كيف ستربح آبل من ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي؟

4 دقائق
كيف ستربح آبل من ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Koshiro K

أقل ما يمكن أن نصف به العلاقة بين شركة آبل والذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) في الوقت الحالي هو أنها علاقة غريبة، فالشركة العملاقة لم تظهر كلاعبٍ بارز حتى الآن في سباق الذكاء الاصطناعي التوليدي، بل ومنعت موظفيها من استخدام بعض أشهر تطبيقات هذه التكنولوجيا. ومع ذلك، فإنها قد تكون أكبر الرابحين غير المباشرين من الشعبية الجارفة التي بدأت تحققها هذه التطبيقات.

آبل تحافظ على نهجها الحذر

لم يؤدِ النجاح السريع الذي حققه بوت الدردشة "تشات جي بي تي" إلى تزايد أهمية وشعبية الشركة الناشئة التي قامت بتطويره "شركة أوبن أيه آي" فحسب، وإنما دفع مختلف الشركات للتخلي عن الحذر وأشعل "سباقاً للبحث عن الذهب" بين شركات التكنولوجيا، وتحديداً بين مايكروسوفت التي تقف خلف أوبن أيه آي، وشركة جوجل، مع وجود متسابقين آخرين أقل بروزاً، بما في ذلك شركتا ميتا وأمازون وعدد من شركات التكنولوجيا الصينية. لكن ظل الغائب الأبرز عن السباق هو شركة آبل، التي على الرغم من إمكاناتها الهائلة التي تفوق إمكانات معظم هذه الشركات، فإنها لا تزال تحافظ على سياستها الحذرة ولم تعلن عن أي خطط مفصَّلة لمنتجات قائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي.

قد يؤدي نهج "الانتظار والترقب" الذي تتبعه آبل حالياً إلى تخلفها عن ركب منافسيها، لكن هيمنتها على سوق التطبيقات تجعلها قادرة على "ركوب موجة نجاح الآخرين"، بحسب ما يقوله الكاتب التقني توماس ماكسويل في موقع "إنسايدر".

أعلنت "أوبن أيه آي"، مؤخراً، عن إطلاق تطبيقها الرسمي من "تشات جي بي تي" على متجر آبل للهواتف، وسرعان ما أصبح أحد أكثر التطبيقات تحميلاً. عددت الشركة في إعلانها المزايا التي يتمتع بها التطبيق، موضحة أنه موجّه للمستخدمين الذين يفضّلون استخدام "تشات جي بي تي" في أثناء التنقل، وأنه يُتيح مزامنة سجلات الاستخدام عبر الأجهزة، كما أنه يدمج نظام التعرف على الكلام ويسبر (Whisper)، وهو نظام مفتوح المصدر، ما يُتيح للمستخدمين إمكانية الإدخال الصوتي.

اقرأ أيضاً: كيف سنواجه تهديد الذكاء الاصطناعي التوليدي بزيادة نفوذ الشركات التكنولوجية الكبرى؟

كيف تستفيد آبل؟

الاستفادة الرئيسية التي تعود على آبل من هذا التطبيق تأتي من خطة الاشتراك المدفوع، المعروفة باسم تشات جي بي تي بلس (ChatGPT Plus)، وهو إصدار يكلف 20 دولاراً شهرياً ويُتيح للمستخدم الوصول إلى "تشات جي بي تي" حتى في أوقات الذروة، بالإضافة إلى التمتع بأوقات استجابة أسرع وأولوية الوصول إلى الميزات الجديدة والتحسينات، بما فيها نموذج "جي بي تي-4".

نظراً لأن "أوبن أيه آي" تستخدم نظام آبل للشراء داخل التطبيق، بدلاً من إعادة توجيه المستخدمين إلى موقع تابع للشركة للاشتراك، فإن آبل تحصّل نسبتها المعتادة التي تبلغ 30%.

تُتيح آبل للمطورين والشركات إمكانية الوصول إلى مليارات المستخدمين عبر مختلف أجهزتها، لكنها في المقابل تفرض رسوماً بنسبة 30% على التطبيقات وعمليات الشراء داخل التطبيق. تبلغ النسبة من الاشتراكات 30% خلال السنة الأولى، ثم تنخفض بعد ذلك إلى 15% للسنوات اللاحقة. ويُعرف هذا النظام بين خبراء التكنولوجيا باسم ضريبة آبل (Apple tax).

هذا يعني أنه من كل اشتراك في "تشات جي بي تي بلس"، ستحصل آبل على 6 دولارات من الـ 20 دولاراً التي يدفعها المستخدم شهرياً. يضع ماكسويل في تقريره سيناريو افتراضياً، يوضّح أنه إذا حصل "تشات جي بي تي بلس" على 5 ملايين مشترك جديد على نظام "أي أو إس" التابع لآبل، فإن ذلك سيولّد ما يقرب من 1.2 مليار دولار من الإيرادات السنوية لـ "أوبن أيه آي"، وستحصل آبل على 360 مليون دولار من هذا المبلغ.

