مع اكتساب التحوّل الرقمي زخماً متزايداً، يتخذ مقدمو الرعاية الصحية مبادرات عدة للانتقال من الخدمات التقليدية القائمة على الورق إلى المنصات الرقميَة خصوصاً بعد جائحة كوفيد-19 التي رسخت هذا التوجه، ودفعت القائمين على القطاع لاتخاذ خطوات جدية لرقمنة خدمات الوصفات الطبية والسجلات الصحية؛ وذلك انطلاقاً من إدراكهم للفوائد الكثيرة التي توفرها لكل من المرضى ومقدمي الخدمات الصحية بمختلف مجالاتهم.
مليارات الدولارات تكلفة أخطاء القطاع الصحي
تُبين الأبحاث أنّ بعض الأخطاء التي تحصل في قطاع الرعاية الصحية الناجمة عن هفوات في منح العلاجات الدوائية وعدم القدرة على إيصال طلبات الأدوية، فضلاً عن اختيار الدواء غير المناسب من قائمة الأدوية المتاحة، والالتباس حول الأدوية ذات الأسماء المتشابهة، أو الأخطاء التي تنطوي على خلل في كمية الجرعات الممنوحة للمريض، تكلف الصناعة نحو 42 مليار دولار سنوياً. أما بالنسبة إلى الوصفات الطبية الورقية، فمعظم الأخطاء تعود إلى أسباب تتعلق بإعطاء الدواء في وقت غير مناسب أو إغفال جرعة، أو اختيار دواء غير موجود أو إهمال معلومات مهمة، أو عدم أهلية الوصفة الطبية بسبب طريقة الكتابة التي تُعد التحدي الأكثر شيوعاً في هذا المجال.
يمكن تجنب العديد من هذه الأخطاء؛ وبالتالي عدم إيذاء المريض، وذلك عبر إصدار الوصفات الطبية بالمعلومات الضرورية وذات الصلة والتحول إلى السجلات الرقمية، ما يضمن فعالية وكفاءة خدمات الرعاية الصحية وحصول المرضى على نتائج صحية أفضل.
اقرأ أيضاً: لماذا تعد السماعات “الطبية” الرقمية غير مثالية؟
رقمنة خدمة الوصفات الطبية
وفي التفاصيل، يمكن أولاً للرقمنة أن تساعد المرضى ومقدمي الرعاية الصحية على الوصول بشكل أفضل إلى السجلات الطبية والحصول على معلومات حيوية وضرورية للعلاجات المستقبلية والظروف المرافقة لكل حالة. ثانياً، يمكن أن تسهل خدمة الوصفات الطبية الرقمية أو الإلكترونية على المصابين بأمراض مزمنة عملية الحصول على أدويتهم. ثالثاً، يمكن أن تصبح عملية إبلاغ المرضى المعنيين أسهل في الحالات النادرة التي تتطلب استرجاع الدواء.
والأهم من ذلك، هو أن خدمة الوصفات الطبية الرقمية تعزز كفاءة الخدمات الطبية، وتقلص مدة الوقت المطلوب لشراء الدواء من الصيدلية، وتمكّن جميع مقدمي الرعاية الصحية بدءاً من الصيدلي وصولاً إلى الطبيب من قضاء وقت أقل على علاج المرضى.
وانطلاقاً من مجموعة الفوائد التي توفرها الوصفات الرقمية والسجلات الصحية لكل من المرضى ومقدمي الرعاية الصحية، بدأت الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط بتبني التحول الرقمي في سجلات الرعاية الصحية.
اقرأ أيضاً: كيف دخلت تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي غرف العمليات الجراحية؟
في السعودية مثلاً، أطلقت وزارة الصحة تطبيق "أناة" الذي يسمح بإصدار الوصفات الطبية الإلكترونية من قبل الأطباء المرخصين في المملكة. وفي دبي، تسمح خدمة الوصفات الطبية الإلكترونية للأطباء بإرسال الوصفات إلى منصة eRx التابعة لهيئة الصحة بدبي، بحيث يتاح لكل من الطبيب والمريض تلقي الردود حول التغطية من شركات التأمين في الوقت الفعلي، ما يساعدهم على تحديد أفضل مسار للعلاج قبل مغادرة المريض مكتب الطبيب.
ولا تنحصر عملية التحول الرقمي في خدمات الرعاية الصحية على الهيئات الحكومية فقط، حيث تسعى "تاكيدا"، شركة الأدوية الرائدة عالمياً منذ فترة طويلة إلى تبني الرقمنة. وقد اتخذت العديد من المبادرات المصممة لمساعدة المرضى في إدارة احتياجاتهم الطبية الخاصة وتعزيز التواصل بين المرضى ومقدمي خدمات الرعاية الصحية، فضلاً عن توفير منصات مهمة وموارد تعليمية لمقدمي الخدمات الطبية مصممة خصيصاً لتحسين رحلة المريض. وقد أطلقت الشركة تطبيق myPKFiT في دول الشرق الأوسط لدعم مرضى الهيموفيليا (أ)، حيث يسمح بتحميل نتائج تحليل فحص الدم للمريض، بما يمكن الطبيب من تحسين جداول الجرعات ومراقبة حالة المرضى بشكل أفضل عبر تتبع حالات النزيف والحقن ودعمهم في جدولة الأنشطة.
بالإضافة إلى ما سبق، أطلقت تاكيدا تطبيق MyHAE في الإمارات الذي يساعد على إدارة أمراض الوذمة الوعائية الوراثية بطريقة أفضل، ويتيح للمرضى تسجيل بياناتهم مثل الالتزام بالعلاج وتفاصيل النوبات التي يتعرضون لها. ويساعد هذا التطبيق المرضى والأطباء على فهم الحالة والمرض بشكل أفضل من خلال توفير بيانات مجهولة المصدر لأغراض البحث.
اقرأ أيضاً: أمازون تفتتح صيدلية لبيع الدواء عبر الإنترنت
وتتابع تاكيدا العديد من المبادرات الرقمية المصممة لتوفير موارد تعليمية قيّمة للمجتمع الطبي لتحسين فهم أفراده للأمراض المختلفة. على سبيل المثال، سيوفر برنامج RareAware Omnichannel أدوات وموارد لمقدمي خدمات الرعاية الصحية لتحسين علاج مرضى الوذمة الوعائية الوراثية والأمراض الوراثية وأمراض نقص المناعة الأولية. وفي الوقت نفسه، توفر منصة Entyvio Omnichannel لمقدمي خدمات الرعاية الصحية المسجلين في الإمارات إمكانية الوصول إلى الموارد مثل التجارب السريرية ومعلومات السلامة والجرعات للأدوية المستخدمة في علاج التهاب القولون التقرحي ومرض كرون.
يستفيد الجميع من تطبيق التقنيات الرقمية بدءاً من المريض الذي يتأكد من دقة الوصفة الطبية وصولاً إلى الطبيب والصيدلي اللذين يكسبان الوقت والكفاءة بفضل دقة البيانات. وبالإضافة إلى الفوائد المباشرة، فإن رقمنة سجلات الرعاية الصحية ستساهم في تطوير قطاع التطبيب عن بُعد، وبالتالي تخفيف الضغط عن مقدمي الخدمات الطبية في المستشفيات والعيادات وتحقيق نتائج أفضل للمرضى.