حققت الثورة الصناعية الرابعة تكاملاً هائلاً بين مختلف المجالات التقنية، مدعومة بالتقدم في التكنولوجيا وعلم البيانات الضخمة وتحليلاتها. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، شهدنا زيادة في مستوى تطور هذه المجالات، إذ يواصل الذكاء الاصطناعي التسلل إليها بشكلٍ أعمق من أي وقت مضى، ما يدفعنا نحو عصر جديد تتوحد فيه التكنولوجيا تحت مظلة واحدة: الذكاء الاصطناعي. يمهّد هذا التوحد الطريق لاختراقات أكبر خلال رحلتنا نحو حقبة جديدة: الثورة الصناعية الخامسة.
جلبت الثورة الصناعية الرابعة تحولات غير مسبوقة، حيث شهدت التكنولوجيا نضجاً متقدماً متمثلاً في مجالات عدة مثل التكنولوجيا العميقة وتكنولوجيا الفضاء وتكنولوجيا الأعصاب والطب الدقيق وغيرها. ويحدث كل ذلك بسرعة بينما تشهد الأسواق إنتاجاً لكمٍ هائلٍ من البيانات أكثر من أي وقت مضى، وذلك بفضل التفاعل الآلي والآلي والتفاعل بين الإنسان والآلة، وهي ظاهرة تُعرف باسم "عصر البيانات". تَعد هذه الثورة التكنولوجية بتغييرات شاملة عبر القطاعات على مستوى الأفراد والشركات والحكومات والمجتمعات.
حقبة جديدة من الابتكار في عصر الذكاء الاصطناعي
لقد دخل العالم حقبة جديدة من الابتكار: الذكاء الاصطناعي المدمج بالتكنولوجيا العميقة. يتميز هذا التحول بزيادة الاندماج العلمي والتكنولوجي، فضلاً عن التأثير الهائل للذكاء الاصطناعي على المجتمع، وتعد هذه الحقبة في غاية الاهتمام لمراقبة كيفية استمرار عالمنا في التطور خلال العقد المقبل.
من المتوقع أن نشهد قريباً تحولاً جذرياً في الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية جراء ظهور الثورة الصناعية الخامسة. ومن المتوقع أيضاً أن تبرز التكنوقراطيات في مختلف البلدان، ما يبشّر بعصرٍ تتخذ فيه التكنولوجيا أهمية قصوى لتعزيز الاقتصادات وجودة الحياة للجميع.
اقرأ أيضاً: أهم خطط وقرارات التكنولوجيا للعام الجديد 2023
تظهر حالياً العلامات الأولى لهذا المد التكنولوجي، كما يتضح من خلال بروز مشاريع وتقنيات مبتكرة مثل نظام الذكاء الاصطناعي تشات جي بي تي في الولايات المتحدة والمجمع السكني الإبداعي "ذا لاين" في السعودية، وتحظى هذه الفترة الانتقالية باهتمامٍ وقبول الجميع عبر مجموعة متنوعة من المناطق الجغرافية والقطاعات.
تستعد البشرية لمستقبل مكون من بيئات أكثر ذكاءً وترابطاً وتكيّفاً وأتمتةً. ومقارنةً بسابقتها، ستجلب الثورة الصناعية الخامسة مستوى غير مسبوق من الاندماج التكنولوجي الفائق بين القطاعات والمجالات والتقنيات، في ظل وجود ضبابية حول الحدود التي تفصل بين البحث العلمي والتطور التكنولوجي والعمليات الصناعية، تَعد الثورة الصناعية الخامسة بأن تكون ثورية بالفعل.
عند دخولنا الثورة الصناعية الخامسة، يمكننا أن نتطلع إلى مستقبل من الازدهار والراحة بشكلٍ متزايد. من خلال تحفيز الإنتاج وتوليد المزيد من الثروة والناتج الإجمالي المحلي، حيث يُتيح لنا هذا العصر الجديد فرصة للتحرر إلى الأبد من بعض القضايا الأكثر إلحاحاً مثل الفقر والأمراض.
اقرأ أيضاً: من دافوس: توقيع اتفاقية لافتتاح مركز للثورة الصناعية الرابعة في دبي
آثار الثورة الصناعية الخامسة
ومع ذلك، فإن الترابط الذي ستحدثه الثورة الصناعية الخامسة يمكن أن يتسبب بمخاطر عدة، إذ قد تتراكم التغيرات الصغيرة لتسبب عواقب هائلة وفوضوية. دون تنظيم دقيق، يمكن أن تخرج الأنظمة التكنولوجية الآتية عن نطاق السيطرة بمعدل ينذر بالخطر، ما قد يؤدي إلى تداعيات مدمرة.
مع تقدم الذكاء الاصطناعي غير المنضبط، أصبحت التهديدات الوجودية موضوعاً ساخناً. ونشهد اليوم بعض السيناريوهات المحفوفة بالمخاطر، ولكن حتى الآن لم تكن هذه السيناريوهات مدفوعة من قِبل الذكاء الاصطناعي الحديث.