اقرأ أيضاً: ما ملامح المرحلة التالية في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي؟

استمرار السيطرة على سوق التطبيقات

من المتوقع أن تستمر آبل في الاحتفاظ بسيطرتها على سوق التطبيقات المدفوعة على متجرها بعدما فازت في الجولة الأخيرة من نزاعها القضائي مع شركة تطوير ألعاب الفيديو إيبك غيمز (Epic Games)، وهو النزاع الذي استمر منذ عام 2020. قضت المحكمة بأن شركة آبل لم تنتهك قواعد مكافحة الاحتكار في مطالبتها المطورين باستخدام نظام الدفع الخاص بها، والذي تحصل من خلاله على عمولة على المبيعات. بيد أنها باتت مجبرة على تمكين المطورين من الترويج لأنظمة الدفع الخارجية عند إجراء عمليات شراء داخل التطبيق.

في كل الأحوال، لن يؤثّر هذا الحكم في وضع تطبيق "تشات جي بي تي" في الوقت الحالي، لأن "أوبن أيه آي" اختارت التمسك بمعالج الدفع الخاص بشركة آبل بدلاً من توجيه المستخدم إلى موقع خارجي، على الأرجح لجعل تجربته أكثر سلاسة.

الأمر المُثير هنا أنه في اليوم نفسه الذي صدر فيه تطبيق "تشات جي بي تي" على متجر آبل، نُشرت مذكرة داخلية طلبت فيها الشركة من موظفيها عدم استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي في العمل، بما في ذلك "تشات جي بي تي"، وبوت "غيت هاب كوبايلوت" المملوك لمايكروسوفت.

اقرأ أيضاً: كيف سيستفيد المؤرخون من الذكاء الاصطناعي في فهم الماضي على نحو أفضل؟

تُشير صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية التي اطلعت على المذكرة، إلى أن آبل تشعر بالقلق من أن العاملين الذين يستخدمون هذه الأنواع من البرامج قد يكشفون عن بيانات سرية، والسبب أنه عندما يستخدم الأشخاص هذه النماذج، يتم إرسال البيانات مرة أخرى إلى المطور لتمكين التحسينات، ما يعرّض إمكانية مشاركة معلومات سرية عن غير قصد.

كما ذكرنا سابقاً، لم تقدّم آبل حتى الآن خططاً مفصَّلةً لتطوير منتجات ذكاء اصطناعي توليدي. ومع ذلك، فإن ثمة مؤشراً جديداً على أنها بدأت تأخذ هذه التكنولوجيا على محمل الجد. أعلنت الشركة هذا الشهر على موقعها، عن 28 فرصة عمل جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي، من ضمنها وظيفة مهندس أبحاث للنمذجة التوليدية البصرية. وتشير الشركة في وصفها للدور الذي سيقوم به شاغل هذا المنصب إلى أنه سيكون جزءاً من "مجموعة ستشكّل الطريقة التي تغيّر بها تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي منصات الحوسبة المحمولة لشركة آبل". 

يمكن لهذه الوظائف الجديدة واللغة المستخدمة في وصف الأدوار المطلوبة منها أن تعطينا "مؤشراً واضحاً على أن آبل مستعدة للاستثمار في هذه التكنولوجيا".

اقرأ أيضاً: ما مصير الذكاء الاصطناعي التوليدي بعد أن يخبو الضجيج الإعلامي؟

وكان الرئيس التنفيذي لآبل، تيم كوك، قال في تصريحات مقتضبة في بداية هذا الشهر، إن الذكاء الاصطناعي "ضخم" ويتمتع بإمكانات هائلة، لكنه استطرد قائلاً "سنواصل نسجه في منتجاتنا على أساس مدروس للغاية"، مشيراً إلى أن "هناك عدداً من القضايا التي تحتاج إلى حل".

في النهاية، قد يكون اختفاء آبل عن مشهد الذكاء الاصطناعي التوليدي حتى الآن متعمداً، خاصةً مع المشكلات التي تواجهها تطبيقاته في العديد من الدول، بالإضافة إلى أن الشركة لا تنظر إليه باعتباره ابتكاراً مزعزعاً (Disruptive Innovation) لأعمالها الأساسية (على عكس شركات أخرى مثل جوجل)، لكن الأمر المؤكد أنها لن تفوّت الفرصة للاستفادة منه بأفضل طريقة ممكنة.

المحتوى محمي