هذه ثلاثة أشياء لا نعرفها عن عملة ليبرا الرقمية من فيسبوك

4 دقائق
مصدر الصورة: فيسبوك/ ليبرا

يمثل إطلاق فيسبوك للشبكة التجريبية لعملتها الرقمية الجديدة -والمسماة: عملة ليبرا- حدثاً نال أكبر قدر من الضجيج الإعلامي، وقد يكون واحداً من أهم الأحداث المتعلقة بالعملات المشفرة على الإطلاق. كما أنه أحدث استقطاباً واضحاً في أوساط أنصار العملة المشفرة، حيث يعتقد البعض أنه يصب في صالح صناعة العملة المشفرة، في حين يشعر الآخرون بالاشمئزاز من فكرة استغلال شركة تكنولوجية كبيرة للتكنولوجيا التي كان يفترض بها مساعدة الناس على تجنب الشركات التكنولوجية الكبيرة، بل إن البعض يقول إنها حتى ليست عملة مشفرة حقيقية.

لنترك الضجيج الإعلامي والجدل جانباً، وسنجد على الأقل ثلاثة أسئلة هامة تستحق الإجابة عنها.

هل ليبرا عملة مشفرة حقاً؟

يعتمد هذا على تعريفك للعملة المشفرة؛ حيث إن عملة ليبرا ستعتمد على نظام بلوك تشين، ولكنها مختلفة للغاية عن بيتكوين.

بدايةً، لن تكون ليبرا "أصلاً رقمياً" بقيمة متقلبة بشكل كامل، بل ستكون مصممة للحفاظ على قيمة مستقرة، أي أنها مستوحاة مما تسمى العملات المستقرة، وستكون "مدعومة بالكامل بسلة من الإيداعات المصرفية وسندات الخزينة من بنوك مركزية رفيعة المستوى"، وذلك وفقاً لورقة جديدة (بصيغة PDF) حول المشروع.

إضافة إلى ذلك، يمكن الدخول إلى شبكة بيتكوين دون إذن، أي أنها عامة؛ مما يعني أنه يمكن لأي شخص يمتلك اتصالاً بالإنترنت وحاسوباً من النوع المطلوب تشغيل برنامج الشبكة، والمساعدة على مصادقة التعاملات الجديدة، و"التنقيب" عن عملات جديدة بإضافة تعاملات جديدة إلى السلسلة، وتعمل هذه الحواسيب معاً على حماية بيانات الشبكة من التلاعب.

غير أن شبكة ليبرا لن تعمل بهذه الطريقة، بل ستعتمد على "عقدة مُصادِق" تتطلب إذن دخول. ولإطلاق الشبكة، وقَّعت فيسبوك عقوداً مع عشرات الشركات، بما فيها ماستر كارد وفيزا وبايبال وأوبر وليفت وفودافون وسبوتيفاي وإيباي وشركة التجارة الإلكترونية الأرجنتينية واسعة الانتشار ميركادوليبر، للمشاركة في الشبكة التي ستصادق على التعاملات. وقد استثمر كل من هؤلاء "الأفراد المؤسِّسين" حوالي 10 مليون دولار في المشروع.

وبطبيعة الحال، فإن هذه الطريقة تتعارض مع إيديولوجيا اللامركزية واسعة الانتشار بين أنصار العملة المشفرة؛ حيث إن بنية النفوذ الموزع للشبكات العامة مثل بيتكوين وإيثيريوم تعطيها ميزة تجعل الكثيرين -ممن هم من أشد أنصارها تعصباً- يرونها أساسية في أية عملة مشفرة، وهي: مقاومة الرقابة. حيث إن التلاعب بسجل التعاملات للشبكات المفتوحة المعروفة أمر صعب ومكلف للغاية، أما الشبكات المشابهة للشبكة التي بنتها فيسبوك لعملة ليبرا فهي أكثر عرضة للرقابة ومركزية النفوذ، بما أنها تُدار من قِبل عدد صغير ومحدود نسبياً من الجهات التي يمكن أن تتعاون لمهاجمة الشبكة أو يمكن اختراقها لهذا الغرض.

ولكن فيسبوك تزعم أن هذه مجرد "نقطة بداية"، ويقول مؤلفو التوصيف التكنولوجي لليبرا: "نطمح لأن تُصبح شبكة ليبرا مفتوحة. ويتمثل التحدي في أننا لا نعتقد حالياً بوجود حل مُثبت يمكن أن يعمل على المستوى المطلوب لتقديم الاستقرار والحماية لدعم مليارات الأشخاص والتعاملات عبر الكوكب بشبكة مفتوحة".

هل يمكن لليبرا أن تنقل البلوك تشين إلى نطاق الاستخدام العام؟

كان هذا السؤال حول مشكلة إمكانية التوسع متوقعاً؛ حيث إن أنظمة البلوك تشين الحالية تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، وتعالج التعاملات ببطء شديد لدرجة تمنعها من تلبية الطلب للجميع، وهو على الأرجح أكبر عائق يقف في وجه انتشار العملة المشفرة على نطاق واسع. ولهذا قررت فيسبوك ألا تستخدم "إثبات العمل"، أي العملية التي تعتمد عليها بيتكوين للتوصل إلى اتفاق بين عقد شبكة البلوك تشين، وذلك بسبب "أدائها الضعيف وتكاليفها الباهظة من الطاقة (إضافة إلى الآثار البيئية)".

