تحلّ ميزة غرفة الدردشة مشكلات تعليمية لم نكن نعلم بوجودها أساساً. فماذا عن ميزة غرف الدردشة في "زووم"؟
عندما انتقل العمل في كليتنا إلى الإنترنت، كانت الفلسفة العامة حينئذ متمثلة في "محاولة إبقاء الأمور طبيعية". بالطبع لم يعلم أيّ منا كيف سيبدو ذلك، وهذا يشملني. أنا طالبة جامعية وأعمل كزميلة كتابة في الحلقة الدراسية الخاصة بمادة كتابة المقدمات الافتتاحية، وعملي هو مزيج من أعمال معلم الأقران ومساعد التدريس. كان عملي "الطبيعي" يتمثل في التجول في القاعة الدراسية في أثناء عمل الطلاب على مشاريعهم والإجابة عن أسئلتهم وتقديم الملاحظات لهم بينما يعمل الأستاذ مع مجموعات صغيرة في قاعة أخرى.
وعندما عملت مع الأستاذ على نقل هذا الأسلوب إلى الإنترنت نجحنا في جزء منه، إذ تمكنا من إنشاء مجموعات صغيرة وكبيرة وغرفة جانبية وجلسة أساسية. لكن في الجلسة الأساسية واجهت صعوبة في مساعدة الطلاب كما كنت أفعل من قبل، لم يكن لدي أي وسيلة للنظر إلى مسودة أي منهم، أو لجمع الطلاب الثلاثة الذين يواجهون صعوبة في العثور على مصادر للبحث. إلى جانب أني لم أتمكن من التعامل مع أي طالب بصورة فردية من دون إحراجه بسبب نظر البقية إليه. لم أتمكن من المشي باتجاه الطالب الذي يواجه صعوبة في فهم أسلوب مراجعة الأدبيات، وسؤاله عما إذا تمكن من محاكاة أسلوب التفكير في نموذج المراجعة الأدبية. في القاعة الدراسية الملموسة كانت هذه أعمال روتينية أقوم بها لتفقّد الطلاب؛ أما في جلساتنا على منصة "زووم" فهي تقريع علني.
لذا كانت جلساتنا الأولى عبر الإنترنت هادئة جداً، ولم يتمكن الطلاب من تقسيم أنفسهم إلى مجموعات أو شراكات في الجلسة الأساسية، ولم أتمكن من التحدث إليهم سوى لطرح سؤال "هل لديكم أي استفسار؟" في بداية كل جلسة. وفي نهاية المطاف أدركنا جميعنا أمراً لاحظته في دراستي أيضاً، وهو أن الجلسات الدراسية الافتراضية التي نحاول أن نحاكي فيها الجلسات الدراسية التقليدية غير فعّالة.
محاكاة القاعات الدراسية في تطبيق "زووم"
الرغبة في المحاكاة أمر منطقي، ونظراً لرغبتنا في الشعور بأن الأمور "طبيعية" قدر الإمكان، نعتقد أنه يجب أن تبدو المحاضرات عبر الإنترنت شبيهة بالمحاضرات التقليدية. لكن ثمة مشكلة جوهرية في نقل تقنيات القاعة الدراسية الاعتيادية إلى الإنترنت، فهي تعيق تفاعل الطلاب فيما بينهم. في القاعة الدراسية التقليدية يساعد التقارب الجسدي الطلاب على إجراء كمية هائلة من التواصل غير الرسمي، إذ يمكن للطالب أن يجلس إلى جوار شريك يقدم له ملاحظات، أو أن يربت على كتف زميله ويطلب منه توضيحاً لما قاله الأستاذ للتو. لكن عندما ألغي هذا التقارب الجسدي أصبح كل طالب منعزلاً في مربعه على الشاشة، واختفت منظومة القاعة الدراسية.
وبسبب هذا الانعزال، أصبحت محاكاة القاعات الدراسية التقليدية مضرّة بفرص التعلم المتاحة للطلاب. وفي غياب التفاعل والتواصل بين الطلاب تقيدت عملية التعلم بما يفهمه كل منهم، لكن إذا منحنا الأولوية لتيسير تواصل الطلاب فيما بينهم فسنتيح لهم القيام بما يجعل هذه الجلسات الدراسية ناجحة، وهو دمج عمليات التعلم الفردية لتشكيل عملية مشتركة أكبر.
ادخل إلى غرفة الدردشة الجماعية على منصة "زووم".
