لماذا أصبح واتساب تطبيقاً للعمل وللأصدقاء في نفس الوقت؟

6 دقائق
استخدام واتساب لا يترك لك مجالاً للابتعاد عن مشاغل العمل أو الحياة
حقوق الصورة: سليت.

إنها الساعة الثالثة عصراً من أول أيام عطلتك الأسبوعية، وأنت تتحقق الآن من هاتفك لرؤية ما إذا كانت عمتك قد ردت على رسالتك التي أرسلتها إليها للاستفسار عن كيفية إنقاذ نبتتك المنزلية الثابتة. وعندها، سترى دائرة حمراء صغيرة بجانب أيقونة واتساب (WhatsApp) تبشرك بورود رسالة جديدة! وعند فتح التطبيق، سترى في أعلى قائمة الدردشات الفعالة، اسم رب عملك وصورته بجانب حالة مرعبة للغاية تقول إنه: "يكتب..." ويبدأ الصراع الداخلي: هل من المتوقع منك أن تجيب؟ ألا يمكن تأجيل هذا الطلب حتى يوم أول أيام العمل الأسبوعية؟ من حسن الحظ أنك قمت مسبقاً بتعطيل ميزة إشعارات القراءة ووظيفة "آخر ظهور"، ولكن حالة "متصل"، والتي لا يمكن تعطيلها، فضحتك وانتهى الأمر. وهكذا، وبعد عدة دقائق، ستجد نفسك تعمل على المشروع الذي أرسل رب عملك إليك برسالة حوله، متجاهلاً الرموز التعبيرية على شكل قلوب من عمتك.

بالنسبة للملايين من العاملين حول العالم، سيبدو هذا المشهد مألوفاً للغاية على الأرجح.

وبفضل قاعدة مستخدمين تبلغ 2 مليار مستخدم حول العالم، تحتل واتساب المرتبة الثالثة بين منصات التواصل الاجتماعي الأكثر استخداماً على مستوى العالم، بعد فيسبوك (Facebook) ويوتيوب (YouTube). وحتى بعد الاستحواذ عليها في 2014 من قبل شركة فيسبوك (قبل تغيير اسمها)، ما زالت منصة واتساب محافظة على وعدها الأصلي منذ إطلاقها: "لا إعلانات! لا ألعاب! لا حيل!"، مع مواصلة التطور بدرجة مذهلة. فقد قدمت لنا الرسائل الصوتية في 2013، والمكالمات الفيديوية في 2016، مع توسيع عملية مشاركة المستندات، فتحولت إلى منصة تواصل راقية ومعقدة، وبالنسبة للكثيرين، تحولت أيضاً إلى جزء أساسي من العمل.

اقرأ أيضاً: جديد واتساب للأعمال: واجهة API سحابية ومزايا مدفوعة

ففي الولايات المتحدة، لا تُعتبر منصة واتساب عنصراً أساسياً في العمل، على الرغم من وجود عدد أكبر من المستخدمين. ولكن في بلدان أخرى مثل المكسيك، حيث ترعرعت إحدانا وحيث تعيش الأخرى، فإن استخدام تطبيق واتساب (وإساءة استخدامه) كأداة للعمل أصبح أمراً ملحوظاً وواسع الانتشار عبر مختلف الاختصاصات والمراتب الوظيفية.

فالتطبيقات المستخدمة للعمل في الولايات المتحدة لا تُستخدم سوى للعمل وحسب. وعلى الرغم من أنه يمكن من الناحية الفنية تخصيص قناة للعائلة على تطبيق سلاك (Slack)، فإن هذا سيكون غريباً للغاية. أما على تطبيق واتساب، فليس هناك فاصل بين العمل والحياة. ففي المكسيك وغيرها من البلدان التي تعتمد على واتساب، يمكنك استخدام التطبيق للتواصل مع العائلة والأصدقاء، إضافة إلى طبيب العائلة، والطبيب البيطري، والسباك، وغير ذلك. فقد تقوم إدارة المبنى السكني الذي تقطن فيه بوضع إعلان على مجموعة المبنى على واتساب لإبلاغ القاطنين بأنه سيتم قطع الماء وقت العصر خلال اليوم الحالي. ويجب أن تكون حذراً للغاية لتجنب إرسال رسالة مخصصة لمحادثاتك الجماعية على مجموعة زملاء العمل إلى مجموعة أخرى تتضمن رب العمل. وهناك بالطبع رسائل واتساب ترد من زملاء العمل لإعلامك بأنهم أرسلوا إليك رسالة بالبريد الإلكتروني.

