هل سيبدأ عصر الهندسة المناخية على الرغم من كل الأصوات المعارضة له؟

8 دقائق
هل سيبدأ عصر الهندسة المناخية على الرغم من كل الأصوات المعارضة له؟
غيتي إيميدجيز

يعمل البيت الأبيض على تطوير خطة بحثية يمكن أن تكون أساساً للتوجيه ووضع المعايير لكيفية إجراء العلماء للدراسات على إحدى أكثر الطرق إثارةً للجدل لمواجهة التغيّر المناخي: الهندسة المناخية الشمسية.

تقوم الفكرة الأساسية على إمكانية تعديل النظام المناخي بطرق تُتيح إطلاق المزيد من الحرارة إلى الفضاء، وتبريد هذا الكوكب المصاب بالاحترار.

اقرأ أيضاً: مصنع وقود يعتمد على المخلفات الزراعية لمواجهة التغير المناخي

يمثل هذا الإجراء، والذي لم يُذكر من قبل في وسائل الإعلام، أول جهد منسق على المستوى الفيدرالي من هذا النوع في الولايات المتحدة. ويمكن أن يمهّد الطريق لإجراء المزيد من الدراسات حول إمكانية التطبيق لإحدى أكثر طرق مواجهة التغيّر المناخي إثارةً للجدل وفوائدها ومخاطرها. كما قد يساهم في تعزيز الفكرة التي تقول إن الهندسة المناخية مجال بحثي صائب ومهم في ظل ارتفاع درجات الحرارة العالمية.

تشمل الهندسة المناخية الشمسية مجموعة من المقاربات المختلفة. وتقوم المقاربة التي اكتسبت أكبر قدر من الاهتمام على استخدام الطائرات أو المناطيد لنشر جسيمات دقيقة في طبقة الستراتوسفير. ومن الناحية النظرية، يمكن لهذه الجسيمات بعد ذلك أن تعكس نسبة من ضوء الشمس إلى الفضاء للتخفيف من الاحترار، وذلك في محاكاة لأثر الانفجارات البركانية الضخمة التي حدثت في الماضي. وقد قامت بعض المجموعات البحثية أيضاً بدراسة إمكانية نشر جسيمات معينة لتفكيك سُحُب السمحاقالتي تحتجز الحرارة عند سطح الأرض، أو جعل السحب البحرية المنخفضة أكثر قدرة على عكس أشعة الشمس.

ويتضمن قانون الاعتمادات الفيدرالية، والذي وقّعه بايدن في عام 2022 في مارس/ آذار، توجيهاً لمكتب سياسات العلوم والتكنولوجيا لتطوير مجموعة متعددة الوكالات لتنسيق الأبحاث حول هذه الحلول المناخية، وذلك بالتعاون مع ناسا (NASA)، والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي نوا (NOAA)، ووزارة الطاقة. 

ويدعو القانون المجموعة إلى بناء إطار عمل بحثي "لتوفير إرشادات حول الشفافية والمشاركة وإدارة المخاطر للأعمال الممولة حكومياً في مجال أبحاث الهندسة المناخية الشمسية". وعلى وجه الخصوص، يوجّه القانون نوا لتوفير الدعم لمكتب سياسات العلوم والتكنولوجيا في تطوير خطة خمسية تتضمن، إضافة إلى أشياء أخرى، تحديداً واضحاً للأهداف البحثية في هذا المجال، وتقييماً للمخاطر المحتملة لهذه العمليات التي ستؤثر على المناخ، وتقديراً لمستوى الاستثمارات الفيدرالية المطلوبة لتنفيذ هذا العمل. 

اقرأ أيضاً: هل أصبح التغير المناخي مصدر خطر على الطاقات المتجددة أيضاً؟

لطالما كانت الهندسة المناخية موضوعاً محرماً بين العلماء، ويقول البعض إنه يجب أن يبقى كذلك. فهناك العديد من التساؤلات حول الآثار الجانبية البيئية المحتملة، إضافة إلى المخاوف من أن النتائج ستكون متفاوتة في أجزاء مختلفة من الكرة الأرضية. كما أنه ليس من الواضح كيفية تعامل العالم مع الأسئلة الصعبة المتعلقة بالإدارة العالمية لهذه العملية، بما فيها طبيعة الجهات التي ستتخذ القرارات حول استخدام هذه الأدوات عالية التأثير، وما هي درجات الحرارة العالمية المتوسطة التي يجب أن نسعى إلى تحقيقها. ويشعر البعض أن الهندسة المناخية خطيرة للغاية لدرجة تمنع حتى مجرد تجربة تطبيقاتها أو دراستها، ويقولون إن مجرد التحدث عن هذا الاحتمال يمكن أن يجعل الحاجة إلى التعامل مع الأسباب الكامنة خلف التغيّر المناخي أقل أهمية.

