هل تستطيع الشرائح الفوتونية إنقاذ البيتكوين؟

5 دقائق
حقوق الصورة: رونالد لارسون/ أنسبلاش

عندما انفجرت فقاعة البيتكوين في نهاية عام 2017، هبطت قيمة هذه العملة المشفرة من أكثر من 17000 دولار إلى أقلَّ من 7000 دولار في غضون أيامٍ قليلة فقط. وأشارت التغطية الإخبارية العالمية في وقتها إلى أنَّ طفرة هذه العملة قد انتهت بصورةٍ مفاجئة على ما يبدو.

ولكن مع هبوط قيمة البيتكوين، حدث أمرٌ غريب؛ فقد ارتفع معدَّل إنتاج البيتكوين -أي التنقيب عنها- بشكلٍ كبير، فما السبب وراء ذلك؟ يُعزى السبب إلى أن التنقيب عن البيتكوين كان ما يزال مربحاً للغاية على الرغم من الانخفاض في قيمتها. وبكلماتٍ أخرى، كانت تكلفة التنقيب -وهي سعر العتاد الصلب مضافاً إليه تكلفة الطاقة اللازمة لتشغيله- ما تزال أدنى من قيمة العملات التي يتم إنتاجها.

واستمرت طفرة التنقيب هذه لمدة عامٍ تقريباً. ثم في نوفمبر 2018، انخفضت قيمة البيتكوين مرة أخرى بدرجةٍ كبيرة، حيث هبطت من حوالي 6500 دولار إلى أقلَّ من 3500 دولار.

مما وضع الكثير من المنقبين في وضعٍ صعب؛ فقد أمست قيمةُ البيتكوين فجأةً غيرَ كافيةٍ لتغطية تكاليف الطاقة، وبالتالي توقفت عمليات التنقيب. ولأول مرةٍ في تاريخ العملات المشفرة، انهار معدل التنقيب، فتراجع من 60 إلى 35 إيكسا هاش في الثانية فقط (الإيكسا هاش تعادل إجراء 10 مرفوعةً للقوة 18 عمليةَ معالجة).

لقد كانت الصدمة ثقيلة؛ فقَبل هذا الانهيار، كانت تجري عمليات التنقيب في أماكنَ متنوعةٍ جغرافياً، مما منع أيَّ دولة أو منطقة من أن تفرض نفوذاً مُفرطاً على العملة المشفرة. وبذلك أضحى التنقيب ممكناً فقط حيثما تكون الطاقة رخيصةً بما يكفي لتحقيق الربح، وهذا ينطبق بشكلٍ أساسي على المنطقة الغربية من الصين. وقد كانت الصين تزيد من التدقيق على العملات المشفرة، وتغلق شركات تحويلها وتحظر العديد من الأنشطة المتعلقة بها.

وقد شكَّل هذا تهديداً وجودياً على البيتكوين. ومنذ ذلك الحين، عكف خبراءُ العملات المشفرة على البحث باستماتةٍ عن حلٍّ لهذه المشكلة.

وتكمن القضية الأساسية في أن تنقيب البيتكوين مكلفٌ من الناحية الحسابية. وهو تصميمٌ مُتعمَّد من أجل ضمان أمن العملة المشفرة. لكن هذه الحسابات تتسم بكثافة استخدامها للطاقة، ومع ازدياد الاهتمام بالعملات المشفرة، ازدادت كمية الطاقة التي تستهلكها.

ووفق لبعض التقديرات، فإن تنقيب البيتكوين يستهلك حالياً أكثر من 75 تيرا واط ساعي سنوياً، وهي كميةٌ أكبر من الاستهلاك الإجمالي للنمسا من الكهرباء. ومن الواضح استحالةُ الاستمرار على هذا المنوال، لا سيما إذا ما واصلت البيتكوين -كما يأمل مجتمع العملات المشفرة- نموَّها المتسارع.

