أصبحت بيئة المشاريع متقلبة ومعقدة أكثر من أي وقت مضى. التحديات السياسية ونتائج الانتخابات والتقلبات الاقتصادية وأسعار الفائدة، إلى جانب التهديدات السيبرانية المتزايدة، كلها عوامل تسهم في خلق واقع مليء بالمخاطر وعدم اليقين.
تقليدياً، كان مدراء المشاريع يعتمدون على التحليل الشخصي وآراء الخبراء لفهم المخاطر والتعامل معها واتخاذ قرارات مدروسة تضمن التقدم وتجنب الفشل. وفي كثير من الأحيان، كانوا يعتمدون على التجربة والخطأ، لكن اليوم، يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات بسرعة ومحاكاة مختلف السيناريوهات المتوقعة، الأمر الذي يمنحنا قدرة على مواجهة المخاطر بطريقة صحيحة وتجنب الفشل.
في السطور التالية، سنشرح لكم كيف يؤدي الذكاء الاصطناعي دوراً مفيداً في إدارة مخاطر المشاريع لمنح المدراء القدرة على اتخاذ قراراتهم بثقة أكبر.
اقرأ أيضاً: أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات
1. الحصول على رؤية عامة للمخاطر المرتبطة بأي مشروع
في المراحل التأسيسية لأي مشروع، تجتمع الفرق لتحديد المخاطر المحتملة. وغالباً ما يستند هذا التقييم الأولي إلى خبرات المتخصصين والدروس المستفادة من مشاريع سابقة، أي أن التقييم يكون منحازاً للتجارب المعروفة والسابقة ويتجاهل التجارب غير المتوقعة.
لكن بعض أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل تشات جي بي تي ومايكروسوفت كوبايلوت وجوجل جيميناي يمكن أن تفتح آفاقاً جديدة للتفكير وتوليد أفكار لم تكن مطروحة مسبقاً. هذه القدرة لا تقتصر على الابتكار فقط، بل تمتد أيضاً إلى مجال تحديد المخاطر. فبمجرد صياغة أوامر دقيقة، يمكن لهذه الأدوات أن تعطينا رؤية واضحة للمخاطر.
اقرأ أيضاً: تحويل الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى مصدر قيمة تجارية حقيقة
2. تحليل مكونات المشروع والتنبؤ بالمشكلات قبل وقوعها
اليوم، بدأت العديد من أدوات إدارة المشاريع دمج الذكاء الاصطناعي في بنيتها بهدف تحليل مكونات المشروع والتنبؤ بالمشكلات قبل وقوعها. ومن أبرز الأمثلة على ذلك أداة تيم ميت Teammate في منصة إدارة المشاريع أسانا Asana، التي تعتمد على تحليل المهام المطلوبة والجداول الزمنية وفريق العمل لتحديد النقاط التي قد تشكل مصدراً لمشكلة أو تأخير.
3. محاكاة المخاطر
لطالما ارتبط تحليل المخاطر بالأرقام، حيث يسعى مدراء المشاريع إلى تقييم احتمالية وقوع المخاطر وتأثيرها. لكن في عصر الذكاء الاصطناعي، لم تعد هذه العملية مجرد حسابات تقليدية، بل أصبحت مدفوعة بقوة تحليلية هائلة تستند إلى البيانات.
في السنوات الأخيرة، بدأت أدوات إدارة المخاطر استخدام تقنيات متقدمة مدعومة بخوارزميات ذكية قادرة على محاكاة آلاف السيناريوهات خلال ثوانٍ، ما يمنح فرق المشاريع رؤية أوسع وأكثر دقة لاحتمالات الفشل أو التعثر.
منصات مثل تاسكيد Taskade تقدم اليوم نماذج محاكاة للمخاطر مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتتيح إنشاء قوالب فورية لتقييم المخاطر وتحديد أولوياتها بناءً على نوع المشروع وظروفه التشغيلية.
4. اتخاذ إجراءات للحد من المخاطر
لم يعد الاكتفاء بتحديد المخاطر وتحليلها كافياً لضمان نجاح المشاريع. المطلوب من فرق العمل اتخاذ إجراءات فعالة للحد من المخاطر، ومراقبة نتائج تلك الإجراءات بشكل مستمر لتعديلها عند الحاجة. هذه العملية كانت مرهقة إدارياً، وتتطلب إعداد تقارير تفصيلية ومتابعة دقيقة.
لكن اليوم، أحدثت أدوات الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في هذا المجال. أدوات مثل نودز آند لينكس Nodes & Links تنفذ محاكاة متقدمة للاستجابة للمخاطر، وتساعد مدراء المشاريع على اختيار الإجراءات الأكثر فاعلية لمنع تحول المخاطر إلى مشكلات فعلية.
جودة البيانات: الأساس الذي يجب ألا تتجاهله
في عالم إدارة المخاطر المدعوم بالذكاء الاصطناعي، لا تكمن القوة في الأدوات وحدها، بل في جودة البيانات التي تغذيها. النماذج التنبؤية، مهما بلغت دقتها، تحتاج إلى مدخلات دقيقة ومكتملة ومفهومة. أي خلل في هذه البيانات، سواء كان نقصاً أو خطأ أو تناقضاً، قد يؤدي إلى نتائج مضللة وتنبؤات غير صحيحة، وحتى قرارات استراتيجية خاطئة.
لهذا السبب، تعد إدارة جودة البيانات جزءاً لا يتجزأ من نجاح أي أداة ذكاء اصطناعي في مجال إدارة المخاطر. يشمل ذلك تنقية البيانات من الأخطاء والتكرار، وتحديث البيانات بشكل دوري لضمان ملاءمتها مع الواقع المتغير.
اقرأ أيضاً: كيف تستفيد من الذكاء الاصطناعي في حياتك الشخصية والمهنية بكفاءة
باختصار، لا يكفي أن تعتمد على أدوات ذكاء اصطناعي متقدمة للغاية من أجل التنبؤ بالمخاطر وإداراتها، بل يجب أن تولي اهتماماً كبيراً بجودة البيانات، فالبيانات ليست مجرد تفصيل تقني، بل هي حجر الأساس الذي يبنى عليه كل تنبؤ ناجح وكل قرار مدروس.