ها قد بدأنا ندمر البيئة المحيطة بكوكبنا أيضاً

4 دقائق
مصدر الصورة: ناسا

علم البيئة (الإيكولوجيا) هي دراسة العلاقة بين الكائنات وبيئتها. وبالنسبة إلى البشر، فالموضوع معقد. لقد غيّر البشر من بيئة كوكب الأرض بسبل تمت دراستها جيداً، دون فهمها بشكل جيد. لكن هناك قرائن متزايدة على أن تأثير البشر السلبي تجاوز حدود الكوكب.

فعلى مدار السنوات الخمسين الأخيرة أو نحو ذلك، بدأ البشر في استكشاف الفضاء القريب من الأرض، وهي المنطقة التي تمتد لأكثر من مليون كيلومتر بعيداً عن محيط الأرض. هذه الأنشطة غيّرت من بيئة تلك المساحة من الفضاء، فالأنقاض تملأ ذلك الفضاء، الذي لوثه البشر بعناصر مشعة وعبأوه بإشعاعات كهرومغناطيسية. تدرس إيلينا نيكوغوسيان من مرصد بيوراكان لفيزياء الفضاء في أرمينيا العوامل الأساسية التي يجب لعلم البيئة الفضائية القريبة من الأرض أن يفهمها.

هذه البيئة النقية من الفضاء القريب من الأرض تهيمن عليها الطاقة الشمسية. يمتص الغلاف الجوي للكوكب هذه الطاقة، لا سيما الموجات المماثلة لطول موجات الجزيئات من قبيل الماء وثاني أوكسيد الكربون والأوكسجين. والحق أن طبقة الأوزون تمتص كل الإشعاعات الشمسية تقريباً التي لها أطوال موجية تتراوح بين 200 و320 نانومتر، وهي ما تسمى بالإشعاعات فوق البنفسجية من الفئة (ب).

والغلاف الجوي نفسه تتباين خصائصه أقصى التباين كلما ابتعدنا عن محيط كوكب الأرض. فنحو 90% من كتلته تقبع في المنطقة التي تقع حدودها عند مسافة 12 كيلومتر من سطح الأرض، وهي طبقة التروبوسفير. ومن فوق هذه النقطة تبلغ كثافة الغلاف الجوي أقصاها، بواقع 1019 جزيء في السنتيمتر المكعب.

وتقل الكثافة كثيراً في الارتفاعات الأعلى. ففي طبقة الأيونوسفير الممتدة بين 30 و1000 كيلومتر عن سطح الأرض، تنحسر الكثافة من 1013 جزيء في السنتيمتر المكعب (وهي الكثافة على ارتفاع 100 كيلومتر) إلى 109 جزيئات، لدى ارتفاع 300 كيلومتر.

وحتى في هذه الكثافات المنخفضة، تلعب هذه الجزيئات دوراً هاماً في الحماية. فالأرض تتعرض بشكل دائم لأمطار من الغبار والصخور، وتتراجع سرعة سقوطها مع دخولها الأيونوسفير وتحترق فيها.

من الواضح أن الفضاء المحيط بالأرض مليء بالأحداث، وهو بيئة نشطة تشهد الكثير من العمليات المعقدة والمتنوعة. وها قد بدأ البشر في التأثير على هذه البيئة.

الأثر السلبي الأوضح لاستكشاف البشر للفضاء المحيط بالأرض هو كمية الركام المتخلف عن هذه العملية. ففي عام 1957 أطلق الاتحاد السوفيتي الصاروخ "سبوتنيك" إلى هذه البيئة الهشة. والآن، يحتوي الفضاء القريب من الأرض على أكثر من 17 ألف غرض كبير بما يكفي لمتابعته من الأرض، والأشياء التي تدور في ذلك الفضاء والتي يقل حجمها عن عتبة إمكانية متابعتها من على الأرض أكثر بكثير.

و6% فقط من هذه الأشياء هو أقمار اصطناعية نشطة، والباقي يتكون من أقمار اصطناعية ميتة وهياكل صاروخية وركام، وأغلبه ناجم عن انفجار أجزاء الصواريخ في مراحل احتراق الوقود المختلفة أثناء صعود تلك الصواريخ للفضاء. كما وقعت انفجارات لهذه المخلفات في الفضاء.

وأكبر عملية أدت إلى تناثر مخلفات في الفضاء كانت في 11 يناير 2007 عندما دمرت الصين قمر اصطناعي للطقس خرج من الخدمة، باستخدام مركبة تدمير بالطاقة الحركية أطلقتها من الأرض. أدت هذه العملية إلى سحابة بها أكثر من 150 ألف قطعة مخلفات تناثرت حول الأرض على ارتفاع 850 كيلومتراً. وأغلب هذه المخلفات ما زالت موجودة.