على سبيل المثال، فإن أنظمة التداول عالية التردد التي يحركها الذكاء الاصطناعي لها عواقب بعيدة المدى، إذ يمكن أن تؤدي إشارة واحدة إلى إحداث أثر الدومينو في القرارات الروبوتية، ما قد يؤدي إلى تغيرات جذرية وحتى انهيار مؤقت في الأسواق المالية.
ومع استمرار العالم المادي في أن يصبح ذكياً ومترابطاً بشكلٍ متزايد، سنعتمد بشكلٍ أكبر على إنترنت الأشياء وتبادل البيانات. لنتمكن من كبح العواقب غير المقصودة لهذا الترابط المتزايد، يجب أن يكون الأمن السيبراني ركيزة أساسية لبنيتنا التحتية الرقمية، وأن يحمينا من النوايا الخبيثة وكذلك العواقب المحتملة جراء استخدام الذكاء الاصطناعي الحديث.
تمهّد التكنولوجيا الطريق للتقدم والانتقال من الثورة الصناعية الرابعة إلى الخامسة. ومع ذلك، هناك مخاطر يمكن أن تعرقل هذا الانتقال وتخلق نتائج غير مرغوب فيها. يجب علينا إدارة فترة الانتقال هذه بعناية من أجل تحقيق النتائج المرجوة.
لدينا القدرة على المساهمة في تشكيل التطورات القادمة للتكنولوجيا العالمية والتأثير بمسارها، وضمان وصولها إلى إمكاناتها بحلول عام 2030. من خلال تمييز الواقع من المبالغة، فضلاً عن تحديد عوامل الخطر التي يشكّلها التهور التكنولوجي، يمكننا تعزيز قدرة البشرية على تحقيق النمو المستقر مع تقليل احتمالية النكسات، ما يؤدي في النهاية إلى إنشاء جسر آمن من الثورة الصناعية الرابعة إلى الخامسة.
اقرأ أيضاً: الدروس المستفادة من تجربة دولة الإمارات في صناعة السياسات التقنية المواكبة للثورة الصناعية الرابعة
الإبحار في الحدود الثورية: ثلاثة عناصر رئيسية للوصل ما بين 4.0 و5.0
إن تحليلات البيانات الضخمة التي تستخدم للكشف عن رؤى مستقبلية حول التأثيرات المتتالية لتكنولوجيا الثورة الصناعية الخامسة ستحرز نقلة نوعية في تعزيز فهمنا لمكونات التكنولوجيا العميقة والتكنولوجيا السياسية والتكنولوجيا الاجتماعية بالإضافة إلى الأنظمة المالية.
بالنسبة للمستثمرين، من الضروري البقاء في الطليعة والاستعداد لما ينتظرنا. يوفّر التنبؤ التكنولوجي طويل الأجل فرصة فريدة لاكتساب رؤى قيمة ومبكرة حول الاستثمارات المحتملة. مع أنظمة التحليل المتطورة، يمكن للمستثمرين الفصحاء رسم مستقبلهم بثقة.
لذلك يجب تعديل البنية التحتية المالية مثل منصات الاستثمار والمؤشرات وأدوات المشتقات المالية من أجل تسريع وتيرة تطوير فئات الأصول الناشئة كصناعة بحد ذاتها. ومن شأن ذلك أن يُطلق العنان لتريليونات من رأس المال الذي يتعذر الوصول إليه الآن، ما يُتيح بيئة مستقرة لأسواق التجزئة يمكنها استيعاب عامة المستهلكين.
اقرأ أيضاً: تعزيز القيمة والارتقاء بكفاءة العمليات في ظل تسارع وتيرة التحول الرقمي
لقد حان الوقت للمستثمرين للمشاركة في بناء هذا الجسر والقيام بالاستثمارات المربحة مع الحفاظ على أخلاقيات العمل التجاري، والتي تمثل الركائز الأساسية للمرحلة التالية من الثورات الصناعية. ونظراً لمستوى التعقيد غير المسبوق للثورة المقبلة ومن أجل تحقيق ذلك التحول بنجاح، يجب على المستثمرين البحث عن فرص غير محفوفة بالمخاطر والتحقق من صحة استثماراتهم عن طريق الأنظمة التحليلية القادرة على التمييز ما بين الواقع والمبالغة عبر القطاعات التابعة للثورة الصناعية التالية.
وخير مثال على ذلك هو اعتماد مناهج الاستثمار التي تستخدم علم البيانات والذكاء الاصطناعي كمكونات متكاملة لقرارات الاستثمار. من خلال تسخير أحدث تقنيات الاستثمار والبنية التحتية المالية القادرة على تعزيز الاستقرار الاستثماري والسيولة عبر مختلف القطاعات، يمكن للشركات والمستثمرين استخدام منصات متطورة للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالاستثمار.