هل تنجح أدوية الشيخوخة في إبطاء التقدم بالعمر؟

7 دقائق
هل تنجح أدوية الشيخوخة في إبطاء التقدم بالعمر؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Justlight

لو أخبرت والدك اليوم أن العمر مجرد رقم، فقد يشعر بالامتنان لأنك تواسيه وتمدح روح الشباب لديه وتخفف وطأة الشيخوخة عليه، لكنك في الواقع وبعد قراءة هذا المقال، ستعلم أن العمر فعلاً مجرد رقم، وأن الشيخوخة بات لها ما يعالجها بفضل التطورات التقنية والحيوية. إن كنت لا زلت في شك، فانظر إلى ما توصل إليه العلم.

ما هي الشيخوخة؟

العمر والشيخوخة هما شيئان مختلفان، فبينما يعد العمر مجرد رقم يُنظر إليه من زاوية شخصية، فإن الشيخوخة هي عملية فيزيولوجية تحدث في الجسم. وصفت الدراسة المنشورة في دورية سيل (Cell)، الشيخوخة بأنها فقدان تدريجي للسلامة الفيزيولوجية يؤدي إلى ضعف وظيفي على مستوى الخلايا والأنسجة والأعضاء، وزيادة احتمالية الوفاة. وتتمثل أعراض الشيخوخة في ظهور التجاعيد وتراجع الأداء والقدرة على التحمل والإصابة بالأمراض.

اقرأ أيضاً: الشيخوخة: مرض أمْ عملية بيولوجية مسببة للمرض؟ جدل قديم متجدد

أسباب الشيخوخة

كشفت الدراسة عن الأسباب الأساسية التي تسهم في الشيخوخة، والتي تحدد سماتها الرئيسية، وهي:

1. عدم الاستقرار الجيني

الحمض النووي الريبي منقوص الأوكسجين أو الدنا (DNA) هو الناقل للمعلومات الوراثية التي تكوّن السمات الرئيسية لكل إنسان. يتكون من النكليوتيدات، التي تشفّر المعلومات الوراثية للكائن الحي. ويُطلق على مزيج الجينات أو الخصائص الجينية لكل شخص بالجينوم، والذي يقع في نواة الخلايا حقيقة النواة، إلّا أن الدنا يتأثر بمجموعة من العوامل الخارجية والداخلية مثل أشعة الشمس والأوكسجين التفاعلي (من التدخين والأغذية غير الصحية)، ما يؤثّر في أداء الجينوم بمرور الوقت. عادةً ما تمتلك الخلايا آليات كشف للضرر وإصلاحه، ومع ذلك فإنها غير مثالية، بحيث تبقى نسبة من الضرر لا يمكن إصلاحه، يتراكم بفعل الزمن إلى الحد الذي يسبب مشكلات صحية في الجسم، ويدفع الخلايا إلى الشيخوخة.

2. تدهور التيلوميرات

التيلوميرات هي هياكل توجد في نهايات الكروموسومات في الجينوم البشري، وهي قطع غير مشفرة من الحمض النووي، مهمتها حماية الكروموسومات في أثناء الانقسام. ومع ذلك، تفقد الخلية خلال كل انقسام جزءاً من التيلوميرات، وبمرور الوقت يتم الوصول إلى طول معين تتوقف فيه الخلايا عن الانقسام، ويمكن أن تسبب الالتهاب أو حتى موت الخلية، ما يُسرّع من عملية الشيخوخة.

يوجد إنزيم خاص يُسمى تيلوميراز يمكنه استعادة طول التيلوميرات، إلّا أنه لا يمكن للجسم تصنيعه، باستثناء بعض الخلايا الجذعية. في المقابل، يمكن للخلايا السرطانية تصنيعه بشكلٍ دائم، ما يساعدها على التكاثر إلى أجل غير مسمى.

3. التغيرات فوق الجينية: الإبيجينوم

الإبيجينوم، هو العلم الذي يحدد الآليات التي يمكنها تعديل تعبير الجينات في كل خلية وفقاً لتخصصها، دون تغيير تسلسل الحمض النووي الخاص بها. يتصف الإبيجينوم بأنه ديناميكي؛ حيث تتغير استجابته للنظام الغذائي أو الأدوية أو الإجهاد حتى تتمكن الخلية من التكيُّف مع التغيرات البيئية، ومع التقدم في العمر. وتشمل:

  • المثْيَلة: إضافة أو إزالة جزيء ميثيل في تسلسلات معينة من الحمض النووي.
  • أستلة الهستونات: إضافة أو إزالة مجموعة الأسيتيل من جزيء إلى آخر.
  • إعادة تشكيل الكروماتين: وهو الهيكل الذي تتم فيه تعبئة الحمض النووي.

 يمكن لهذه التعديلات اللاجينية تعديل التعبير الجيني وتسبب بعض الأمراض المرتبطة بالعمر.

اقرأ أيضاً: هل يستطيع الطب أن يقضي على الشيخوخة؟

4. فقدان البروتين

توجد البروتينات في الجينوم بشكلٍ لافت، ما يسمح لها بأداء وظائفها، وهو ما يُعرف باستتباب البروتين (Proteostasis). للحفاظ على هذه الاستتباب تمتلك الخلايا آليات تُنظّم تخليق البروتين وطيه وتحلل البروتين، حيث يتم تحليل البروتينات التالفة بواسطة البروتيزومات (Proteasomes)، أو بعملية الالتهام الذاتي.

قد تتدهور كلتا الآليتين مع تقدم العمر، فتتراكم البروتينات التالفة وغير الوظيفية، وتسبب الإصابة ببعض الأمراض مثل الأمراض التنكسية العصبية المرتبطة بالعمر (ألزهايمر وباركنسون). إذاً، يمكن بتنشيط البروتيزومات أو الالتهام الذاتي إطالة عمر الكائنات الحية.

5. مسارات استشعار المغذيات

في أثناء التقييد الغذائي، تحصل الكائنات مثل الديدان والفئران والقرود بالإضافة للبشر على احتياجاتها من العناصر الغذائية، من خلال ما يُعرف بمسارات استشعار المغذيات، والتي تكشف المغذيات إمّا من خلال الهرمونات أو مكونات مغذية محددة.

من المثير للاهتمام أن التثبيط الوراثي أو الدوائي لهذه المسارات يطيل العمر الافتراضي للكائنات، ما يجعله وسيلة لتطوير الأدوية المضادة للشيخوخة.

اقرأ أيضاً: عكس شيخوخة الخلايا: تجارب واعدة على الحيوانات قد تُطبق مستقبلاً على البشر

6. خلل الميتوكوندريا

الميتوكوندريا هي "محطات طاقة خلوية"، إذ يمكن لهذه العضيات زيادة مستوى الطاقة بمساعدة الأوكسجين، من خلال عملية تنفس الميتوكوندريا، بالإضافة إلى الطاقة، ينتج عن تنفس الميتوكوندريا الأوكسجين التفاعلي بأشكاله كافة.

تحتوي الميتوكوندريا على الحمض النووي الخاص بها (mtDNA)، والذي يرمز للبروتينات اللازمة لعملية التنفس. قد يتعرض (mtDNA) للتلف بسبب تراكم الأوكسجين التفاعلي بمرور الوقت، فتتعطل الميتوكوندريا عن أداء وظائفها.

7.  الشيخوخة الخلوية

الشيخوخة الخلوية، هي حالة تصيب الخلايا نتيجة الإجهاد أو تراكم الضرر بمرور الوقت، وتسبب:

  • فقدان الخلايا قدرتها على الانقسام، ووظيفتها الأساسية.
  • إطلاق الجزيئات الضارة، مثل السيتوكينات الالتهابية.
  • التأثير سلباً على الخلايا المحيطة، ما يسهم في ضعف وظائف الأعضاء.

لذا يمكن بإزالة الخلايا الشائخة المتراكمة بمرور الوقت، بالعلاج الجيني أو الدوائي، تحسين الصحة وإطالة العمر.

اقرأ أيضاً: تعرف على الأدوية المكافحة للشيخوخة التي أغرت المستثمرين

8. استنفاد الخلايا الجذعية

تتمايز معظم خلايا الجسم لدى نضجها، واكتساب هويتها النهائية، بحيث تفقد قدرتها على الانقسام، مثل الخلايا العصبية والجلدية. لذا تعتمد الأعضاء على الخلايا الجذعية غير المتمايزة أو المتمايزة جزئياً لإصلاح التلف، بسبب قدرتها على الانقسام والتمايز.

ومع ذلك، مع تقدم العمر، تقل قدرة الخلايا الجذعية على الانقسام، ما يؤدي إلى:

  • استنفاد الخلايا الجذعية، وتقليل قدرة الجسم على إصلاح الأنسجة وتلف الأعضاء.
  • تغير الخلايا الجذعية قدرتها على التمايز، وبالتالي ظهور طيف مختلف من الخلايا المتمايزة في الكائنات الأقدم، مقارنة بالأصغر سناً.

