيترك أثراً على رضاهم الوظيفي وسيكون ولاؤهم أعلى من الموظفين القدامى.
اقرأ أيضاً: حالة الذكاء الاصطناعي في 2022 مع مراجعة للتطورات التي طرأت عليه في آخر 5 سنوات
ويُضيف: "يمكن لمسؤولي الشركة أن يستخدموا النتائج التي قدّمتها الأداة للإيحاء للموظف المتوقع استقالته بأن الشركة مستعدة لتقديم الدعم المناسب، لأن الأداة أشارت إلى أنه قد يواجه صعوبات مهنية أو شخصية تؤثّر في كفاءته ما قد يؤدي إلى تقديم استقالته مبكراً".
بالإضافة إلى ذلك تهدف الأداة إلى مساعدة الشركات على التعامل مع أزمات دوران الموظفين، من خلال إشراك الموظفين قبل استقالتهم، وهو أقل تكلفة بكثير من التوظيف من جديد وتدريب البدلاء. علاوة على ذلك، تمثّل الأداة طفرة في تكنولوجيا الموارد البشرية وسيكون استخدامها على نطاقٍ واسع من قِبل الشركات بمثابة أحد أفضل التدابير لرفع رضا الموظفين والاحتفاظ بهم في سوق العمل الياباني شديد التنافسية.
العمل على تعزيز وظائف الأداة للأفضل
تعود فكرة تطوير الأداة إلى بحث سابق ركّز على استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالطلاب الذين من المحتمل أن يغادروا مقاعد الدراسة مبكراً، وبناءً على ذلك يهدف الباحثون إلى تعزيز وظائف الأداة من خلال الاستفادة من التكرارات المستقبلية من بيانات مقابلات العمل والتاريخ الشخصي ليس في التوقع فقط، بل أيضاً في التوصية بالمهام المناسبة للموظفين الجدد.
وبحسب المطور، فإن قوة الذكاء الاصطناعي تكمن في أنها تستند إلى بيانات موضوعية وليس إلى وجهات نظر ذاتية لمدراء الموارد البشرية، ومن ثَمَّ فإن العثور على الموظفين غير الراضين عن بيئة العمل أو مهامهم الوظيفية باستخدام الأداة سيكون سهلاً، ما يجعل مسؤولي الشركات أكثر تركيزاً عليهم لتوفير العناية اللازمة لإبقائهم قدر الإمكان، وفي الوقت نفسه تقليل معدل دوران التوظيف داخل الشركة.
ومع ذلك فإن الأداة يمكنها تحديد مخاطر الدوران، لكن البشر فقط هم الذين يمكنهم تحليل المخاطر الكامنة وراء البيانات وأسبابها ثم اتخاذ تدابير لمعالجتها، وفي الوقت الحالي يجري بالفعل اختبار الأداة بالتعاون مع العديد من الشركات اليابانية لتحديد الموظفين الذين يواجهون صعوبات في وظائفهم وحياتهم، لتوفير رؤي لرؤسائهم تساعد على تقديم الدعم لهم بدلاً من مواجهتهم صراحة بشأن أدائهم الضعيف أو مشاهدتهم يغادرون.
اقرأ أيضاً: أدوات ذكاء اصطناعي يحتاج إليها الموظفون عن بُعد لزيادة إنتاجيتهم
لماذا يعتبر سوق العمل في اليابان الأكثر صعوبة والأشد تنافسية؟
تشتهر اليابان بأنها من أكثر الدول التي لديها بيئة عمل تنافسية للغاية، فوفقاً لاستطلاع أُجري عام 2018 شمل 43 دولة، صُنفت اليابان بأنها أصعب مكان للحصول على المواهب، حيث قال 88% من أصحاب العمل إنهم يجدون صعوبة في جذب الموظفين لشغل الوظائف الشاغرة في شركاتهم، وهذا يعود إلى العديد من الأسباب، منها:
- يمكن أن يخلق حاجز اللغة مستوى إضافياً من الصعوبة، خاصة للشركات الدولية حيث يتحدث أقل من 20-30% من مواطني اليابان الإنجليزية بطلاقة.
- يمثّل انخفاض معدل البطالة تحديا آخرَ للشركات في جذب المواهب، حيث لا يوجد سوى 1.29% من السكان عاطلين عن العمل بدءاً من يناير/كانون الثاني 2023، ولكل 100 مرشح يبحث عن عمل توجد 128 وظيفة متاحة، وقد يتلقّى أفضل المرشحين، خاصة أولئك الذين يتمتعون بمهارات جيدة في اللغة الإنجليزية، ما يصل إلى 5 عروض عمل في المتوسط.
- يصعُب العثور على مرشحين باستخدام الطرق التي جُربت في مكانٍ آخر مثل منصة التوظيف لينكدإن، على سبيل المثال عدد مستخدمي منصة لينكدإن من اليابانيين يصل إلى نحو 3 ملايين شخص مقارنة بعدد السكان البالغ 122 مليون نسمة.
- لا توجد ثقافة استخدام منصات التواصل الاجتماعي بشكلٍ احترافي، ما يحتم على مسؤولي التوظيف استخدام طرق أخرى للاتصال بالمرشحين مثل الشبكات المحلية أو منصات التوظيف المحلية، وبالنسبة للوظائف القيادية أو المتخصصة فإن الأمر يعتمد بصورة كبيرة على الشبكات الشخصية.
- توجد ثقافة العمل مدى الحياة، وهذا يعني أنه بمجرد انضمام الخريجين الشباب إلى الشركة مباشرة من الجامعة من المتوقع أن يبقوا فيها طوال حياتهم، ما يجعل مسؤولي التوظيف يعانون إيجاد بديل كفؤ لشغل المنصب الشاغر.