وداعاً للخصوصية مع واتساب 

ظهر تطبيق واتساب أول مرة في 2009، وبدأ بتحقيق انتشار فعلي بعد سنتين تقريباً، وقد تم إطلاقه في وقت كانت الرسائل النصية في المكسيك باهظة الثمن. وقد اكتسب واتساب شعبية كاسحة بعد أن تحول إلى بديل يوفر حلاً مجانياً للفواتير الهاتفية الباهظة. يمضي مستخدم واتساب في المكسيك 20 ساعة وسطياً في الشهر على التطبيق، وذلك وفقاً لشركة هووت سويت (Hootsuite)، مقارنة مع 7.6 ساعات للمستخدم الأميركي، ورقم قياسي يبلغ 31.4 ساعة للمستخدم الإندونيسي. يبلغ عدد مستخدمي التطبيق في المكسيك تقديرياً 89 مليون مستخدم من أصل 126 مليون نسمة في البلاد، وأعمار ربعهم تقريباً لا تتجاوز 14 سنة على الأكثر. ويعني هذا أن الشخص الذي تحاول التواصل معه يستخدم واتساب بشكل شبه مؤكد، فهو لا يتطلب سوى رقم هاتف مع اتصال بالإنترنت عن طريق الواي فاي أو بيانات الهاتف.

ولكن، وبما أن واتساب يعتمد على رقم الهاتف، فإن الكثيرين مضطرون لاستخدام أرقامهم الهاتفية الشخصية، ما يعني عملياً إزالة الحدود الفاصلة بين العمل والحياة. كما تعني إمكانية التواصل مع الزملاء والمشرفين أن يكون الشخص متاحاً للعمل، دون إرادة منه، في نهاية الأسبوع وفي العطلة وحتى في فترات ما بعد الظهيرة. وإذا كنت تدردش مع شخص مقرب في ليلة الأربعاء، فيمكنك أن ترد أيضاً على زميلك في العمل.

ما يعني أيضاً خسارة جزء كبير من الخصوصية والتحكم في تحديد الأشخاص القادرين على التواصل معك ومواعيد التواصل أيضاً. وإذا شارك زميلك في العمل رقمك مع أحد العملاء، فسوف يمتلئ صندوق الوارد لديك في واتساب بعدد هائل من الرسائل غير المرغوبة من شخص ما خلال أيام العطلة. بطبيعة الحال، ليس لديك حالة "خارج المكتب" في واتساب، وأقصى ما يمكنك فعله هو تغيير حالتك، ولكنك لن تستفيد شيئاً، لأن الجميع سيتجاهلون الحالة في نهاية المطاف. (ما زالت حالة إيزابيل على وضع "متصل الآن" منذ 31 أكتوبر/ تشرين الأول، 2010). هل يمكن تجاهل الرسائل ببساطة؟ هذا ممكن، ولكن لا يمكن الهرب من التذكيرات الخاصة بقائمة المهام التي يجب تنفيذها لديك. ولا يوجد في واتساب جدول زمني، وبالتالي لن تستطيع الحصول على جدول كهذا أيضاً.

اقرأ أيضاً: كيف تتعرف على الرسائل الاحتيالية في واتساب؟ وما الذي عليك فعله؟

وإذا لم تكن ممثل مبيعات أو مسؤول خدمة عملاء يستخدم تطبيق واتساب المخصص للأعمال (والذي يتيح بالفعل للمستخدمين إرسال ردود تلقائية وتحديد جداول زمنية للعمل!)، فإن العمل على واتساب سيدمر إنتاجيتك. ومن المسلم به أن التواصل على واتساب سريع (مع افتراض أن الشخص الآخر يرد على الرسائل)، ولكنه عشوائي وفوضوي أيضاً. ومن الرائع أن تتمكن من إرسال سؤال سريع إلى أحد زملائك، ولكن من الصعب أيضاً التركيز على مهمة ما مع وصول إشعارات متكررة لا يمكن التمييز بينها، والتي قد تكون لرسائل تتضمن الميزانية السنوية المدققة أو صور طفل حديث الولادة لأحد أصدقائك. يمكن أيضاً كتم إشعارات الحوارات، ولكن يستحيل ببساطة كتم جهات الاتصال الشخصية خلال ساعات العمل، والانتقال إلى كتم جهات الاتصال المتعلقة بالعمل خلال الليل أو عطلة نهاية الأسبوع.

إن منصات التراسل المخصصة للعمل مثل تيمز (Teams) أو سلاك (Slack) الأكثر شيوعاً في الولايات المتحدة تحمل، ولا شك، بعضاً من الميزات السلبية لواتساب، مثل ثقافة "متصل على الدوام". ولكنها تمثل أنظمة أكثر انغلاقاً. فعلى سلاك، لن تتواصل على الأرجح مع أشخاص لا تعمل معهم، وحتى في هذه الحالة، لن تتواصل عملياً مع أي شخص من خارج نطاق شركتك. ويبدو أن الأميركيين لا يمانعون استخدام البريد الإلكتروني، وكأنهم يرغبون بالحفاظ على إمكانية تغيير صورة الحساب إلى صورة تريد لأحبائك رؤيتها، دون أن تقلل من طابعك الاحترافي أمام مديرك وزملائك. (وهي مشكلة كبيرة أخرى في واتساب! هل من المقبول أن تضع صورة حساب لك ولشريك حياتك، أو صورة لك على الشاطئ؟ هل سيكون من المستهجن أن يرى هذه الصورة مستشار يعمل معك في نفس الشركة؟)