إذن، هناك حاجةٌ ماسة لإيجاد طريقةٍ جديدة للتنقيب عن العملة المشفرة. وهنا يتدخل مايكل دوبروفسكي من منظمة بووكس PoWx غير الربحية ومارشال بول من جامعة كولومبيا في نيويورك وبوجدان بينكوفسكي من جامعة باريس-ساكلي في فرنسا. فقد ابتكر هؤلاء طريقةً جديدة لتأمين بيتكوين تتميز بكونها مُكلفة من الناحية الحسابية ولكن أكثر كفاءةً بكثير من ناحية استهلاك الطاقة. والأهم من ذلك، أنهم يقولون إن هذه الطريقة متوافقةٌ أيضاً مع أنظمة التشفير الحالية، لذا سيكون من السهل نسبياً إدراجُها مباشرةً في إصدارات بيتكوين المستقبلية.

وتعتبر طريقتُهم الجديدة بسيطةً في جوهرها؛ فعِوضاً عن الاعتماد على الحواسيب التقليدية لإجراء العمليات الحسابية المعقدة، يريد دوبروفسكي وزملاؤه استخدام الحواسيب الضوئية. يقول الباحثون إن هذه الأجهزة تسـتخدم قدراً من الطاقة أقلَّ بكثيرٍ من الأجهزة التقليدية، وبالتالي سوف تغير جذرياً عملية الحسابات المستخدمة في التنقيب عن البيتكوين. لكن، هل هم مصيبون في كلامهم؟

لنبدأ ببعض المعلومات الأساسية عن هذا الموضوع. تعتمد البيتكوين على سجلٍّ لا مركزي يحتفظ بكل سجلات المعاملات المالية المرتبطة بالعملة؛ حيث تضمن هذه الطريقة عدم قدرة أية جهةٍ منفردة على التحكم في العملة.

وتكمن إحدى الأفكار الأساسية في ضرورة أن يكون السجل آمناً بحيث يستطيع الجميعُ الوثوقَ بمحتوياته. ويتم تحقيق أمن السجل من خلال تشفيره بانتظامٍ حتى يستحيلَ تغيير محتوياته. 

غير أنه يجب أن تتمتع عملية التشفير بخصائصَ مميزة؛ حيث يجب أن يكون تشفير السجل أمراً بالغ الصعوبة، ولكن حالما يتم تشفيره، ينبغي أن يكون من السهل التحقق منه.

وقد اتضح أن هناك مجموعةً من الكائنات الرياضية تسمى توابع الباب السري- أو الدوالّ وحيدة الاتجاه- التي تتمتع بهذه الخاصية بالضبط. وفي الواقع، يتم استخدامها بالفعل على نطاقٍ واسع في عمليات تشفير أيّ شيء بدءاً من الرسائل الشخصية ووصولاً إلى معاملات البطاقة الائتمانية.

يعدُّ هذا النوع من التشفير مكلفاً من الناحية الحسابية؛ حيث يتطلب حواسيبَ فائقة القدرة تستهلك كمياتٍ كبيرة من الطاقة عند تشغيلها، ولذلك تملك بيتكوين ميزة أخرى لعبت دوراً كبيراً في نجاحها؛ فعندما يقوم أيُّ شخص بتنفيذ عملية التشفير-أي ما يسمى: برهان العمل- تتم مكافأته بعملات البيتكوين التي تم إنشاؤها حديثاً.

وهذا هو السبب وراء تسمية هذه العملية بالتنقيب. ومع تزايد قيمة عملة البيتكوين، تزايدت معها شعبية التنقيب عنها أيضاً.

ولكن هذا الأمر لا يخلو من جانبٍ سلبي؛ فالحسابات المرافقة لعملية التنقيب مكلفةٌ من حيث استهلاك الطاقة؛ لذا اجتهد المنقبون في البحث عن طرقٍ متنوعة لتخفيض تكاليف عملهم. وكان أحد التطورات هو إدخال الدارات المتكاملة محددة التطبيق -أو ما يسمى شرائح آسيك ASIC- التي تم تطويرها لتأدية غرضٍ منفرد، وهو التنقيب عن البيتكوين. فيما تمثَّلَ تطورٌ آخر في العثور على مصادرَ رخيصةٍ للطاقة.

