في عالم مليء بالبيانات، يعد الحمض النووي وسيلة مضغوطة بشكل كبير لتخزينها، فعلى سبيل المثال يمكن لكافة البيانات الموجودة على كل أجهزة الآيفون والكمبيوترات الشخصية والخوادم الموجودة على كوكب الأرض أن تتَّسع فيما يعادل حجم الجاكوزي من الأحرف الجينية. كما أن الحمض النووي مستقر للغاية، إذ يمكنه البقاء لآلاف السنين طالما أنه محفوظ في وسط بارد وجاف نسبياً.
وقد كشفت الآن إحدى الشركات الناشئة في هذا المجال عن خططها لنموذجها الأوَّلي لجهاز التخزين، وهو عبارة عن آلة ضخمة بحجم الحافلة المدرسية، وهذه الآلة قد تتمكَّن يوماً ما من تحويل أرشيفات البيانات أو الأفلام إلى كريَّات غير مرئية من الحمض النووي. ويتم بناء هذا الجهاز من قِبل شركة "كتالوج تكنولوجيز Catalog Technologies" بالتعاون مع شركة "كامبريدج كونسلتانتس Cambridge Consultants" في المملكة المتحدة، وتم الإعلان عن ذلك مؤخراً.
وقد أظهرت عدة فرق بالفعل إمكانية تخزين ملفات الجي آي إف والكتب وبطاقات الهدايا وغيرها من البيانات الأخرى في الحمض النووي، ثم استرداد هذه الملفات.
وتكمن المشكلة في أن تحويل بتات إلى الشفرات الجينية المكوَّنة من الأدينين والغوانين والسيتوزين والثايمين يكون بطيئاً، وأن عملية استرداد هذه البيانات تعتبر شاقة، كما أن تكلفة تصنيع الحمض النووي المخصَّص مرتفعة أيضاً، حيث تبلغ نحو مليون دولار لتخزين اثنين من أقراص الفيديو الرقمية عالية الدقة.
وتدَّعي شركة كتالوج أن نظامها أقل تكلفة، فبدلاً من تصنيع أشرطة فريدة من الحمض النووي، فإن العملية تتضمن دمج شرائط الحمض النووي الجاهزة والقصيرة وغير المكلفة إلى أجزاء أطول من الحمض النووي وهي محمَّلة بالمعلومات.
ويقارن هيونجان بارك (الرئيس التنفيذي لشركة كاتالوج وأحد مؤسسيها) هذه العملية بالطريقة التي كان يتم بها دمج الحروف المعدنية إلى كلمات في المطابع القديمة.
وقد قدَّمت الشركتان لمحات عن أجهزتهما إلى إم آي تي تكنولوجي ريفيو، بما في ذلك عرض للشكل الذي سيبدو عليه المختبر وصورة للمهندسين الذين يجهزون النموذج الأوَّلي (كما هو ظاهر في الصورة أعلاه).
ووفقاً لما ذكره بارك، سيتم إكمال آلة النموذج الأوَّلي في مطلع العام المقبل، وستتمكن من كتابة تيرا بت من البيانات في الحمض النووي يومياً، وهذا يعادل تقريباً حجم البيانات التي يتَّسع لها الكمبيوتر المحمول، ويضيف: "لا يزال ذلك غير كافٍ، ولكنه أكبر من كل ما تم إنجازه حتى الآن".
كما يقول بارك إن النظام التجاري الفعلي -الذي يمكن للجهاز الواحد أو لمجموعة الأجهزة الموجودة فيه تخزين بيتا بت من البيانات في اليوم الواحد- لن يكون جاهزاً حتى عام 2021.
إذن فدعونا نواجه هذا الأمر، حيث إن هذا الشيء ضخم، وليس مجرد ذاكرة بيانات صغيرة. وتُظهر الصورة باباً وغرفة تكفي من الداخل لتواجد اثنين من الفنيين، كما يجب أن يكون في الداخل مئة كيس أو عبوة من الحمض النووي الجاهز، ومن ثم مختبر مؤتمت لدمج الشرائط مع بعضها وإجراء المليارات من التفاعلات، ولا بد أيضاً من وضع آلة لتسلسل الحمض النووي -وربما اثنين منها- لاسترداد البيانات. كما أن الصورة تُذكِّرنا بـ ENIAC -وهو الكمبيوتر القديم الذي تم صنعه في الأربعينيات من القرن العشرين في جامعة بنسلفانيا، والذي تم وصله بأكثر من 18000 أنبوب مفرغ، وكان يملأ غرفة كبيرة.
ويقول ريتشارد هاموند (رئيس قسم البيولوجيا التركيبية في شركة كامبريدج كونسلتانتس، التي تتولى مشاريع هندسية مخصصة): "هذا هو الإصدار الأول على الإطلاق، ومن الممكن أن يصبح حجمه أصغر، لكننا لم نأخذ هذا التحدي حتى الآن".
ولن تقوم شركة كتالوج -التي جمعت 9 ملايين دولار كتمويل استثماري هذا الصيف- ببيع هذه الآلات في البداية، ولكن الشركة تخطط للسماح للشركاء -عندما يتم الانتهاء من إعداد النموذج الأوَّلي- بتجربة تخزين الملفات في الحمض النووي كخدمة، على الرغم من أن بارك لم يذكر ما إذا كان هناك أحد قد سجَّل بالفعل أم لا.
ولأن الأمر يستغرق وقتاً طويلاً لتحويل البتات إلى حمض نووي واستعادة المعلومات، فلا تتوقع تخزين بيانات في الحمض النووي على هاتفك، ولكن يمكن لهذه التقنية أن تحلَّ محلَّ التخزين الأرشيفي طويل الأمد على الأشرطة المغناطيسية.
وقد كانت شركة كتالوج متكتِّمة حول أسلوبها، مما دفع علماء آخرين إلى القول بأنهم لا يستطيعون الحكم على ما إذا كان ذلك منطقياً، ولكن فيكتور في زيرنوف (من شركة "سيمي كوندكتر ريسيرتش كوربوريشن Semiconductor Research Corporation" في مدينة دورهام بولاية كارولاينا الشمالية، التي تتابع التطورات في تخزين الحمض النووي) يرى أن فكرة "المكتبة" للشركة قابلة للتطبيق اقتصادياً من الناحية النظرية.
ويضيف: "إذا قاموا بذلك، فلن يحتاجوا إلى تصنيع حمض نووي جديد لكل معلومة جديدة يتم تخزينها، وإنما سيكون عليهم فقط إعادة دمج حمضهم النووي الجاهز".
وشركة كتالوج ليست هي الشركة الوحيدة التي تأمل في رفع مستوى تخزين الحمض النووي؛ إذ يتعاون لويس سيز (من جامعة واشنطن) مع شركة مايكروسوفت، التي تخطط أيضاً لإنشاء نظام تجاري لتخزين البيانات في الحمض النووي، وترغب أيضاً في أتمتة العملية.
وتتنافس كلتا المجموعتين للحصول على تمويل من وكالة IARPA -وهي المنظمة البحثية لوكالات الاستخبارات الأميركية- التي قالت في مايو 2018 إنها ستمنح الملايين من أجل عقود لإيجاد طرق لتخزين البيانات في الجزيئات البيولوجية.