يبدو منافياً للمنطق أن تؤدي غرف المحادثة الجماعية الافتراضية إلى عملية تعلّم نشطة دون أن تتسبب بتشتيت انتباه الطلاب، لكن فتحها كان الخطوة الأولى لاستعادة منظومة القاعة الدراسية بعد أن انتقلت جلساتنا الدراسية في مادة الكتابة إلى الإنترنت في فصل الربيع. بدأ الطلاب باستخدام غرفة المحادثة بصورة عفوية، إذ لم يرغب أحد منهم بكسر الصمت وقول اسم الموضوع الذي يقترح الانتقال إليه بصوت مرتفع، في حين كانت كتابة اسم الموضوع في غرفة الدردشة ممكنة. عندئذ، بدأنا التحرك نحو "وضع طبيعي" حقيقي من جديد.
وعلى مدى الأشهر الستة الماضية، شهدت توسع استخدام غرفة الدردشة الجماعية بدرجة كافية لرفع فاعلية الجلسات الدراسية الافتراضية. تنبع جميع هذه الفوائد من فكرة واحدة، وهو أن غرفة المحادثات تتيح لعدة مشاركين التحدث في وقت واحد من دون لفت الانتباه إلى أي منهم. أعتقد أن هذا أمر حاسم، فهو قادر على تحويل الجلسة الدراسية الافتراضية من مساحة تعلم فردي إلى مساحة تعلم جماعي.
فوائد غرف الدردشة
تفيد غرف الدردشة في بدء النقاش، إذ يقترح الطلاب مواضيع ليختار الأستاذ أو معلم الأقران أحدها ليناقشه، لكن تكون فائدتها أكبر عندما تكون النقاشات اللفظية دائرة بالفعل، لماذا؟ لأنها تتيح لكل طالب التفاعل مع تعليقات الآخرين بصورة فورية، وهذا الأمر صعب جداً في أثناء الاتصال عبر الفيديو لأن منصة "زووم" تبرز متحدثاً واحداً فقط. وفي الحلقات الدراسية التي تقوم على النقاشات، أستطيع التعبير عن اتفاقي مع نقطة ذكرها أحد زملائي عادة بالنظر إليه مباشرة والابتسام، في حين أستطيع كتابة "أتفق معك" في غرفة الدردشة الافتراضية، وهذا ينطبق على الإطراءات.
في الحقيقة، أعتقد أن غرفة الدردشة الجماعية الافتراضية توفر فرصاً للموافقة والإطراء أفضل مما تتيحه النقاشات الشخصية على أرض الواقع. عملت في الصيف على إدارة دورة تعليمية للكتابة مخصصة لطلاب المرحلتين الابتدائية والمتوسطة. وفي اليوم الأخير عقدنا جلسة القراءة، وفي أثناء إلقاء الطلاب مواضيعهم بصوت مرتفع أخذ الأطفال المستمعون يكتبون عبارات مثل "أحببت هذه الجملة" أو "هذا مشوّق جداً" أو "يا إلهي، كم هذا جميل". لو قيلت هذه التعليقات بصوت مرتفع لاعتبرت مقاطعة فظّة، لكن غرفة الدردشة الجماعية تتيح للطلاب التحدث باحترام في أثناء تحدث شخص آخر بصوت مرتفع، وذلك بدوره يتيح لكل منهم التعبير عن تقديره للآخرين بصورة أفضل. وفي نهاية المطاف يشجعهم ذلك على الاستماع ويحافظ على اندماجهم، أي أنه يساعدهم على التعلم.
تخلق هذه القناة المزدوجة تجربة أغنى وأكثر ترابطاً في القاعة الدراسية، وهذا بدوره يوقع أثراً مركباً يتمثل في تشجيع الطلاب على التعاون عندما يواجهون صعوبة في التعامل مع المعلومات الجديدة. بالعودة إلى مثال الطالب الذي يربت على كتف زميله ليطلب توضيحاً في أثناء إلقاء الأستاذ محاضرته، يمكن لغرفة الدردشة توفير طريقة أخرى قد تكون أفضل لطلب التوضيح. كيف؟ يمكن للطلاب طرح استفساراتهم في غرفة الدردشة، لكن أسئلتهم ستكون معروضة أمام جميع الحاضرين ويمكن لأي منهم الإجابة.