ولكن، ومع تنامي أخطار التغيّر المناخي، وفشل الدول الكبرى في تحقيق تقدم سريع بشأن الانبعاثات، بدأ المزيد من الباحثين والجامعات والدول بإجراء دراسات جدية حول الآثار المحتملة لهذه الطرق. وبالمقابل، دعت عدة مجموعات بحثية بارزة إلى وضع معايير أكثر تشدداً لتوجيه هذا العمل، أو ضخ المزيد من الأموال فيه، أو لفعل كلا الأمرين معاً. ومن هذه المجموعات الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب، والتي أوصت في السنة الماضية بتأسيس برنامج أميركي لأبحاث الهندسة المناخية الشمسية مع استثمار أولي تتراوح قيمته من 100 إلى 200 مليون دولار على مدى 5 سنوات. 

وفي حين يشدد مؤيدو الهندسة المناخية على أن تخفيض الانبعاثات يجب أن يظل في أعلى سلم الأولويات، فإنهم يقولون إننا يجب أن ندرس هذه الأساليب المحتملة، لأنها قد تؤدي إلى تخفيض أخطار التغيّر المناخي بدرجة كبيرة. ويشيرون إلى أن موجات الحر والجفاف والمجاعة والحرائق البرية وغيرها من الأحداث المناخية المتطرفة أصبحت أكثر انتشاراً أو شدة، وقد تكون هذه المعالجات المناخية ضمن الأساليب القليلة المتاحة للتخفيف بسرعة من معاناة البشر أو المخاطر البيئية. 

اقرأ أيضاً: هل علينا التكيف مع التغير المناخي؟ دراسة حالة إل باسو

وضع المعايير

أكد مكتب الولايات المتحدة لسياسات العلوم والتكنولوجيا في تصريح له أنه قام بتأسيس مجموعة عمل مشتركة بين عدة وكالات، بموجب قانون التمويل الفيدرالي. وتتضمن المجموعة ممثلين من 10 وكالات بحثية ووكالات محددة المهام، مثل نوا وناسا ووزارة الطاقة.  

وتستمد المجموعة معلوماتها من عدد من المجموعات والأفراد، وقد اتفق أفرادها منذ الآن على خطوط عامة للخطة الخمسية، وبدؤوا بصياغتها. وتخطط المجموعة لاستكمال المسودة بحلول نهاية يوليو/ تموز، وسيتم تدقيقها من قبل اللجنة الفرعية لأبحاث التغيرات العالمية وغيرها من المكاتب الفيدرالية، وذلك حتى تصبح جاهزة بحلول الوقت النهائي لتقديمها في منتصف سبتمبر/ أيلول، كما ورد في قانون الاعتمادات.

وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت الخطة ستوصي بزيادة الإنفاق الحكومي، ولكن هذا أمر ممكن، خصوصاً إذا كانت توجهات مجموعة العمل متقاربة مع توصيات الأكاديميات الوطنية. وحتى الآن، لم تنل هذه المشاريع سوى مقادير ضئيلة من الأموال الفيدرالية. 

فقد قدمت نوا حتى الآن نحو 22 مليون دولار إلى مشاريع تتعلق بالهندسة المناخية على مدى السنوات المالية الثلاث الماضية، وذلك وفقاً لقوانين إنفاق سابقة، كما أوردت إم آي تي تكنولوجي ريفيو من قبل. وقد تم إنفاق معظم هذه الأموال على جهود داخلية للوكالة، إضافة إلى تقديم عدة منح للمجموعات الأكاديمية هذه السنة. 

اقرأ أيضاً: بعض الأخبار الجيدة النادرة حول التغير المناخي

وتمثل هذه الأموال تقريباً كامل التمويل الفيدرالي الأميركي المعلن والموجه إلى أبحاث تتعلق بصورة مباشرة بالتعديل المناخي الشمسي حتى اللحظة.

وعادة ما تقوم الهيئات العلمية الفيدرالية، مثل مؤسسة العلوم الوطنية، بإجراء تدقيق حول المشاريع التي تقوم بتمويلها، وذلك من النواحي المتعلقة بالأخلاقيات والآثار والإقرارات العلنية. ولكن هذه الهيكلية كانت ضعيفة من حيث تمويل أبحاث الهندسة المناخية في الولايات المتحدة، ويعود هذا جزئياً، مرة أخرى، إلى أن الحكومة لم تخصص سوى تمويلاً ضئيلاً لهذا المجال حتى الآن.

