هل تعلم أنه تولد ما يقارب 402.74 مليون تيرابايت من البيانات يومياً، ومن المتوقع أن يصل الرقم إلى نحو 349 زيتابايت بحلول عام 2028. هذه الأرقام المتوقع لها أن تتصاعد مع مرور كل عام تسلط الضوء على عصر غير مسبوق من وفرة البيانات، ومع ذلك في حين يتيح هذا الكم الهائل من البيانات فرصاً لا مثيل لها للشركات للنمو وتحسين العمليات التشغيلية، فإنه يشكل في الوقت نفسه تحدياً كبيراً لها.
الشركات التي لا تتمكن من معالجة البيانات واستخلاص القيمة الحقيقية منها، تخاطر بفقدان فرص نمو حيوية لأعمالها. لذا إذا كنت مديراً تنفيذياً أو مسؤولاً عن اتخاذ القرار في شركتك، ففهم هذا التحول لم يعد خياراً بل ضرورة للبقاء في المنافسة، ما يتطلب إنشاء نظام تحليل بيانات ذكي يحول البيانات الخام إلى رؤى قابلة للتنفيذ حتى تتمكن من اتخاذ قرارات أسرع وأكثر استنارة.
اقرأ أيضاً: ما هي أبرز طرق تحليل البيانات الضخمة وأدواتها؟
لماذا تحتاج الشركات إلى أنظمة ذكية لتحليل البيانات؟
تظهر الدراسات أن الشركات التي تستثمر بكثافة في بناء أنظمة تحليل البيانات تتفوق باستمرار وتبتكر بشكل أسرع وتستجيب لعملائها بفاعلية أكبر. على سبيل المثال، أفادت دراسة أجرتها وكالة ستاندرد آند بورز العالمية بتكليف من قسم أمازون للخدمات السحابية، بأن 65% من الشركات الصغيرة والمتوسطة المعتمدة بشكل كبير على تحليل البيانات في عملياتها التشغيلية، تتفوق مالياً على منافسيها؛ وهذا يعادل ضعف أداء الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد بشكل أقل على البيانات (33%).
حتى في المنطقة العربية، تعد الإمكانات هائلة، إذ تقدر شركة ماكنزي أن استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات يمكن أن يضيف نحو 150 مليار دولار (نحو 9% من الناتج المحلي الإجمالي) في دول الخليج، إذ تتيح منصات التحليلات الذكية للشركات فرز بياناتها الضخمة ورصد الاتجاهات الجديدة والتحول الرقمي بسرعة.
فمن خلال تحويل كميات هائلة من البيانات إلى مؤشرات أداء رئيسية وتوقعات واضحة، يصبح بمقدور المدراء التنفيذيين اتخاذ قرارات تركز على النمو، ما يمكن الشركات من تحقيق أداء محسن وميزة تنافسية مستدامة وضمان التفوق على منافسيها والحفاظ على مكانتها في السوق.
إذ تحول أنظمة التحليلات الذكية البيانات الخام إلى رؤى قيمة من خلال الانتقال عبر مجموعة من العمليات التحليلية: من الوصفي (ما حدث) والتشخيصي (لماذا حدث) إلى التنبؤي (ما سيحدث) والتنفيذي (ما ينبغي القيام به).
وتعد أدوات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي محورية في هذا التحول، حيث تتيح التنبؤ الدقيق بتحولات السوق واحتياجات العملاء والتحديات التشغيلية، ما يمنح صناع القرار معلومات قابلة للتنفيذ، ويسمح بتقييم التأثيرات المحتملة وتحسين النتائج قبل التنفيذ، ولتحقيق هذه الفوائد تحتاج الشركات إلى اتباع منهجية واضحة لبناء هذه الأنظمة الذكية.
