نظم إدارة المعرفة للشركات: كيف تحول المعرفة إلى خبرة تنتقل بين الموظفين؟

4 دقيقة
نظم إدارة المعرفة للشركات: كيف تحول المعرفة إلى خبرة تنتقل بين الموظفين؟
حقوق الصورة: Shutterstock.com/Sichon

تخيل شركة يعمل فيها عشرات الفنيين منذ سنوات، كل منهم يمتلك خبرة فريدة في التعامل مع أعطال المعدات وتجاوز التحديات اليومية. لكن هذه الخبرات تبقى حبيسة العقول، لا توثق ولا تشارك، فتُفقد مع مرور الوقت أو عند مغادرة أصحابها. في هذه الشركة، تصبح الحاجة إلى نظام لإدارة المعرفة ضرورة استراتيجية، لا مجرد خيار تنظيمي.

نظم إدارة المعرفة هي البنية التي تتيح للمؤسسات والشركات تحويل الخبرة الفردية إلى خبرة جماعية قابلة للتوظيف وإعادة الاستخدام والتطوير؛ فلا تقتصر على حفظ المعلومات، بل تهدف إلى خلق بيئة تشاركية تحفز الموظفين على توثيق تجاربهم ومشاركة حلولهم والاستفادة من خبرات الآخرين.

هذا المقال يستعرض كيف يمكن للشركات أن تبني نظاماً فعالاً لإدارة المعرفة، تحول من خلالها الخبرة إلى قيمة قابلة للنقل والمشاركة، ويطرح خطوات عملية تساعد على تحقيق هذا الهدف.

اقرأ أيضاً: ما هي أدوات ذكاء الأعمال وما فائدتها؟

ما هي نظم إدارة المعرفة؟

نظم إدارة المعرفة Knowledge Management Systems هي مجموعة من العمليات والأدوات التي تهدف إلى جمع المعرفة والخبرة ضمن الشركة وتنظيمها ومشاركتها وتوظيفها لتحسين الأداء وتعزيز الابتكار.

تنقسم المعرفة داخل المؤسسات إلى نوعين رئيسيين:

  • المعرفة الضمنية Tacit Knowledge: وهي المعرفة الشخصية التي يكتسبها الفرد من خلال الخبرة والتجربة، مثل القدرة على تشخيص عطل في مضخة بمجرد سماع صوتها أو اتخاذ قرار سريع في موقف غير مألوف. يصعب توثيق هذه المعرفة لأنها غير مكتوبة وغالباً ما تنقل عبر التفاعل المباشر أو التدريب العملي.
  • المعرفة الصريحة Explicit Knowledge: هي المعرفة الموثقة التي يمكن تخزينها ونقلها بسهولة، مثل الأدلة التشغيلية والإجراءات المكتوبة والمخططات الفنية. يمكن الوصول إليها وتطبيقها دون الحاجة إلى خبرة شخصية.

التمييز بين المعرفة الضمنية والصريحة وتوظيف كل منها بطريقة مناسبة يعد من أهم عوامل نجاح نظم إدارة المعرفة. فبينما تخزن المعرفة الصريحة في أنظمة رقمية، تتطلب المعرفة الضمنية بيئة تشاركية وثقافة مؤسسية تشجع على تبادل الخبرات.

لماذا تحتاج الشركات إلى إدارة المعرفة؟

تحتاج الشركات إلى إدارة المعرفة لأنها تواجه تحديات متكررة تتعلق بالحفاظ على الخبرات لاتخاذ قرارات فعالة وتطوير قدراتها الداخلية. إليك كيف تسهم نظم إدارة المعرفة في معالجة هذه الجوانب:

عدم فقدان المعرفة عند مغادرة الموظفين

عندما يغادر موظف ذو خبرة، تغادر معه سنوات من المعرفة التي يصعب تعويضها. إدارة المعرفة تساعد على توثيق هذه الخبرات من خلال إجراءات مثل جلسات نقل المعرفة والتوثيق المستمر والتدريب المتبادل، ما يقلل تأثير مغادرة الأفراد في الأداء العام.

تحسين جودة القرارات

الوصول السريع إلى المعلومات الدقيقة والتجارب السابقة يمكن الفرق من اتخاذ قرارات مدروسة تستند إلى بيانات ومعرفة متراكمة. توفر نظم إدارة المعرفة دروساً مستفادة تساعد على دعم القرار الاستراتيجي والتشغيلي.

تسريع التدريب والتأهيل

بدلاً من البدء من الصفر، يمكن للموظفين الجدد الاستفادة من المحتوى الموثق والأدلة التشغيلية والدروس السابقة لتسريع عملية التعلم. هذا يقلل زمن التأهيل ويزيد فاعلية التدريب الداخلي.

تعزيز الابتكار والتعاون

عندما تشارك المعرفة بحرية بين الفرق، يمكنك توليد أفكار جديدة وحل المشكلات بطرق غير تقليدية. تخلق إدارة المعرفة بيئة تشاركية تحفز الابتكار من خلال دمج الخبرات المتنوعة وتسهيل التعاون بين الأقسام.