من الممكن حالياً تجديد الخلايا الجذعية، من خلال حقن البلازما في الدم، ما قد يساعد على إيقاف سمات الشيخوخة.

9. الالتهاب المزمن

الالتهاب، هو رد فعل الجسم على ما قد يعتبره عدواناً خارجياً أو داخلياً على الأنسجة، حيث تصنع الخلايا جزيئات مضادة للالتهاب لتنظم الاستجابة الالتهابية، حسب الضغط الذي تتعرض له.

مع التقدم بالعمر، يصبح الالتهاب في الأنسجة المسنة مزمناً، ما يتسبب بتلفها، والإصابة بالأمراض مثل السمنة والسكري من النوع 2. يمكن للاستهداف المباشر للمسارات الالتهابية في الفئران أن يجدد الأنسجة ويحسّن من الصحة ويطيل العمر.

10.  عدم توازن الميكروبيوم (دسباقتريوز)

يمتلك الشباب ميكروبيوماً معقداً، يضم العديد من الأنواع البكتيرية المختلفة، بينما يكون أقل تعقيداً لدى كبار السن، ويتميز بمحتواه من البكتيريا الممرضة. من المثير للاهتمام، أن المعمرين يمتلكون ميكروبات لا توجد سوى في صغار السن.

11.  الالتهام الذاتي

لدى تقييد كمية الغذاء المتناول، تقل كمية العناصر الغذائية المتوفرة، فتنشط في الخلايا آلية تُعرف بالالتهام الذاتي، وتعني تكسير مكونات الخلية وإعادة استخدام اللبنات الأساسية في بناء مكونات الخلية. لكن مع تقدم العمر يتناقص نشاط الجينات المرتبطة بالالتهام الذاتي عند البشر، ما يؤدي للشيخوخة في الكائنات الحية النموذجية.

اقرأ أيضاً: تحذير من أحد العلاجات الجينية الباهظة للشيخوخة

طرق إبطاء الشيخوخة

بمعرفة الآليات الجزيئية للشيخوخة وسماتها، يمكن إبطاء الشيخوخة وإطالة العمر بالتأثير على هذه الآليات، حيث أشار معهد ماكس بلانك لبيولوجيا الشيخوخة (Max Planck Institute for Biology of Ageing) إلى إمكانية اتباع ما يلي:

تعزيز ميكروبيوم الأمعاء

في دراسة نُشرت في دورية إي لايف (Elife)، تبين أن أسماك الكيلي فيش (killifish) عاشت لفترة أطول بنسبة 40%، عندما تم إعطاؤها بكتيريا أمعاء الأسماك الأصغر. ومن الجدير ذكره، أن ميكروبيوم أمعاء الكيلي فيش يشبه إلى حدٍ كبير ميكروبيوم أمعاء الإنسان.

الالتهام الذاتي وبرنامج إعادة تدوير الخلية

يمكن تنشيط المسارات الجزيئية للالتهام الذاتي من خلال كمية صغيرة فقط من الأحماض الأمينية في الخلية، وتوجد في مجموعة متنوعة من الكائنات الحية، من ذباب الفاكهة إلى البشر.

الميتوكوندريا

كشفت الدراسة المنشورة في دورية مراجعات نيتشر بيولوجيا الخلية الجزيئية (Nature Reviews Molecular Cell Biology)، أن كلاً من المستويات المنخفضة والمرتفعة من الأوكسجين التفاعلي غير صحية، بينما تنتجها الميتوكوندريا بالكمية المناسبة الأفضل لصحتنا.

لتنشيط الميتوكوندريا على إطلاق الأوكسجين التفاعلي بالمستويات المناسبة، يمكن ممارسة التمارين الرياضية.

اقرأ أيضاً: نموذج تعلم عميق من جوجل يتنبأ بالإصابة بالشيخوخة البيولوجية من صور شبكية العين

إعادة البرمجة الجزيئية

وفقاً للبروفيسور ديفيد سنكلير، وهو عالم أحياء معروف متخصص في أبحاث الشيخوخة وأستاذ علم الوراثة في كلية الطب بجامعة هارفارد الأميركية والمدير المشارك في مركز بول إف غلين لبيولوجيا أبحاث الشيخوخة، يوجد في كل خلية من الجسم جزيء يُعرف بـ "إن أيه دي" (NAD)، وهو ضروري للحياة بحيث يمكن أن يتسبب غيابه بالموت بعد نحو 30 ثانية.