اقرأ أيضاً: 5 من أهم الدورات التدريبية في مجال تحليل البيانات
خطوات بناء نظام تحليل بيانات ذكي يدعم النمو
عادة تتبع الشركات هذه الخطوات الست الرئيسية لبناء نظام تحليل بيانات يدعم النمو بفاعلية:
1- تحديد أهداف ومعايير واضحة: البوصلة لرحلة تحليل البيانات
تبدأ هذه المرحلة التأسيسية بفهم واضح لمشكلة العمل أو سؤال البحث ووضع أهداف واضحة لها، وتعد بمثابة خارطة طريق لضمان توافق جهود التحليلات بشكل وثيق مع الاستراتيجية، من خلال فهم نقاط الضعف والأولويات مثل تعزيز استبقاء العملاء أو خفض التكاليف أو تسريع إطلاق المنتجات.
ثم ترجمة الأهداف إلى مؤشرات أداء رئيسية قابلة للقياس، ويتضمن ذلك التعرف إلى مصادر البيانات المطلوبة والمتاحة وتقييم البنية التحتية والموارد والاحتياجات التكنولوجية الحالية لتتماشى مع عملية الحصول على البيانات، وتختتم المرحلة بصياغة الفرضيات الأولية التي ستوجه عمليات البناء اللاحقة.
2- تدقيق مصادر البيانات ودمجها: البيانات النظيفة هي أساس الرؤى الدقيقة
تتضمن هذه المرحلة الحاسمة حصر مصادر البيانات كلها ذات الصلة مثل البيانات الداخلية والخارجية ووضع خطط لكيفية تنظيفها وفرزها ومعالجتها ودمجها لضمان جودتها وجاهزيتها للتحليل، وتنبع أهمية هذه المرحلة في أن جودة البيانات تؤثر بشكل مباشر في موثوقية نظام التحليلات الذكي بأكمله وفائدته، ما يضمن اتخاذ القرارات بناءً على معلومات دقيقة.
3- تصميم النموذج التحليلي: اختر الأدوات المناسبة بحكمة
تركز هذه المرحلة على اختيار التقنيات والنماذج التحليلية المناسبة وتصميمها لتحقيق الأهداف، ويتضمن تحديد العلاقات بين نقاط البيانات واختيار المتغيرات الأساسية وتحديد الخوارزميات الأكثر ملاءمة، وتمثل هذه المرحلة نقطة التحول من إدارة البيانات الخام إلى منهجية استخلاص المعلومات.
4- بناء النموذج وتنفيذه: اختبار النموذج يضمن صلاحية القرارات
في هذه المرحلة تطور النماذج المصممة وتدرب وتختبر باستخدام مجموعات البيانات المعدة مسبقاً، من خلال تطبيق أدوات وطرق مختلفة مثل أشجار القرار أو تقنيات الانحدار أو الشبكات العصبونية الاصطناعية لبناء النموذج وتشغيله. مع التأكد من قدرة البنية التحتية للنموذج على التوسع مع نمو البيانات.
5- التواصل وتمثيل النتائج: الرؤى العظيمة لا قيمة لها إذا لم تعرض بوضوح
تهدف هذه المرحلة إلى ترجمة النتائج التحليلية المعقدة إلى رؤى واضحة ومفهومة وقابلة للتنفيذ، ويتضمن ذلك تحديد الاستنتاجات الرئيسية وحساب القيمة التجارية للنتائج التي يمكن استخدامها من قبل صناع القرار لاتخاذ القرارات الاستراتيجية.
6- قياس الفاعلية والتكرار: التحسين المستمر هو مفتاح الحفاظ على قيمة النظام
تعد بمثابة المرحلة النهائية وتتضمن مراقبة أداء النظام بشكل مستمر وتقييم تأثيره مقابل الأهداف الأولية ونقل البيانات من بيئة الاختبار إلى بيئة تشغيلية مباشرة ومراقبة النتائج لضمان توافقها مع أهداف العمل المنشودة. في حال حدوث أي انحرافات يمكن للفريق مراجعة أي مرحلة سابقة في دورة تحليل البيانات لتعديل المدخلات وتحقيق نتائج أفضل.