التجمعات: ميزة واتساب الجديدة 

وفي إشارة إلى الطبيعة المركّبة والتي يصعب التعامل معها لمجموعات واتساب، فقد أعلنت الشركة مؤخراً عن ميزة جديدة: التجمعات. ستكون تجمعات واتساب مختلفة عن المجموعات العادية، كما تقول الشركة، لأنها ستسمح بتأسيس مجموعات حوار أصغر ضمن التجمعات، مع توفير المزيد من التحكم: فلا يمكن مشاركة الإعلانات إلا عن طريق المدراء في "مجموعة الإعلانات الأساسية"، ويستطيع أفراد التجمع الحوار ضمن مجموعات أصغر يقوم المدراء –الذين يستطيعون حذف الرسائل أيضاً- بتأسيسها. كما قامت واتساب مؤخراً بمضاعفة العدد المسموح للمشاركين في المجموعة وصولاً إلى 512، وأعلنت عن ميزات تجارية جديدة مخصصة للأعمال والشركات، والتي ستتمكن من استخدام واجهة برمجة سحابية للتواصل بشكل أسهل مع العملاء.

ولكن، وإذا أردنا أن نتصف بالواقعية، يجب أن نعترف أنه لا يوجد ما يدعونا إلى الاعتقاد بأن ميزات جديدة مثل التجمعات ستحدث أي أثر في مشكلات واتساب المتعلقة بالعمل، لأن المشكلة الحقيقية ليست في واتساب. بل في ثقافة العمل في بلدان مثل المكسيك.

اقرأ أيضاً: كيف ترد الصاع صاعين لمرسلي الرسائل المزعجة؟ البعض يستخدم الفكاهة

ويجب أن نعترف هنا أن واتساب يتم استخدامه عبر الكثير من القطاعات وشرائح المجتمع، ولكن المشكلات التي نتحدث عنها هنا تتعلق بالعاملين في الاقتصاد الرسمي الذين يتمتعون بشيء من الرفاهية، مثل الموظفين المكتبيين. أما استغلال الموظفين في سوق العمل غير الرسمية، إضافة إلى عمال الخدمة في السوق الرسمية، فيتجاوز بكثير مشكلات الحدود بين العمل والحياة.

وبأخذ الموظف العادي بعين الاعتبار، فإن المكسيك تحل في المرتبة الثانية بعد كولومبيا من حيث عدد ساعات العمل في السنة، والتي تبلغ 2,124 ساعة، وذلك وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. أما العامل الأميركي العادي، من جهة أخرى، فيعمل 1,767 ساعة في السنة، على حين أن العامل في ألمانيا، والتي تقع في آخر القائمة، فيستمتع بوقت عمل قصير ورائع لا يتجاوز 1332 ساعة. (هذه الأرقام لا تمثل بالضرورة الوقت المستقطع من العمل والذي يمضيه الموظفون في الاستجابة لرسائل العمل).

وبالتالي، فإن ما نحتاجه فعلاً هو أنظمة عمل تحترم العاملين وحدودهم. ولكن حتى نتمكن من تحقيق هذا الهدف، نحن بحاجة إلى تطبيق يستطيع مجاراة متطلباته.

اقرأ أيضاً: واتساب تفرض قيوداً جديدة على إعادة توجيه الرسائل لكبح انتشار المعلومات المزيفة

ويعتمد التغيير الحقيقي على تغيير قوانين العمل وسياسات الشركات، لا تغيير السلوك الفردي. ولكن هذا لا يعني أن السلوك الفردي غير مهم. وهنا يأتي الجزء الصعب، فنحن نساهم في ثقافة "العمل الدائم" على واتساب بقدر ما نحب أن نشتكي منها! ويعود ذلك إلى أنها مريحة في واقع الأمر! فمن السهل أن ترسل رسالة على واتساب إلى أحد زملاء العمل في السابعة مساء لمعرفة المستجدات عن أمر ما بدلاً من الانتظار إلى صباح اليوم التالي على أمل تذكر إرسال رسالة بالبريد الإلكتروني (ليت واتساب تقوم بإضافة ميزة إرسال الرسائل وفق توقيت محدد!) إنه أمر رائع أن تتمكن من الحصول على استجابة سريعة من رب عملك لأنك تعرف أنه متصل، حتى في أيام العطل.

تقول الحالة الافتراضية على واتساب: " Hey there! I am using WhatsApp "  (مرحباً! أنا أستعمل واتساب) وسنحتاج إلى أن نتعاون جميعاً حتى تتحول هذه الحالة إلى: "Hey there! I am not always using WhatsApp" (مرحباً! أنا لا أستعمل واتساب على الدوام)، وينتشر استخدامها بين الآخرين.

المحتوى محمي