ومشكلة التوسع هي أيضاً السبب الذي دعا باحثي إيثيريوم إلى العمل على إيجاد بديل جديد وأكثر فعالية لإثبات العمل، بناء على طريقة مختلفة تسمى إثبات الحصة. فبدلاً من المساهمة في الشبكة بمقادير كبيرة من استطاعة الحوسبة -كما يفعل "المنقبون" في أنظمة إثبات العمل- يساهم مُصادقو إثبات الحصة بمقادير كبيرة من الأموال، حيث يودعون هذه "الحصة" بحيث يخسرونها في حال ارتكابهم لأي مخالفة.

وهذه الطريقة تَعِد بمساعدة أنظمة البلوك تشين العامة على التوسع، ولهذا تقول فيسبوك إنها ترغب في أن تعتمد عملة ليبرا في نهاية المطاف على إثبات الحصة أيضاً.

ولكن تبيَّن أن تطبيقها أمر صعب، وستحتاج إيثيريوم على الأرجح لعدة سنوات قبل أن تكون جاهزة لهذه النقلة. أما فيسبوك فقد أنشأت ليبرا أسوسييشن، وهو تجمع يتضمن مدققي الشبكة، لحوكمة وتطوير النظام.

هل يستطيع باحثو عملة ليبرا تسريع تطوير عملية إثبات الحصة؟ تهدف إيثيريوم إلى أن تكون منظمة لامركزية بعيدة عن بنية الشركات، ولكن هذا الأمر جعل من الصعب عليها تحقيق المتطلبات التكنولوجية.  ومن أولى مهمات ليبرا أسوسييشن هي وضع خطة للانتقال إلى نظام مفتوح. ووفقاً لورقة ليبرا البيضاء، فسوف يقتضي هذا الأمر الانتقال إلى إثبات الحصة بدلاً من بروتوكول الإجماع التقليدي الذي بدأ به هذا النظام، وهي نقلة يفترض أن تبدأ خلال خمس سنوات. وعند الإطلاق، سيكون هذا النظام المغلق قادراً على معالجة ألف تعامل في الثانية، بشكل أسرع بكثير من نظام بيتكوين الذي يعالج عدة تعاملات فقط في الثانية.

وإذا تمكن هذا التجمع من الشركات المالية والتكنولوجية النافذة من أن يسبق إيثيريوم إلى تطبيق إثبات الحصة، فسوف يكون هذا من سخرية القدر، حيث إن أنظمة البلوك تشين العامة كانت تهدف إلى زعزعة الشركات التكنولوجية الكبيرة، لا العكس.

كيف ستستفيد فيسبوك من هذا الأمر؟

هذا هو السؤال الأكثر أهمية، ويبدو أنه ليس لدينا إجابة واضحة عنه. وقد قال ديفيد ماركوس -الذي أشرف على مشروع ليبرا لفيسبوك- لموقع ديكريبت إن البيانات المالية والاجتماعية لن "تختلط"، وإنه يمكن للمستخدمين إبقاء محافظهم الرقمية منفصلة عن حساباتهم على فيسبوك. كما أنه نفى الشائعات التي قالت إن الشركات المُصادقة التي ساهمت في الشبكة بعشرة ملايين دولار حصلت على إمكانية الوصول إلى بيانات التعاملات.

إذن فكيف ستجني فيسبوك المال؟ وما الحافز الذي شجع الشركات على الانضمام إلى شبكة عقد المصادقة؟ (ترغب ليبرا في أن تزيد العدد من 28 شركة إلى 100 بحلول وقت إطلاق العملة فعلياً في 2020). وربما سينتج الدخل من رسوم التعاملات، وإذا نجحت العملة، فسوف يكون هذا رائعاً بالنسبة لعلامة فيسبوك التجارية، ومن الناحية النظرية، فقد تُفتح فرص تجارية جديدة للشركات المشاركة في الشبكة.

غير أن هذه التوقعات غير مضمونة؛ حيث إن الكثير من مشاريع البلوك تشين التي حظيت بالكثير من الضجيج الإعلامي فشلت في تحقيق التوقعات، وعلى الرغم من المحاولات الكثيرة، لم تنجح أية جهة في إقناع جمهور المستخدمين باستخدام العملة المشفرة في التعاملات المالية اليومية، وهنا يمكن أن يأتي دور الانتشار الهائل لفيسبوك بين مليارات المستخدمين لفيسبوك وواتس أب وإنستجرام.

ويمثل إطلاق الشبكة جزءاً واحداً فقط من هذه المعركة، أما الحفاظ على عملها فسوف يتطلب تطوير نظام حوكمة عادل، وهو شيء واجهت أغلب أوساط البلوك تشين صعوبات جمة لتحقيقه. كما سيحتاج المستخدمون إلى أسباب وجيهة للاحتفاظ بهذه العملة وإنفاقها.

إضافة إلى هذا، ما مدى جدية فيسبوك في تحقيق اللامركزية وتحويل ليبرا إلى عملة مشفرة "حقيقية"؟ ربما يعود كل هذا الضجيج الذي أثارته حول اللامركزية إلى محاولتها لتعديل سجلها المخجل حول خصوصية البيانات. ولكن هل سيطالب المستخدمون بأن تكون العملة أكثر لامركزية، أم أنهم لن يكترثوا ببساطة؟ قال ماركوس في تغريدة له: "أمامنا الكثير من العمل بالتعاون مع الجميع حتى نتمكن من تشغيل هذا النموذج الأوَّلي الذي كشفنا الستار عنه اليوم. ما نقدمه الآن هو مجرد بداية، وهناك مجال كبير للتحسين".

المحتوى محمي