قد تبدو فكرة غرس شريحة إلكترونية في دماغ البشر فكرة خيالية لبعض الأشخاص، لكن هذا التطور قد يكون متاحاً على نطاق واسع في السنوات القادمة، حيث بدأت بعض الشركات الناشئة في إجراء التجارب على الحيوانات لاختبار العملية قبل الانتقال للبشر. وعلى رأس هذه الشركات شركة نيورالينك (Neuralink)، حيث أعلنت الشركة مؤخراً على لسان مالكها ورئيسها التنفيذي رائد الأعمال الشهير إيلون ماسك أنها طوّرت شريحة دماغية لاسلكية ويتوقع أن تبدأ في التجارب السريرية على البشر في غضون ستة أشهر من الآن.
هل تتحقق وعود إيلون ماسك في زرع شريحة في دماغ البشر هذه المرة؟
منذ الإعلان عن شركته نيورالينك في عام 2016، يبدو رائد الأعمال الشهير مصمماً على تحقيق ما يراه الكثيرون ضرباً من الخيال، حيث إن تطوير شريحة إلكترونية من شأنها أن تسمح للدماغ بالتحكم في الأجهزة الإلكترونية المعقدة، والسماح للأشخاص من ذوي الإعاقة باستعادة وظائفهم الحركية، ومعالجة أمراض الدماغ مثل باركنسون والخرف وألزهايمر، أمر معقد وليس بتلك السهولة التي تخيلها رائد الأعمال.
اقرأ أيضاً: نيورالينك: مشروع إيلون ماسك الجديد الهادف لربط الدماغ البشري بالذكاء الاصطناعي
يرى الكثير من الخبراء أن إعلانات إيلون ماسك المتكررة ما هي إلا طريقة اعتاد عليها لتسليط الضوء على أفكاره الغريبة وغير المتوقعة، حيث لم تتمكن شركته الناشئة حتى الآن من الوفاء بأي موعد من المواعيد التي التزمت بها سابقاً، حيث ذكر إيلون ماسك في عام 2019، أنه يهدف إلى الحصول على موافقة تنظيمية بحلول نهاية عام 2020، ثم ذكر مجدداً في نهاية عام 2021 أنه يأمل في بدء التجارب البشرية هذا العام، ومع ذلك لم يحقق أي خطوة ملموسة حتى الآن، بدلاً من ذلك وفقاً لموظفين سابقين وحاليين، فإن الشركة لم تتمكن حتى الآن من الوفاء بالمواعيد النهائية الداخلية للحصول على موافقة إدارة الأغذية والدواء لبدء التجارب السريرية فعلياً.
ومع ذلك، لا يزال رائد الأعمال الشهير مُصراً على تحديد مواعيد نهائية وجداول زمنية لتحقيق حلمه ورؤيته في تطوير واجهات شرائح دماغية لمساعدة الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة على التحرك والتواصل مرة أخرى، حيث أكد في مؤتمر خاص في مقر الشركة، السرعة التي تقوم بها شركته بتطوير أجهزتها، وأضاف: "نريد أن نكون حذرين للغاية ومتأكد من أنه سيعمل جيداً قبل وضعه في جسم الإنسان".
اقرأ أيضاً: إيلون ماسك يعِد بتحقيق التخاطر بين البشر، فهل نصدقه؟
منافسون أقوياء ولكن شركة نيورالينك أكثر جرأة
على الرغم من أنه قد تم البحث والتطوير في تكنولوجيا واجهة الدماغ والآلة من قبل الأوساط الأكاديمية لعقود، فإن دخول ماسك إلى هذه الساحة قد حفّز أصحاب رؤوس الأموال في الاستثمار في الشركات الناشئة، وساعد في دفع هذا المجال إلى الأمام بسرعة أكبر بكثير، حيث إن هناك شركات ناشئة عدة تتقدم على شركة نيورالينك عندما يتعلق الأمر بالتجارب البشرية.
