نظام بديل لإشارات المرور ينجح في اختباره الأول

3 دقائق

بدأ أول نظام لإشارات المرور في العمل قرب مقرات البرلمان في لندن سنة 1868، وكان مؤلفاً من مجموعة من المصابيح الغازية التي يشغلها أحد رجال الشرطة، ومصمماً للتحكم في تدفق حركة مرور العربات عبر نهر التايمز.

وقد نجحت التجربة على الأقل من وجهة نظر مرورية، ولكن النظام لم يبق لفترة طويلة؛ فقد انفجرت المصابيح بعد بضعة أشهر من تركيبها إثر تسرب غازي، وتسببت في أذى للشرطي الذي كان يشغلها،

ومنذ ذلك الحين توترت علاقة المشاة والسائقين مع إشارات المرور؛ فهي تؤمِّن نظاماً حيادياً فعالاً لتحديد الأولوية على الطرقات عندما تعمل بشكل جيد، ولكنها قد تتسبب في ازدحام مروري على مسافة كيلومترات عندما تتعطل.

 

ولهذا، يرغب كل من مهندسي السيارات والسائقين والمشاة -على حد سواء- وبكل شوق في معرفة إمكانية وجود بديل لإشارات المرور، واليوم سيحصلون على الجواب المنتظر نوعاً ما؛ وذلك بفضل عمل روشينج زانج في جامعة كارنيجي ميلون في بيتسبيرج، بالاشتراك مع بضعة زملاء.

حيث قام هؤلاء الباحثون باختبار طريقة لتخليص الشوارع من إشارات المرور بشكل كامل واستبدالها بنظام بصري، ويقولون إن نظامهم قادر على تخفيف وقت التنقلات اليومية المتكررة بشكل كبير. ولنبدأ ببعض المعلومات الأساسية أولاً.

إن المشكلة الفعلية التي يتعامل معها زانج وزملاؤه هي تنسيق تدفق السير عند تقاطع يلتقي فيه طريقان بزاوية قائمة، وغالباً ما تكون هذه التقاطعات غير خاضعة للسيطرة، وحينئذ يجب على السائقين أن يتبعوا قواعد صارمة للغاية حول إمكانية المرور -مثل تلك التي تنطبق على إشارات التوقف الرباعية- وهو ما يتسبب في التأخير والازدحام.

ولحل هذه المشكلة، استخدم زانج وزملاؤه نظام راديو مباشر قصير المدى، من النوع الذي بدأ ينتشر على نطاق واسع في المركبات العصرية؛ حيث تنسق هذه الأنظمة الاتصال ما بين المركبات، بحيث تتشارك المعلومات (مثل إحداثيات نظام تحديد الموضع العالمي، والسرعة، والاتجاه)، ثم تنتقل هذه البيانات إلى حاسوب على متن السيارة (وهو مبرمج ببروتوكول الإشارات المرورية الافتراضية الذي وضعه الفريق)، والذي يقوم بإعطاء السائق الضوء الأحمر أو الأخضر ضمن قمرة القيادة.

إن نظام الإشارات المرورية الافتراضية هذا بسيط للغاية من حيث المبدأ؛ فعندما تقترب سيارتان إلى التقاطع من طرقات مختلفة، تختاران سيارة قائدة تتحكم في التقاطع، وتعطى السيارة القائدة الضوء الأحمر، وتعطى السيارة الأخرى أولوية المرور بالضوء الأخضر، ومن ثم تتلقى السيارة القائدة الضوء الأخضر وتتابع مسيرها، وتسلِّم التحكم في التقاطع إلى السيارة التالية التي يتم اختيارها للقيادة... وهكذا.

وقد اختبر زانج وزملاؤه هذه الطريقة ببناء نظام طرق في ساحة لركن السيارات في بيتسبيرج؛ حيث بُنيَ النظام على مخطط طرق معياري من خريطة أوبين مابس؛ وقد اختير بسبب تشابهه مع الكثير من أنظمة الطرق في مدن الولايات المتحدة، ثم قام الفريق بعد ذلك بقيادة سيارتين في هذه الشبكة في اتجاهات متعاكسة، وقاسوا الوقت الذي يتطلبه عبور 20 تقاطع باستخدام الإشارات المرورية الافتراضية فقط، ومن ثم باستخدام إشارات التوقف الرباعية.

وتوصل الفريق إلى نتائج مثيرة للاهتمام، فقد قال زانج وزملاؤه إن النظام الافتراضي يحسن زمن التنقلات اليومية المتكررة بشكل كبير؛ حيث "تظهر النتائج أن الإشارات المرورية الافتراضية تقلل زمن التنقل اليومي بنسبة أكبر من 20% على طرقات ذات تقاطعات بدون إشارات مرورية"، كما يمكن إضافة المزيد من التحسينات ورفع هذه النسبة إلى 30%.

غير أن هذا العمل يفتح المجال أمام المزيد من التحديات، مثل القول بأن إشارات المرور تنظم حركة السيارات والمارة أيضاً، ويقترح زانج وزملاؤه أنه يمكن أن يشمل النظام المارة أيضاً عن طريق تطبيق للهاتف الذكي، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول الذين لا يمكنهم استخدام التطبيق؛ كصغار السن وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة؛ إذ يستفيد هؤلاء من إشارات المرور التقليدية أكثر من غيرهم، وبالتالي يجب أن ينظر في أمرهم باهتمام عند تصميم الأنظمة البديلة.

كذلك هناك قضية التعامل مع السيارات القديمة أو الدراجات النارية والعادية، والتي لا تحمل أي منها نظام اتصال بين المركبات.

صحيح أن هذا النظام قد يصبح معيارياً في جميع السيارات الجديدة بسرعة، ولكن المركبات الأبسط تركيباً ستبقى على الطرقات مدة عقود كاملة؛ فكيف ستتكيف السيارات الجديدة مع تلك التي لا تستخدم نظام الإشارات المرورية الافتراضية؟

وأخيراً، فإن الطرقات ذات البنية الشبكية المنتظمة منتشرة في المدن الأميركية، وتم توسيع الكثير منها فقط بعد اختراع السيارة، غير أن هذه الشبكات أكثر ندرة في المدن الأوروبية والآسيوية؛ حيث تتميز بنية الطرقات بالفوضى والعشوائية في أغلب الأحيان، وليس واضحًا طريقة تعامل إشارات المرور الافتراضية مع بنية الطرقات هذه.

وعلى كل حال فإن الأتمتة آتية لا محالة، والكثير من السيارات حالياً يحمل مستويات عالية من الأتمتة، ومن الواضح أن الخطوة المقبلة هي التنسيق فيما بينها عند الضرورة. ومن المحتمل أن تكون الإشارات المرورية الافتراضية مجرد جزء صغير من هذا التوجه، لكن من المؤكد -على الأقل- أنها لن تتعرض لتسريبات غازية.