أكبر خوف هو أن تؤدي هذه المخلفات إلى ما يُسمى "حدث كيسلر" (وقد سُمي على اسم عالم ناسا الذي تخيله للمرة الأولى). فكرة كيسلر تتمثل في إمكانية اصطدام بعض هذه المخلفات ببعضها، ما سيؤدي إلى مخلفات أكثر تقو بتدمير أقمارنا الاصطناعية في تفاعل متسلسل قد يجعل الفضاء القريب من الأرض غير مؤهل تماماً لاستضافة أقمار اصطناعية.

وردت هذه الظاهرة المتخيلة في فيلم "جرافيتي"، لكنها ليست بالخيالية على الإطلاق، إذ أن خطرها حقيقي وقائم. والحق أن احتمال "حدث كيسلر" يزيد مع زيادة كثافة المخلفات في الفضاء.

وهناك نظام طبيعي للتخلص من المخلفات يُبقي المدارات القريبة من الأرض أنظف، تحت ارتفاع 400 كيلومتر، ومفاده أن كثافة الجزيئات العالية في هذه المنطقة تبطئ من حركة أي شيء يدور في مدار، ما يؤدي بالمخلفات إلى السقوط باتجاه الأرض. وتقوم الشمس بتسخين الغلاف الجوي في دورة مدتها 11 عاماً، ما يؤدي إلى تنظيف المدارات الأبعد عن الأرض أيضاً.

إلا أن الكثافة المنخفضة للجزيئات على الارتفاعات الأعلى تعني بُطء عملية التنظيف الطبيعية في المدارات الأبعد. وهناك اختبارات نووية تمت في الطبقات الأبعد من الغلاف الجوي في ستينيات القرن العشرين أدت إلى انتشار مواد مشعة في طبقة الأيونوسفير، وقد استغرقت عملية تنظيفها بصورة طبيعية عشرات السنين.

وتحتوي تلك المناطق أيضاً على وقود وعادم الصواريخ غير المحترق، وإن كانت كمياته ضئيلة مقارنة بغازات الاحتباس الحراري التي تنبعث من على سطح الأرض. ويجري تنظيف هذه المخلفات بدورها بسرعة كبيرة نسبياً. لكن من المرجح أن تؤدي إلى مشكلة للقمر، وهو الجرم الوحيد الذي يدور في الفضاء القريب من الأرض بصورة دائمة. إذ من السهل أن تتضرر بيئة القمر الفريدة والهشة جراء عمليات الهبوط الصاروخية المتتالية.

إن للقمر غلافاً جوياً رقيقاً للغاية يتشكل جراء الرياح الشمسية التي تضرب سطح القمر وتتسبب بتبخره. ونحن لا نفهم طبيعة هذا الغلاف الجوي القمري بصورة جيدة، وإن كنا نعتقد أنه يتكون من حوالي 100 طن من الغازات.

لكن كل عملية هبوط لإحدى مركبات أبولو تسببت بضخ 20 طناً من عوادم الغازات في الغلاف الجوي القمري. وهذه الغازات العادمة لا تتطاير بسهولة، ولا نعرف الأثر النهائي لعمليات الهبوط هذه على الغلاف الجوي القمري. لكن الاهتمام بالقمر يتزايد، ومن السهل لنا أن نتخيل كيف سيستبدل غلاف القمر الجوي الهش بسحب كثيفة من الغازات العادمة.

وهناك مسألة أخيرة تخص الفضاء المحيط بالأرض، هي البيئة الكهرومغناطيسية. فالبشر يضخون موجات كهرومغناطيسية في الفضاء بمعدلات غير مسبوقة. وترسل الأقمار الاصطناعية موجات من هذا النوع إلى الأرض. لكن هذا النشاط يشغل البيئة المحيطة بالكوكب بضجيج صوتي يغمر الإشارات الطبيعية التي تملك نفس المستويات الترددية. من ثم فإن النشاطات البشرية تزيد من صعوبة رصد الفضاء الخارجي.

يؤدي كل ما سبق إلى استيعاب عمل نيكوجوسيان التي قالت في عبارة متحفظة نوعاً ما: "هنالك تبعات سلبية مترافقة مع ما تحققه حضارتنا من إنجازات تقنية".

تتمثل الخطوة الأولى نحو تخفيف آثار هذه التبعات في فهم وتصنيف تلك التبعات. ولتحقيق هذا نحن بحاجة إلى حقل علمي جديد، وهو علم البيئة المتعلق بالفضاء المجاور للأرض، الذي سيلعب دوراً هاماً، وإن كان ذلك الحقل العلمي يحتاج إلى مسمى جديد، ربما "علم البيئة الفضائية" على سبيل المثال.

إلا أن من يمارسون ذلك العلم يجب أن يكونوا على استعداد للذهاب أبعد من ذلك، وأن يحاسبوا البشرية على الآثار السلبية لأفعالها على تلك البيئة الفضائية الهشة.