على سبيل المثال، تمكنت شركة سينكرون (Synchron) من زرع جهاز صغير يشبه الدعامة في أدمغة المرضى في أستراليا والولايات المتحدة، وقد أتاح الجهاز (المنتج) للمرضى الذين لم يتمكنوا من الحركة أو التحدث التواصل لاسلكياً عبر أجهزة الكمبيوتر وأفكارهم، ولكن ما تريد شركة إيلون ماسك القيام به أكثر جرأة من شركة سينكرون أو معظم المنافسين الآخرين في هذا المجال.
حيث تريد شركة نيورالينك إزالة جزء من جمجمة المريض والسماح بزرع الأسلاك في أنسجة المخ، حيث لا تزال التجارب مستمرة في هذا المجال، من خلال القيام بإجراء اختبارات منذ سنوات على الحيوانات لإثبات أن الجراحة آمنة، وأن الزرعة يمكن أن تبقى داخل الدماغ لفترات طويلة من الزمن دون التسبب في ضرر.
ما الهدف من تطوير واجهات الدماغ الحاسوبية؟
الهدف من واجهة الدماغ الحاسوبية (Brain-computer interface)، اختصاراً (BCI) والتي تعمل عليها شركة نيورالينك هو تطوير شريحة إلكترونية تتم زراعتها في الدماغ للسماح للأشخاص الذين يعانون من حالة مرضية معقدة، مثل مرض التصلب الجانبي الضموري (ALS) أو الآثار اللاحقة للسكتة الدماغية بالتواصل عبر أفكارهم، وقد قدمت الشركة سابقاً نموذجاً لهذه التكنولوجيا من خلال عرض مقطع فيديو لقرد يمارس لعبة كرة المضرب الشهيرة بونغ باستخدام إشارات دماغية.
يترجم جهاز شركة نيورالينك السيالات العصبية إلى بيانات يمكن تفسيرها بواسطة الحاسوب، ويأمل إيلون ماسك أن يصبح الجهاز في يوم من الأيام واسع الانتشار ويسمح بنقل المعلومات بين البشر والآلات. حيث جادل منذ فترة طويلة بأن البشر لا يمكنهم مواكبة التقدم الذي يحدثه الذكاء الاصطناعي إلا بمساعدة التعزيزات الشبيهة بالحاسوب.
اقرأ أيضاً: دماغ اصطناعي: مهندسو إم آي تي يطورون شريحة ذات عشرات آلاف المشابك العصبية الاصطناعية
ماذا يعني وجود شريحة إلكترونية في دماغ إنسان؟
حتى الآن فإن الأجهزة التي تتعامل مع الجهاز العصبي للإنسان قيد الاستخدام والتطوير حالياً متوفرة فقط لشريحة معينة من المرضى. على سبيل المثال، تُستخدم الشرائح الإلكترونية الدماغية والتي تسمى أيضاً غرسات الدماغ (Brain implants) أو الغرسات العصبية (Neural Implants) لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من صعوبات في السمع، كما توجد لدى بعض المرضى المصابين بمرض باركنسون غرسات دماغية في دماغهم لإرسال نبضات كهربائية تتحكم في الرعاش وتحسن التحكم الحركي.
ومع ذلك، يهدف الباحثون الطبيون ومطورو الأجهزة الإلكترونية إلى الانتقال للمرحلة التالية من خلال استخدام غرسات الدماغ لمساعدة الأشخاص المصابين بالشلل الحركي. على سبيل المثال، استخدم الباحثون في جامعة ولاية أوهايو ومعهد باتيل التذكاري غرسات دماغية للمساعدة في استعادة حركة اليد وإحساس اللمس لدى المرضى الذين يعانون من إصابات شديدة في النخاع الشوكي، كما تم استخدام غرسة دماغية مؤخراً لترجمة أفكار مريض مصاب بإصابة شديدة في النخاع الشوكي إلى نص بدرجة عالية جداً من الدقة.