وقد دفع هذا الفراغ بالباحثين إلى البحث عن التمويل والإشراف في أماكن أخرى. وعلى سبيل المثال، فإن برنامج هارفارد لأبحاث الهندسة المناخية الشمسية، والذي كان يسعى لسنوات إلى إجراء تجربة صغيرة النطاق لإطلاق منطاد في طبقة الستراتوسفير، قام بجمع الأموال من منظمة ويليام وفلورا هيوليت، ومنظمة ألفريد ب. سلون، وبيل غيتس، وغير ذلك من المصادر. كما قامت الجامعة أيضاً بتأسيس لجنة استشارية مستقلة لهذه التجربة، والتي أوصت على نحو مفاجئ بأن يقوم الفريق بإيقاف تجربة طيران كان من المخطط تنفيذها في السويد في أوائل السنة الماضية. 

ومن المجموعات النشطة الأخرى المنظمة اللاربحية سيلفر لاينينغ (Silver Lining)، والتي قامت بتأمين منح بحثية للفرق في جامعات واشنطن، وكورنيل، وروتغرز، والمركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي. كما قامت بجمع الأموال من شركة استثمار رأس المال لوركربون كابيتال (Lowercarbon Capital)، وصندوق بريتزكر (Pritzker) للابتكار، إضافة إلى عدد من الأفراد الأثرياء.  

اقرأ أيضاً: علماء ومصورون يتعاونون على إظهار سرعة تفاقم التغير المناخي

وبشكل مماثل، يقدم تقرير الأكاديميات الوطنية، والذي تم نشره في أوائل العام 2021، عرضاً لبعض المشكلات الجوهرية التي تحاول مجموعة العمل المشتركة بين الوكالات التعامل معها. ويشدد المؤلفون على أن برنامج الأبحاث الفيدرالي يجب أن يُطَوَّر بالتنسيق مع البلدان الأخرى، وأنه يجب أن يركز على بناء المعرفة بدلاً من التركيز على تطبيقها، وأن يمثل جزءاً صغيراً فقط من إجمالي أبحاث المناخ الفيدرالية.  

كما يؤكد التقرير الحاجة إلى وضع مجموعة صارمة من الضوابط لإدارة الأبحاث في هذا المجال، مثل مجموعة من القواعد السلوكية، وسجل للمشاريع، ومعايير واضحة لكيفية التعامل مع العامة والأطراف المعنية. وتتضمن هذه الأطراف المعنية المجتمعات التي تسكن في المنطقة الجنوبية من العالم، والتي يمكن أن تكون أكثر عرضة للتغيّر المناخي آو آثار إجراءات الهندسة المناخية، كما يلاحظ التقرير.

ويضيف المؤلفون أن التجارب الخارجية التي تتضمن إطلاق مواد في الهواء يجب أن تدخل حيز النقاش فقط إذا كانت تعد بتوفير معلومات أو أرصاد جديدة لا يمكن تحقيقها عبر العمل المخبري أو النمذجة أو غير ذلك من الأساليب المشابهة. وأوصى المؤلفون بتأسيس نظام لمنح التراخيص وإجراء التقييمات للمخاطر البيئية المحتملة لعمل كهذا.

وفي يونيو، أعلن الاتحاد الأميركي للجيوفيزياء، وهو مجموعة من علماء المناخ والكوكب البارزين، عن تأسيس مجلس استشاري للعمل مع منظمات عالمية أخرى على "تطوير إطار عمل أخلاقي لتوجيه الأبحاث والتطبيق المحتمل لإجراءات التدخل بشأن التغير المناخي". وهذا يتضمن الهندسة المناخية الشمسية إضافة إلى أساليب أخرى لسحب غازات الدفيئة من الغلاف الجوي.

تحديد التركيب الأساسي

حتى الآن، كانت نوا تقوم بشكل أساسي بتمويل النمذجة والمراقبة والعمل المخبري الذي يركز على تأسيس فهم أفضل للتركيب الأساسي للغلاف الجوي، وذلك باستخدام المناطيد المرتفعة، والطائرات، وغيرها من الأدوات، كما يقول الكيميائي المشرف على الأبحاث ومدير البرنامج في مبادرة ميزانية الإشعاع الأرضي (Earth’s Radiation Budget) من نوا التي تشرف على هذه المشاريع، غريغوري فروست.

ويمكن لهذه الجهود أن تساعد العلماء على فهم كيفية تغير الظروف مع تأثر الغلاف الجوي بالأحداث الطبيعية التي تتسبب بإطلاق الجسيمات، مثل الانفجارات البركانية، وقد تسمح لهم بمحاكاة آثار عمليات التدخل المتعمدة بشكل أكثر دقة. وبفضل جهود نوا في المراقبة في جميع أنحاء العالم، أصبح لديها ما يمكن اعتباره عملياً كنظام مراقبة مبكر في حال قررت دولة أخرى أو طرف ما إطلاق عمليات واسعة النطاق لتطبيق الهندسة المناخية، كما يقول فروست. 