وذلك له فوائد جمة، فبالنسبة للطلاب الذين يطلبون المساعدة لن يسبب الأمر توتراً كبيراً، بل هو مريح أكثر، إلى جانب أن التواصل غير المحكي يتيح للطلاب الذين لا يحبون طرح الأسئلة بصوت مرتفع الاستفسار بسهولة أكبر. كما يمكن للطلاب الآخرين ممارسة ما يتعلمونه عن طريق شرحه لزملائهم، وهذا أحد أفضل أساليب ترسيخ المعرفة. تقع هذه التفاعلات في أثناء تحدث الأستاذ من دون مقاطعته، وهذا يسمح باستمرار سير الدرس. كما أنه يقع تحت أنظار الأستاذ ويتيح له تقديم التوضيحات التي يحتاج إليها الطلاب إذا استدعت الحاجة. أدت هذه الأمور إلى رفع فاعلية جلسات مادة كتابة المقدمات الافتتاحية التي أعمل فيها هذا الفصل، وتبدو فاعليتها جلية إذا قارنّاها بالصمت الذي ساد جلساتنا في شهر مارس/آذار. أرى أن حلقة مذهلة من ردود الفعل قد بدأت بالظهور، فوجود المنظومة يؤدي إلى فهم جماعي أقوى، والفهم الجماعي الأقوى يؤدي إلى بناء المنظومة.
تعزيز التواصل بين الطلبة والأساتذة
تزداد قوة هذه الفوائد في غرف المحادثات الخاصة التي تتيح التواصل بين الطالب والأستاذ أو الطالب وزميل الكتابة أو الطالب والطالب. ويمكن أن يكون ذلك بسيطاً كإرسال إطراء مفصل أكثر لأحد الطلاب، أو إرسال رابط إلكتروني لمادة تهمه وحده دوناً عن بقية زملائه. لكن الأهم هو أنه يتيح لي تفقد كل طالب على حدة من دون تسليط أنظار الطلاب الآخرين والأستاذ عليه. (على عكس الشائعات، لا تتم مشاركة جميع المراسلات الخاصة مع مضيف الاجتماع). إلى جانب أنه بإمكان الطلاب الخجولين مراسلة الأستاذ أو معلم الأقران طلباً للمساعدة بطريقة أسرع وأبسط من إرسال رسالة إلكترونية، إذ إنهم عادة إذا خُيروا ما بين طرح السؤال علناً وعدم طرحه إطلاقاً فسيختارون عدم طرحه.
عندما نعتمد على ما يجعل القاعة الدراسية الرقمية مختلفة عن القاعة الدراسية التقليدية فسنتمكن من تنظيم الجلسات الدراسية بطرق تشجع على التواصل. أعتقد أن فرص التواصل المعززة هذه قادرة على تحسين عملية التعلم التقليدية أيضاً ما أن نعود إليها، لكن السؤال الآن هو: كيف نحافظ على وظيفة غرفة الدردشة كميزة في القاعة الدراسية التقليدية؟ ربما كانت محاكاة غرفة الدردشة الخاصة هي الأصعب، لكن أعتقد أن الطلاب اعتادوا التواصل بانفتاح أكبر مع الأساتذة، وسنحافظ على هذا الانفتاح في التواصل مع الأساتذة عبر البريد الإلكتروني وعند زيارتهم في مكاتبهم. لكن كيف سنستمر في تلبية الاحتياجات التي تلبيها ميزة غرفة المحادثات الجماعية؟
وفي نهاية الحدث عن ميزة غرف الدردشة في "زووم"، أقترح الاستمرار باستخدام غرف المحادثات الافتراضية (لكن على منصة غير منصة "زووم" بالطبع). تتيح معظم الجلسات الدراسية التقليدية للطلاب تسجيل ملاحظات على أجهزة (اللاب توب) التي يحملونها معهم، كما يبقي معظم الأساتذة الشرائح التوضيحية معروضة خلفهم، إلى جانب أن الكثير من مواد المناهج التعليمية أصبحت تضم منتديات نقاش مدمجة في واجهتها الرقمية. ماذا لو أبقينا على هذه المنتديات في أثناء الجلسات التعليمية في القاعات الدراسية التقليدية أيضاً؟ فهذا سيتيح لنا الاحتفاظ بالفوائد الرئيسية التي تعود بها غرف الدردشة، المتمثلة في الإجابة الفورية وتحدّث أكثر من شخص في نفس الوقت والمشاركات غير المحدودة، في حين تختفي شاشات اتصال الفيديو القميئة وتمتلئ القاعة الدراسية التقليدية بالطلاب من جديد.
ونعود للتفاعل مع أشخاص حقيقيين! يا حبذا لو يأتي هذا اليوم سريعاً.