كيف تسهم أنظمة تحليل البيانات الذكية في نجاح الأعمال وتعزيز نموها؟
تعمل أنظمة تحليل البيانات الذكية كمحفزات قوية لنمو الأعمال، ما يؤدي إلى تحويل طريقة عمل الشركات وتنافسها من خلال:
- تعزيز عملية اتخاذ القرار: تحويل القرارات التفاعلية إلى استراتيجيات استباقية قائمة على الأدلة، من خلال مخرجات تحليلية تنبؤية وتوجيهية والاستفادة من الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي للتنبؤ بالاتجاهات وتحسين النتائج.
- تحسين العمليات وخفض التكاليف: تحسين العمليات الداخلية وزيادة فاعلية كل مبلغ ينفق وبناء شركة أكثر رشاقة ومرونة قادرة على إعادة استثمار المدخرات في المبادرات الاستراتيجية.
- فهم أعمق للعملاء: فهم قيم سلوك العملاء ما يتيح حملات تسويقية مستهدفة للغاية وعروضاً مخصصة وتحسين معدلات رضاهم وولائهم.
- تعزيز الابتكار: دعم تطوير المنتجات والخدمات الجديدة وتحقيق فرص تحقيق الربح من خلال تحديد الاحتياجات غير الملباة والمساحات البيضاء في السوق.
- المنافسة المستدامة: التكيف السريع مع تغيرات السوق ووضع الشركة في وضع متقدم عن منافسيها، من خلال تنفيذ استراتيجيات فعالة تعتمد على البيانات.
تحديات إنشاء الأنظمة الذكية لتحليل البيانات وكيفية حلها
تطبيق نظام ذكي لتحليل البيانات ينطوي على تحديات كبيرة للشركات، وفيما يلي 5 تحديات شائعة وكيف يمكن حلها:
1- جودة البيانات وتنسيقها: وجود بيانات غير دقيقة أو غير كاملة أو غير متسقة أو مخفية تؤدي إلى نتائج تحليلية خاطئة.
الحل: اجعل التدقيق والتنظيف المنتظم للبيانات عادة أساسية، ونفذ عمليات تحقق من الصحة قوية مع المراقبة الآلية لضمان أعلى مستويات الدقة.
2- خصوصية البيانات: غالباً ما تتعامل أنظمة التحليلات الذكية مع بيانات العملاء الحساسة، وفي حالة اختراقها قد يؤدي إلى تضرر سمعتها والغرامات القانونية.
الحل: عزز ثقة عملائك من خلال تطبيق أطر أمنية متينة مثل مبادئ الثقة الصفرية وضوابط الوصول الصارمة والتشفير وإخفاء الهوية للبيانات الحساسة.
3- المخاوف الأخلاقية والتحيز: الافتقار إلى الشفافية في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بأنظمة الذكاء الاصطناعي وقضايا المساءلة.
الحل: ضمان العدالة والشفافية يبدأ من تنوع البيانات التدريبية وتعزيز الشفافية الخوارزمية، مع المراقبة المستمرة وإعطاء الأولوية للإشراف البشري.
4- تكاليف الإنشاء: يمكن أن تشكل تكاليف البنية التحتية المرتفعة (للتخزين والحوسبة وتراخيص ذكاء الأعمال) عائقاً خاصة للشركات الصغيرة.
الحل: ابدأ بمشاريع صغيرة ذات تأثير عالٍ، واستغل قوة أنظمة الحوسبة السحابية للتحكم في التكاليف وتحقيق التوسع بمرونة.
5- نقص المواهب والمهارات: يوجد نقص ملحوظ في علماء ومهندسي البيانات خاصة في المنطقة العربية، ما قد يعوق تنفيذ استراتيجيات التحول الذكي القائم على البيانات.