يُنظّم هذا الجزيء عمل بروتين وقائي يُدعى (سيرت 1)، والذي يعمل إلى جانب 6 إنزيمات أخرى في حماية الجسم من أمراض مختلفة. إذاً يتمتع الأشخاص الذين ترتفع لديهم نسبة سيرت 1 بصحة أفضل لفترة أطول.

يعتقد سنكلير أنه يمكن لهذا البروتين حماية المعلومات الوراثية المخزنة على الحمض النووي، وإبطاء تلف الإبيجينوم، حيث استطاع عكس عملية التقدم بالسن عندما رفع مستوياته في بعض الحيوانات.

يمكن رفعه عن طريق تناول أو حقن مادة طليعية من إن أيه دي، وثمة عدد من هذه المواد الطليعية، من بينها أحادي نيوكليوتيد أميد النيكوتين المعروفة اختصاراً بـ (NMN). وفي تجاربه في جامعة هارفارد، تناول مشاركون كبار السن الجزيء كمكمل غذائي، فتمتعوا بصحة أفضل وذاكرة أقوى، كما انخفضت لديهم نسبة الكوليسترول وضغط الدم. تُعرف هذه العملية بإعادة البرمجة الجزيئية.

تنشط إعادة البرمجة الجزيئية مجموعة من الجينات التي تكون نشطة فقط في سن مبكرة أو عند الرضع أو الأجنة، وتصبح خاملة لدى البالغين، وتؤدي إعادة تنشيطها إلى جعل الخلايا تتصرف كخلايا الأطفال مرة أخرى.

يعود اكتشاف هذه الجينات إلى العالم الياباني شينيا ياماناكا، وهي 4 جينات نشطة في الخلايا الجنينية، أعاد سنكلير وطلابه تنشيط 3 منها في القردة فقط، لأن الرابع مسؤول عن الإصابة بالسرطان. كانت النتيجة مذهلة، إذ لم تتوقف الخلايا عن التقدم في العمر فقط، بل إنها تراجعت في العمر نحو 75%. وفي تجربة مماثلة على فئران كانوا قد أتلفوا عصبها البصري، نتج عن تنشيط الجينات الثلاثة تجديد الخلايا العصبية واستعادة الفئران بصرها.

اقرأ أيضاً: البروفيسور ديفيد سنكلير أمام مجلس محمد بن زايد يكشف عن جديد العلم في إطالة عمر الإنسان

الأدوية التي قد توقف الشيخوخة

لا يوجد علاج محدد لإطالة عمر البشر، إلّا أن بعض المركبات يمكنها استهداف آليات الشيخوخة، مثل:

  • الرابامايسين (Rapamycin): استخدم عقار الرابامايسين لأول مرة بعد عملية زرع الكلى، لتثبيط الجهاز المناعي عن مهاجمة العضو الجديد. لاحقاً أشارت دراسة نُشرت في دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS)، إلى أنه يمكن للرابامايسين أن يزيد متوسط عمر ذبابة الفاكهة بنسبة 50% من خلال تنشيط الالتهام الذاتي.
  • الميتفورمين (Metformin): هو علاج يُستخدم لمرضى السكري، ويعمل من خلال منع تكوين جزيئات غلوكوز جديدة في الكبد، كما تبين أنه يساعد على إطالة عمر الفئران، ما زال قيد التجريب حالياً قبل استخدامه كدواء لإطالة العمر للبشر.
  • الأدوية الحالة للشيخوخة: هي الأدوية التي تحفّز موت الخلايا الشائخة، ومنها تينيسبامايسين (Tanespimycin)، والذي أظهر تأثيراً مضاداً للشيخوخة في الدودة الخيطية الربداء الرشيقة (Caenorhabditis elegans)، من خلال خفض عدد الخلايا الشائخة، والجزيئات الضارة التي تفرزها، ومع ذلك ما زال يتعين إجراء المزيد من الأبحاث فيما يخص البشر.
  • الريسفيراترول والفيزيدين وسبيرميدين: وهي مركبات كيميائية تفرزها النباتات التي تتعرض للإجهاد، ينصح سنكلير بتناولها على شكل مكملات غذائية.

اقرأ أيضاً: استراتيجية جديدة لإبطاء الشيخوخة تجتاز أول اختبار لها هذا العام

تبقى إمكانية تطبيق هذه الأدوية على البشر موضع شك وتخوّف، بسبب اختلاف التاريخ التطوري للحيوانات عن البشر، كما أن نتائجها تختلف بين الجنسين. لذا لن نعرف على وجه اليقين حتى تدخل العلاجات حيز التجارب البشرية.