تعتمد عدة مشاريع حاصلة على التمويل أيضاً على النماذج لتقييم إمكانية تغيير السحب البحرية الطبقية، والآثار المحتملة لهذا العمل. وقد أشارت أعمال سابقة إلى أن إطلاق جسيمات ملحية صغيرة نحو هذه السحب الساحلية يمكن أن يزيد من قدرتها على عكس أشعة الشمس، ويجعلها تدوم فترة أطول، ما يمكن أن يؤدي إلى عكس مقدار كبير من الحرارة في حال تنفيذ هذا العمل على جميع سواحل العالم.

اقرأ أيضاً: ما فائدة إنشاء محطات للطاقة الشمسية في الفضاء؟

ويشدد فروست على أن الحكومة الفيدرالية لن تقوم بتنفيذ أو تمويل أي جهود تتضمن إطلاق جسيمات في الهواء. ويضيف أن معظم العمل يعتبر أيضاً في نطاق العمل العلمي الأساسي لتحسين فهمنا لكيفية عمل الغلاف الجوي والتأثير الذي يتعرض إليه بسبب الجسيمات من الحرائق البرية والبراكين وانبعاثات الصواريخ والتلوث والعواصف الغبارية وغير ذلك. ويمكن لكل هذا أن يحسّن النمذجة المناخية، والتنبؤ بالطقس، والتنبؤ بما يمكن أن يحدث عندما تقرر أي دولة اتخاذ إجراءات لتعديل المناخ.

"تنوع أكبر في الأفكار"

ليس من الواضح ما ستتضمنه توصيات المجموعة المشتركة بين الوكالات، أو الشخصيات والجهات التي استشارتها أو ستستشيرها خلال إعداد هذه التوصيات.

تقول الخبيرة في إدارة الهندسة المناخية والتي تعمل في اللجنة الاستشارية لمشروع المناطيد في هارفارد، شوتشي تالاتي، إنها تأمل بأن يتم تطوير الأجندة البحثية الأميركية وتطبيقها وفق تنسيق دقيق مع البلدان الأخرى حول العالم، نظراً لطبيعة تطبيقات الهندسة المناخية التي تشمل العالم بأسره، واحتمال ظهور آثار مختلفة. وتضيف قائلة إنه من المهم أيضاً ضمان عدم هيمنة أي دولة على هذا المجال بشكل مبالغ فيه أو إفرادي.

فقد بدأ إجراء أبحاث الهندسة المناخية في دول أخرى. 

حيث قام العلماء الأوروبيون بدراسة مجموعة متنوعة من المقاربات المحتملة. أما الحكومة الصينية فقد قامت بتمويل عمليات نمذجة في عدة مؤسسات. كما قدم صندوق ديسيمالز (DECIMALS)، والذي يعمل في إطار مبادرة ديغريز (Degrees) في المملكة المتحدة، ما يقارب مليون دولار من المنح لمساعدة العلماء في البلدان النامية على نمذجة آثار التعديل المناخي الشمسي. 

ومن الأهداف المحددة لذلك البرنامج مساعدة الباحثين في بعض مناطق العالم المعرضة بشكل خاص لأسوأ آثار التغيّر المناخي "على القيام بدور أكبر في التقييم والحوار" حول الهندسة المناخية الشمسية. وتتضمن المشاريع عدة جهود لتقييم الأثر المحتمل للإجراءات المناخية على العواصف الغبارية في الشرق الأوسط، والجفاف في جنوب إفريقيا، والأمن المائي والغذائي في بنغلاديش، والكوليرا في جنوب آسيا، وذلك وفقاً للموقع الإلكتروني الخاص بالبرنامج.

اقرأ أيضاً: المحادثات المناخية في غلاسغو لن تحقق أهدافها.. إليكم أساليب أخرى لتسريع التقدم

تقول تالاتي إن التقرير الأميركي يجب أيضاً أن يدرس بعناية مجموعات القواعد التي يجب تطبيقها على عمليات البحث والتجارب في هذا المجال، خصوصاً من حيث كيفية بناء تواصل بناء مع المجتمعات المهمشة، وضمان شفافية الباحثين حول عملهم. إضافة إلى ذلك، يجب أن تستند الأجندة البحثية على خبرات ووجهات نظر مجموعة كبيرة من الخبراء، والتي يجب ألا تقتصر على الخبراء التقنيين وحسب، بل يجب أن تشمل أيضاً علماء الاجتماع والاقتصاديين وعلماء السياسة، كما تقول.

ولإضفاء الشرعية على هذا المجال، يجب أن تكون الهندسة المناخية "أوسع نطاقاً بكثير، وأكثر انفتاحاً، وأكثر تنوعاً في الأفكار حول كيفية دراسة هذه المقاربات".