الحل: استثمر في التدريب والتطوير المستمر للموظفين الحاليين، وقدم حزم رواتب تنافسية واستفد من الذكاء الاصطناعي لتعزيز القدرات البشرية وسد الفجوات.
اقرأ أيضاً: كيف تساعد تحليلات البيانات الضخمة على تحسين عملية اتخاذ القرار؟
التأثير الواقعي: دراسات حالة لشركات نجحت بتنفيذ مبادرات أنظمة التحليل الذكية
بنك الإمارات دبي الوطني
في أقل من عامين من بدء تطبيق أنظمة تحليل البيانات الذكية في عملياته التشغيلية، حقق البنك نمواً سريعاً من خلال القدرة على تقديم عروض مخصصة للعملاء بشكل كبير وزيادة كفاءة كشف الاحتيال وتحقيق عائد استثمار تراوح بين 5 و7 أضعاف، ما حول بحيرة بياناته إلى محرك نمو استراتيجي.
شركة طيران الخليج
تعاونت مع شركة خدمات تقنية لتحديث منصة بياناتها السحابية من خلال الانتقال إلى بنية سحابية هجينة وبث البيانات في الوقت الفعلي، نتيجة لذلك وفرت نحو 60% من التكاليف وحققت نمواً مكنها من الحصول على رؤى أسرع بكثير للعملاء مثل تحليلات تأخير الرحلات وإعداد تقارير أكثر فاعلية.
شركة باتا العالمية للأحذية
من خلال تطبيق نظام تحليلات ذكي مركزي ونماذج تخطيط متقدمة، عززت الشركة مبيعاتها وتخطيط مخزونها، إذ وفر النظام رؤية فورية لأسباب اتجاهات المبيعات ومكن من التدخل المبكر في المنتجات ذات الأداء الضعيف، ونتيجة لذلك قامت الشركة بتبسيط عملياتها ومواءمة التخطيط المالي مع توقعات المبيعات ودعمت النمو المستدام من خلال تحسين تدفق المعلومات.
اقرأ أيضاً: 10 من أبرز الشركات التي تستخدم تكنولوجيا البيانات الضخمة
البيانات محرك النمو المستدام لشركتك فهل بياناتك تعمل لصالحك؟
رغم أن الشركات الكبرى تسعى بخطى حثيثة للاستثمار في أنظمة الذكاء الاصطناعي والتحليلات الذكية لتحقيق التفوق، فإن الواقع يبين أن هذا التحول لا يخلو من التحديات المعقدة، بل وربما يحمل نتائج متفاوتة. تقول "منى العتيبي"، مديرة التحول الرقمي في إحدى الشركات الصناعية الخليجية: "أدركنا أن امتلاك البيانات لا يعني بالضرورة أننا نمتلك الرؤية فالنظام فشل في أول 6 أشهر لأننا لم نفهم ثقافتنا الداخلية جيداً".
في المقابل ينجح البعض حين تتكامل التقنية مع فهم بشري عميق، إذ يوضح تقرير صادر عن شركة ماكنزي أند كومباني أن الشركات التي تدمج التحليلات الذكية مع إشراف بشري متنوع الثقافات والخبرات تحقق نتائج أكثر تماسكاً مقارنة بالشركات التي تعتمد بالكامل على الأتمتة، لذا لا توجد وصفة موحدة.
الشركات التي تزدهر هي التي تدرك أن البيانات ليست بديلاً عن الفهم، بل أداة لتعزيزه، وأن نجاح أنظمة التحليلات الذكية يعتمد ليس فقط على الأدوات بل على طرح الأسئلة الصحيحة ومساءلة الافتراضات السابقة وتقبل الغموض والاحتمالات لذا قد يكون أهم سؤال الآن ليس: "ما هو نوع النظام الذي نحتاج إليه؟" بل: "هل نملك الثقافة التنظيمية التي تسمح بتحويل البيانات الخام إلى رؤى قابلة للتنفيذ؟".