يقول دوبروفسكي وزملاؤه إن الحوسبة الضوئية تغير من طريقة التفكير هذه، وقد استوحى الباحثون فكرتهم من التطور السريع خلال السنوات الأخيرة في مجال الشرائح الفوتونية التي تستطيع تنفيذ الحسابات بفعاليةٍ أكبر بكثير من الشرائح السيليكونية. يقول الفريق: "تبشِّر هذه التكنولوجيا بتحقيق كفاءةٍ في استهلاك الطاقة أفضلَ بضعفين أو ثلاثة أضعاف من المعالجات الإلكترونية".

ولتحقيق هذه الغاية، ابتكر دوبروفسكي وزملاؤه بروتوكولَ تشفيرٍ مُنقَّح، يسمى هيفي هاش HeavyHash، الذي تم تطويره على وجه الخصوص ليعمل بشكلٍ أمثل على الحواسيب الفوتونية. وهذا يعني أنه يمكن تحقيق أفضل النتائج من خلال توظيف معالج فوتوني فقط للقيام بالعمليات الحسابية المعقدة على الأرقام.

وسوف يشجِّع "البرهان الضوئي للعمل" على اعتماد الشرائح الفوتونية، وبالتالي يخفض بدرجةٍ كبيرة كميةَ الطاقة اللازمة للتنقيب عن البيتكوين. يقول الباحثون: "سيساعد تطبيق البرهان الضوئي للعمل على تسريع تطوير معالجاتٍ فوتونية تعاونية تتسم بالكفاءة من حيث استهلاك الطاقة".

وعندما تغدو تكلفة الطاقة مسألةً ثانوية، فسيصبح سعر العتاد الصلب هو العامل المهيمن في تكاليف عملية التنقيب، على حدِّ تعبير دوبروفسكي وزملائه. وهذا سيضمن تمكُّن المنقبين من العمل بطريقةٍ تُدرُّ عليهم الربح أينما كانوا في العالم وليس فقط في المناطق حيث تكون تكلفة الطاقة زهيدة. 

على الأقل، هذه هي فكرة الفريق من الناحية النظرية، لكن المشكلة هي أنه لم يتم حتى الآن إثبات كفاءة الطاقة في الشرائح الفوتونية علمياً وبشكلٍ واضح لا لَبس فيه. على سبيل المثال، تعمل المفاتيح الضوئية عن طريق تغيير معامل الانكسار الخاص بها، وهذا يتم حالياً باستخدام أجهزة تسخين صغيرة الحجم.

كما توجد اختلافاتٌ ضئيلة بين الدارات الفوتونية السيليكونية المختلفة التي يجب تعويضها باستخدام أجهزة التسخين المصغرة؛ حيث إن أجهزة التسخين هذه ترفع كميةَ الطاقة التي تستهلكها الشرائح بشكلٍ ملحوظ، وبطرقٍ يصعب توقعُها. وفي الواقع، لا يتنبأ دوبروفسكي وزملاؤه بشكلٍ جليٍّ بدرجةِ توفير الطاقة الممكنة -أو ما إذا كان من الممكن أساساً تحقيقُ توفيرٍ في الطاقة- عند تزايد عمليات التنقيب عن البيتكوين. وهذا الأمر يُصعِّب تقييمَ فعالية البرهان الضوئي للعمل.

كما لا يوضِّح الباحثون كيفيةَ إسهام البرهان الضوئي للعمل في حلِّ المشكلة المتعلقة بالاختلافات المناطقية في تكاليف الطاقة؛ ففي المستقبل ستكون تكاليف العتاد الصلب -كما هي عليه اليوم- متماثلةً بالنسبة لجميع المنقبين، لذا فإن أفضل طريقة لزيادة الأرباح إلى أقصى حدٍّ ممكن على المدى الطويل ستكون من خلال اكتشاف مصادر رخيصةٍ للطاقة.

إذن فقد عدنا إلى أصل المشكلة التي تواجهها بيتكوين حالياً. وهذا هو السبب الكامن وراء صعوبة الهروب من النتيجة الواضحة بأن هذا النموذج من الحوسبة الموفِّرة للطاقة بالكاد يؤجِّل المحتوم.

المرجع: arxiv.org/abs/1911.05193
البرهان الضوئي للعمل

المحتوى محمي