في المستقبل القريب بإحدى الجامعات، تصطف مجموعة من طلاب الطب حول طاولة مخصصة للتدريب. أمامهم لا توجد جثة حقيقية أو دمية تشريحية باهظة الثمن، بل مجسم هولوجرام ثلاثي الأبعاد يطفو في الهواء، الطلاب يمدّون أيديهم ليلمسوا المجسم ويعدّلوا وضعيته بل وحتى تشريحه افتراضياً، كل ذلك دون نزول قطرة دم واحدة أو أي كلفة مادية.
هذا المثال يبرز أحد الاستخدامات الواعدة لتقنية الهولوجرام الجديدة التي طوّرها بعض العلماء، وشُرِحت في ورقة بحثية نُشِرت في الأرشيف المفتوح (Open Archive). توضّح الورقة كيف نجح الباحثون في ابتكار تقنية هولوجرام جديدة تمكّن البشر من التفاعل المباشر مع المجسمات ثلاثية الأبعاد المعلقة في الهواء. وفي هذا المقال، سنُناقش كيف تعمل هذه التقنية واستخداماتها المحتملة.
ما هي تقنية الهولوجرام؟
تقنية الهولوجرام هي أسلوب متقدم لعرض الصور يعتمد على إنشاء تمثيل ثلاثي الأبعاد (3D) للكائنات باستخدام الضوء. بخلاف الصور العادية أو حتى الرسومات ثلاثية الأبعاد التقليدية على الشاشات، فإن الهولوجرام يُظهر المجسمات وكأنها تطفو في الهواء، ويمكن رؤيتها من زوايا مختلفة وكأنها حقيقية تماماً. ينشأ الهولوجرام عن طريق تسجيل نمط تداخل أشعة الليزر المنعكسة عن الجسم المُراد عرضه، ثم إعادة عرض هذا النمط بطريقة تُعيد تكوين الضوء المنعكس كما لو أن الجسم لا يزال موجوداً. في النسخ المتطورة من هذه التقنية، مثل العرض الحجمي، تُسقط عدة طبقات من الصور بسرعة وبدقة عالية في الفضاء لتكوين مجسم ثلاثي الأبعاد لا يتطلب نظارات خاصة لرؤيته، ما يفتح المجال لتجارب تفاعلية أقرب ما تكون للواقع الحقيقي.
اقرأ أيضاً: ما هي تقنية الهولوجرام وكيف تعمل؟
فهم تقنية الهولوجرام القابلة للمس
عادةً ما تُستخدم في تقنيات الهولوجرام شاشة خاصة تُعرف باسم الموزع، وهي عبارة عن ورقة شفافة تهتز بسرعة عالية جداً ذهاباً وإياباً. تُسلّط على هذه الورقة صور متعددة تُعرض بسرعة كبيرة، فتجمعها العين البشرية على شكل صورة ثلاثية الأبعاد، وتبدو وكأنها تطفو في الهواء.
لكن المشكلة أن هذه الموزعات مصنوعة من مواد صلبة وهشة، ما يجعل لمسها مستحيلاً، وأي محاولة للمسها قد تؤدي إلى تخريبها أو حتى إيذاء المستخدم.
هنا جاء الابتكار الجديد، فقد استبدل الباحثون تلك المادة الصلبة بمادة مرنة قابلة للتمدد (لم يُفصح عن نوعها بعد). هذه المادة الجديدة سمحت للمستخدمين بلمس سطح موزع الهولوجرام في أثناء حركته السريعة دون أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بالموزع.
لكن ظهرت مشكلة أخرى، بما أن المادة مرنة، فإن لمسها يؤدي إلى انحنائها أو تشوهها، ما قد يشوّه شكل الصورة الظاهرة. ولمعالجة ذلك، طوّر الفريق نظاماً ذكياً لتصحيح الصورة في الوقت الحقيقي، بحيث تبقى الصورة ثلاثية الأبعاد واضحة ودقيقة حتى في أثناء لمسها أو تغيير شكل السطح.
أبرز استخدامات تقنية الهولوجرام القابلة للمس
رغم أن تقنية الهولوجرام اللمسي لا تزال في مراحلها الأولى ولم تخضع بعد لمراجعة الأقران العلمية، فإنها تحمل إمكانات هائلة في عددٍ من المجالات، منها:
- التعليم: قد يتمكن الطلاب من بناء مجسمات افتراضية لمحركات أو نماذج تشريحية ثلاثية الأبعاد يمكن لمسها وتحريكها، ما يضفي بُعداً عملياً وتجريبياً على العملية التعليمية.
- المتاحف: تُتيح للزوار فرصة لمس المعروضات التاريخية أو الفنية بشكلٍ مباشر، دون الحاجة إلى نظارات واقع افتراضي أو شاشات، هذا يعزّز التفاعل الحسي مع المحتوى.
- التعاون والعمل الجماعي: يمكن لعدة مستخدمين التفاعل في الوقت نفسه مع الكائن ثلاثي الأبعاد ذاته.
- الترفيه: من المحتمل أن تدخل التقنية في تجارب الألعاب والواقع المعزز، وتسمح للمستخدمين بلمس الشخصيات أو العناصر داخل اللعبة، وتمنحهم شعوراً بالاندماج الحسي في العالم الافتراضي.
اقرأ أيضاً: كيف تحول تقنية الهولوجرام التعليم إلى عملية ممتعة وفعالة؟
كسر قيود نظارات الواقع الافتراضي والواقع المعزز
تمثّل هذه التقنية الجديدة خطوة جريئة نحو كسر القيود التقليدية التي فرضتها نظارات الواقع الافتراضي والواقع المعزز. فبدلاً من الاعتماد على نظارات ومعدات مكلفة لعرض المجسمات الافتراضية والتفاعل معها، بات بإمكان المستخدمين الآن رؤية هذه الكائنات ثلاثية الأبعاد ولمسها بأيديهم مباشرة، وكأنها موجودة فعلياً في محيطهم. هذا التحوّل لا يُعزّز فقط الإحساس بالواقعية، بل يفتح آفاقاً جديدة لتجارب تفاعلية في التعليم والطب والفنون والعمل الجماعي وحتى الترفيه. ومع استمرار تطويرها، قد تُصبح هذه التقنية جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وتُقرب بين العالمين الواقعي والافتراضي بطريقة لم نكن نتخيلها من قبل.