اقرأ أيضاً: 5 أسباب تجعل التحول الرقمي ضرورياً لنمو الأعمال

كيفية تحويل المعرفة ضمن الشركات إلى خبرة تنتقل بين الموظفين؟

تحويل المعرفة داخل الشركات إلى خبرة تنتقل بين الموظفين ليس مجرد توثيق معلومات، بل هو نظام يمكن الأفراد من التعلم من بعضهم بعضاً، وتطبيق ما يتعلمونه عملياً. إليك أبرز الأساليب الفعالة لتحقيق ذلك:

1. التوثيق المنهجي للمعرفة

ابدأ بتحديد أنواع المعرفة التي يجب نقلها، مثل إجراءات تشغيل وحلول الأعطال والدروس المستفادة والمهارات الفنية، ثم وثقها باستخدام أدوات مثل:

  • جوجل دوكس Google Docs: محرر مستندات سحابي يسمح بإنشاء ملفات قابلة للمشاركة، مع تحكم دقيق في من يمكنه الاطلاع أو التعديل، مناسب لتوثيق الإجراءات والخبرات.
  • نوشن Notion: منصة مرنة تجمع بين تدوين الملاحظات وقواعد البيانات وإدارة المشاريع، تستخدم لتوثيق المعرفة حسب احتياجات الفريق.
  • كونفلونس Confluence: أداة قوية لتوثيق العمليات والسياسات، مثالية للفرق التقنية والإدارية التي تحتاج إلى تنظيم المحتوى بشكل هرمي وتعاوني.

التوثيق الجيد يضمن استمرارية العمل ويقلل من فقدان المعرفة عند تغير الموظفين.

2. ربط الموظفين الجدد بزملاء خبرة

ربط الموظفين الجدد أو الأقل خبرة بزملاء أصحاب خبرة يتيح لهم التعلم من خلال الممارسة والملاحظة. هذه الطريقة فعالة لنقل المعرفة الضمنية التي يصعب توثيقها. هذا يعد من أكثر أدوات نقل المعرفة الضمنية نجاحاً.

3. التدوير الوظيفي

تشجيع الموظفين على تعلم مهام من أقسام أخرى يعزز فهمهم الشامل ويقلل الاعتماد على أفراد محددين.

الأدوات الرقمية المناسبة للتدوير الوظيفي هي:

  • ساكسس فاكتورز SuccessFactors: منصة من ساب SAP تدعم إدارة المواهب وتوفر أدوات لتخطيط التدوير الوظيفي وربطها بأهداف التطوير المهني.
  • كليك أب ClickUp: أداة مرنة لإدارة المهام والمشاريع، يمكن استخدامها لتنسيق جداول التدوير وتوزيع المهام ومتابعة الأداء عبر الأقسام.
  • تريلو Trello: منصة بسيطة تعتمد على البطاقات، مناسبة لتوثيق مراحل التدوير والمهام الجديدة لكل موظف مع إمكانية كتابة ملاحظات تقييمية.
  • زوهو بيبول Zoho People: نظام إدارة موارد بشرية يدعم التدوير الوظيفي من خلال تتبع التنقلات وتقييم الأداء وتحديث ملفات الموظفين تلقائياً.

هذا الأسلوب ينتج فرقاً أكثر مرونة ويعزز التعاون الداخلي.

4. تخزين المحتوى التعليمي ومشاركته

تخزين المحتوى التعليمي ومشاركته مثل المستندات والعروض التقديمية والفيديوهات، على السحابة هو أمر بالغ الأهمية، حيث يستطيع كل موظف الوصول إليها من أي مكان في أي وقت.

الأدوات الرقمية المناسبة لتخزين المحتوى التعليمي ومشاركته هي: 

  • جوجل درايف Google Drive: منصة ممتازة لتخزين الملفات بأنواعها سواء كانت مستندات أو عروضاً تقديمية أو فيديوهات، وغيرها. ويمكن مشاركة أي ملف برابط، وتحدد صلاحيات العرض أو التعديل.
  • ون درايف OneDrive: إذا كنت تستخدم برامج مايكروسوفت مثل وورد وإكسل وباوربوينت فإن ون درايف تعتبر خياراً عملياً جداً. هنا تحفظ الملفات تلقائياً، مع إمكانية مشاركتها مع فرق العمل.

5. بناء ثقافة تشاركية

تشجيع الموظفين على مشاركة أفكارهم وتجاربهم من خلال اجتماعات دورية أو مجموعات دردشة مهنية. الثقافة التشاركية تحفز الابتكار وتحول المعرفة الفردية إلى معرفة جماعية.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر الأتمتة في إدارة الأعمال والموظفين؟

بناء ثقافة مشاركة المعرفة

لتحقيق أقصى استفادة من نظم إدارة المعرفة، لا يكفي اعتماد أدوات تقنية فقط، بل يجب ترسيخ ممارسات يومية وثقافة مؤسسية داعمة. أولى الخطوات تبدأ ببناء ثقافة مشاركة المعرفة، حين يشعر الموظفون بأن خبراتهم محل تقدير وأن مشاركتها تسهم في نجاح الفريق. هذا يتطلب قيادة تشجع على ذلك وتكافئ المبادرات التي تسهم في توثيق وتبادل المعرفة.

كما أن تحفيز الموظفين على التوثيق والمشاركة لا يتحقق بالطلب المباشر فقط، بل من خلال توفير أدوات سهلة الاستخدام وتوضيح أثر مشاركتهم في تحسين الأداء العام. إدراج التوثيق كجزء من تقييم الأداء أو ربطه بمكافآت معنوية أو مادية يمكن أن يعزز هذا السلوك بشكل مستدام.

أخيراً، يجب دمج إدارة المعرفة في العمليات اليومية، بحيث تصبح جزءاً من سير العمل وليس عبئاً إضافياً. سواء عن طريق منصات رقمية داخلية أو من خلال اجتماعات دورية لتبادل الخبرات، فإن تحويل نقل المعرفة إلى ممارسة يومية هو ما يضمن استمرارها وتحولها إلى قيمة حقيقية داخل الشركة.

المحتوى محمي